صراع أردني إسرائيلي في واشنطن
حمادة فراعنة
جو 24 : ليس صدفة ما صرح به العميد إيتي بارون، رئيس قسم الأبحاث لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "أمان" عن النظام السوري قوله "إن النظام استعمل سلاحاً كيميائياً قاتلاً"، وسواء استند ضابط الاستخبارات الإسرائيلي إلى معلومات مؤكدة أو تخمينات لا تستند إلى وقائع حسية، فالتصريح له مدلول سياسي ودوافع سياسية، غير بريئة، تستهدف استكمال حلقات الهدف الإسرائيلي وهو الدفع باتجاه التدخل الأميركي الأوروبي المباشر كما حصل في تجربتي العراق وليبيا، بإسقاط نظاميهما بالعمل العسكري من قبل واشنطن وحلف الناتو.
تصريحات إيتي بارون، فعلت فعلها لدى واشنطن، وإن لم تأخذها بالمصداقية السهلة ولكنها فرضت نفسها، ودفعت الرئيس أوباما كي يأخذها باهتمام حينما قال بحضور العاهل الأردني "كنت واضحاً جداً خلال إجتماعاتي سواء العلنية أو الخاصة بأن أي استخدام للأسلحة الكيماوية، معناه خرق للخطوط الحمراء، الأمر الذي سيغير من حساباتي، ومن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع هذا الأمر"، وقال "إن الاستخدام المحتمل لأسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين يخرق الأعراف والقوانين الدولية وهذا سيغير قواعد اللعبة، وعلينا التصرف بعقلانية وإجراء التقييمات بحذر".
لذلك سعت إسرائيل، وتعمل وتتمنى تحقيق غرضين:
أولهما: تورط دمشق باستعمال الأسلحة الكيماوية وهو أمر أعلنت دمشق عدم حصوله، وشككت بمصداقيته ونفته لعلمها بمدى خطورته وتبعاته.
وثانيهما: دفع واشنطن نحو اتخاذ إجراءات وأعمال تتجاوز التعاطف أو التأييد أو إسناد المعارضة السورية المسلحة معنوياً ومالياً وسياسياً، بل العمل نحو فعل عسكري مباشر كما حصل في كل من العراق وليبيا ومن قبلهما في أفغانستان.
تصريحات الضابط الإسرائيلي لم تكن بريئة لا من حيث المضمون ولا من حيث التوقيت، فقد تعارضت مع السياسات الأردنية المعلنة ومع أهداف وتصريحات الملك عبد الله في زيارته لواشنطن حول "ضرورة التوصل إلى حل سياسي انتقالي شامل، يضمن المحافظة على وحدة سورية أرضاً وشعباً ويضع حداً للتطرف وإراقة الدماء"، وهي سياسة تُحبط أهداف إسرائيل ومراميها الإستراتيجية في جعل البلدان العربية ممزقة وعاجزة عن ممارسة أي دور في مواجهة السياسة التوسعية الإسرائيلية، خاصة وأن إسرائيل لا تزال تحتل أراضي الجولان السورية، وترفض الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من الأراضي المحتلة.
توقيت التصريح الإسرائيلي تم قبل لقاء القمة الأميركي الأردني، بهدف واضح وهو التشويش على القمة والتأثير على نتائجها، وقبل ذلك، التشويش على السياسة المنهجية الأردنية التي تستهدف التركيز على صانعي القرار الأميركي الذين لا يملكون بعد سياسة واضحة نحو التعامل مع سورية، وعدم وجود تصور لدى الجانب الأميركي حول الوسائل الممكنة لإنهاء الأزمة، فعلى الرغم من رغبة القطاع الأوسع من المسؤولين الأميركيين لرحيل نظام الرئيس بشار الأسد، ولكنهم متخوفون في أن يكون البديل هو التطرف والأصولية وعدم الاستقرار وانعكاس ذلك على مجمل الوضع في المنطقة.
فقد ثبت بالملموس أن طريق إسقاط نظام دمشق عبر المعارضة المسلحة، ليس واقعياً، فقد فشلت المعارضة السورية في إسقاط النظام بعد أكثر من سنتين، مثلما فشل النظام في إنهاء المعارضة المسلحة وتصفيتها، وكلاهما ما زال يملك زمام المبادرة في الرد على الآخر، وسورية وشعبها ومؤسساتها يدفعون الثمن، ووحده الموقف الأردني الواقعي والمتزن ثبت صحته وصواب خياراته وهو هدف زيارة الملك عبد الله لواشنطن وقالها بوضوح وصراحة "إن القضية الأساسية التي سنبحثها هنا في واشنطن هي الأزمة السورية وتحدياتها" معتبراً "أن تفتت المجتمع السوري المتزايد بفعل الأزمة، أصبح أمراً ينذر بالخطر بشكل أكبر يوماً بعد يوم".
السياسة الأردنية، حول سورية، لا تعجب إسرائيل، وتتعارض مع مصالحها، وتتناقض مع توجهاتها، ولذلك لم يكن اللوبي الصهيوني اليهودي في واشنطن مرتاحاً من هدف الزيارة الأردنية وتوقيتها، ولكنه لا يملك أوراقاً لإعاقتها، فجاء التصريح الإسرائيلي حول استعمال الأسلحة الكيماوية من قبل دمشق بمثابة غطاء دخاني لتمرير الأهداف الإسرائيلية وتشويه الصورة ووضع عقبات أمام التوصل إلى قرارات، وضد التحرك والسياسة الأردنية التي قادها رأس الدولة الأردنية الملك عبد الله وقدمها بوضوح خلال إقامته التي امتدت أسبوعاً كاملاً التقى خلالها بأدوات صنع القرار في واشنطن والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: عدم التدخل العسكري الأميركي في سورية.
ثانياً: لن تكون هناك قوات أردنية في سورية مهما كانت الظروف والمستجدات.
ثالثاً: ضرورة التفاهم الدولي وخاصة بين واشنطن وموسكو وخلاف ذلك لن يتحقق نجاح التوصل إلى حل.
الدبلوماسية الأردنية في علاقاتها بواشنطن تستهدف توظيف العلاقات الأردنية الأميركية باتجاه دفع العاصمة الأميركية نحو سياسة واقعية في تعاملها مع الحدث السوري، مستفيدة من فشل السياسة الأميركية في تعاملها المماثل مع أفغانستان والعراق وليبيا، على الرغم من نجاحها في إسقاط أنظمتها بالوسائل العسكرية، ولكنها أخفقت في الإسهام الإيجابي في توفير البديل الديمقراطي التعددي الذي يحتكم حقاً إلى نتائج صناديق الاقتراع على قاعدة تداول السلطة، فالهدم تم بسهولة، ولكن إعادة البناء يصطدم بالصعوبات المتراكمة حتى في وجه السياسة الأميركية ومصالحها، كما أن ذرائع التدخل الأميركي في الحالة العراقية ثبت عدم صحتها وأن المعلومات الاستخبارية التي استعملت ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، لم تكن صحيحة وثبت عدم مصداقيتها وهذا ما قاله علناً جورج تينت مدير المخابرات المركزية الأميركية، ولكن بعد فوات الأوان وبعد الاحتلال الأميركي لبغداد، وبعد أن ترك تينت وظيفته، وأنها كانت معلومات تضليلية هدفها الدفع باتجاه اتخاذ قرار أميركي للتدخل العسكري في العراق كما تحاول إسرائيل أن تفعل اليوم نحو سورية.
h.faraneh@yahoo.com
تصريحات إيتي بارون، فعلت فعلها لدى واشنطن، وإن لم تأخذها بالمصداقية السهلة ولكنها فرضت نفسها، ودفعت الرئيس أوباما كي يأخذها باهتمام حينما قال بحضور العاهل الأردني "كنت واضحاً جداً خلال إجتماعاتي سواء العلنية أو الخاصة بأن أي استخدام للأسلحة الكيماوية، معناه خرق للخطوط الحمراء، الأمر الذي سيغير من حساباتي، ومن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع هذا الأمر"، وقال "إن الاستخدام المحتمل لأسلحة الدمار الشامل ضد المدنيين يخرق الأعراف والقوانين الدولية وهذا سيغير قواعد اللعبة، وعلينا التصرف بعقلانية وإجراء التقييمات بحذر".
لذلك سعت إسرائيل، وتعمل وتتمنى تحقيق غرضين:
أولهما: تورط دمشق باستعمال الأسلحة الكيماوية وهو أمر أعلنت دمشق عدم حصوله، وشككت بمصداقيته ونفته لعلمها بمدى خطورته وتبعاته.
وثانيهما: دفع واشنطن نحو اتخاذ إجراءات وأعمال تتجاوز التعاطف أو التأييد أو إسناد المعارضة السورية المسلحة معنوياً ومالياً وسياسياً، بل العمل نحو فعل عسكري مباشر كما حصل في كل من العراق وليبيا ومن قبلهما في أفغانستان.
تصريحات الضابط الإسرائيلي لم تكن بريئة لا من حيث المضمون ولا من حيث التوقيت، فقد تعارضت مع السياسات الأردنية المعلنة ومع أهداف وتصريحات الملك عبد الله في زيارته لواشنطن حول "ضرورة التوصل إلى حل سياسي انتقالي شامل، يضمن المحافظة على وحدة سورية أرضاً وشعباً ويضع حداً للتطرف وإراقة الدماء"، وهي سياسة تُحبط أهداف إسرائيل ومراميها الإستراتيجية في جعل البلدان العربية ممزقة وعاجزة عن ممارسة أي دور في مواجهة السياسة التوسعية الإسرائيلية، خاصة وأن إسرائيل لا تزال تحتل أراضي الجولان السورية، وترفض الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني والانسحاب من الأراضي المحتلة.
توقيت التصريح الإسرائيلي تم قبل لقاء القمة الأميركي الأردني، بهدف واضح وهو التشويش على القمة والتأثير على نتائجها، وقبل ذلك، التشويش على السياسة المنهجية الأردنية التي تستهدف التركيز على صانعي القرار الأميركي الذين لا يملكون بعد سياسة واضحة نحو التعامل مع سورية، وعدم وجود تصور لدى الجانب الأميركي حول الوسائل الممكنة لإنهاء الأزمة، فعلى الرغم من رغبة القطاع الأوسع من المسؤولين الأميركيين لرحيل نظام الرئيس بشار الأسد، ولكنهم متخوفون في أن يكون البديل هو التطرف والأصولية وعدم الاستقرار وانعكاس ذلك على مجمل الوضع في المنطقة.
فقد ثبت بالملموس أن طريق إسقاط نظام دمشق عبر المعارضة المسلحة، ليس واقعياً، فقد فشلت المعارضة السورية في إسقاط النظام بعد أكثر من سنتين، مثلما فشل النظام في إنهاء المعارضة المسلحة وتصفيتها، وكلاهما ما زال يملك زمام المبادرة في الرد على الآخر، وسورية وشعبها ومؤسساتها يدفعون الثمن، ووحده الموقف الأردني الواقعي والمتزن ثبت صحته وصواب خياراته وهو هدف زيارة الملك عبد الله لواشنطن وقالها بوضوح وصراحة "إن القضية الأساسية التي سنبحثها هنا في واشنطن هي الأزمة السورية وتحدياتها" معتبراً "أن تفتت المجتمع السوري المتزايد بفعل الأزمة، أصبح أمراً ينذر بالخطر بشكل أكبر يوماً بعد يوم".
السياسة الأردنية، حول سورية، لا تعجب إسرائيل، وتتعارض مع مصالحها، وتتناقض مع توجهاتها، ولذلك لم يكن اللوبي الصهيوني اليهودي في واشنطن مرتاحاً من هدف الزيارة الأردنية وتوقيتها، ولكنه لا يملك أوراقاً لإعاقتها، فجاء التصريح الإسرائيلي حول استعمال الأسلحة الكيماوية من قبل دمشق بمثابة غطاء دخاني لتمرير الأهداف الإسرائيلية وتشويه الصورة ووضع عقبات أمام التوصل إلى قرارات، وضد التحرك والسياسة الأردنية التي قادها رأس الدولة الأردنية الملك عبد الله وقدمها بوضوح خلال إقامته التي امتدت أسبوعاً كاملاً التقى خلالها بأدوات صنع القرار في واشنطن والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: عدم التدخل العسكري الأميركي في سورية.
ثانياً: لن تكون هناك قوات أردنية في سورية مهما كانت الظروف والمستجدات.
ثالثاً: ضرورة التفاهم الدولي وخاصة بين واشنطن وموسكو وخلاف ذلك لن يتحقق نجاح التوصل إلى حل.
الدبلوماسية الأردنية في علاقاتها بواشنطن تستهدف توظيف العلاقات الأردنية الأميركية باتجاه دفع العاصمة الأميركية نحو سياسة واقعية في تعاملها مع الحدث السوري، مستفيدة من فشل السياسة الأميركية في تعاملها المماثل مع أفغانستان والعراق وليبيا، على الرغم من نجاحها في إسقاط أنظمتها بالوسائل العسكرية، ولكنها أخفقت في الإسهام الإيجابي في توفير البديل الديمقراطي التعددي الذي يحتكم حقاً إلى نتائج صناديق الاقتراع على قاعدة تداول السلطة، فالهدم تم بسهولة، ولكن إعادة البناء يصطدم بالصعوبات المتراكمة حتى في وجه السياسة الأميركية ومصالحها، كما أن ذرائع التدخل الأميركي في الحالة العراقية ثبت عدم صحتها وأن المعلومات الاستخبارية التي استعملت ضد نظام الرئيس الراحل صدام حسين، لم تكن صحيحة وثبت عدم مصداقيتها وهذا ما قاله علناً جورج تينت مدير المخابرات المركزية الأميركية، ولكن بعد فوات الأوان وبعد الاحتلال الأميركي لبغداد، وبعد أن ترك تينت وظيفته، وأنها كانت معلومات تضليلية هدفها الدفع باتجاه اتخاذ قرار أميركي للتدخل العسكري في العراق كما تحاول إسرائيل أن تفعل اليوم نحو سورية.
h.faraneh@yahoo.com