حين يبلغ الوجع الأردني من الألم حد الأنين في فلسطين
نحبّ البحر.. ربما انتصاراً للماء الذي فينا.. (75% من أجسامنا).. يبلغ الحبّ ذروته عندما تمتد ألسنة الحر لتلعق ماءنا.. حتى نجف.. ساعتئذ.. نلجأ للبحر، نطمئن إليه.. نرتمي بين أحضانه، واثقين أنه سينتصر لنا.. ورغم أنه يبلع أحبتنا أحياناً، إلا أننا قلّما نقسو عليه.. ربما نخافه، لكن سرعان ما نبثّ إليه همومنا وأشجاننا..
على شاطىء البحر الميت، وفي الخميس الأسود الحزين، تدفق العشرات من الطلبة، لكن رحلتهم المدرسية السعيدة، انقلبت بفعل السيول الجارفة، المفاجئة، إلى كآبة وحزن.. وبلمح البصر..
لم تكن الرحلة الأجمل.. فقد اصابت قلوبنا في مقتل.. والوجع الأردني، بلغ من الألم حد الأنين في فلسطين.. هكذا تعودنا وهكذا تربينا.. «شعب واحد، ودم واحد».
في مدرسة بنات طمون الثانوية، في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، خطّت معلمات وطالبات، رسائل رثاء لضحايا مدارس كلية فكتوريا الأردنية، الذين اختطفهم الموت، في البحر الميت، نهاية الشهر الفائت.
ونظمت هيئة التوجيه السياسي والوطني ووزارة الإعلام وإدارة المدرسة نشاطاً تضامنياً خاصاً، استذكرت فيه معلمات وطالبات شهيدات البحر الميت، في رحلتهن التي تحولت إلى سيرة مبللة بالدموع.
وخطت المعلمة وفاء بشارات لنظيرتها الراحلة ياسمين الكبيسي: اشتم رائحة الياسمين تفوح من بين أمواجه لتمطر أرواحاً بفقدها اختنقت قلوبنا غرقاً، ليقذف بها البحر الميت خلايا الحياة، كيف لا والملح فيه غدا سُكراً.. واحتضنتك أمواجه بينما كنت تحتضنين طلبتك.
وباحت المربية ريتا سلامة إلى الراحلة راية المجالي: أنت رايتنا التي تجملّت بألوان العلم، واختطفتك السيول المالحة، ويزهر فينا بياض قلبك، ويلبسنا حزنك الحداد.
وكتبت ميس غسان إلى الراحلة الشوابكة: غيبّك البحر الميت لتكونين كخيط حرير أبيض، يشق دربه في أعلى الرياض.
ونسجت شهلة بني عودة لريم العزة: تناثرت الأحلام بين قطرات الملح، وحلقت روحك بأريج النسيم، وتحديت أمواج الحياة الباردة بعيون الغزلان الواسعة، ولم نكن نعلم أن البحر أخذك من بين أنامل الدنيا.
وفاحت كلمات غيد عمر للفقيد سعد الرحومي: سلام لروحك التي ستظل رغم قهر غيابك تلهمنا بالسعادة المشتقة من حروفك.
وكتبت رهام بشارات لطلال العساف: بكلمات مبللة بالدموع، أتولى مهمة حزينة لرثاء قلب أسس بتوقفه عن العزف لظلام ووجع مستدام.
واختارت نيفين عبد الرحيم تتبّع وجع ميلار، فقالت: سلام على روح صعدت من أعماق البحار، وارتقت في سماء هطلت ثلج الحداد الأسود.
وسردت ريما بشارات سطوراً لعمرو الحموري: غاب طير الجنة المبتسم، وزرع الحسرة في فؤاد أم مكلوم، وفي قلوبنا.
وخطت حنين عباس لنظيرتها سارة أبو سيدو: يا زهرة يافعة ونثرت باسمها أنشودة الحياة، وانتزعت فاجعة الخميس براءتها، دون سابق إنذار.
وباحت حلا بني عودة لريان الطهراوي: لم نكن نعلم أن»الميت» أكل بملحه أجمل ما في الكون، ونثر بذور الحزن الثقيلة إلى إشعار آخر، وطارد اللحم الحي.
وجاءت كلمات شذا عكاري كثيفة الأحزان، فقالت: ميس وجع القلب المهزوم، وبسمة تبخرت قبل الأوان، ونطق البحر الميت لتأسيس حزن جارف.
وعّبرت مرح مصطفى لنبأ الدليمي: جف القلب، وكشر البحر عن أنيابه، وحمل لنا النبأ المميت.
وكتبت رقية عبد الرحيم إلى هند العزة: أيها الجناح الأبيض، الجرح المفتوح، وزهرة البستان التي جفت، نحبك ونحن على رحيلك.
وقصّت رؤى بشارت إلى راية القرعان: سلام لك يا راية الحزن يوم ولدت، ويوم ضحكت، ويوم غيّبك الموت، ويوم أبكيت قلوبنا.
وقرأت الطالبات عبر إذاعتهن رسائل الرثاء أمام 359 من زميلاتهن، في كلمات لم تفصلها عن الأردن غير الأغوار، لكنها التصقت بوجدان عال، عبّر عن التضامن مع عائلات شهيدات الأردن.
وقال المفوض السياسي والوطني لمحافظة طوباس والأغوار الشمالية، العقيد محمـد العابد إن الرسائل تعكس متانة العلاقة الفلسطينية مع الأردن الشقيق، وتؤكد أن الحزن والجرح واحد.
وأشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف إلى أن الطالبات عبّرن بإبداع وعفوية عن الالتصاق مع الأردن، ونشرن نصوص الألم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفتت مديرة المدرسة نائلة مدارسي إلى أن زهرات طمون أكدن في رسائلهن أن نهر الأردن وغورها يمثلان علاقة توأمة دائمة، وما حدث لعائلات المملكة أوجع قلب شقيقتها فلسطين.الدستور