الطفل "فارس".. حمل اسم عمه الشهيد ولحق به
صفا
"طفلنا فارس حمل اسم عمّه الشهيد ولحق به.. هذه كرامة أن يجتمع الفارسان في الجنة إن شاء الله"، تلك الكلمات الأخيرة التي ودّعت بها الجدّة حفيدها الشهيد الطفل فارس السرساوي وهي تحتضن جثمانه النحيل، محاولة استراق بعض اللحظات قبيل مواراته الثرى.
13 عامًا كان عُمر الشهيد الطفل قبل أن يُطلق قناص إسرائيلي الرصاص على صدره أثناء مشاركته في مسيرة العودة وكسر الحصار أمس الجمعة شرقي غزة، وسُمي "فارس" تيمنًا بعمّه الشهيد المقاوِم الذي استشهد بقصف إسرائيلي عام 2004.
واستشهد طفل وشابان وأصيب 376 مواطنًا أمس الجمعة بقمع قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف المتظاهرين السلميين الذين شاركوا في مسيرة العودة وكسر الحصار شرقي محافظات قطاع غزة الخمس.
خيّمت أجواء الحزن والدهشة على وجوه النسوة اللاتي جئن لمواساة أسرته في حي الشجاعية. كان الجميع يتساءل: "لماذا قتلوا طفلًا أعزل لا يشكل خطرًا على الجنود؟"، لكن أحدًا لم يُجب.
تُبدي الجدّة الكثير من الإصرار وهي تؤيّد الطريق الذي سلكه "فارس"، وتقول: "لا تكاد تمر جمعة إلاّ وأشارك وأبنائي وأحفادي بمسيرات العودة. صغيرنا شهيد وكبيرنا شهيد، سنواصل درب المقاومة على أرضنا حتى العودة والتحرير".
لكن ألم الجريمة الإسرائيلية التي ارتكبت بحق طفل أعزل لا يملك سلاحًا، جعلها تسأل مراسل وكالة "صفا": "هُمّا لمّا قتلوه فشّو (أراحوا) قلوبهم؟ بماذا أذنب الطفل؟ ما الذي استفادوه من قتله".
"فداء لفلسطين"
قد يأتي بعض من الإجابة على التساؤل من والد الطفل؛ "فجنود الاحتلال ليسوا جيشًا، بل مجموعة من المرتزقة قتلة الأطفال"، يقول حافظ السرساوي وهو يمسح دموع الألم التي تفجّرت من عينيه.
ويضيف "فارس طفل بريء قتلوه أمام أعين المجتمع الدولي الذي يشاهد تضحيات شعبنا كل جمعة في مسيرات العودة السلمية".
وبعبارات يغلب عليها الرضا بقضاء الله، يقول الوالد: "أحمَد الله أن شرفني باستشهاد طفلي فارس، واحتسبه عند الله شهيدًا وأقدمه فداءً لفلسطين، ولن أقول إلّا ما يرضى الله، إنّا لله وإنا إليه راجعون".
ورغم مُصاب الوالد إلا أنه يشدد على ضرورة الاستمرار في مسيرات العودة "حتى تحقق أهدافها بالتحرير ورفع الحصار".
وعُرف عن الطفل الشهيد فارس "استماتته" للمشاركة في تلك المسيرات؛ إذ إنه كان يستعدّ لها منذ صباح الجمعة بتجهيز "المقلاع والكوشوك".
واتسم الطفل بالهدوء وحسن الخلق، كما تقول أُسرته، إذ كان أقرب إخوته إلى جدته لطاعته الدائمة لها، إضافة لالتحاقه مؤخرًا بمركز للتحفيظ، وحفِظ عدة أجزاء من القرآن الكريم.
"إحساس الأم"
كان المشهد مؤلمًا حينما وضع الشبان جثمان الطفل "فارس" أمام والدته لإلقاء نظرة الوداع عليه، انفجر صمتها بكاءً شديدًا، وضمته بقوة إلى صدرها وهي لا تخشى تكسّر أضلاعه.
"حبيبي سعى للشهادة دومًا؛ ولم يتخلّف عن أي جمعة من المسيرات، وكان على رأس المشاركين"، تُحدّث الأم فاطمة السرساوي عن ولدها.
كان قلب الأم يُشعر أن شيئًا سيحدث، "انقبض قلبي منذ صباح يوم الجمعة، وشعرت أن هناك حدث ما، فأبنائي الثلاثة عزموا على الذهاب للمسيرات. حدث ما كنت أخشاه، وهو فقدان أحدهم"، تضيف الأم لمراسل وكالة "صفا".
ولا تملك الوالدة المكلومة شيئًا لترد به على قتلة طفلها، وأخذت تقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل. قتلوا طفلي دون ذنب. الله يلهب قلوب اليهود على فقدان أطفالهم".
وأصيب خلال مسيرات العودة شقيقا الشهيد "فارس" بإصابات بالغاز وشظايا الرصاص؛ لكنهما عادا للمشاركة مجددًا في سبيل الضغط على الاحتلال حتى كسر الحصار عن غزة.