"حماية الصحفيين": قانون المطبوعات والنشر الاكثر فتكا بحرية المواقع عصية الاحتواء "صور"
كشف تقرير حالة الحريات الإعلامية في الأردن لعام 2012 عن تراجع في مؤشرات الحريات الإعلامية رغم أجواء الربيع العربي وحركات الاحتجاج الشعبي التي انطلقت منذ نحو عامين.
التقرير الذي يصدره مركز حماية وحرية الصحفيين منذ 11 عاماً ويطلقه في الثالث من أيار من كل عام بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة نبه إلى أنه وعلى مدار عامين متتاليين استمرت حالة الانتهاكات الواقعة على الحريات الإعلامية في الأردن كما في غيرها في عدد من الدول العربية متأثرة بالربيع العربي.
وأظهر التقرير الذي يعد أحد أبرز التقارير الوطنية والإقليمية زيادة في توجه الإعلاميين إلى الاعتقاد بأن حرية الإعلام تراجعت في العام الماضي 2012، فلقد اعتبر 14% بأنها تراجعت بشكل كبير، باختلاف عما كان عليه الحال في عام 2011، حيث بلغت فقط 11.9% في استطلاع لرأي الصحفيين حول حالة الحريات الإعلامية في الأردن.
المؤشرات التي خرج بها التقرير الواقع في نحو 260 صفحة من القطع الكبير ويرصد لأول مرة مواقف واتجاهات الصحفيين من بعض القضايا العامة التي استأثرت باهتمام الرأي العام بينت أن 57.3% من الإعلاميين الذين شاركوا بالاستطلاع وعددهم 508 صحفي يعتبرون التشريعات الإعلامية في الأردن قيداً على حرية الصحافة وبفارق ملحوظ عن العام 2011 بلغ 9%.
وأظهرت نتائج الاستطلاع تراجعاً في الرقابة الذاتية بنقطة واحدة حيث بلغت 86% عام 2012 بعد أن كانت 87% عام 2011 رغم الرهانات بأن تختفي هذه الظاهرة المقلقة أو تتقلص بشكل كبير.
ويوثق الفصل الثاني من التقرير والمخصص للشكاوى والانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون خلال العام 2012 عدداً من الانتهاكات المتنوعة الماسة بحقوق الإعلاميين وبالحريات الإعلامية في الأردن بلغت 96 حالة تتضمن 61 انتهاكاً، وكان مركز حماية وحرية الصحفيين في إطار برنامج "عين" لرصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الإعلام والإعلاميين قد وثق جميع الحالات وقام بعملية استقصاء بشأنها.
المؤشرات التي سجلها تقرير الشكاوى والانتهاكات تلفت الانتباه إلى استمرار عدد من أشكال الانتهاكات في الحدوث أهمها الانتهاكات المتعلقة بالذم والقدح والتحقير ومنع التغطية والتهديد بالإيذاء، وسجل 10 حالات اعتداء بالضرب تكررت العام 2012، وغالبية هذه الحالات كان مناسبتها تغطية الصحفيين المعتدى عليهم للاعتصامات والمسيرات والتجمعات الشعبية المطالبة بالحرية والتغيير ومحاربة الفساد وارتفاع الأسعار.
وتضمن الفصل الثالث من التقرير دراسة متخصصة أعدها الزميل والباحث وليد حسني بعنوان "الخفاء والتجلي .. رؤية وممارسة الحركات الإسلامية في التعامل مع حرية التعبير والإعلام"، وهي دراسة استكشافية أولية.
وتهدف الدراسة إلى التعرف على مكانة حق التعبير في البرنامج السياسي والإصلاحي للحركة الإسلامية في الأردن، ومقارنة هذه المكانة في البرامج السياسية الإصلاحية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا.
ويقول الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور في مقدمة التقرير أنه "بعد عامين على الاحتجاجات الشعبية ما زال الإعلام في الأردن في مرحلة الكر والفر، تتراجع التدخلات الأمنية المباشرة، ويخجل بعض المسؤولين من إعطاء الأوامر الزاجرة للصحفيين، لكنهم لا يعجزون ولا يملون من اختراع وسائل للتقييد والوصاية".
وأشار منصور إلى أن "قانون المطبوعات والنشر المعدل كان براءة اختراع أردنية بامتياز، وباختصار، وبعيداً عن لغة المراوغة الحكومية التي تدعي أن هذا القانون جاء لتنظيم الإعلام الإلكتروني، فإنه الوسيلة الأكثر فتكاً بحرية المواقع الإخبارية الإلكترونية التي استعصت على الاحتواء والتدجين الرسمي، وأصبحت في غالبها حكومة ظل تنقل الحقيقة للناس، وتراقب وتساءل".
وأضاف إلى أن "الحريات التي انتزعها الصحفيون ببركات الحراك الشعبي، وبفضل تكنولوجيا المعلومات، وتطور وسائل الاتصال، تسعى الحكومة وبقوة القانون لاستعادتها وحرمانهم منها".
وتابع منصور بالقول أن "محاولات الإعلاميين للتقدم لانتزاع مكتسبات، وتقديم الحقيقة للجمهور، والتواجد حيث يكون الناس، اصطدمت بهراوة تترك علامات فارقة على أجساد الصحفيين، وتعيد ترسيم المباح والمعاقب، وعلاقة الإعلاميين بالسلطة".
وأضاف أنه "في أول الربيع العربي كانت رهاناتنا أكبر، وبعد تراجع وتعثر دول ثورات الربيع العربي في اختبار حرية التعبير والإعلام، أصبحت الردة والعودة خطوتان للوراء ليست نهاية العالم، وبعيون من ينظرون للخارج العربي يجدون أن شعارات حرية التعبير والإعلام قد سقطت بالتطبيق".
إستطلاع رأي الصحفيين
تقرير العام 2012 احتوى على استطلاع رأي الصحفيين حول حالة الحريات الإعلامية في الأردن ونفذه المركز خلال شهر يناير 2012.
وقام فريق من الباحثين المتخصصين بالاتصال هاتفياً مع عينة الاستطلاع والتي بلغت 508 صحفي وصحفية يعملون في مؤسسات إعلامية مستقلة وأخرى رسمية للإجابة على 303 أسئلة شملتها استمارة الاستطلاع تتوزع على 7 محاور رئيسية تناولت حالة التشريعات الإعلامية، الإعلام الإلكتروني، أساليب احتواء الإعلاميين، الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون، الرقابة الذاتية، موقف واتجاهات الصحفيين من الثورات والحركات الاحتجاجية، وتناول المحور الأخير ولأول مرة قياساً لمواقف وآراء الصحفيين حول الإسلام السياسي وحرية الإعلام.
لأول مرة أيضاً تناولت أسئلة الاستطلاع مواقف وآراء الصحفيين في بعض القضايا العامة التي استأثرت باهتمام الرأي العام.
وخضع استطلاع الرأي لعام 2012 لمراجعة وتدقيق حتى يواكب الأحداث التي مرت بالأردن وبالصحفيين، فلقد ألغيت العديد من الأسئلة التي تقادمت ولم تعد الإجابة عليها تشكل إضافة لمحتوى الاستطلاع.
وبينت منهجية الاستطلاع إجراء تطويرات على أسئلة مفصلية مثل ما يتعلق بالالتزامات الدستورية بقضايا حرية الإعلام، والتعديلات التي ارتبطت بقانون المطبوعات والنشر المعدل، وكذلك ما يتعلق بالإشاعات والأنباء التي انتشرت عن تلقي صحفيين رشاوى من مدير المخابرات الأسبق، والأهم السؤال عن مواقف واتجاهات الإعلاميين من قضايا عامة مثل حل البرلمان، ومحاكمة نشطاء الحراك الشعبي أمام محكمة أمن الدولة، ورفع أسعار المشتقات، وأخيراً الأسئلة المرتبطة بدراسة "الإسلام السياسي وحرية التعبير والإعلام".
أظهرت نتائج الاستطلاع العلاقة الجدلية المتشابكة بين منسوب الحريات الإعلامية وواقع الاحتجاجات والحراك الشعبي في الشارع الأردني، وأول هذه الشواهد إيمان الصحفيين بأن الاحتجاجات تسهم في زيادة مساحة الحريات تراجعت لتصل 81% بعد أن كانت 86% في العام 2011، وذات الأمر ينطبق على دورها في المساعدة في تدفق معلومات جديدة للناس فقد انخفضت من 86% إلى 84%، والحد من التدخل الأمني من 66% إلى 61%.
ويتراجع خوف الصحفيين من الملاحقات القانونية من 68% إلى 63%، وكسر الإعلام للخطوط الحمراء من 79% إلى 78.6%.
وكشف الاستطلاع أن 66.3% من الإعلاميين لا يؤيدون قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية، ولم يدعم هذا القرار بشكل كبير سوى 6.1%.
ولا تتجلى معارضة الصحفيين للتوجهات الحكومية في القضايا المعيشية فقط، فلقد رفض وبشكل مطلق 53.3% إحالة وتوقيف نشطاء الحراك الشعبي أمام محكمة أمن الدولة.
وبين الاستطلاع أن مواقف الصحفيين تتماشى مع مزاج الشارع، فهم وبغالبية واضحة يؤيدون حل البرلمان وبمتوسط حسابي 86.36%، ونفس الأمر في موقفهم من تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات، فلقد أعلن 82.57% عن تأييدها.
وبقيت نفس الذرائع لممارسة الرقابة الذاتية تتصدر الأسباب التي يعلنها الصحفيون لممارستها، 82% يطبقون الرقابة الذاتية حين يعتقدون أن ما سيكتبوه يخالف القانون، و70% حين يخالف العادات والتقاليد، و71% يستخدمونها لتجنب مناقشة القضايا الجنسية.
دوافع الرقابة الذاتية عند الصحفيين لم تتغير، وظل الإعلاميون يرددون ذات الشعارات حين يسألون لماذا تراقبون أنفسكم، فهم يجيبون وبنسبة 96.8% انتماء للوطن، ثم وفي المرتبة الثانية 96% يعتبرون ما يفعلونه دافعه المحافظة على أمن الوطن، 96.3% حتى لا يثيرون النعرات والمساس بالوحدة الوطنية، 95.4% دافعهم الوازع الأخلاقي، 86.9% حتى يحصلوا على احترام الذات والسمعة، 85.3% يعيدونه لدافع ووازع ديني، وأخيرا وبنسبة 56% يعزون ذلك لأنهم يعرفون سلفا بتعليمات مؤسستهم الإعلامية بما يمكن نشره ومالا يمكن نشره.
ولم ينكر 8.2% أنهم يقومون بذلك للحصول على حوافز مادية، 6.2% حرصاً على أن يحصلوا على ترقية ومنصب أفضل.
التابوهات التي يتجنب الصحفيون ملامستها ظلت نفسها، في المقدمة القوات المسلحة 91.3%، السلطة القضائية 84.1%، القضايا الدينية 74%، ويشكل أقل كثيرا الأجهزة الأمنية 68%، تحاشي القضايا الجنسية 72%، وتجنب النقد لزعماء الدول العربية والأجنبية تراوحت النسبة بين 42% وحتى 57%.
وتربعت أكثر ثلاثة مواضيع تعتبر خط احمر يتجنب الإعلاميون الاقتراب منه، أولا القوات المسلحة بنسبة 22.1%، والقضايا الدينية 13.5%، وانتقاد الأجهزة الأمنية 13.4%.
التعديلات الدستورية التي أنجزها الأردن عام 2011 جاءت لضمان التحولات الديمقراطية والإصلاح ودعم الحريات، ولكنها بنظر الصحفيين لم تحقق غاياتها ولا تلتزم الحكومة بإنفاذ الدستور.
وفي إجابات صادمة عن اعتقاد الصحفيين بان الحكومة التزمت بتطبيق وممارسة التعديلات الدستورية المتعلقة بالحريات الإعلامية يرى 3ر28% منهم أن الحكومة لم تلتزم بالدستور، و22.4% التزمت بتطبيقه بدرجة قليلة، 39.8% طبقته بدرجة متوسطة، وفقط 4.9% يؤكد أن الحكومة التزمت بإنفاذه بدرجة كبيرة.
ورغم أن الإعلام الالكتروني كان مستهدفا في عام 2012، وجاء قانون المطبوعات والنشر المعدل ليضيق الخناق عليه، فإنه حافظ على شعبية بين الصحفيين، واتخذ الغالبية مواقف مؤيدة له.
45.3% من الإعلاميين يرفضون شرط الترخيص المسبق الذي وضع في قانون المطبوعات والنشر المعدل ويعتبرونه قيدا على حرية الإعلام، 21.9% يعتبرونه داعماً لحرية الصحافة.
ويعارض 54% من الصحفيين حجب المواقع غير المرخصة بموجب أحكام هذا القانون ويعتبرون ذلك قيدا على الحريات، و16.5% يعتقدون أن ذلك في حرية الإعلام، والأكثر وضوحا كان رفض 60% من الصحفيين المادة التي تفيد بأن التعليق على المواقع الالكترونية هو جزء من المادة الصحفية ولم يؤيدها سوى 15%.
الإعلاميون رغم معارضتهم لقانون المطبوعات والنشر المعدل في أكثر مواده يثقون بأن تطبيق هذا القانون لن ينسحب على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، فيما يثق 43.9% منهم بأن تأكيدات الحكومة صحيحة وبأن القانون محصور أثره في المواقع الإخبارية الإلكترونية.
دور الإعلام الالكتروني في زيادة مساحة الحريات حافظ على ريادته، 86.4% كمتوسط حسابي يرون أنها ساهمت في رفع منسوب الحريات الصحفية،80% متوسط حسابي تدافع عن حرية الإعلام، 70.6% تسهم في تطوير الحوار، 61.8% تعتبره مصدرا لتدفق معلومات لها مصداقية، 55.2% يلعب دورا في تطوير الحالة المهنية، والأهم 93% يرون أن هذه المواقع أتاحت للناس الحرية في إبداء آرائهم وتعليقاتهم.
وأظهرت النتائج أن معارك احتواء الإعلاميين وشراء ذممهم لم تتوقف ولم تتراجع، والربيع العربي الذي يرفع شعار حرية الإعلام، ومحاربة الفساد لم يكن له وقع وصدى كبير في الوسط الإعلامي، والكلام الذي كان يهمس به سرا عن احتواء الصحفيين ورشاوى تدفع لهم تفجر علناً في أخبار وتقارير على المواقع الإلكترونية لم تتأكد صدقيتها بأن مدير مخابرات أسبق كان يدفع لمجموعة كبيرة من الصحفيين.
الأرقام عن الاحتواء لم تتغير، بل تزايدت، فمن يعترفون بأنهم تعرضوا للاحتواء بلغت نسبتهم 17.7% لعام 2012 بعد أن كانوا 16.7% لعام 2011.
وظل رجال الأعمال والحكومة، والمؤسسات شبه الحكومية والأجهزة الأمنية الأطراف التي تتصدر مشهد محاولات الاحتواء.
وحافظت الهبات المالية والهدايا على النسبة الأكثر شيوعا بين أشكال الاحتواء وبلغت 49.2%، تليها تسهيل الخدمات 20.5%، ثم التعيين في منصب حكومي وشبه حكومي 11.5%.
المفارقة التي لا تجد تفسيرا أن 72% يرون بان محاولات الاحتواء لا تؤثر على ممارستهم لعملهم المهني.
ولا يقتصر الأمر عند الصحفيين الذين يعترفون بأنهم تعرضوا للاحتواء، بل الأخطر بأن 53.1% من الإعلاميين تناهى إلى مسامعهم بأن هناك صحفيين تعرضوا لذلك، وحاصل جمع من تعرضوا مباشرة أو من سمعوا عن آخرين يرفع نسبة من تعرضوا للاحتواء إلى حدود 70.8% وهو مؤشر خطير جداً.
ويضاعف من خطورة هذه الظاهرة على استقلالية الإعلام، بأن 73.4% كوسط حسابي من الإعلاميين يعتقدون بصحة المعلومات التي تسربت عن تلقي صحفيين رشاوى من مدير مخابرات أسبق، وقد توزعت هذه النسبة مابين من يعتقدون بصحتها إلى درجة كبيرة 45.3%، وبدرجة متوسطة 23.6%، وبدرجة قليلة 10.2%، وفقط 8.7% ينفون صحة هذه المعلومات إطلاقاً.
وحين سُئِلوا عن الجهة التي يعتقدون أنها سربت هذه المعلومات، قال 31.8% أنها شخصيات متنفذة، 26.2% تقف خلفها جهات أمنية، 20.2% سربتها وسائل إعلامية، 11.4% اتهموا جهات حكومية، 3.8% اعتبروا جميع ما ذكر سابقاً.
وتتناقض إجابات الصحفيين حول هذه القضية التي أثارت الجدل ومازالت، فهم من جهة يثقون بصحة هذه المعلومات بشكل ساحق، وفي اتجاه آخر يعتبرونها تسريبات حكومية وأمنية وإعلامية، وباتجاه ثالث يرون أن الهدف من وراء تسريب هذه المعلومات جاء لتصفية حسابات بين مراكز قوى 33%، والإساءة لصورة الصحفيين 19.5%، وتوظيف الصحفيين في معارك ضد بعضهم البعض 14%، وكشف المتورطين بهذه الأفعال للرأي العام 12%، وكشف أساليب تعامل الأجهزة الأمنية مع الصحفيين 8.6%.
أبرز الضغوط التي تعرض لها الصحفيون كانت حجب المعلومات وبلغت نسبتها 23%، التهديد 12%، ويليها القدح والذم 10.2%، ثم المنع من التغطية 7%، وحجب المواقع 2% والضرب والاعتداء الجسدي 1.6%، ونفس النسبة للاستدعاء الأمني وحجز الحرية 1.4%، وتكسير أدوات العمل الصحفي 1.2% والإحالة لمحكمة أمن الدولة 0.4% .
بعد عشر سنوات على صدور تقرير حالة الحريات الإعلامية ظل القاسم المشترك في كل استطلاعات الرأي أن الصحفيين متفقون بأن الحكومة تتدخل بوسائل الإعلام، ومنذ عام 2004 سجل الصحفيون أن التدخل الحكومي بلغ 59.4%، وظل مؤشر هذه النسبة يتنامى حتى وصل إلى 68.8% لعام 2011، وتراجعت هذه التدخلات خطوة للوراء عام 2012 لتصل إلى 83.9%.
الحريات الإعلامية لا تنفصل عن الحراك السياسي، وقد استأثر ما يحدث مع الإعلام في دول ما بعد الثورات (مصر، تونس) باهتمام الإعلام الأردني، وبدأ بطرح أسئلة مقارنة وافتراضية عن موقف الإسلام السياسي وخاصة الاخوان المسلمين من قضية حرية التعبير وحرية الإعلام، وهل ينسحب ما يحدث من صراع وانتهاكات واتهامات بين الإعلاميين وحكومات الإسلام السياسي في مصر وتونس على النموذج الأردني، وهل إسلاميو الأردن يحملون ذات التوجهات والممارسات، وما مدى ثقة الإعلاميين بأنهم يؤمنون بحرية الإعلام؟!.
الاستطلاع لعام 2012 طرح أسئلة عن علاقة الإسلام السياسي بالإعلام، ووظفت في دراسة "الخفاء والجلي" الواقعة في الفصل الثالث من التقرير.
أرقام الاستطلاع تكشف عن أن تيار الإسلام السياسي لا يجد مناصرين كثر له بين الإعلاميين، فهناك كمتوسط حسابي 47.5% يعتقدون بأن أحزاب وتيارات الإسلام السياسي لا تؤمن بحرية التعبير والإعلام، وهناك 28% يقولون بشكل قاطع أن هذه الأحزاب لا تؤمن بتاتا بحرية التعبير والإعلام.
ويذهب 62.2% إلى الاعتقاد بان هذه التيارات ليست لديها برامج لدعم حرية التعبير والإعلام.
ويظهر الموقف أكثر بإعلان 43% من الصحفيين كمتوسط حسابي أن الإعلاميين الذين وصلوا للسلطة بعد الثورات لم يدافعوا عن حرية الإعلام، في حين قال 8.7% أنهم يدافعون عن الحريات الإعلامية بدرجة كبيرة، 27.8% يدافعون عنها بدرجة متوسطة، 18.9% يساهمون بالدفاع عن حرية الإعلام بدرجة قليلة.
وحول تقييم تجربة حرية الإعلام في الدول التي وصل لها الإسلاميون للحكم فان المستجيبين للاستطلاع تباينت آراؤهم ولكن من قيمها بأنها ممتازة لم يتجاوز 7%، ومن وصفها بالسيئة بلغ 29.5%، وجيدة 22.6% والمتوسط الحسابي 35.8%.
ويرى 40% من الإعلاميين أن أحزاب الإسلام السياسي لا تقبل بالرأي الآخر إطلاقاً، 28.3% يقبلون بالرأي الآخر بدرجة متوسطة، 21.7% يقبلون بدرجة قليلة، 8% يقبلون بالرأي الأخر بدرجة كبيرة.
ويرتفع بشكل حاد الموقف المعارض للصحفيين الأردنيين بإعلان 72% منهم بأن الإسلاميين ليس لديهم برامج ناجزة لدولة مدنية ولحرية التعبير والإعلام.
ثانياً: الشكاوى والانتهاكات
واستعرض الفصل الثاني من التقرير الخاص بالشكاوى والانتهاكات عدداً من الوقائع التي شكلت انتهاكات علنية وجسيمة عام 2012.
واستمر مركز حماية وحرية الصحفيين من خلال رصده وتوثيقه للانتهاكات الواقعة على الإعلاميين بنفس النهج والأسلوب الذي اتبعه في تقاريره السابقة، وحافظ على التطوير المنهجي الذي اتخذه عام 2011 عندما بدأ بآلية جديدة في تعامله مع الشكاوى التي ترد إليه من قبل الإعلاميين بشأن ما تعرضوا له من اعتداءات وانتهاكات طالت حرياتهم الإعلامية وحقوقهم الإنسانية في ضوء الأسس والمعايير الدولية، ومن خلال برنامج "عين" لرصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الإعلاميين.
وأشار فصل الشكاوى والانتهاكات إلى أن المؤشرات تلفت الانتباه إلى استمرار عدد من أشكال الانتهاكات في الحدوث أهمها الانتهاكات المتعلقة بالذم والقدح والتحقير ومنع التغطية والتهديد بالإيذاء.
وسجل برنامج "عين" لرصد وتوثيق الانتهاكات نحو 10 حالات اعتداء بالضرب تكررت عام 2012، وغالبية هذه الحالات كان مناسبتها تغطية الصحفيين المعتدى عليهم للاعتصامات والمسيرات والتجمعات الشعبية.
وتمكن برنامج "عين" لرصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الحريات الإعلامية من التحقق من وقوع عدد من الانتهاكات المتنوعة الماسة بحقوق الإعلاميين وبالحريات الإعلامية في الأردن في العام 2012.
وتوافرت لمركز حماية وحرية الصحفيين معلومات بشأن هذه الانتهاكات من خلال الحالات التي قامت الشبكة برصدها سواء من خلال الشكاوى أو البلاغات أم الرصد الذاتي.
وخضعت الحالات لتقصي الحقائق والمراجعة العلمية والحقوقية. ومن بين (96) حالة تلقاها المركز في عام 2012، تبين له أن (61) منها تنطوي على انتهاك أو أكثر يتعلق بالحريات الإعلامية أو بحقوق الإعلاميين.
وفي التفاصيل سجل تقرير الانتهاكات تسع أنواع من الانتهاكات الواقعة على الحقوق والحريات المعتدى عليها وعددها 61، فقد سجل 17 حالة اعتداء على الحق في عدم الخضوع للتعذيب أو لمعاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، 7 اعتداءات على الحرية الشخصية والأمان الشخصي، 22 اعتداء على حرية الإعلام والنشر والتعبير، حالة واحدة في حق الحصول على المعلومات، 3 في الحق بمحاكمة عادلة، حالة واحدة في الحق بمعاملة متساوية، 3 حالات الاحتجاز غير القانوني، حالتان في تحريم الدعوة إلى الكراهية أو العنصرية أو العنف، وأخيراً 5 اعتداءات على حرمة الممتلكات الخاصة، علماً بأن أغلب الحالات التي ثبت فيها وجود انتهاكات اقترن فيها الاعتداء على حرية الإعلام بإساءة المعاملة.
ولفت تقرير الشكاوى والانتهاكات إلى أن الانتهاكات الجسمية ما زالت ترتكب من قبل السلطات العامة في الأردن، كما أن سياسة الإفلات من العقاب مازالت قائمة.
وأشار إلى أن الانتهاكات متنوعة المصادر وتشارك فيها سائر السلطات العامة، ولكن يلاحظ بالمقابل في هذا العام ازدياد الاعتماد على القانون كأداة لتكميم أفواه الإعلاميين من خلال إحالتهم إلى محكمة أمن الدولة في بعض الحالات.
وكشفت عملية رصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الإعلام والإعلاميين في العام 2012 عن جملة من المسائل والاتجاهات، واللافت للنظر أنها ليست جديدة وتتطابق بشكل كبير مع ما جرى رصده في أعوام سابقة، فالانتهاكات الجسيمة المنطوية على الاعتداءات الجسدية والتي يقترفها أفراد الدرك والأمن العام مازالت تقع، وكذلك الحال بالنسبة للانتهاكات الأخرى.
واتسمت الانتهاكات التي طالت الحريات الإعلامية وحقوق الإعلاميين في العام 2012 والتي يشملها هذا التقرير، بأن جزءا منها يندرج ضمن الانتهاكات الجسيمة والمنهجية؛ وهي انتهاكات اتخذت شكل اعتداءات بدنية ولفظية وجسمية .
وأشار التقرير بأن مصدر هذه الانتهاكات الجسيمة السلطات العامة وبالذات الأمن العام، بالإضافة إلى انتهاكات مماثلة صدرت عن نواب ما زالوا في مناصبهم وقد تمثلت هذه الانتهاكات الجسيمة بضرب الإعلاميين والاعتداء عليهم جسديا، بالإضافة إلى توجيه شتائم مهينة ومسيئة لهم .
ولاحظ التقرير وجود ظاهرة آخذة بالازدياد والتفشي في الأردن؛ وهي الاعتداء على الحريات الإعلامية والإعلاميين من قبل نواب في البرلمان الأردني.
وبين التقرير أن الانتهاكات التي قام فريق برنامج "عين" برصدها وتوثيقها في هذا العام تنصبّ أكثرها على حرية الإعلام والنشر وإساءة المعاملة سواء أكانت معاملة مهينة أم لا إنسانية أم قاسية.
ويلاحظ التقرير بقلق شديد ظاهرة استخدام القانون والمحاكم الخاصة في الأردن كأداة لإيقاع العنف بحق الإعلاميين، فقد بات مألوفا وشائعا تحويل الإعلاميين لمحكمة أمن الدولة على أساس أن المواد الإعلامية التي قاموا بنشرها تشكل جريمة إطالة لسان بحق الملك، أو أنها تشكل مناهضة لنظام الحكم أو تحريضا ضده.
وتمكن برنامج "عين" من رصد وتوثيق (3) حالات مصدرها كان من خارج الأردن. وهي كلها تنطوي على انتهاكات واضحة للحريات الإعلامية ولحقوق الإعلاميين .. واللافت للنظر أن الانتهاكات التي وقعت من خارج الأردن كانت كرد فعل على نشر مواد إخبارية تتعلق بشؤون أردنية.
الدراسات والبحوث
الخفاء والتجلي .. رؤية وممارسة الحركات الإسلامية في التعامل مع حرية التعبير والإعلام
واحتوى تقرير حالة الحريات الإعلامية في الأردن في فصله الثالث على دراسة متخصصة أعدها الزميل الصحفي والباحث وليد حسني تحت عنوان "الخفاء والتجلي .. رؤية وممارسة الحركات الإسلامية في التعامل مع حرية التعبير والإعلام".
وتأتي هذه الدراسة في سياق عمل استكشافي أولي يستهدف التعرف على مكانة حق التعبير في البرنامج السياسي والإصلاحي للحركة الإسلامية في الأردن، ومقارنة هذه المكانة في البرامج السياسية الإصلاحية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا.
وجاء في الملخص التنفيذي للدراسة أنها "دراسة استكشافية لم ترغب بالغوص طويلا في التفاصيل لكنها بالمقابل حاولت نسج الخيوط لتشكيل رؤية أولية عن موقف حركات الإسلام المعتدل من الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير والإعلام".
وتوقفت الدراسة في الفصل الأول عند مسيرة الحركة الإسلامية ورحلة التعبير في المفاهيم من "المغالبة إلى المشاركة"، وقد تم البحث في المشاركة السياسية للإخوان في الأردن وكيف تحولت الحركة الإسلامية من راغب بالشراكة في السلطة قبل اتفاقية وادي عربه إلى زاهد فيها بعد توقيعها، مما شكلت خلافا في المواقف والمفاهيم وصولا للاشتباك بينها وبين السلطة.
وتوقفت الدراسة أمام التغيرات في خطاب الحركة الإسلامية ما بعد أحداث 11 سبتمبر أيلول 2001 وحتى احتلال بغداد في 9 نيسان 2003، وما طرأ أيضا على موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تحول في موقفها تجاه الإسلام السياسي المعتدل، ولتحقيق ذلك توقفت الدراسة عند نموذج للحوارات الناجحة التي جرت بين مؤسسة كارنيغي وممثلي الحركة الإسلامية في عدد من الدول العربية في سياق البحث عن وسيلة لإعادة ترتيب المفاهيم بين الغرب والحركات الإسلامية.
واستعرضت الدراسة كامل التقرير التقييمي الذي وضعته كارنيغي وأظهرت فيه نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف مشيرة إلى عدم وضوح الرؤية والمواقف توافقا وتعارضا في العديد من القضايا التي لم توضِّح الحركة الإسلامية موقفها منها بشكل واضح.
وتوقفت هذه الدراسة مليا أمام الأسئلة الست الرئيسية التي يتوجب على الحركة الإسلامية الإجابة عليها وتوضيح موقفها منها وهي: الشريعة الإسلامية، الموقف من استخدام العنف، الموقف من التعددية السياسية وقبول الآخر، الحقوق المدنية والسياسية، الموقف من حقوق المرأة، الموقف من الأقليات الدينية.
وخصصت الدراسة الفصل الثاني لاستكشاف الخطاب الإعلامي للحركة الإسلامية ما بعد الربيع العربي.
وتوقفت في الفصل الثالث أمام الإسلام السياسي وحرية التعبير من خلال استطلاع للرأي العام شمل 508 إعلاميا وإعلامية، وتضمنت ورقة الاستطلاع 9 أسئلة.
وبحثت الدراسة مطولا في الفصل الرابع مفهوم ومكانة الحريات العامة وحرية التعبير والإعلام في خطاب الإصلاح لدى الحركة الإسلامية، من خلال تحديد مفهوم الإصلاح الوارد في برنامجها الشامل للإصلاح سنة 2005 باعتباره البرنامج المعتمد من الحركة الإسلامية ويعبر عن وجهة نظرها وموقفها الكامل تجاه ذلك.
وتوقفت أمام مكانة الحريات العامة في الخطاب الإصلاحي للحركة الإسلامية، وناقشت مفهوم ثنائية الثقافة والإعلام لدى الحركة.
وخصصت الدراسة فصلها الخامس لعقد مقاربة حول مكانة حرية التعبير في برنامجين إصلاحيين للإخوان المسلمين في سوريا ومصر، وخلصت إلى أن مكانة حرية التعبير في مشروع الإصلاح لجماعة الإخوان المسلمين في مصر جاءت متواضعة جدا فلم ترد في المشروع المصري للحركة أية إشارات مباشرة لحرية الإعلام والتعبير إلا في سياق جملة واحدة دعت الحركة فيها إلى ما أسمته "تنقية أجهزة الإعلام من كل ما يتعارض مع أحكام الإسلام ومقتضيات الخلق القويم".
ورأت الدراسة أن الجماعة في سوريا دعت إلى دعم وترسيخ حرية التعبير والتفكير والإبداع والتنمية والتطوير على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والفنية وغيرها بما لا يتعارض مع ثوابت الأمة، ودعم وتشجيع ونشر مختلف أشكال الفن والترفيه الهادف والبريء، ونشر الخلق السليم والدعوة للقيم العليا للأمة، وترسيخ الهوية العربية والإسلامية للأمة والدفاع عنها وعن قضاياها الحية، والوقوف في وجه التحديات التي تواجهها على شتى الأصعدة.
وخصصت الدراسة الفصل السادس إلى استجلاء نماذج تطبيقية من كيفية تعامل الحركة الإسلامية في الأردن مع حالة "التفكير داخل الجماعة"، وحالة التفكير خارجها، وتوقفت أمام نموذجين أولهما موقف الحركة الإسلامية من "مبادرة زمزم" التي تبناها قياديون داخل الحركة ودعوا فيها إلى إصلاح الحركة الإسلامية من داخلها، وكيف تم التعامل معهم برفض تلك المبادرة وصولا إلى إصدار دعوات تطالب بفصل من تبنى المبادرة ومحاكمة من وقع عليها.
وتوقفت الدراسة أمام نموذج الإسلاميين في الحكم في مصر كنموذج وكيف يتم تعامل الإخوان مع حرية الصحافة والتعبير.
وخصصت الدراسة الفصل السابع إلى شهادات قيادات إسلامية وخبراء في الحركات السياسية وباحثين وسياسيين رأت أن من المهم الاستماع إليهم والى آرائهم وتقييماتهم والاستفادة منها.
وكشفت الشهادات عن إشكالية الممارسة والتطبيق تجاه حرية التعبير والإعلام في خطاب الحركة الإسلامية واختلاف المناخات السياسية التي تعيش فيها ما بين خط المعارضة عندما تكون فيه، وخط السلطة عندما تكون فيه أيضا.
وبحسب شهادة القيادي الإسلامي البارز د. ارحيل غرايبه فقد بدأ خطاب الحركة الإسلامية بالتطور منذ سنة 1989 بعد دخول الحركة الإسلامية إلى البرلمان، وتطور هذا الخطاب في السنوات التالية وصولا إلى سنة 2009 عندما طرحت الحركة الإسلامية مبادرة الملكية الدستورية، وبدأت الحركة الإسلامية بتشكيل اللجان لمتابعة المبادرة التي كانت نقطة تحول هامة لأنها أصبحت أقرب إلى الواقع، وطرحت حلولا عملية اقرب للتطبيق.
ويربط د. غرايبه بين حرية الإعلام والصحافة وبين مبدأ "المر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى أن تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيكون أمرا مرفوضا تماما، لأن مهمة الصحافة والإعلام يجب أن تنبثق مهمتها الأساسية من هذا المبدأ الكبير.
وبحسب د. محمد أبو رمان فان الحركة الإسلامية لا تملك تأسيسا فقهيا يمكنها من إرسال ضمانات للشارع وللمجتمع بأنها لن تحاول فرض برنامجها الاجتماعي على المجتمع سواء بالأسلوب الخشن أو الناعم .
ويسأل إبراهيم غرايبه في شهادته عن موقع ومكانة حرية الرأي والتعبير في التكوين النفسي والأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، قائلا انه بالتأكيد يتناقض تماما مع حرية الرأي والتعبير التي نعرفها، لأنه عندما تعتقد جماعة من الناس أنها تمثل الحق الذي نزل من السماء فهي حتما ضد حرية التعبير بالرغم من أن الإسلام ليس ضد حرية التعبير، لكن التكوين الأيديولوجي للإخوان يتناقض حتى مع الإسلام نفسه، لأن الجماعة تعتقد أنها تطبق حقا نزل من السماء، لذلك فان كل اختلاف معهم هو اختلاف مع الله.
ويؤكد غرايبه أن الإسلاميين يمارسون على من يختلف معهم العديد من الممارسات العدائية، وتطبق تلك الممارسات العدائية أبشع تطبيق، وتستند في ذلك إلى مكونين رئيسيين أولهما التكوين الأيديولوجي، والميراث الاجتماعي بكل أمراضه السلبية والعدائية، وهم في النهاية جزء من المجتمع الذي تربى على روح الاستبداد.
ويؤكد غرايبه أنه من الصعب أن تتفق حرية الرأي مع فلسفة الإسلام السياسي، لأن الإسلام السياسي يقوم على مبدأ اليقين، والحرية تقوم على مبدأ الشك والتجريب والبحث والمحاولة، ومن هنا فان ديمقراطية الإسلام السياسي تعني اللجوء إلى صناديق الاقتراع من أجل إثبات يقين مسبق، وهذا يتناقض بالتأكيد مع الديمقراطية لأنه رفض للآخر عندما يتم الحصول على الأغلبية.
ويضيف غرايبه قائلا عن الحركة الإسلامية لا تملك فهما واضحا للحريات العامة ولحرية التعبير والإعلام، خاصة وإنهم يميلون في فكرهم وسلوكهم إلى تمثيل الحالة الشعبية للتماهي معها.
ويرى أن الجماعة اضطرت لتعكس مزاجا جديدا بعد الربيع العربي هو مزاج الربيع العربي نفسه"الحرية والكرامة" وتمثل ذلك في الموقف من النظام السوري، فأنصار القضية الفلسطينية والتحرر كانوا يعتقدون أن النظام السوري نصيرهم، وفوجؤوا بأنه نظام مستبد جدا وحصلت القطيعة معه من خلال حركة حماس التي وجدت نفسها على مفترق طرق، وانحازت في النهاية إلى المزاج الجديد وهو مزاج "الحرية والكرامة".
ويعترف رئيس تحرير موقع البوصلة ناصر لافي في شهادته بأن أداء مؤسسته الإعلامية المقربة من الحركة الإسلامية اختلف بعد الربيع العربي، وأصبح لدينا خطاب مختلف، فالقيود التي كانت تفرضها إدارة التحرير على الخطاب أصبحت أكثر تساهلا في انتقاد السلطة، وأصبح المجال أمامنا أوسع ولا يخضع منتجنا الإعلامي للتدقيق الكبير لكون المساحة التي تهيأت لنا بعد الربيع العربي والحراكات الشعبية في المملكة أكثر اتساعا مما سبق.
ويشير إلى أنه قبل الربيع العربي كنا نعاني من الآراء والمواقف، وكانت تلك الآراء تخضع للتحرير والمراجعة، ولكن بعد الربيع العربي أصبحت مهمتنا أسهل بكثير.
وهذا عين ما يراه عاطف الجولاني حول التغير في الخطاب السياسي والإعلامي للحركة الإسلامية بعد الربيع العربي قائلا إن ذلك قد حصل، قبل الربيع العربي ، فقد كانت الحركات الإسلامية حركات مضطهدة وفي أغلب الأحيان محاصرة ومحرومة من المشاركة بفعالية في العملية السياسية، وبعد الربيع العربي تغيرت الأوضاع والبنية السياسية بشكل كبير، فبعد أن كانت الحركات الإسلامية تمارس دور الحركات السياسية المعارضة التي لا تتحمل المسؤولية وبالتالي كان خطابها في كثير من الأحيان يتجه نحو الجانب النظري الذي لا يتعاطى مع الضرورات، ولم تكن مضطرة للإجابة على تساؤلات صعبة يفرضها الواقع، فضلا عن تحمل أعباء إدارة الدولة والمجتمعات.
ويرى مروان شحادة قصرا واضحا لدى حركات الإسلام السياسي تجاه حرية الرأي والتعبير والإعلام من خلال إيجاد حالة من الثقة المتبادلة والطمأنينة لدى عوام الناس، فقد تعودت الناس ممارسة حرياتها بدون قيود، والحركات الإسلامية متسرعة بالوصول للسلطة، وهذا ناجم عن عدم فصلها بين الدولة وواجباتها وبين الدين من حيث التشريع، والاستناد إلى آلية مرجعية لأن الانتقال من العلمانية الصلبة إلى المزاوجة بين العلمانية التي اعتاد الناس عليها والتعايش معها في ظل دولة الاستبداد إلى دين يثير الرعب والتخوف لدى عوام الناس، وبالتالي عليهم مسؤولية كبيرة لترسيخ مفاهيم الثقة والطمأنينة لدى الناس من خلال الانتقال التدريجي الذي يرتبط بفترات زمنية طويلة.
ويؤكد القيادي البارز في الحركة الإسلامية زكي بني إرشيد التزام الحركة بما صدر عنها وبالنص الشرعي الذي يعتبر مرجعية لها وبالصدارة من ذلك قول الله تعالى "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وقوله تعالى "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ومن واقع المعاناة التي مرت بها الأمم والشعوب التي عانت من قمع الحريات وإقصاء الخيارات الأخرى وأدت إلى إضعاف الأمم ومكانة الشعوب وأوصلتنا إلى مراحل الدول الفاشلة وباعتبار أن الحركة الإسلامية صاحبة مشروع حضاري يتجلى بالاهتمام بالإنسان والحضارة والتنمية والرحمة فان المقتضى الأدبي والأخلاقي والشرعي والوطني يستوجب احترام الرأي وصيانة الحريات.
وحول تغير خطاب الحركة الإسلامية ما بعد الربيع العربي قال بني إرشيد إن الوضع الطبيعي أن تتوقف الحركات والتيارات السياسية أمام المتغير الإقليمي ومن المهم التنبيه إلى أن الحركة قدمت خطابا يتصف بالمرونة والتطوير المستمر ومن يراجع البرنامج الانتخابي للجماعة عام 1989 ويقارنه مع الأدبيات اللاحقة يدرك حجم التطور الايجابي في التعامل مع مفردات مثل الديمقراطية وإرادة الشعوب وتقرير المصير.
ولا يعتبر عريب الرنتاوي الحركات الإسلامية مدافعين أشداء عن حرية الرأي والتعبير والصحافة إلا بالقدر الذي تخدم هذه الأطراف مصالحهم وتساعدهم في خدمة نشاطاتهم الدعوية والسياسية، وفي هذه الحالة يكون حماسهم للدفاع عنها شديدا.
ويقول الرنتاوي إن بمقدورنا تقييم أداء وخطاب هذه الحركات وهم في السلطة، فتجربة الإخوان المسلمين في الحكم في مصر وفي تونس بدرجة أقل قليلا غير مريحة، وتثير القلق فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير والصحافة، وخلال ستة أشهر من حكم الرئيس المصري محمد مرسي رفعت دعاوى على الصحفيين والإعلاميين بتهمة إطالة اللسان أكثر مما تم رفعه طيلة أكثر من مئة عام من تاريخ مصر أي منذ عصر الخديوي.
ويخلص الرنتاوي إلى نتيجة مفادها أنه من الصعب الحكم على مواقف هذه الأطراف من حرية الرأي والتعبير والإعلام فقط من خلال مناقشة خطابها أثناء وجودها في المعارضة، فالخطاب الذي تقدمه الحركة الإسلامية حمَّال أوجه، ومشروط، وقد ينقلب إلى النقيض تماما إذا ما انتقلت إلى السلطة.