2024-07-29 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

الأردن في موقف لا يُحسد عليه سواء ذهب الأسد أم بقي

الأردن في موقف لا يُحسد عليه سواء ذهب الأسد أم بقي
جو 24 : عمر العساف- لم تأت التحذيرات السورية الأخيرة المتكررة للأردن من التورط في الأزمة التي تعانيها دمشق، من فراغ. وهي، إلى وقائع أخرى، توحي بأن استراتيجية عمان حيال الملف السوري بدأت تنحو منحى جديداً في اتجاه التدخل، ولكن على استحياء.

آخر التحذيرات السورية الاثنين على لسان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الغارديان" البريطانية. في ثنايا المقابلة، نبّه المقداد الى أن الأردن "يمارس لعبة خطرة من خلال السماح بمرور امدادات الأسلحة عبر أراضيه إلى الجماعات المتمردة في سوريا". وأمل ألا تتورط عمان أكثر، لأن "القوى نفسها التي تقتل الأبرياء في سوريا موجودة على أراضيها أيضاً".
حتى الشهرين الأخيرين، حاول الأردن ان ينأى قدر المستطاع عن التورط في الصراع الدائر في سوريا، واكتفى باسداء النصح، وبممارسة دور إنساني في استقبال أمواج بشرية كبيرة من اللاجئين الهاربين من أتون الاقتتال الداخلي بين قوات النظام وفصائل المعارضة.
وهو سعى بقوة الى ايصال رسائل تطمين الى النظام السوري الذي يدرك حجم ارتباط النظام الأردني بالغرب، وتحديداً بالولايات المتحدة، الى حاجته الماسة إلى دعم دول مجلس التعاون الخليجي التي جعل بعضها إسقاط نظام بشار الأسد هدفاً أساسياً له. ذلك تنظر دمشق بعين الريبة الى أي تحرك على حدوده الجنوبية، وليس خافياً انها أرسلت اعداداً كبيرة من عملائها إلى الأردن، بعضهم بصفة لاجئين، لمراقبة الوضع ميدانياً.

تخبط أردني
أي مراقب يلاحظ تخبط السياسة الخارجية الأردنية في الموقف من الملف السوري، كما في الملفات الاخرى. والموقف السائد خلال السنتين الأخيرتين من الازمة السورية بعدم التورط لم ينجم عن فهم لطبيعة تطور الوضع الميداني في سوريا والمنطقة، بقدر ما كان ناجما عن غياب الخيارات الناتجة من استقراء جيد لهذه التطورات، فآثر الاردن الرسمي الوقوف في المنطقة الرمادية.
في أيار الماضي، استضاف الاردن مناورات "الاسد المتأهب" التي أجرتها قوات عسكرية من 18 دولة غربية وعربية بينها قوات كوماندوس لبنانية، في منطقة جبال بترا بجنوب المملكة، التي تشابه تضاريسها تلك التي في جنوب سوريا. وعلى رغم التأكيدات المتكررة من الاردن وسواه من الدول المشاركة أن المناورات لا تستهدف سوريا، إلا أن الكل كان يعلم أن الامر هو خلاف ذلك تماما. وكان الجميع يتخيلون سيناريو شبيها بليبيا.
وتدربت القوات الاردنية بالتعاون مع الاميركيين على سبل احتلال المواقع التي يشتبه في ان الجيش السوري يخزن فيها أسلحة كيميائية، الامر الذي دفع دمشق الى تغيير مواقع التخزين أكثر من مرة.
كان الاردن مستعدا في حينه للمشاركة في عملية اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، لأن الولايات المتحدة تريد ذلك. وازدحمت المناطق الحدودية بعملاء أجهزة الاستخبارات الغربية. غير ان الموقف الروسي – الصيني الصارم حيال التدخل في سوريا، ودعم طهران القوي لدمشق، وتراجع الموقف الاميركي واعادة حساباته في ضوء الضربة التي وجهت الى الولايات المتحدة في ليبيا باغتيال سفيرها هناك على أيدي من يعتقد أنهم متشددون اسلاميون، متزامنا مع بروز معارضة مسلحة في سوريا مرتبطة بتنظيم "القاعدة" بعثرت الخطط الاميركية هناك.
ومع بدء دمشق، التي بات جليا أن اسقاط نظامها ليس أمرا سهلا، بارسال التهديدات المبطنة الى عمان من مغبة التورط، أحجمت هذه عن ركوب مغامرة غير مضمونة النتائج في انتظار حسم واشنطن، المنشغلة بالتفاوض مع موسكو في شأن حل الازمة السورية، موقفها.
ويشاطر النظام الاردني واشنطن مخاوفها من احتمالات استيلاء تنظيم "القاعدة" ممثلا بـ"جبهة النصرة"، على الحكم، وأكثر من ذلك، لا يريد صانع القرار الاردني حتى وضع جماعة "الاخوان المسلمين" يدها على السلطة، وبذل جهودا مضنية في اقناع واشنطن والعواصم الغربية، وخصوصا باريس ولندن، بضرورة منعها من ذلك.
وتكمن مشكلة مراكز الحكم في الاردن في عدم وجود خزانات بحثية كفية تمدها بقراءات صحيحة ودقيقة لمجمل تطورات الازمة السورية والوضع الاقليمي، كما الداخلي المحتقن. وهي لذلك تستعين بما يصدر عن مراكز البحث والدراسات الاجنبية، التي لا تلقي بالا للمصالح الاردنية. لذلك كان "اللاحسم" هو الموقف السائد في السياسة الخارجية الاردنية، التي كانت تتعرض لضغوط خليجية للتورط أكثر في الملف السوري وفتح الحدود لتأمين الاسلحة للمعارضة السورية، باستخدام سياسة العصا والجزرة مع عمان.

المخاوف الاردنية
صانع القرار الاردني، غير الراغب في بقاء الاسد في السلطة، يتخوف من احتمالات تقسيم سوريا، أو وصول الاسلاميين ("القاعدة" أو "الاخوان المسلمين" الى الحكم، أو استمرار الاقتتال الداخلي سنوات، بما يحمله من تداعيات أقلها تدفق مزيد من اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم الى نحو 600 ألف.
وتزايدت الاحتقانات الداخلية تحت وطأة المطالبة المتعاظمة باجراء اصلاح حقيقي، على رغم محاولة تسويق الانتخابات النيابية الاخيرة على انها خطوة اصلاحية متقدمة. والخسارة المستمرة للنظام، نتيجة اشتداد وطأة الوضع الاقتصادي، وضعته في مواجهة صعبة مع الشارع الاردني.
وأظهر استطلاع للرأي اجراه المعهد الجمهوري الدولي لقياس المزاج العام للاردنيين في الفترة التي تلت الانتخابات النيابية ان 59% من الاردنيين يعتقدون ان البلد يسير في الاتجاه الخاطئ. هذه النسبة تطابق نسبة الاردنيين الذين لم يشاركوا في الانتخابات ممن يحق لهم التصويت.
هذا الوضع، ومع وضوح عدم قدرة النظام على اجتراح حلول حقيقية للأزمة الداخلية، جعله يلجأ الى اللعب على العامل الخارجي، من حيث تصدير أزماته الداخلية، وتوحيد الرأي العام حول الخطر الخارجي (الأزمة السورية)، وقد صوره الاعلام، الذي تسيطر عليه السلطة، بأنه علة المشاكل الداخلية وأنه يتهدد وجود الدولة برمتها.
في حين أن الواقع، كما يرى المحلل السياسي حسن البراري، يشير الى أن "سوء الادارة والفساد شكلا ولا يزالان الفيروس الذي يجب القضاء عليه".

خيارات محدودة
ليست أمام الأردن خيارات محددة، ولكن ثمة عمل على محور تدعمه دولة الامارات العربية المتحدة، هو دعم "الجيش السوري الحر" وتحديداً الكتائب التي كونها جنود انشقوا عن النظام. أي إن الأردن يريد تقوية مقاتلين علمانيين على حساب كتائب جماعة "الاخوان" وكتائب "جبهة النصرة" المتشددة اللتين يعتبرهما تهديداً لكيانه.
وهذا جار على الارض فعلاً، اذ نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية اخيراً تقريراً مفاده ان الاردن وافق اخيراً على فتح حدوده لامداد المعارضة السورية بالسلاح من المملكة العربية السعودية. وتزامنت موافقة عمان مع تسلمها اكثر من مليار دولار من الرياض، الى قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 385 مليون دولار.
هذا التحوّل جاء بعد موافقة واشنطن على خطة لندن وباريس لدعم المعارضة "المعتدلة" بأسلحة "غير فتاكة".
من الواضح ان عمان تنسق موقفها مع واشنطن التي لم تحزم أمرها على مقاربة محددة لدمشق حتى الآن. وهي تنتظر ان تعرف خطتها، مع احتمالات تحول الموقف الاميركي بعد تفجيري بوسطن.
في الانتظار، لا يحسد الاردن على موقفه، فسواء حلّ الاسلاميون المتشددون محل نظام الاسد، ام بقي الاخير، فإن الوضع غير مريح ولا مطمئن، في ظل تجذر الأزمة الداخلية، وخصوصاً شقها الاقتصادي. فعلى اي من جانبيه يميل؟
النهار اللبنانية)
تابعو الأردن 24 على google news