صاحب "بيوت الأشباح" السودانية.. تخلى عن أستاذه ولعب على حبلين لكنه سقط في النهاية
تقديم الفريق أول صلاح قوش استقالته من منصب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات الوطني في السودان، يعني سقوط واحد من أركان النظام السابق كانت الازدواجية السياسية من أبرز سمات شخصيته.
انتمى قوش إلى الحركة الإسلامية السودانية، أحد روافد جماعة الإخوان المسلمين، وكان مسؤولا عن جهاز المعلومات الخاص بالتنظيم في الجامعة التي تخرج فيها عام 1982.
وبعد "انتفاضة أبريل" عام 1985 التي أطاحت بنظام الرئيس جعفر النميري وأتت بالإسلاميين إلى الحكم في عهد رئيس الحكومة الصادق المهدي، ثم انقلاب عمر البشير عليه عام 1989 بدعم من الجبهة الإسلامية القومية، التحق قوش بجهاز الأمن الداخلي لحزب المؤتمر الحاكم الذي أسسه رئيس الحركة الإسلامية حسن الترابي.
بعدها أصبح قوش ضابطا في جهاز المخابرات الوطني، حتى وصل إلى منصب مدير إدارة العمليات، ويُتهم بتأسيس ما عُرف في التسعينيات باسم "بيوت الأشباح" وهي السجون السرية التي استقبلت المئات من المعارضة خاصة أعضاء الحزب الشيوعي.
الدور الأبرز الذي لعبه رجل الأمن الداخلي تمثّل في إضعاف الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها من الداخل، فبعدما انصهر العسكريّون والإسلاميون ضمن ما أسموه "ثورة الإنقاذ" نشب صراع جديد على الحكم بين البشير والترابي، واستعان البشير في حربه بصلاح قوش، أحد أذرع الترابي في الحركة الإسلامية.
وتمثّل دوره حينها في تقديم كافة الأسرار عن جناح الحركة الإسلامية المعارض، في الوقت الذي تقدم فيه جناح البشير داخل الحزب الحاكم بالمطالبة بإصلاحات حزبية، وتقليص سلطات الترابي، لينحاز قوش إلى البشير ضد أستاذه ويشرف أكثر من مرة على اعتقال الترابي وقيادات حزبه بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري.
صعد قوش سريعا في درجات المناصب، وأسندت إليه مهام التنسيق مع الجهاديين الأفغان الذين استقروا في السودان برفقة زعيمهم أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الذي مكث في ضيافة الحكومة السودانية بين عامي 1990 و1996 ثم ترك نحو 12 مليون دولارًا بهدف استخدامها في عمليات الجهاد.
ونتيجة لسياسات الحكم الإسلامي في السودان، تعرض البلد لعقوبات الولايات المتحدة التي أدرجته على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقطعت علاقتها الدبلوماسية به. لكن ذلك، لم يمنع واشنطن من تعاون استخباراتي مع الخرطوم عقب هجمات 11 سبتمبر عام 2001، كشفته الصحف الأمريكية، إذ بعثت الولايات المتحدة بطائرة خاصة لنقل رئيس المخابرات السودانية إلى واشنطن، حيث قدم الرجل الثاني في السودان معلومات تفصيلية عن الجهاديين العرب وتنظيم القاعدة الذي ساهم في تسليمهم، من دون علم وزير الخارجية السوداني.
وبالرغم من ورود اسمه في القوائم السوداء المصرية لاتهامه بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك أثناء زيارته لأديس أبابا عام 1996، اعترف قوش لاحقا بأنه قاد ملف عودة العلاقات بين السودان ومصر مع "أبيه الروحي" مدير المخابرات المصرية عمر سليمان.
ازدواجية قوش في التعامل انتقلت أيضا إلى دول الخليج، حيث دعا قوش الدوحة عقب اندلاع الأزمة الخليجية القطرية، للانصياع للطلبات الخليجية، لكن لم يمض شهر على موقفه حتى قاد حملات داخل البرلمان الذي كان أحد أعضائه، برفض تصنيف جماعة "الإخوان المسلمين" وحركة "حماس" جماعات إرهابية على نحو ما قامت به دول المقاطعة، وتضامن مع النواب الآخرين الذين طالبوا الحكومة بالانحياز علنيا للدوحة ضد الرياض.
ومع تصاعد موجة احتجاجات في السودان في مطلع 2018، اضطر البشير مُرغمًا إلى الاستعانة بشريكه القديم اللدود، وأعاده إلى منصب مدير المخابرات، وحينها تمكن قوش بقبضة حديدة من قمع المعارضة وإخماد الانتفاضة.
تعامل قوش مع الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في ديسمبر الماضي، بنظرية المؤامرة للتشكيك في مشروعيتها؛ إذ اتهم الموساد الإسرائيلي بتجنيد 280 عنصرا كانوا في إسرائيل لإثارة الفوضى في السودان، لتعلن وكالة الأنباء السودانية الرسمية، أن السلطات الأمنية أوقفت ما وصفته "خلية تخريبية" بولاية الخرطوم كانت تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية.
وتزامنا مع هذه التصريحات المتشددة أصدر قوش، أمرا بإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية موجة الاحتجاجات الأخيرة في البلاد. لكن هذه السياسات والمحاولات اللعب على كل الحبال لم تنقذ البشير من السقوط ولا قوش من فقدان منصبه، ليبقى في انتظار ما يحمله الواقع السوداني الجديد في جعبته له.
المصدر: ساسة بوست + RT