الاستغلال الاقتصادي للأطفال السوريين في سوق العمالة المحلية
كتب - طارق الحميدي
يخرج محمد من منزل اسرته _في منطقة جبل النصر شرق عمان_ التي لجأت للأردن قادمة من مدينة درعا جنوبي سوريا, يومياً للعمل في أحد محال بيع القهوة التي تقدم خدماتها للمارة والمركبات فيما يعرف بالقهوة السريعة والتي عادة ما تكون على الشوارع الرئيسية في العاصمة.
بابتسامة تحاول أن تخفي خلفها ملامح الشقاء، يلوح محمد بـ"الصنية" التي يحملها بيده للمارة والمركبات، حتى يتوقف أحدهم لطلب مشروب معين ويحضره له داخل مركبته، ويحاول التقرب والحديث معه بلطف لعله يخرج ببضعة قروش تحسن من دخلة اليومي الذي يصل الى 4 دنانير يوميا على عمل 12 ساعة، بحسب ما قال.
وأضاف محمد، والذي لم يكمل بعد عامه الـ(15)، أنه وأشقاءه يعملون جميعا فلا معيل لهم هنا بعد أن توفي والدهم في الأحداث الدامية التي اندلعت في سوريا منذ أكثر من عامين، ليلجأوا الى الأردن ويعيشوا في منزل يتكوّن من غرفة ومطبخ وحمام في منطقة النصر.
ولمحمد 3 اشقاء وشقيقة واحدة كلهم تركوا المدرسة واتجهوا للعمل لتوفير مصاريف الحياة الصعبة من سكن وطعام وغذاء حسبما قال.
صاحب المحل الذي يعمل به محمد الذي يحمل لقب جنسيته "السوري" يقول أنه يفضل العمالة السورية على المحلية لعدة أسباب أهمها أنها تتقاضى أجرة أقل بالاضافة لحرفيتها وحاجتها للعمل، مؤكداً أن حجم التذمر من السوري العامل أقل من "ابن البلد".
ولم يكترث صاحب المحل، الذي رفض ذكر اسمه، بعمر الموظف مؤكداً أن المهم هو الانجاز في العمل معتبراً أن ما يقدمه لهذا الطفل هو خدمة يجب أن يشكر عليها لتأمينه له العمل.
لجأت العديد من المحال التجارية في عمان الى العمالة السورية بسبب ظروفها الصعبة والتي دفعتها الى طلب أجرة أقل لتحصل على ما يسد رمق يومها في حين يظهر الأطفال في عدد من المحال التجارية سواء كانت الملابس والمطاعم وحتى المحال الحرفية من كراجات وغيرها.
من جانبها قالت شيرين الطيب رئيسة قسم عمل الأطفال في وزارة العمل أن الوزارة ومن خلال موظفيها في قسم التفتيش تستهدف أيضا القضاء على هذه الظاهرة والعمل على ضبط أي محل أو منشأه يعمل بها أطفال سوريون.
وأضافت الطيب أنه تم ضبط خلال أول شهرين من العام الحالي (47) طفلا حيث تم ضبط (17) طفلا سوريا عاملاً في شهر كانون الثاني و (30) طفلا في شهر شباط مبينة أن الأطفال الذين يضبطون من الجنسية السورية يتم تحويلهم الى مركز الدعم الاجتماعي لتلقي الدعم والرعاية المناسبة مشيرة أنه لا يتم تسفير الأطفال من الجنسية السورية ومعاملتهم كحالات انسانية.
وأكدت الطيب أنه ومن خلال الاطار الوطني لمكافحة عمالة الأطفال الذي تنفذه الوزارة بالتعاون مع عدد من المؤسسات تستهدف الأطفال السوريين للحد من ظاهرة العمالة واستغلالهم من بعض أرباب العمل.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة إلى وجود ما يقارب نصف مليون لاجئ سوري على أرض المملكة مسجلين بشكل رسمي، فيما تؤكد مصادر أن عددهم يفوق ذلك بكثير الا أن عدداً منهم دخلوا المملكة قبل تأسيس مخيم اللاجئين السوريين الزعتري ولم يتم احصائهم بشكل دقيق.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في عام 1989 اتفاقية حقوق الطفل التي عرّفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وأكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجَّح أن يكون خطراً أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضرراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.
وبموجب هذه الاتفاقية التي وقعت عليها الأردن عام (1991) توجب الأمم المتحده على هذه الدول الاطراف اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل حماية الاطفال وعدم تعرضهم لأي انتهاك من حيث العمل بالاضافة لوضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص.
كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحده عام (1989) الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي كان قد تم إعداد مسودته في عام 1957، و نص على "وجوب كفالة وقاية الطفل من ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال، وأن لا يتعرض للاتجار به بأي وسيلة من الوسائل، وأن لا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب، وأن لا يسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي.
*أُعدَّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين