الثلاثاء الأسود
جو 24 :
كتب د. سليمان الرطروط - شهد يوم أمس اجتماعين خطيرين، ستؤثر نتائجهما على المنطقة بل على العالم، ولعل تلك النتائج ستنعكس على العلاقات الدولية، كما ستجني آثارها الشعوب وخاصة في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط.
أما الأول فهو ورشة المنامة المخصصة للبعد الاقتصادي لفرصة القرن كما سماها كوشنر. ولعل ما يثير الاهتمام بورشة المنامة هو القبول العربي بإسرائيل كشريك وحليف موثوق به، والاستعداد الرسمي لبعض العرب وأهل الخليج لدعم الخطة وتسويقها، وفرضها إن لزم الأمر.
وقد جاء شرح كوشنر للخطة بدون وضع الحدود السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين ، ثم عرض فيديو للمنطقة وبدون حدود سياسية بين الدول_ وله معاني سياسية كبيرة_، حيث وعدت الخطة ب50 مليار، وإتاحة فرص عمل لمليون فلسطيني ، وتسريع الإنشاءات والبناء في الضفة وغزة، وزيادة الناتج الفلسطيني الحالي البلغ 13.8 مليار، وكأن مشكلة الفلسطينيين تنحصرفي الضفة وغزة، وأساس حلها الاقتصاد، ولم يدرك مقدار معاناة أهل فلسطين في الشتات كلبنان مثلاً، ومن يتواصل مع أهل الضفة الغربية يدرك مقدار حجم الزيادة في البناء، ولولا التضييق الصهيوني لأصبحت الضفة وغزة من أفضل مناطق التفوق الاقتصادي عالمياً.
إن الحضور الاقتصادي الكبير من دول العالم وبعض الساسة الغربيين المسؤولين عن المنطقة كتوني بلير مثلاً يعكس موافقة الدول الغربية على الخطة وإنسجام خططها معا لتنفيذها.
ولقد تعاملت الخطة مع الفلسطينيين جميعا وكأنهم على استعداد لبيع وطنهم للصهاينة الغرباء مقابل مليارات معدودة، وعلى الرغم من ذكر كوشنر أن الخطة استعانت بأفضل خبراء الاقتصاد في العالم ومن كافة الدول، إلا أنه على ما يبدو تغافل عن 7 مليون فلسطيني يعيشون في دول الشتات أغلبهم أطباء ومهندسين ورجال أعمال ويمتلكون الأموال والعقارات والجنسيات المختلفة وأوضاعهم الاقتصادية ممتازة، ولكن ما ينقصهم هوية وطن عاش أجدادهم فيه، ونفوسهم تعشقه، يعلقون خريطته وصورة مسجده الأقصى مجوهرات في رقاب عرائسهم، وفي صدور مجالسهم، ويوصي بعضهم بدفن رفاته فيه، لقد غاب عن كوشنر دعوة علماء الاجتماع والأخلاق والوطنية وعلم النفس والخبراء بسيكلوجيا النفس الفلسطينية لسماع وجهة نظرهم قبل إجهاد نفسه وإدارته في خطة سبقتها خطط كثيرة كان مصيرها الفشل، وكانت حسرة وندامة على صانعيها.
لقد غفل طفل البيت الأبيض المدلل أن فلسطين ومسجدها المبارك ملك لكل المسلمين في الحاضر والمستقبل، ولئن كانت هنالك قيادات في ظرف معين تقبل بطروحات الصهاينة وسيادتهم على القدس وفلسطين، إلا أن عجلة القوة تدور، ولن يبقى الحال كما هو، وما دام هنالك مساجد وقرآن يتلى فيها بسورة الإسراء، وذكرى سنوية للمعراج فلن يكون استقرار للصهاينة، وليشتري كوشنر لهم بمليارات الخليج أرضاً في أي بقعة أخرى.
وأما الاجتماع الأخر: فهو لقاء مستشاري الأمن القومي الأمريكي والروسي مع نتنياهو في القدس، لبحث الوجود الأيراني في سوريا ، ويأتي هذا الاجتماع بعد تأجيل الضربة الأمريكية لأيران ، والذي قيل إن نتينياهو هو من طلب إيقافها، وبعد جولة بولتون في عدة دول عربية_ ومعروف رأيه المعادي لإيران_، حيث اتهم إيران بأنها مصدر الإرهاب العالمي ، ولم يذكر أن سبب الحروب في الشرق الأوسط منذ قرن هي الحركة الصهيونية ودولتها.
إن نتنياهو والذي يسميه بعض اليهود بملك إسرائيل هو صائد فرص، ويستغل الوقت لتنفيذ استراتيجية الحركة الصهوينية من خلال ترامب ؛ كضم القدس والجولان وإلغاء الإنروا ، وتحطيم الدول المجاورة ، وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى.
والفكرة المثيرة في الاجتماعين هي المحافظة على أمن إسرائيل؛ والتي تملك رؤوساً نووية قادرة على إبادة كل العرب، وتملك سلاحاً جوياً الأكبر والأكفأ والأكثر تطوراً في المنطقة، وتحوز على أكبر قوة مدرعات ومنظومات صواريخ ، وجاهزية قتالية عالية، ومصانع السلاح والعتاد، ومنظومة سياسية ودبلوماسية فاعلة ونشطة، ومراكز بحث وجامعات بمستوى عالمي متقدم، ودعماً دولياً كبيراً ومن كافة الدول العظمى، فمما يخافون؟ إن الذي بحاجة للأمن هم العرب المساكين، والذين لا بواكي عليهم، ولا قائد يملك عناصر القوة ليرعى مصالحهم.
وأخيراً فهل سيكون يوم الثلاثاء 25/6/2019 يوماً أسوداً في تاريخ العرب والمسلمين ؟ وهل يكون يوماً ممهداً للمزيد من الضياع والاستسلام العربي؟
Sulaiman59@hotmail.com
#سليمان_الرطروط
#صفقة_القرن