الخطر يطرق ابواب رافضات فحص سرطان الثدي
تشيح هلا، وجهها سريعا عن اعلان "اوعدينا تفحصي"، حالها حال كثير من الاردنيات اللواتي يمتنعن عن اجراء الفحص المبكر للكشف عن سرطان الثدي، في استسلام لثقافة اجتماعية ترفض الامتثال لمتطلبات الحياة الصحية.
فعلى الرغم من تاكيد مصادر طبية ان هذا المرض يعد اكثر اسباب الوفاة بين النساء، تمتنع هلا وسواها كثيرات عن زيارة الاطباء، ويقنعن أنفسهن بأن المرض بعيد، وهو ما يغدو يقينا لديهن، وسط تاكيد الاطباء المتخصصين على حقيقة أن الكشف المبكر عن سرطان الثدي يعد فرصة ثانية للحياة ويقضي على المرض الخبيث في مهده.
هلا تقترب من الأربعين، لكنها تصر على أن اكتشاف سرطان الثدي يعني الخضوع لعلاج كيماوي "ينهي الحياة الزوجية"، وهو ما يشكل كابوسا لها، لذا فانها تختار الا تفحص وتستمر حياتها حتى لو أدركت أنها قصيرة وأن المرض لن يمهلها طويلا.
تضيف هلا "اذا انكسر اصبعي فسيكون ذلك مبررا ليقدم زوجي على الزواج من ثانية، فما بالك اذا كان المرض هو السرطان؟!". منى التي لم تحجم عن الزواج تقول إنها تشاهد الإعلانات التي تحث على الفحص المبكر، لكنها عابرة ولا تدقق بها ولم تفكر بخطورة تأخرها في الفحص الدوري.
"في حالة واحدة من الممكن أن أذهب إلى الفحص"، تقول أمل داود وهي أن يكون في العائلة مصاب بهذا المرض، أي أن السجل المرضي قد يلزمها بالتأكد من عدم وجود هذا الخبيث في جسمها. رنا التي بلغت العشرين للتو، تقول إن إحدى زوجات أشقائها، تحث دائما على اجراء الفحص المبكر، ورغم ظهور علامات لديها نفسها تثير الرعب بأن المرض أصابها، إلا انها ترفض الذهاب.
اضافت ان الحياء قد يكون سببا آخر للاحجام عن الفحص، اذ من الصعب، الحديث مع الأم او الأب في شأن فحص الكشف عن السرطان، بينما تؤكد الوقائع ان الحياء أوصل كثيرات إلى الموت بعد ان تركن السرطان ينال منهن شيئا فشيئا. فاطمة نصر تقول انه لم تجر العادة بالتفكير في هذا المرض أو الفحص، "الا أننا نتمسك بالامل وان يبعده الله عنا، وأن الإصابة به في النهاية هي من قضاء الله وقدره".
دراسة اميركية بعنوان "تيلور اكس" نشرتها مجلة "نيو إنغلاند" الطبية في آب الماضي، وشملت أكثر من عشرة آلاف مريضة أصبن بسرطان ثدي لم ينتقل إلى الغدد الليمفاوية، واستجبن للعلاج الهرموني، أن جميع النساء فوق سن الخمسين اللائي يعانين من هذا النوع من السرطان يمكنهن الاستغناء عن العلاج الكيميائي، وهذه مجموعة مثلت 85% من إجمالي عينة الدراسة.
الأرقام الرسمية الاردنية للعام 2017 تظهر وجود نحو 5 ملايين أنثى من مجموع عدد السكان البالغ أكثر من 10 ملايين نسمة، بينهم 450 ألفا في فئة العمر 20-24 سنة و 315 ألفا بين سن 35-39 سنة و271 ألفا بين 40-44 سنة و 183 ألفا في الفئة أكبر من 65 سنة. تشير الأرقام الى ان عددا كبيرا من النساء فوق السن المطالب بالكشف المبكر عن وجود سرطان الثدي لديهن وهو سن العشرين فما فوق، الامر الذي يؤكده الاطباء، الذين يعدون هذا النوع من السرطان مخيفا وسببا في الوفاة، إن لم يتم اكتشافه مبكرا. 50 عاما هو العمر الاكثر تكرارا في الاصابة بهذا المرض الخبيث، حسب أرقام السجل الوطني للسرطان في الأردن، وكان نصيب الثدي الأيمن كمكان للإصابة 46.9 في المائة، والأيسر 48.5 في المائة بينما للثديين 1.2 في المائة، وهناك مكان اصابة غير معلوم يشكل 3.4 في المائة. الإصابات بهذا السرطان حسب الأرقام الرسمية تشير إلى أن النسبة الأعلى كانت بين المتزوجات بنسبة بلغت 73.7 في المائة، و8.7 في المائة بين العازبات، و 12.3 في المائة بين النساء المدخنات.
واكتشفت 21 في المائة من حالات هذا النوع من السرطان في مراحل مبكرة، و10.3 في المائة كانت متقدمة عند التشخيص، و 24.3 في المائة في حالة مبكرة متوسطة، بينما احتلت العاصمة عمان النسبة الأكبر بسرطان الثدي، وبنسبة بلغت 57.8 في المائة من جميع الإصابات في المملكة، والطفيلة أقل النسب حيث بلغت 0.7 في المائة. بيانات وزارة الصحة تظهر أنها تقوم بفحص 90 ألف سيدة سنويا، وتدرب 100 ألف سيدة على مهارات الفحص الذاتي، ذلك ان زيادة الوعي بفضل حملات التثقيف اسهم باكتشاف 1100 – 1200 حالة سرطان الثدي خلال هذا العام. الاكاديمية في علم الاجتماع بالجامعة الأردنية الدكتورة ميساء الرواشدة، تقول ان بعض الاعتبارات تطغى على وعي المرأة بخطورة مرض سرطان الثدي، بل ان بعض النساء يفضل الموت على أن تقوم بعملية الفحص واكتشاف المرض.
الرواشدة وهي تصف نفسية المرأة ومدى تقبلها لفكرة الفحص المبكر، تلفت الى ان ثدي المراة يشكل أحد أهم الصفات الانثوية، وبذا فان بعض النساء يفضل الموت على فكرة الاستئصال، فيما تغيب فكرة الإصابة بالمرض عن البال، "فالمراة تحرص على ان تبقى جميلة بعين زوجها و أبنائها ومجتمعها".
هناك نساء يتوارين بمسلمات القضاء والقدر فتهيمن فكرة "انا ميت لامحالة، بالسرطان ام بسواه، فحصت ام لم افحص"، حسب الرواشدة التي تلفت الى ان مفهوم الافتداء يسيطر على المرأة "فحتى لو بدأت علامات اصابتها بسرطان الثدي فسوف تلوذ باسباب مؤقتة، لتأجيل اجراء فحص الكشف عن السرطان وربطه بـ" انتهاء من زواج البنت او الولد او انتهاء امحتان الثانوية العامة".
اسباب الهروب هذه، تصفها الرواشدة بـ"التضحية الغبية، اذ تضحي الام بصحتها اعتقادا بانها تحمي الأسرة من ألم مواجهة المرض معها ولا تدرك أنها بذلك تدمر الأسرة بفقدان الاسرة محورها الأهم وهو الام". تضيف الرواشدة "تتعامل المرأة مع سرطان الثدي بالعاطفة وليس العقل، اذ ان كثيرا من النسوة يرفضن الكشف المبكر من باب الخجل من الفحص أو معرفة المحيط الاجتماعي ورفض الاحساس بالشفقة والضعف". اما بالنسبة للراغبات في الزواج، فنقول الرواشدة "انهن يرين أن الفحص الطبي أو الكشف المبكر قد يقلل من فرصهن بالارتباط، وهو منحى للتفكير يجب ان يبتعدن عنه فحياتهن هي الأهم".
تؤكد الرواشدة أن التوعية الإعلامية يجب أن تتخذ نهجا أكثر عمقا واقناعا، كأن تورد امثلة حيّة لاسر فقدت الامهات بفعل رفض فحص الكشف عن السرطان". الرواشدة لا تغفل، التكلفة المادية العالية لفحص الكشف عن سرطان الثدي، مشيرة الى ان هذا السبب يلعب دورا مؤثرا في احجام كثير من النساء عن اجراء هذا الفحص.
وقالت ان تطور الطب وجراحة الثدي توصلت الى حصر الاستئصال للغدد المصابة في الثدي فقط، اذ يجري وضع بديل داخل هذا الثدي للمحافظة على شكله وجماله، وهو حل يساعد المرأة في التغلب على فقدان جزء كبير من أنوثتها.
--(بترا)