التسرب المدرسي.. هاجس يؤرق المسيرة التعليمية
جو 24 :
يرمي حسن حقيبته من فوق سور يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار قبل أن يتسلقه مع أصدقائه في محاولة للهرب من المدرسة، وصل حافة السور.. قفز.. وقع على كتفه ليصاب بكسور في الكتف، بينما يتسلل غسان وأصدقاؤه من البوابة خارج المدرسة دون انتباه المعلمين أثناء الاستراحة (الفرصة ) ليتسكعوا في الشوارع ويدخنوا, أو يذهبوا إلى إحدى صالات الألعاب الإلكترونية لتمضية الوقت لحين انتهاء اليوم الدراسي، عائدين لمنازلهم كأن شيئا لم يكن.
غسان وحسن عينة بسيطة من طلاب مدارسنا الحكومية الذين يهربون من واقع المدارس المرير إلى الشوارع، فهم لا يجدون ما يجذبهم أو يحفزهم لمتابعة يومهم الدراسي.
ويعرّف أستاذ أصول التربية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد الزبون التسرب المدرسي بأنه: «مشكلة تتمثل في ترك الطلبة للمدرسة أو انقطاعهم عن الدراسة قبل أن يتمّوا صفهم الحالي أو المرحلة الدراسية، فلا يتزودون بالمعلومات والمهارات والمعارف التي تعدهم للحياة، كمواطنين صالحين».
وعدّد الزبون أنواع التسرب المدرسي والمتمثلة بـ»التسرب من المرحلة الابتدائية، والتسرب قبل الوصول إلى نهاية مرحلة التعليم الأساسي وهو الأكثر انتشاراً، والتسرب المرحلي».
ويشير الزبون إلى أن عدد الأطفال المتسربين من المدارس في الأردن، وفقا لمنظمة اليونسكو، عام 2015 هو (180) ألف طالب بما فيهم الطلبة من اللاجئين السوريين؛ حيث يبلغ عدد الأطفال السوريين المتسربين من المدارس في الأردن أكثر من (60) ألف طفل».
الأسباب
وتُرجع أستاذة أصول التربية الدكتورة سعاد ملكاوي التسرب لأبعاد اجتماعية كالبحث عن العمل بسبب الفقر، والتفكك الأسري وانفصال الوالدين وكثرة الصراعات والنزاعات بينهما، أو اليتم، أو رغد العيش واليسر المادي، الذي يجعل الطالب لا يكترث بمسألة التعليم».
ولا تستثني الملكاوي الأسباب الثقافية؛ مثل: عدم تشجيع الأسرة للعلم والتعلم، وعدم اكتراثهم بترك الطفل لمدرسته لانخفاض قيمة العلم والتعليم لديها.
وفي ذات السياق يرى الزبون أن هنالك أسبابا أخرى للتسرب والمتمثلة باسباب قاهرة كالحوادث, والكوارث والحروب, أو هجرات قسرية, بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي تشكل عائقاً أمام استكمال الفتيات تعليمهن المدرسي كالزواج المبكر.
أسباب نفسية
وتعدد أستاذة علم النفس التربوي بجامعة البلقاء التطبيقية منى أبو طه الأسباب المؤدية إلى التسرب؛ ومنها «السيكولولجية, والفسيولوجية, والتربوية والعقلية».
وتوضح بأن العوامل السيكولوجية (النفسية) شديدة التأثير على التحصيل العلمي للطالب؛ «فإذا كانت الصحة النفسية للطالب مضطربة لن يتمكن من إشباع رغباته وبخاصة المرتبطة بالنمو النفسي، لأنه يتعرض لضغوط انفعالية تسبب له اضطرابات نفسية تدفعه إلى التسرب».
أما العوامل الفسيولوجية، فهي «عوامل داخلية جسمية ينشأ فيها الطالب وينضج بصورة أبطأ من أقرانه الأسوياء نتيجة لمرض, الأمر الذي يشعره بالإحباط نتيجة عجزه عن مجاراة أقرانه».
وتلفت إلى أن القدرات العقلية للطالب لها علاقة وثيقة بمتابعته لدراسته أو التوقف عن الدراسة بسبب سخرية الطلبة والمعلمين منه وبالتالي تأنيبه ولومه من جهة الأهل، فيشعر بالضعف والدونية فيكره المدرسة ويتركها.
وتربط أبو طه كذلك انحراف الأحداث بتسربهم من المدارس؛ فتردّه لعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية.
فشل العملية التربوية والتعليمية
تحمّل أبو طه النظام التعليمي بصورة عامة مسؤولية مباشرة في زيادة حجم التسرب؛ «فعجز النظام عن تحقيق الأهداف التربوية بما فيها جذب الأطفال إلى المدرسة أو الوصول إلى المستوى المطلوب يجعلهم يفشلون في الدراسة ويتركونها».
وتعدد العوامل التربوية التي تتسبب في تسرب الطلاب، ومنها: «طرق التدريس حيث تؤدي طرق التدريس التقليدية التي تعتمد على التلقين والحفظ إلى نفور الطلاب من العملية التعليمية وكراهيتهم للمواد الدراسية وانخفاض تحصيلهم الدراسي .
وتشدد أبو طه على الدور المهم للمعلم في العملية التعليمية؛ فصفات وأخلاقيات المعلم الجيدة تلعب دورأً أساسياً في «جذب الطالب للمدرسة» والعكس صحيح؛ إذ يؤدي استخدام المعلم للعقاب البدني والألفاظ السيئة إلى «كره الطالب لمعلمه ومدرسته؛ ما يقوده للتسرب.»
ويؤكد الزبون أهمية دور المعلمين في التعامل مع الطلاب «فحالة المدرسين النفسية، أو ضعف كفاءتهم من حيث الإعداد والتدريب تؤثران على العملية التعليمية, كما يعجز بعضهم عن التعامل مع الصعوبات والظروف النفسية المقلقة التي يمر بها الطلبة».
ويجد الزبون أن «التمييز بين الطلبة» من قبل المعلمين يخلق عندهم مشاعر الحقد والكره على أقرانهم المدللين مما يحفزهم على الهروب من المدرسة».
دور التكنولوجيا
وتبين رئيسة لجنة الأطفال في ملتقى أبو غزالة المعرفي الدكتورة رندة عمايري أهمية استخدام الانترنت الآمن، لما له الأثر الكبير في «تطوير شخصية الطالب والحد من الصداقات السيئة والألعاب القاتلة والحد من التسرب المدرسي».
وتوضح عمايري «يعتقد الأطفال بأنهم سيحصلون من خلال أجهزتهم الذكية على المعرفة والمشورة والأصدقاء وهم جالسون في المنزل عن طريق مواقع التواصل والانترنت دون التعرض لمضايقات أو يكونون ضحية تنمر, مما يتسبب بعزلتهم وانطوائهم، وبذلك يعزفون عن الذهاب إلى المدرسة.»
وتشرح عمايري «بسبب تنوع الاختيارات عبر الانترنت زاد أعداد الطلبة المتسربين من المدرسة؛ فهم لا يجدون في المدرسة ما يلبي احتياجاتهم في ظل هذا التطور التكنولوجي الكبير، في حين أن مدارسنا لا تتطور وتتقدم، وتستخدم الأسلوب التقليدي الذي لا يلبي احتياجات هذا الجيل الذي يواكب التكنولوجيا».
التنمر والعنف المدرسي
ومن أسباب التسرب المدرسي (العنف المدرسي)، وهو أخطر أشكال العنف الذي من شأنه عرقلة المدرسة عن القيام بدورها المتوقع منها.
ويحذر الزبون من أن العنف المدرسي بمختلف أشكاله «يهدر كرامة الإنسان»، فهو يقوم على « تهميش الآخر والتقليل من قيمته الإنسانية، وبالتالي يولد إحساساً بعدم الثقة و تدني مستوى الذات، وتكوين مفهوم سلبي تجاه النفس والآخرين، ويعد انتهاكا واضحا لحقوق الطالب في التعبير عن ذاته في جو يسوده الثقة والمحبة والاحترام المتبادل، ما يولد شعورا لدى الطلبة بعدم الانتماء للمدرسة وبالتالي يقودهم إلى التسرب المدرسي».
ووفقا لأستاذة الإدارة التربوية الدكتورة ميساء وليد غيظان، فإن سلوك التنمر من أهم المشاكل التي تحدث في الخفاء وتؤثر سلباً على الطلبة، ويحدث في كل المدارس بصرف النظر عن حجم المدرسة أو مرتبة المجتمع. وتبين غيطان، من خلال دراسة أجرتها على مدارس الزرقاء الحكومية، أن درجة تقدير واقع التنمر على التسرب المدرسي في المدارس الحكومية كانت «بدرجة متوسطة». وتؤشر إلى أن التنمر أحد أهم أسباب التسرب المدرسي؛ وذلك بالتمرد على القوانين المدرسية والتهرب من المدرسة وتدني التحصيل العلمي، وفي حالة أخرى قد يتهرب ضحية التنمر من المدرسة «لخوفه من المتنمر.»
دور الوزارة في محاربة التسرب
ويوضح وزير التربية والتعليم المستقيل الدكتور عزمي محافظة، خلال تصريح سابق له خلال المؤتمر الدولي الأول حول التسرب من المدرسة في أيلول الماضي، أن الوزارة اتبعت مسارا علاجيا موازيا للمسار الوقائي يتضمن «تنفيذ العديد من البرامج التعليمية العلاجية الملائمة لظرف المتسربين واحتياجاتهم». ويقول: «وفرت الوزارة برنامج التعليم الاستدراكي الساعي لتوفير الخدمات التعليمية لفئة الأطفال المتسربين من عمر 9-12 سنة حيث تم افتتاح 110 مراكز التحق بها 3538 دارسا ودارسة حتى نهاية العام 2017/ 2018
ويلفت محافظة إلى أن الوزارة تعمل حاليا بالتعاون مع مؤسسة «كويست سكوب» والعديد من الشركاء على تنفيذ برامج تعزيز الثقافة لدى المتسربين وتمكينهم من خلال فتح 150 مركزا التحق منها ما يقارب 6000 دارس ودارسة بهدف إعدادهم وتأهيلهم وتمكينهم من بناء ذواتهم وتحسين مستوى معيشتهم والإسهام في نهضة مجتمعهم.
دور البيئة الآمنة
وتؤكد المستشارة الأسرية ناريمان عطية ضرورة توفير بيئة آمنة للطلاب داخل المدرسة؛ «وتشمل البيئة الآمنة في المدرسة جميع أركانها من الهيئة الإدارية لطاقم المدرسين والمرشدين التربويين الطلاب والمقصف المدرسي.»
وتبين عطية بعض الميزات التي يجب أن تتوافر في البيئة المدرسية الآمنة؛ يجب أن تتحول التربية التسلطية إلى التربية الايجابية وكما يجب أن تكون بيئة المدرسة صحية إيجابية محفزة وآمنة قائمة على احترام القوانين والاحترام المتبادل وإيجاد لغة الحوار بين الهيئة التدريسية والطلاب بعيداً عن العنف والتنمر- من قبل الأستاذ على الطالب والطلاب فيما بينهم.
وتحض عطية المعلمين على مراعاة الظروف الإجتماعية والنفسية للطلبة, وتشدد على ضرورة وجود مرشدين تربويين ونفسيين في كل المدارس الحكومية والخاصة لمتابعة ظروف هم الاجتماعية والنفسية لضمان تواصلهم مع الأساتذة داخل الغرف الصفية».
وفي ذات الشأن تقترح دكتورة أصول التربية سعاد ملكاوي على إدارات المدارس «تفعيل (صندوق الطالب)، والتعرف على الطلاب الذين يعيشون في أسر ذات مستوى اقتصادي منخفض، ومساعدتهم لتجاوز أزمتهم المالية والحد من تسربهم.»
وتؤكد ضرورة «رقابة الأهل لأبنائهم، وبخاصةً في سن المراهقة، وملاحظة التغير في سلوكاتهم والنقاش الدائم معهم لتوعيتهم بمخاطر ترك التعليم والتسرب من المدرسة».
ويوصي غالبية التربويين: «بتفعيل قوانين التعليم الإلزامي بوسائل وأدوات عصرية، وضرورة فرض عقوبات صارمة على أولياء الأمور الذين يُخرِجون أبناءهم من المدرسة»و»كذلك بإدامة عقد ورشات العمل والدورات التدريبية على مكافحة ظاهرة التسرب من المدرسة بالتنسيق مع المدارس، وسائر الجهات التربوية حسب القوانين والأنظمة، وتقليص عدد الطلبة في الغرف الصفية في المدارس الحكومية»
ويدعون إلى: «الاهتمام بالمعايير النمائية لكل مرحلة عمرية من مراحل التعليم الإلزامي، والموهبة، وتنمية التعليم العلاجي والتعليم التعاوني، واعتبار التعليم مهنة لا تمارس قبل الانخراط بدورة نظرية وتطبيقية يجتازها المتدرب، إضافة إلى تحسين ظروف المعلمين بما يتلاءم ومكانتهم في المجتمع».الراي