حق المعلم في الأضراب..هل يتعارض مع حق التلميذ بالتعلم؟
كتب – فراس نمر
عقب مرور عام على نقابة المعلمين- أي بعد عام على الاضراب- الشهير الذي أفضى لإيجاد هذا الصرح النقابي، يثور تساؤل حول جدوى "الاضراب" كوسيلة جدلية لاستيفاء ما أُعتقد أنه حق لكنه يصطدم بحق الطلبة في التعلم.
ولا يثير اضراب أي فئة في المجتمع جدلاً، كما يثيره اضراب المعلمين، والذي يتخذ ابعاداً حقوقية و تربوية و أخلاقية، تتباين الآراء حيالها فمن جهة هناك حق المعلم في الاضراب، يقابله قلق على الطلاب و الظلم الذي قد يقع عليهم اثر ذلك.
لجأ المعلمون غير مرة للاضراب في الثلاث سنوات الماضية، كان أولها في اذار 2010 عقب تصريحات مثيرة للجدل لوزير التربية حينها ابراهيم بدران عّلق فيها على لباس ومظهر المعلم، وفي 2011 وجد المعلمون الفرصة سانحة لتحقيق مطالبهم المهنية من خلال المطالبة بإعادة إحياء نقابة للمعلمين وعلاوة مهنية، فأعلن المعلمون في العشرين من اذار اضرابا مفتوحا استمر 5 ايام.
تكرر الاضراب في شتوية عام 2012 عن تصليح أوراق التوجيهي , تبعه اضراب في بداية الفصل الثاني ذات العام أفضى الى تحقيق مطالبهم بالحصول على النقابة بالاضافة الى علاوة التعليم. و أخيرا أضرب المعلمون في عهد النسور في 14 من تشرين الثاني لمدة ثلاث أيام على أثر رفع أسعار المحروقات.
إذن تبقى الاحتمالات واردة في تكراره مستقبلاً كلما دعت الحاجة للضغط باتجاه ضمان تلبية مطالب نقابية للمعلمين، ما يستوجب تقييمه من وجهة نظر الأطراف ذات الصلة من طلاب وذويهم ومعلمين، وتحديداً من ناحية أخلاقية وقانونية.
"وسيلة لا اخلاقية"
يعلق أبٌ لستة أبناء، الدكتور محمد السريحين، على اضراب المعلمين في مدارس الزرقاء الحكومية، والتي مر بها مع ثلاثة من أبنائه الذين يدرسون فيها بأنها أربكت ابناءه " خصوصاً وأن المعلمين في حينها لم يقوموا بتعويض الطلاب بالشكل الصحيح" و انما "شلفقوا" المواد – من غير اتقان- ولم يعطوها حقها الكامل.
وقال إن الاضراب "وسيلة لااخلاقية تجعل من الطلاب ضحية صراع لا ذنب لهم فيه ".
" لسنا هواة اضرابات"
غير أن نائب نقيب المعلمين الاستاذ حسام المشة يرفض ذلك، ويؤكد أن المعلمين " ليسوا هواة اضراب بل أصحاب حقوق. ويقول: " أما و قد بات للمعلمين الان نقابة استمدت شرعيتها من ايمان المعلمين بحقوقهم و تكاتفهم في الميدان، فانها ستستنفد كل الخيارات والحلول لتحقيق مطالب المعلمين ولكنها أيضاً لن تعجزعن طرق أي باب لتحصيل أي حق يطالب به الميدان بقوة صاحب الحق".
في ميزان المعلمين
لم يحظ الاضراب يتاييد الجسم التعليمي بكامله، فالمعلمة ابتسام طه في مدرسة حاتم الثانوية، لم تشارك في أي من الاضرابات، من مبدأ أن "على المعلم ألا يتدخل بالسياسة، و أن تبقى رسالته التربوية هي الأعلى والأسمى."
ولأن " الطالبات مسؤوليتنا"، تعلل ابتسام " فان الاضراب الذي يتضمن ارجاع الطالبات الى بيوتهن و تركهن في الشارع غير الامن، هو تخل عن هذه المسؤولية ".
وتضيف " مهما بلغت درجة الظلم والقهر التي يعانيها المعلم فانه اذا أراد المطالبة بحقوقه، فان عليه أن يسعى لاكتسابها من خلال تعزيز صورة المربي و التي يبنيها بشكل تراكمي، لأنها هي التي ستكسبه احترام الطلاب و تاييد المجتمع، و اما الاضراب فهو يرسل رسائل بعدم الالتزام و الاستهتار والتي ستهدم مصداقية المعلم".
على الطرف الآخر، يرى المعلم و الحراكي الاستاذ يمام الطوالبة من مدرسة المنشية الثانوية أن الاضراب " وسيلة ضغط استطاع المعلمون من خلالها تنبيه الحكومة الى الانهيار الذي باتت تعانيه المنظومة التعليمية سواء على مستوى المناهج و التشريعات، أو الوضع الاقتصادي للمعلم وهو ما لم تشعر به كل الحكومات المتعاقبة وعلى مدى عشرات السنين من الاهمال".
ولا يرى الطوالبة في الاضراب ما يناقض الرسالة التربوية " بل على العكس فان صورة المربي الحقيقية لا تكتمل الا اذا تعلم الطالب من معلمه التطبيق العملي لأهم مبادئ الحياة مثل الحرية والمطالبة بالحقوق والثبات على المبدأ ولايجب أن تقتصر صورة المربي على الناحية الاكاديمية فقط".
ولا يخفي الطوالبة رأيه في أن المدرسة "أصبحت في مفهوم كثير من أولياء الأمور ليست أكثر من مكان لمنع أبنائهم من التواجد في الشوارع" ، بل إن التعليم في الأردن أصبح " تعليما شكلياً" لأن تعويض الدروس يمكن تداركه بالتنسيق مع الوزارة لاحقا بدوام سبت أو غيره".
لا تعارض في الحقين
هل هناك تعارض بين حق المعلمين في الاضراب، وحق الطلاب في التعلم؟ سؤال تستدعيه ضرورات الجدل بين جميع الأطراف.
لكن الباحث والناشط في حقوق الانسان الدكتور محمد الموسى يؤكد على عدم وجود ما يعارض اضراب المعلمين, كحق من حقوق الانسان كفلته المواثيق الدولية ، بل ان هذا الحق لا يتعارض مع حق الطلاب في التعليم. كما ان للطلاب حق في التعليم نص عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، كما نص ذات العهد على الحق في الاضراب.
وحول الرأي القانوني القائل بوجوب تقديم حق الأطفال على الحقوق الاخرى في الاستيفاء، قال الموسى إن "هذا ما يذهب اليه القانونيون في الحالات الادارية و القضائية، أما في مجال حقوق الانسان فانه لا يجوز فهم وجود تعارض بين حقين من حقوق الانسان وهو الذي تنص عليه المادة (5) من العهد الدولي الخاص لحقوق الاقتصادية و الاجتماعية".
وقال :" ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على أي حق من دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي فعل يهدف الى اهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد أو الى فرض أي قيود عليها ".
إذن بالمحصلة، يخلص الموسى الى أنه لا يجوز استخدام حق من حقوق فئة معينة "كسيف مسلط " يمنع فئة اخرى من المطالبة بحقوقهم، و بالتالي فان "الاضراب حق أصيل للمعلمين لا يجوز سلبه ".
لكنّ الموسى يوضح بعض القيود على ممارسة حق الاضراب تتمثل في ضرورة أن تلتزم النقابة بقوانين الدولة الاجرائية مثل الابلاغ قبل مدة عن الاضراب، وان يكون الاضراب هو الملاذ الأخير الذي تلجأ له بعد اللجوء الى الحوار و المفاوضات .
أمام حالة الجدل هذه، بين من يؤيد الاضراب كحق، وأخر يعتقد بأولوية حق الطالب في التعلم، يظل التعليم في الاصل من مسؤولية الدولة،وهو يشمل توفير ظروف العمل المناسبة للمعلمين، لكن في حال قام المعلمون بالاضراب فالدولة هي المسؤولة عن توفير البديل.
*أُعدَّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين