في الليلة الرابعة لرحيل السنديانة
جو 24 :
هكذا وبكل بساطة رحلت ،سنديانة عجلون ،الشجرة المثمرة وارفة الظلال ،جدتي وامي الثانية ،صاحبة نبع الحنان والسيل الجارف من العواطف الجياشة ،اليوم فقط وبعد اغلاق الجرح دون شفاء بدأت اشعر بالالم ،اسستجمع نهرا من الذكريات لاغرق في بحر من الاحزان،منذ ان وعيت على الدنيا وانا ارى اهل عجلون يتفاخرون بشجرة ضخمة تزين وسط البلدة يسمونها (الكيناية ) لارتفاعها الشاهق ،و يقال ان سعيد اللحام زرعها في بداية القرن ،اما انا فكنت وما زلت اتفاخر "بسنديانتي"فاطمة مصطفى العبد الوالي القضاة ،التي ولدت مع الكيناية وماتت معها . كنت طوال عمري معجبا بشخصيتها القوية وصبرها الذي ليس له حد ،اتعلم منها وهي التي لم تذهب الى مدرسة او تعرف الكتاب ،لكنها كانت تسطر في كل يوم حكاية للنضال من اجل الحياة ،ربت ثمانية من الرجال والنساء وصنعت لهم اسما يفتخرون به.عندما درست الادب الانجليزي وطوفت في عدد من جامعات العالم كنت اتوقف عند القصص التي يشبه ابطالها جدتي ،واذكر ان استاذي ومعلمي الاول الراحل الكبير احسان عباس رحمه الله اندهش من حماستي ذات مرة عندما طلب مني ترجمة قصة موت في الغابات للكاتب الامريكي الكبير شيروود اندرسون ،فترجمتها بسرعة كبيرة ودقة عالية واندهش اكثر عندما شاهد دموعي تنساب وانا اقرأ الترجمة على زملائي من طلبة الدراسات العليا بالترجمة في الجامعة الاردنية ،سألني لماذا؟ ولم اتمالك نفسي وانا اهتف انها عن جدتي السنديانه،وكأن اندرسون يكتب عنها ويصف معاناتها مع الحياة وكفاحها الطويل ،واصريت على نشرها في اول مجموعة قصصية اترجمها تحت عنوان "البعيد والقريب" ،وحتى لوحة غلاف الكتاب للفنان العالمي ج مانكس اختارها المبدع زهير ابو شايب كانت عنها.جدتي التي كانت معي منذ ان وعيت على الدنيا ،في اول يوم لي بالمدرسة كانت معي،وعند نجاحي بالتوجيهي كانت معي ،وعند دخولي الجامعة كانت معي ويوم زواجي كانت معي وبفرحتي بابني الاول كانت معي ،عند كل انكسار كنت اتعرض له كنت اهرع اليها ،لا اشكو اليها كي لا تنساب دموعها لسرعة تأثرها وانما كي استمد منها العزم والقوة فروحها الوثابة كانت وستبقى تشعل بي الحماسة للحياة وتخطي الصعاب .في اليوم الرابع للجرح الذي لن يندمل اجدني يتيما واعود طفلا صغيرا ايمم شطر امي اطال الله بعمرها، سنديانتي الثانية في هذه الدنيا، اقبل يدها وادعو لها بطول العمر فهي تشبة جدتي بكل شيء.هكذا هي عجلون اشجارها ثابتة وتلك التي تموت تموت واقفة ...... . عامر الصمادي