jo24_banner
jo24_banner

الاصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن.. كتاب جديد للدكتور العدوان

الاصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن.. كتاب جديد للدكتور العدوان
جو 24 :
صدر عن دار المشكاة للنشر والتوزيع كتاب "الاصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن" لمؤلفيه الدكتور خالد العدوان والدكتور عماد شدوح.

وسعى مؤلف الكتاب إلى دراسة برامج الاصلاح السياسي والإقتصادي بمقاربة ديمقراطية و بشكل منهجي ومنظم، تضمنت فهم التفاعلات والعلاقات الإرتباطية بين مكونات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية تجاه الإصلاح وصياغة البرامج الإصلاحية ونتائجها.

وتاليا ملخص عام للكتاب وتقديم له بقلم الدكتور وليد عبد الحي:

على حد تعبير الشاعر الإسباني الشهير"Antonio Machado" الذي يقول: "أيها المسافر، لا توجد هنالك طرق، الطرق توجد عندما يسير عليها الناس"، فإن هذا هو ما نحتاجه في طريق الإصلاح الذي يتوقف على ما نقوم به فعلياً؛ فنحن من يقع على عاتقنا تهيئة طريق الإصلاح، والسير عليه بخطى ثابتة وواعية. إن الإصلاح إرادة ورؤية وتصميم على التنفيذ وتغييرات في الأبنية والعمليات والثقافة، ويستقر حيثما أردنا ذلك.

وعليه، فإن هذا الكتاب هو محاولة لسبر أغوار النظام السياسي الأردني في إطار الأبنية والعمليات والقيم، حيث سعى د.خالد العدوان مؤلف هذا الكتاب، إلى دراسة برامج الاصلاح السياسي والإقتصادي بمقاربة ديمقراطية و بشكل منهجي ومنظم، تضمنت فهم التفاعلات والعلاقات الإرتباطية بين مكونات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية تجاه الإصلاح وصياغة البرامج الإصلاحية ونتائجها. وننطلق في هذا الشأن من فكرة مؤداها أن مقاربة برامج الإصلاح في أبعادها السياسية والإقتصادية - وأهمية الترابط الذي لا ينفك بين السياسة والإقتصاد والعلاقة التبادلية بينهما- لا تكتمل دون تسليط الضوء على النتائج من ناحية والنواتج (الآثار) من ناحية أخرى والتي شكّلتها معظم تفاعلات وعمليات العمليات الإصلاح في الجسد السياسي الأردني.

انطلاقا من وجهة النظر تلك، فإن تشكيل صورة سياسية متكاملة حول الواقع الأردني والتحول الديمقراطي يتطلب التوفيق بين اعتبارين: هما (1) التحليل السياسي للأبنية الرسمية وأهمها "مؤسسة العرش"، وكذا غير الرسمية، والتفاعل بينهما في إطار العمليات السياسية من منظور قضايا الإصلاح والمبادرات والبرامج التي صيغَتْ؛ و(2) التحليل الاقتصادي ومؤشراته المتعددة، إيمانا من المؤلف بأهمية العلاقة الارتباطية والتبادلية بين العاملَين (الاقتصادي والسياسي).

إن واقع ومحطات الإصلاح في الأردن يقع بين حدين متناقضين: الأول؛ الملك ومبادراته في قضايا الإصلاح، وبوصفه لاعبا مركزيا في النظام السياسي بالمقارنة مع المؤسسات السياسية الرسمية الأخرى، والثاني؛ قوى سياسية واجتماعية أخرى تكافح من أجل تأجيل أو ــ على الأقل ــ إبطاء الحركة السياسية نحو إحداث إصلاح حقيقي ذي معنى.

وتبدأ السردية الاصلاحية مع تسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية في العام 1999، إذ انصبت في البداية الجهود على السير قدماً على صعيد الإصلاح الاقتصادي أولاً، وبعد ذلك السياسي، إلى أن جرى السير بالإصلاح الاقتصادي - السياسي معا، كآلية هامة للاستجابة للمتغيرات التي عجّلت في إيجاد فتحة في انسداد الشرايين السياسية للنظام السياسي الأردني، الذي أدرك ثقل التحولات الإقليمية على احتمالية الدفع بالمزيد من مطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي داخل الدولة.

ومن هنا، فإن أهمية الكتاب تتمحور على مستويين: علمي وعملي؛ فالأهمية العلمية تكمن في تناول مفهوم محوري في حقل النظم السياسية وهو: الإصلاح في بعديه السياسي والاقتصادي في النظام السياسي الأردني تحديداً. بالاضافة إلى أن موضوع الإصلاح والتحديث يحتل مكانا واضحا في أدبيات التنمية السياسية. كما يستمد الكتاب أهميته العلمية من خلال تناولها للإصلاح ببعديه السياسي والاقتصادي بالتوازي. أما الأهمية العملية فتساهم النتائج في الكشف عن واقع وحقيقة الإصلاح في الأردن، وامكانية استفادة كل من المؤسسة التنفيذية والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمنشغلين بقضايا التحول الديمقراطي من النتائج التي يتوصل الكتاب إلىها. إنها تضع أمام صانعي القرار دراسة كميّة وكيفية عن عواقب العملية الإصلاحية، بما يفيد في البدائل والخيارات وعواقبها، ويعود على ترشيد القرار السياسي أمام الوحدات القرارية في الدولة.

وتكمن أطروحة الكتاب في الفكرة الأساس التي تمثلت بالانطلاق في البحث من واقع تطبيق برامج الإصلاح في الأردن على المستويين الاقتصادي والسياسي منذ أكثر من عشر سنوات خلت، التي استدعت أهمية تحديد مستوى المسافة بين البرامج المطروحة وتطلعاتها، بالمقاربة مع النتائج التي تمخّضت عنها على الصعيديين السياسي والاقتصادي، وذلك في سياق مقاربة ديمقراطية لحدود وأبعاد الإصلاح للنظام السياسي، وتناول العديد من المتغيرات المؤثرة في هذا الموضوع، ومن أهمها: (1) دور النخب السياسية و(2) هشاشة الولاية العامة للحكومات المتعاقبة، و(3) درجة ووزن الوزارة في عمليات النظام السياسي والعلاقة مع الملك. ومن هذا المنطلق، فإن إطروحتنا تجسدت في مناقشة السؤال المحوري التالي والذي تصدى له كتابنا، وهو: "في إطار المقاربة الديمقراطية، ما البرامج الإصلاحية على المستويين السياسي والاقتصادي في النظام السياسي الأردني، وما النتائج التي تمخضت عنها وآثارها؟".

وفي سياق ذلك، تناولنا في الفصل الأول الإصلاح السياسي في الأردن، في ضوء تصورات الملك (مركز النخبة الرسمية) تجاه الإصلاح السياسي وكذلك النخب السياسية غير الرسمية (الأحزاب السياسية والقوى السياسية الأخرى والمعارضة) حول الإصلاح السياسي، و التشريعات ذات البعد السياسي ركائزَ للإصلاح السياسي، ثم استعرضنا نتائج برامج الإصلاح السياسي في ضوء: تعثر الملكية الدستورية ، النخب السياسية و الإصلاح، التغييرات والتعديلات الوزارية الكثيرة وتعطيل مجلس النواب وحله، تعدد المبادرات واللجان الملكية ، التكامل السياسي داخل الدولة، إشكالية العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة السياسية، قانون الانتخاب وقانون الأحزاب، الثقافة السياسية، التعديلات الدستورية الجديدة لعام 2016 ، و بنى منظومة النزاهة ومحاربة الفساد.

وتناول التحليل نواتج الإصلاح السياسي، والتي انتجتها البرامج والنتائج. وهي كآثار للعملية الاصلاحية. وفي الفصل الثاني درسنا الإصلاح الاقتصادي من خلال : الإطار العام لسياسات الإصلاح الاقتصادي في الأردن ، الأهداف العامة لبرامج الإصلاح الاقتصادي ، الإصلاح الإداري، تصحيح سوق العمل الأردني وسياسات الأجور في القطاع العام ، وتفعيل السياسات والإنفاق.

وقمنا بتحليل الإصلاح الاقتصادي وبرامجه، في إطار :خصخصة مؤسسات القطاع العام وإعادة هيكلته، معالجة العجز في الموازنة العامة للدولة، تحرير التجارة الخارجية " الصادرات، والمستوردات، والميزان التجاري" ، التدفقات الرأسمالية : الاستثمارات الأجنبية المباشرة ،تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج، إدارة الدين العام ، وزيادة حجم الاحتياطات الرسمية، ثم حللنا نتائج برامج الإصلاح الاقتصادي وفق : النمو الاقتصادي العام ،متوسط دخل الفرد الحقيقي من الناتج المحلي الإجمإلى، معدلات الأسعار: التضخم، الإنفاق الحكومي على القطاعات الرئيسة (الصحة، والتعليم، والأمن، والعمل)، معدلات الفقر والبطالة، سوق العمل الأردني، معدلات الفساد، قياس أثر برامج الإصلاح الاقتصادي، أثر برامج الإصلاح الاقتصادي على تكإلىف المعيشة، أثر برامج الإصلاح الاقتصادي على دور القطاع الخاص، وأثر برامج الإصلاح الاقتصادي على التبعية الاقتصادية للاقتصاد الأردني.

وكذلك، قمنا بتحليل العلاقة بين مؤشرات الإصلاح الاقتصادي ومؤشرات الإصلاح السياسي ، وذلك لاستجلاء العلاقة الارتباطية بين المؤشرات السياسية والاقتصادية.

وفي الخاتمة، توصلنا إلى عدد من النتائج ، يمكن إجمال أهمها على النحو الآتي:

-بقراءة متعمقة للواقع السياسي والاقتصادي، يتبين أنه إن كانت الدولة الأردنية تعاني من تباطؤ الحركة على صعيدي الإصلاح السياسي والاقتصادي، إلا أن هنالك متغيرات/محددات أخرى لا بد من تناولها في الحسبان عند تقييم مجمل العمليات الإصلاحية في الدولة؛ وأهمها: الموارد الذاتية المحدودة وطريقة إدارتها، بالتوازي مع الواقع الجيوبولوتيكي المضطرب وتداعياته، وارتفاع درجة حساسية النظام السياسي(Sensitivity) في التعامل مع التطورات السياسية والإقليمية المحيطة. والحساسية تشير إلى أن درجة تأثر النظام بالتطورات الإقليمية والدولية وتداعياتها يشهد ارتفاعا ملحوظا، بالإضافة إلى حالة الهشاشة والانكشاف (Vulnerability) التي أوجدها مستوى الانخفاض في ركائز القوة/الموارد المختلفة التي تملكها الدولة.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن الدولة لا تزال تكافح في مجال الاستمرار والبقاء؛ لذا، فإننا نسمي هذه الحالة "قدرة الدولة على فن إدارة البقاء"، وحُسن إدارة التوازنات الإقليمية والدولية؛ وهذا يكشف عن أحد أهم أسباب صمود الدولة، وكأن الصمود والبقاء هو القدر السياسي للدولة الأردنية منذ تأسيسها، ولا يرغب بمغادرتها.

-إن الملك هو اللاعب المركزي في النظام السياسي الأردني، ويساهم بشكل رئيس في تأطير اتجاهات وأجندة متطلبات الإصلاح إلى جانب القوى الوطنية الداعمة والمطالبة به. وعندما يكون الحديث عن المطالب الإصلاحية وضرورات الخروج من حالة السكون الإصلاحي إلى الفعل على أرض الواقع، فإن البوصلة السياسية على الأغلب تشير إلى ضرورة "تدخل الملك". وهذا يكشف عن معالم الوزن النسبي الضعيف للحكومات المتعاقبة.

-إن العلاقة بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي، تحمل منطقا غير واضح في العديد من الحالات؛ فتارة نجد أن العلاقة طردية بينهما، إذ إن التطور في البرامج الاقتصادية ينعكس على مستوى التحسن في الجانب السياسي؛ وتارة أخرى نجد العلاقة معكوسة، فثمة تصاعد في برامج الإصلاح الاقتصادي ــ وإن كان ينجم عن بعضها نواتج اقتصادية صعبة على المستوى المعيشي للمواطن ــ يقابلها تراجع في الجانب السياسي؛ وأحيانا أخرى، نجد أنه ثمة علاقات ارتباطية بين بعض مؤشرات الإصلاح السياسي ومؤشرات الإصلاح الاقتصادي، مقابل عدم وجود علاقة ارتباطية لمؤشرات أخرى كما ظهر في معالجتنا في الكتاب.

-ظهر، وبشكل جلي، وجود علاقة عكسية غير مريحة إلى حد كبير بين مؤشرات الحاكمية الرشيدة، والفساد، والتنمية البشرية، والحريات السياسية والإعلامية، والمؤشرات الدولية الأخرى، وأهداف برامج الإصلاح.

-إن أبعاد العملية الإصلاحية في الأردن لم تسِر بالتوازي (كعملية شاملة المضامين والأبعاد) بين الجوانب كلها (الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي)، إذ افتقرت إلى حد ما صناعة البرامج الإصلاحية إلى تناول أثر العلاقة الجدلية بين أبعاد الإصلاح المتعددة والمتشابكة وتأثير كل منها على الآخر.

-ثمة علاقة عضوية وجدلية بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي؛ فقد لعبت نتائج الإصلاح السياسي دوراً معيقاً للتطور على صعيد الإصلاح الاقتصادي لوجود نخب تقليدية داخل النظام السياسي لا تزال تحاول عرقلة الجهود المبذولة في هذا الاتجاه.

-إن حقيقة الواقع الإصلاحي وأهدافه في الأردن في شقيه السياسي (السير المرحلي على طريق الوصول للحكومات البرلمانية كغاية نهائية) والاقتصادي (تحسين المستوى المعيشي للمواطن) يتباطأ تارة ويتعرقل تارة أخرى، ويشير إلى ضعف تحقق الأهداف والغايات من البرامج الإصلاحية، يشير كذلك إلى وجود مسافة ليست بسيطة بين هذه البرامج والنتائج التي تمخضت عنها.

-ثمة عوامل داخلية وخارجية تؤثر في تنفيذ برامج الإصلاح، وتشكل متغيرات وسيطة تقف عائقاً أمامه، من أهمها:

أ‌.وجود قوى داخل النظام السياسي الأردني تساهم في إبطاء وإعاقة الإصلاح.

ب. ارتفاع ترتيب الأردن في مؤشر مدركات الفساد (في آخر خمس سنوات تقريباً) وبما يؤكد على وجود علاقة ارتباطية عكسية بين تعثر وانخفاض الإصلاح وارتفاع الفساد.

ج- المتغيرات الإقليمية والدولية: إن التراجع الاقتصادي قد لا يعزى فقط إلى أمور تتعلق بالبرنامج الاقتصادي وحده، أو بنوعية السياسات الاقتصادية والمالية، أو بمستوى التنفيذ (وإن كان هذا جزءا منه)، بل هو كذلك بسبب ثِقل الآثار الاقتصادية والسياسية الناجمة عن المتغيرات الإقليمية والدولية على الأردن.

-وجود فجوة حقيقية بين الدعوة لإحداث تغييرات بنيوية حقيقية في النظام السياسي من جهة، والنتائج التي أوجدتها مضامين البرامج السياسية من جهة أخرى، ويمكن أن نعزو ذلك لجملة من الأسباب، أهمها :

-الضعف النسبي للحكومات المتعاقبة ومسألة " الولاية العامة"، وضعف تحملها مسؤولياتها بالمعنى السياسي. بالاضافة إلى تبعثر فكرة تلازم السلطة والمسؤولية. بالاضافة إلى آلية تشكيل الوزارات واختيار الطاقم الوزاري . في ظل غياب الوزارات السياسية التي ترتكز على الأحزاب السياسية البرامجية ضمن منطق الأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة.

-إن الإصلاح السياسي يأخذ منحنى "التدرج البطيء"، وأحيانا يتوقف ويعاني من العرقلة. فخطوة إلى الامام وخطوتين إلى الخلف.

-إن برامج الإصلاح الاقتصادي لم تفلح بشكل عام في حل مشكلات الاقتصاد الأردني، وتحسين المستوى المعيشي للمواطن كهدف نهائي للإصلاح.

-إن برامج الإصلاح الاقتصادي لا تزيد عن كونها خططاً مؤقتة وقصيرة المدى، ولم تكن ذات رؤية شمولية، تسعى لتحسين الاقتصاد على المستوى البعيد.

-إن برامج الإصلاح الاقتصادي لم تراع ِالأبعاد الاجتماعية مسبقاً عند التخطيط الاقتصادي

-نجحت السياسة النقدية في استعادة التوازن النقدي والمساهمة في احتواء الضغوط التضخمية إلى حد كبير.

وفي نهاية كتابنا قدمنا عدد من التوصيات والتي من شأنها تحسين موضوعين جوهريين : الملكية الدستورية وتجويد الحياة السياسية من ناحية، وتحسين المستوى المعيشي للمواطن وتخفيف معاناته من ناحية أخرى.


**  تقديم الكتاب بقلم : أ.د وليد عبد الحي - استاذ العلوم السياسية/ جامعة اليرموك

عمان، 4 آب 2018

إذا كانت الموجة الثالثة من موجات الديمقراطية طبقا لتصنيفات العالم الأمريكي صموئيل هنتينغتون بدأت عام 1974 ، فإن ثمة ميلا لدى العديد من الدارسين لجعل موجة الاضطرابات –او ما أسماه البعض الربيع العربي مع نهاية 2010- هو بداية الموجة الرابعة، وهو ما يعني أن الدراسة التي بين أيدينا والتي انجزها د. خالد العدوان بمشاركة من د. عماد الشدوح تحت عنوان " الاصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن :مقاربة ديمقراطية للبرامج والنتائج 1999-2017، تشكل جسرا بين الموجة الثالثة والموجة الرابعة، وهو ما يستدعي النظر لها من هذه الزاوية، أي أنها موشحة في نسيجها بخيوط من المرحلتين.

جعلت الدراسة - التي يزيد متنها عن 350 صفحة - من نموذجها الإرشادي (Paradigm) يتمحور حول ما اطلق عليه الباحثان مفهوم " فن إدارة البقاء"، ودللت على ذلك بالعلاقة بين السلطة ( ممثلة في الملك والسلطات التنفيذية والتشريعية بخاصة) وبين المجتمع (بنخبه وأحزابه وهيئات المجتمع المدني) من ناحية أولى وبين تحويل المشاريع والنصوص والأوراق النقاشية الى ممارسة فعلية وتطبيقية، ورأت الدراسة ان السمة الغالبة هي وجود فجوة في المستوى الاول بين السلطة والمجتمع وفجوة بين البعد النظري والبعد التطبيقي، وهو ما أولاه الباحثان عناية واضحة في أغلب صفحات الدراسة.

ورغم اعتماد " التدرج البطيء" في عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي ، إلا ان الباحثين رصدا الكثير من الثغرات التي تحتاج لتفسير وتوضيح، مثل تزايد معدلات الفساد( فكيف يزداد الفساد في ضوء الاصلاح ؟) او ارتفاع نسبة الانفاق الدفاعي من الانفاق الجاري ( رغم معاهدة السلام مع اسرائيل؟ )، فالأردن يحتل مرتبة متقدمة بين دول العالم في نسبة الانفاق الدفاعي الى اجمالي الناتج المحلي.

وتُطِلُ الدراسة على البعد الخارجي في مستوييه الإقليمي والدولي ، وكيف يؤثر كل من المستويين على آلية الاصلاح السياسي والاقتصادي، ويكاد الباحثان يوازيان بين التأثير المتبادل للأبعاد الداخلية والأبعاد الخارجية في ديناميكات العملية الاصلاحية ومستويات الديمقراطية.

وإذا كان موضوع الاقتصاد السياسي معنيا بالتأثير المتبادل بين الاقتصاد والسياسة ، فإن هذه الدراسة تمثل جوهر هذا الميدان المعرفي إلى جانب ميدان النظم السياسية، فهي وإن فصلت إجرائيا بين البعدين لضرورات منهجية، فإن التحليل جعلهما في إطار مصفوفة التأثير المتبادل (Cross Impact Matrix ) وهو ما يتضح في أغلب صفحات الدراسة .

وإذا كانت الدراسة اعتمدت التكامل المنهجي في رصد وتحليل أبعاد الموضوع (المنهج التحليلي ، منهج تحليل المضمون، المنهج الاحصائي) فإن توظيف هذه المناهج جاء متناغما مع مناهج دراسة الاقتصاد السياسي ، وتبدو تأثيرات المنظور البنائي( Constructivism) كما صاغها الكسندر وينت(Alexander Wendt) والقائمة على ربط الهويات والمصالح كمخرجات للتفاعل بين أطراف الظاهرة واضحة في مستويات التحليل المختلفة.

ويستشعر القارئ للدراسة ان التوجه العام في السياسة الاردنية نحو الاصلاح السياسي والاقتصادي له طابع " التكيف"(Adaptation) من أجل البقاء، أكثر من الاصلاح بمنظوره التطوري(Reform)، وكأن الاصلاح استجابة لضغوط عابرة من البيئة الداخلية او الخارجية لتعود المسيرة لنقطة البداية في لحظة تواري تلك الضغوط، وهو ما جعل الباحثان ينهيان توصياتهما بالإشارة الى ان الإصلاح "ليس سلعة سياسية لتجميل هيكل الدولة أو مجرد استجابة لضغوط داخلية او خارجية بمقدار ما هو ضرورة استوجبتها الحاجة لتكريس كرامة الإنسان وصون الحريات وحماية الدولة وتحصينها".

دراسة جادة، موثقة ، موضوعية بقدر كبير، يتسم التحليل فيها باللغة العلمية الملتزمة، ومن الضروري ان يولي المسؤولون الاهتمام بمخرجات هذه الدراسة العلمية.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير