jo24_banner
jo24_banner

حكاية «البيضة والدجاجة»..فلسطينياً

عريب الرنتاوي
جو 24 : كنا سئمنا الجدل الفلسطيني العقيم حول أيهما أسبق: تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أم تحديث جداول الناخبين في قطاع غزة؟..لكن يبدو أن سنعيش مع فصول جديدة من هذه الحكاية “السمجة” حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

منذ التوقيع على اتفاق الدوحة المبرم بين الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل في السادس من شباط / فبراير عام 2012 وحتى الانتهاء من تحديث سجل الناخبين في قطاع غزة في العشرين من شباط / فبراير عام 2013، رفضت فتح تشكيل الحكومة طوال هذه الفترة بحجة عدم إتمام عملية التسجيل، فيما أبدت حماس في غير موقف ومناسبة، رغبتها في الشروع بتشكيل الحكومة، ومن ثم استئناف عملية التسجيل وتحديث قوائم الناخبين..أما النتيجة التي ترتبت على “حكاية أيهما أولاً”، فكانت تعطيل المصالحة والوحدة والانتخابات، واستمرار الانقسام السياسي والجغرافي والوطني لسنة إضافية مكلفة.

ها هي عملية التسجيل تنتهي منذ شهرين، ويقرر الرئيس عباس الشروع في مشاورات تشكيل حكومة وفاق وطني (لا أدري لماذا وفاق وطني وليس وحدة وطنية)، لملء فراغ استقالة (إقالة) حكومة الدكتور سلام فيّاض..بيد أن المواقف تبدلت الآن، حماس تعتبر خطوة عباس منفردة ولا تعكس روح المصالحة، التي أصبحت فجأة “رزمة واحدة متكاملة”، وفتح تنظر لقرار الرئيس (رئيسها كذلك)، على أنه بداية التجسيد للاتفاقات المبرمة في القاهرة والدوحة.

في مناخات التأزم و”انعدام الثقة” السائدة، تختفي الأصوات الأكثر عقلانية ومسؤوليةً على جانبي معادلة الانقسام، لتحل محلها أصوات التوتير والتأزيم والاتهامات المتبادلة..أكثر من ناطق باسم حماس، من المدرسة الأكثر تشدداً إياها، حمل على الخطوة، ونظر إليها بوصفها “مؤامرة” جديدة ينخرط فيها عباس بالتواطؤ مع الأمريكان..في المقابل، تتصاعد أصوات ناطقين كثر باسم فتح، يحملون على حماس، وينعتونها بما فيها وما ليس فيها دون هوادة..والأرجح أننا مقبلون على فصلٍ آخر من لعبة “الدجاجة والبيضة”..الأرجح أننا مقبلون على إتمام سنة إضافية في مسلسل الانقسام المخجل والمؤسف.

في التحليل الأبعد والأعمق لما جرى خلال اليومين الفائتين، نجزم بأنه ليس للخلاف علاقة -من قريب أو بعيد- بحكاية “التوقيتات” ولعبة “أيهما أولاً”، فهذه مسألة شكلية ليس من العسير الوصول إلى حلول وتوافقات بشأنها..نجزم بأن الخلاف يعكس عدم جاهزية الطرفين للمصالحة، والأهم غياب الاستعداد (وربما المصلحة) في الوفاء باستحقاقاتها ومندرجاتها..نجزم أن أوهام التفاوض والمعجزات التفاوضية من جهة، والرهانات على ما تبقى من رياح “الربيع العربي” من جهة ثانية، ما زالت تعطل مسار المصالحة، وحتى إشعار آخر.

قبل الشروع في مشاورات تشكيل الحكومة، كان يتعين على الأخ أبو مازن، أن يبادر إلى دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، أولاً لوضع الجميع في صورة الحراك السياسي الكثيف على مسار “أوباما – كيري”، وثانياً للتباحث في مرحلة ما بعد استقالة حكومة فيّاض، وثالثاً لإطلاق عملية المصالحة وفقاً للأجندات و”الرزنامات” المعلقة من أشهر وسنوات..أما أن تتبلغ حماس والفصائل ببدء المشاورات من وسائل الإعلام (إن صحت هذه المعلومة)، فهذه ليست بداية طيبة أبداً، لا للمصالحة ولا لمشروع إعادة بناء وتفعيل مؤسسات السلطة والمنظمة.

في المقابل، كان يتعين على حماس، أن تتخذ من استقالة (إقالة) حكومة فيّاض، فرصة تاريخية لتأكيد استعدادها لإقالة حكومة الأخ اسماعيل هنية، ونقول إبداء الاستعداد لأنني لا أعرف حقيقة، لم يتعين على رئيس الحكومة في غزة أن يتقدم باستقالته أو يرفعها إليه، الرئيس لا يعترف بالحكومة والمجلس التشريعي معطل بالكامل، والمؤكد أن مكتب حماس السياسي لا يمكن ان يكون مرجعية قانونية أو دستورية لحكومة في غزة، هو كذلك بحكم الأمر الواقع، ولكنه ليس كذلك بالمعنى الدستوري والقانوني للكلمة..أما الهدف من وضع استقالة الحكومة تحت التصرف، فهو إفساح المجال لتشكيل حكومة وحدة/توافق وطنيين..ولكم كاناً مضحكاً حد البكاء، إعلان حماس بأن استقالة فيّاض شأن داخلي لا علاقة لها به، ولا أدري أهو شأن داخلي لفتح، للسلطة والمنظمة أم للشعب الفلسطيني الشقيق في الضفة الغربية..إنها المأساة وقد ارتدت لبوس الملهاة.

لم يفت الوقت لتدارك ما يمكن تداركه، بيد أنني شديد التشاؤم حيال فرص انتهاء المشاورات إلى تشكيل حكومة “توافق وطني”..اللهم إلا إذا اعتبرنا أن إعادة انتاج الائتلاف الذي شكل حكومات فياض المتعاقبة هو التجسيد لمقولة “التوافق الوطني”..هذا ليس توافقاً، والمؤكد أنه ليس “وطنياً”، وأقول وطنياً هنا بمعنى التمثيل الوطني الأوسع والأشمل، سياسياً واجتماعياً وجغرافياً.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news