تركيا وإسرائيل .. عن الاعتذار والمصالحة
عريب الرنتاوي
جو 24 : تلقت أطراف فلسطينية وعربية أنباء المصالحة التركية – الإسرائيلية بطرق مختلفة..بعضهم رأى في الاعتذار الإسرائيلي لتركيا “نصراً مؤزراً” لأنقرة، يعيد الاعتبار لخيار القوة والمقاومة (؟!)، بل وذهب بعيداً في تصوير أهمية “وتاريخية” هذا الانتصار..فيما قفز البعض الآخر عن الحدث باعتباره تفصيلاً صغيراً في سياق إقليمي بالغ الدقة والتعقيد، مفضلاً عدم الخوض في موضوع من تنازل لمن، مفضلاً عليه، استشراف كنه هذا التطور وتتبع سياقه ودوافعه وأهدافه...حكومة العدالة والتنمية التي تبدو بحاجة لـ”انتصار” في سياستها الخارجية، يمكنها من مواجهة خصومها في الداخل، سعت في تضخيم “انتصارها”..فيما حكومة نتنياهو التائهة في رمال الربيع العربي المتحرك، ما زالت على حنينها لزمن “التحالف الاستراتيجي” مع تركيا.
أية نظرة موضوعية للحدث، تظهر أن الدبلوماسية التركية حققت “نصراً تكتيكياً” على إسرائيل..فهي نالت الاعتذار عن الفعلة النكراء، بصرف النظر عن تفاصيل هذا الاعتذار وما إن كان شفهياً أم خطياً..وهي استحصلت على قرار بالتعويض عن الضحايا والأضرار..كما أنها حصلت على وعدٍ إسرائيلي بـ”تخفيف مشروط على القيود المفروضة على إدخال السلع المدنية إلى قطاع غزة المحاصر”، وهي العبارة التي تستخدمها إسرائيل فيما تفضل أنقرة وحلفاؤها القول بأن إسرائيل تعهدت برفع الحصار المضروب على القطاع، وهذا غير صحيح جملةً وتفصيلاً.
إسرائيل التي اعترفت بالاستجابة لمطلبي الاعتذار والتعويض، حرصت في “مجال أمنها القومي” على التأكيد على أن لا رفع للحصار المضروب على القطاع، براً وبحراً وجواً..وهي قالت إن “تخفيف القيود على السلع المدنية” سيظل مشروطاً بالتهدئة والهدوء، وفي حال شعرت إسرائيل أن ثمة ما أو من يمس أمنها في القطاع ومنه، ستعاود فرض عقوباتها وحصاراتها المُغلّظة على القطاع..وأحسب أن الرواية الإسرائيلية في هذا النقطة بالذات، هي الرواية الأدق.
لكن حماس على سبيل المثال، ولأسباب سياسية لا تخفى على أحد، حرصت على “تهنئة” أنقرة على “نصرها التاريخي غير المسبوق”، واستنتجت من هذه الواقعة ما يدعم روايتها حول “صوابية خيار المقاومة”، ولا أدري إن كانت أنقرة، العضو المركزي في حلف شمال الأطلسي، قد باتت حلقة محورية في حلف المقاومة ومحورها، أم أن الأمر لا يعدو حدود الرطانة غير المكلفة، وعبارات المجاملة المجانية التي لا تساوي ثمن الحبر الذي تكتب به.
في المقابل، لاذت السلطة بصمت أقرب لصمت القبور، فآخر ما تحتاج إليه في هذه الأيام وعلى مبعدة أسابيع أو أشهر معدودات من العودة لطقوس التفاوض، هو تذكيرها بخيار المقاومة ورجحان كفته، ولا شك أن اتصالات أنقرة بقادة حماس، واحتفاء الأخيرين بـ”نصر أنقرة على تل أبيب”، ولاحقاً زيارة أردوغان لقطاع غزة، هي مؤشرات لا تصب في صالح السلطة، ولا تساعدها في “حرب داحس والغبراء” المندلعة منذ سنوات، بينها وبين حماس، حكومة وحركة.
بعيداً عن لغة الانتصارات والهزائم، فإن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار، ونحن نقرأ صحفة المصالحة التركية – الإسرائيلية، هو أن حادثة مرمرة، لم تعطل العلاقات الثنائية بين البلدين، فالسفارات ظلت على حالها والدبلوماسيون من دون السفير ظلوا في مكاتبهم، أما التبادل التجاري فتضاعف في سني الأزمة القلائل، وكانت الحرب الأخيرة على غزة، وجهود التهدئة التي بذلها نظام الرئيس محمد مرسي، فرصة لاجتماعات أمنية تركية – إسرائيلية، رفيعة المستوى.
ومن يقرأ ويستمع للتحليلات الأكثر عمقاً، الصادرة عن أنقرة وتل أبيب، يجد أن تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، كانت “المحرك الرئيس” لعملية التقارب، والسبب الذي دفع نتنياهو لتجرع كأس الاعتذار المرة، وأملى على أردوغان أن يقبل المصالحة دون فك الحصار عن غزة..فسوريا تتجه لأن تصبح أحد أكبر مصادر التهديد للحليفتين السابقتين، والقضية الكردية ساحة اشتباك صامتة بينهما، والبرنامج النووي الإيراني يقلق البلدين وإن بأقدار متفاوتة، إضافة لروابطها الأطلسية المشتركة، ومن مصلحة البلدين أن يعيدا المياه إلى مجاريها بينهما.
وبخلاف ما تشيعه أوساطٌ محسوبة على “محور طهران – دمشق” من أحاديث عن “مؤامرة صهيو عثمانية” أو “نظرية فكي الكماشة”، فإن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، ليست مرشحة لأن تعود إلى الذروة الاستراتيجية التي بلغتها في أواسط التسعينات، فثمة مياه كثيرة قد جرت في الأنهار والسدود التركية، لن تسمح لأنقرة بأن تعطي لإسرائيل ما حصلت عليه من قبل، وما تطمح له من بعد.
(الدستور)
أية نظرة موضوعية للحدث، تظهر أن الدبلوماسية التركية حققت “نصراً تكتيكياً” على إسرائيل..فهي نالت الاعتذار عن الفعلة النكراء، بصرف النظر عن تفاصيل هذا الاعتذار وما إن كان شفهياً أم خطياً..وهي استحصلت على قرار بالتعويض عن الضحايا والأضرار..كما أنها حصلت على وعدٍ إسرائيلي بـ”تخفيف مشروط على القيود المفروضة على إدخال السلع المدنية إلى قطاع غزة المحاصر”، وهي العبارة التي تستخدمها إسرائيل فيما تفضل أنقرة وحلفاؤها القول بأن إسرائيل تعهدت برفع الحصار المضروب على القطاع، وهذا غير صحيح جملةً وتفصيلاً.
إسرائيل التي اعترفت بالاستجابة لمطلبي الاعتذار والتعويض، حرصت في “مجال أمنها القومي” على التأكيد على أن لا رفع للحصار المضروب على القطاع، براً وبحراً وجواً..وهي قالت إن “تخفيف القيود على السلع المدنية” سيظل مشروطاً بالتهدئة والهدوء، وفي حال شعرت إسرائيل أن ثمة ما أو من يمس أمنها في القطاع ومنه، ستعاود فرض عقوباتها وحصاراتها المُغلّظة على القطاع..وأحسب أن الرواية الإسرائيلية في هذا النقطة بالذات، هي الرواية الأدق.
لكن حماس على سبيل المثال، ولأسباب سياسية لا تخفى على أحد، حرصت على “تهنئة” أنقرة على “نصرها التاريخي غير المسبوق”، واستنتجت من هذه الواقعة ما يدعم روايتها حول “صوابية خيار المقاومة”، ولا أدري إن كانت أنقرة، العضو المركزي في حلف شمال الأطلسي، قد باتت حلقة محورية في حلف المقاومة ومحورها، أم أن الأمر لا يعدو حدود الرطانة غير المكلفة، وعبارات المجاملة المجانية التي لا تساوي ثمن الحبر الذي تكتب به.
في المقابل، لاذت السلطة بصمت أقرب لصمت القبور، فآخر ما تحتاج إليه في هذه الأيام وعلى مبعدة أسابيع أو أشهر معدودات من العودة لطقوس التفاوض، هو تذكيرها بخيار المقاومة ورجحان كفته، ولا شك أن اتصالات أنقرة بقادة حماس، واحتفاء الأخيرين بـ”نصر أنقرة على تل أبيب”، ولاحقاً زيارة أردوغان لقطاع غزة، هي مؤشرات لا تصب في صالح السلطة، ولا تساعدها في “حرب داحس والغبراء” المندلعة منذ سنوات، بينها وبين حماس، حكومة وحركة.
بعيداً عن لغة الانتصارات والهزائم، فإن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار، ونحن نقرأ صحفة المصالحة التركية – الإسرائيلية، هو أن حادثة مرمرة، لم تعطل العلاقات الثنائية بين البلدين، فالسفارات ظلت على حالها والدبلوماسيون من دون السفير ظلوا في مكاتبهم، أما التبادل التجاري فتضاعف في سني الأزمة القلائل، وكانت الحرب الأخيرة على غزة، وجهود التهدئة التي بذلها نظام الرئيس محمد مرسي، فرصة لاجتماعات أمنية تركية – إسرائيلية، رفيعة المستوى.
ومن يقرأ ويستمع للتحليلات الأكثر عمقاً، الصادرة عن أنقرة وتل أبيب، يجد أن تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، كانت “المحرك الرئيس” لعملية التقارب، والسبب الذي دفع نتنياهو لتجرع كأس الاعتذار المرة، وأملى على أردوغان أن يقبل المصالحة دون فك الحصار عن غزة..فسوريا تتجه لأن تصبح أحد أكبر مصادر التهديد للحليفتين السابقتين، والقضية الكردية ساحة اشتباك صامتة بينهما، والبرنامج النووي الإيراني يقلق البلدين وإن بأقدار متفاوتة، إضافة لروابطها الأطلسية المشتركة، ومن مصلحة البلدين أن يعيدا المياه إلى مجاريها بينهما.
وبخلاف ما تشيعه أوساطٌ محسوبة على “محور طهران – دمشق” من أحاديث عن “مؤامرة صهيو عثمانية” أو “نظرية فكي الكماشة”، فإن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، ليست مرشحة لأن تعود إلى الذروة الاستراتيجية التي بلغتها في أواسط التسعينات، فثمة مياه كثيرة قد جرت في الأنهار والسدود التركية، لن تسمح لأنقرة بأن تعطي لإسرائيل ما حصلت عليه من قبل، وما تطمح له من بعد.
(الدستور)