غطاسين تحديا الموج العارم لإنقاذ أطفال الرحلة المدرسية
يرسم الاردن قيادة وشعبا اجمل صور التلاحم والشهامة ، فهذا ديدنه كلما مرت به محنة ، حيث يثبت الجميع انهم اهل بيت واحد يجمعهم حب الوطن واخوة لا يمكن تقديرها بأي ثمن، ويهب صغيرهم قبل كبيرهم للدفاع عن الوطن أو تقديم المساعدة بما استطاع إليه سبيلا.
محنة حادثة البحر الميت التي عصفت بالاردن خلال الايام الماضية كشفت عن مدى هذا التلاحم الذي نتحدث عنه، فقد اثبت الاردنيون انهم شعب واحد تربطهم انسانيتهم وولاؤهم لهذا الوطن وقيادته الحكيمة حيث شاهد الجميع وعبر وسائل الاعلام المختلفة اهل منطقة البحر الميت من سكان مدنيين وهم يتهافتون الى قلب البحر والغوص فيه غير مكترثين لخطورة الموقف وشدة الموج لانقاذ اطفال كانوا في رحلة مدرسية غدرهم سيل جارف وخطف ارواحهم البريئة.
«الدستور» التقت اثنين من اهل «السويمة « في منطقة البحر الميت والذين استجابوا فورا ومن دون تفكير الى اتصالات اهل المنطقة كونهم غطاسين وقادرين على السباحة املا في انقاذ اي احد ، فما كان من عيسى السلمان جعارات وسليمان عبدو جاد وشقيقه علام عبدو جاد الا ان هبوا على الفور وتوجهوا الى البحر ومن دون تفكير ولا ترتيب عند سماعهم ان هناك حادثة غرق لاطفال في رحلة مدرسية ، غطسوا كغيرهم من اهل المنطقة ليساندوا الاجهزة الامنية من دفاع مدني وقوات درك وجيش عربي وغاصوا متحدين الموج العارم وتمكنوا من انتشال عدد من الجثث وبحثوا عن احياء الا ان قدر الله ومشيئته كانت سابقة لهم فكانت الحصيلة في النهاية انتشال اربعة اصابها العديد من الجروح والرضوض نتيجة قوة الموج وكثرة الصخور في المنطقة.
عيسى السلمان الجعارات قال ان ما دفعنا الى النزول الى البحر رغم الظروف الجوية هو انسانيتنا اولا وحبنا للوطن ، متسائلا كيف لنا ان نرى بشرا مثلنا يحتاجون الى مساعدة ونبقى مكتوفي الايدي ، فهذا امر معيب بحقنا وحق تربيتنا التي تربينا عليها.
ويضيف الجعارات ان اتصالا هاتفيا ورده من قريب له يعمل في كفتيريا قريبة جدا من منطقة الحادث ويناديه كونه غطاسا هو ومجموعة اخرى من شباب المنطقة ،ويقول له بان مجموعة من الاطفال سحبهم السيل الذي نتج عن الامطار القوية التي شهدتها المناطق المحيطة بالبحر الميت فما كان منه الا ان هرع الى المنطقة وطلب من الاجهزة المختصة السماح لهم كونهم قادرين باحترافية على الغطس في هذه الاجواء ويمكنهم تقديم المساعدة وانقاذ ما يمكن انقاذه .
ويقول انه تمكن من النزول الى المياه التي تبعد عن مستوى الشارع العام اكثر من 400 متر بين الحجارة والصخور ليتمكن من الوصول الى المياه ويباشر على الفور السباحة والغطس وبمساعدة اشخاص كانوا يرشدونه الى اماكن الجثث حيث تمكن هو والمجموعة المرافقة من انتشال اربع جثث كانت للاسف قد توفيت واصابها ضرر كبير نتيجة الصخور وحدة التجمعات الملحية التي كانت كالسكاكين وسحبها الى اليابسة لتتمكن الاجهزة المختصة ايضا من انتشالها ورفعها الى سيارات الاسعاف .
ويختم قوله بان قضاء الله وقدره كان الاقوى، فقد كانت السيول قوية وجارفة وهي التي سحبت هؤلاء الاطفال ومن كان يرافقهم وانه فعلا كان يتوجب منع تلك الرحلات المدرسية في هذه الاوقات كون حالة الطقس كانت غير مستقرة وتوحي بان الامطار ستكون قوية وخطيرة وهو ما يجب ان يتنبه له في الايام المقبلة.
اما الشاب الاربعيني سليمان عبدو جاد والذي يعاني من رضوض وجروح نسبية اثرت على مشيه شيئا والذي يعمل سائقا لشاحنة صغيرة لكنه معروف عند السكان المحليين بانه ماهر بالسباحة والغطس فقد اكد في حديثه ان هذه المنطقة ولانخفاضها عن المناطق المجاورة فهي تجمع لمياه الامطار وتتعرض للسيول في الكثير من الاحيان مؤكدا ان مثل هذه السيول ليست الاولى من نوعها التي تضرب بالمنطقة ولكنها كانت خطيرة وتسببت بهذا الحادث الذي اوجع جميع الاردنيين دون استثناء.
ويقول سليمان انه ولحسن الحظ كان قريبا من منطقة الحادث في منطقة تسمى بالـ» بانوراما» وان قريبا له اتصل به يبلغه بوجود اطفال قد غرقوا نتيجة سيل جارف مر في منطقة زرقاء ماعين وقد جرفهم الى عرض البحر ليحضر على الفور الى المنطقة ويخلع ملابسه ويشارك في عمليات البحث والانقاذ حيث سبح في عرض البحر اكثر من 600 متر لينتشل جثث طفلتين وامرأة شابة تبين في ما بعد ان الجثث تعود لطالبتين ومعلمة ويسلمها جميعا على شط البحر للاجهزة الامنية التي نقلتها بالاسعاف الى المستشفيات.
ويقول ان المياه كانت عكرة جدا وهناك صخور كثيرة وشفرات حادة تكونت من تجمعات الملح الذي يشتهر به البحر الميت مما اصابه بالجروح والرضوض الا انه لم يكترث بهذا كله فقد كان همه العثور على اناس احياء وينقذهم مهما كلف الامر.
وعند سؤاله عن دوافعه للنزول الى البحر في مثل هذه الاجواء يقول سليمان ومن دون تردد بان حبه للوطن وحاسته الانسانية هي من دفعته للولوج الى البحر من دون تفكير بالعواقب التي كان من الممكن -لاسمح الله- ان تهدد حياته فكيف لضميره ان يستريح وهناك من في البحر قد يحتاج الى مساعدته ، ويؤكد انه لم يفكر للحظة بجسده او روحه فكان كل همه ان يغوص ويسعى لانقاذ ما يمكن انقاذه.
ويتابع بانه بكى بحرقة عند سحبه للجثث التي هي لاطفال في عمر الورود والذين لم يتمكنوا من النجاة فكانوا ضحايا هذا الحادث الاليم.
ويختم قوله باننا جنود هذا الوطن ومستعدون لبذل الغالي والنفيس في سبيله وسبيل اهله موجها التحية للاجهزة الامنية التي شاركت في انقاذ ضحايا هذا الحادث الاليم الذي فجع كل الاردنيين وادمى قلوبهم.الدستور