اين العرب و ملياراتهم عن مسلمي جورجيا ؟
جو 24 : موسكو - كتب محمد عودة - كل شخص في العالم يحلم بقطعة من الأرض تسمى الوطن.و عندما يسلب هذا الحلم و يحرم الشخص من حقه في حياة كريمة ومشرقة المستقبل على ارض ابائه و اجداده، تتحول القضية لمسألة شخصية ذات بعد اجتماعي بعد ان فقد الشخص كافة الوسائل التي تبقيه متصلاً مع جذوره و اقربائه و أصدقائه ،كل هذه الظروف تجعل من الشخص متمرداً على الظلم و القهر و الحرمان و تجعله كالقنبلة الموقوتة يمكن ان تنفجر في أي وقت و في أي مكان، و هذا ما ينطبق على شعب "الاتراك الميسخيتينسه ". قصة حياتهم تعد مثالاً واضحاً للثبات والصبر وحب الوطن المسلوب و الإلتزام بدينهم و عاداتهم ،مهما كتبنا ومهما تحدثنا يصعب علينا معرفة كم من الصعاب و الاختبارات التي خاضها هذا الشعب لاثبات وجوده مع المحاولات الحثيثة للأخرين لطمس هويته.
في عام 1944، كانت الضربة الاولى لهم بعد ان قرر ستالين ترحيل الأتراك المسخيت و الذين كانوا يعيشون في جورجيا في المناطق الحدودية مع تركيا (سامتسخي-جافاخيتي)، بتهمة مساعدة العدو، فتم ترحيلهم قسراً من جورجيا إلى كازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان،حيث اسكنوا في قرى منفردة . قبل ان يتلقوا الضربة الموجعة الثانية و التي تمثلت هذة المرة بمواجهات عرقية و صدامات عنيفة حصلت في مدينة فرغانة الاوزبكية عام 1989 بينهم و بين مجموعة مواطنين اوزبك تصاعدت أحداثها بعد مقتل شاب اوزبكي في مواجهات اقرب ما تكون لمعارك شوارع راح ضحيتها المئات من القتلى و الجرحى من الطرفين.بعد هذه الاحداث العرقية الدامية و بعد ان فقد الكثير من الناس ابناءها و اصبحوا مشردين بلا مأوى، اجبر "الأتراك الميسخيتينسه" مرة أخرى على المغادرة إلى مناطق شمال القوقاز التي اخذت على عاتقها هذه المرة مسؤولية استقبالهم .
وفي عام 1999،و في مساعي الحكومة الجورجية للانضمام إلى "المجلس الأوروبي "، الزمت الحكومة الجورجية نفسها خلال عامين على اعداد قانون يضمن عودة المهجرين الاتراك المسيختينسه إلى وطنهم الأم ، وخلال عشر سنوات من تاريخه سيتم ترتيب عودتهم بشكل نهائي إلى جورجيا.و ذكرت الحكومة الجورجية في حينها بأن عدد الذين سيشملهم القانون وفق إحصائيات رسمية سيقارب 300.000 شخص ينبغي عل الحكومة الجورجية إتاحة الفرص وتهيئة جميع الظروف لعودتهم إلى وطنهم الام بموجب شروط الاتفاقية التي تؤهل جورجيا للانضمام إلى المجلس الأوروبي.
لغاية الان عمل جيد و مبادرة رائعة ، ولكن ما حقيقة الأمر على ارض الواقع؟
بحكم عملي كصحفي و تنقلي المستمر بين الجمهوريات القوقازية المختلفة مما سمح لي البقاء على اتصال دائم مع مسلمي منطقة القوقاز و خصوصاً مسلمي جورجيا و الذين تربطني بالعديد منهم علاقات أخوة و صداقة ، و دائماً اشعر بالقلق الكبير الذي يغلفهم فيما يتعلق بمصيرهم، لا سيما في الفترة الاخيرة في سياق الصراع الدائر بين أنصار الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي ورئيس الوزراء بيدزيني إيفانيشفيلي على توزيع الصلاحيات، فنحن نرى بأن الحكومة الجورجية قد أدارت ظهرها لمشاكل القوميات و الأقليات في جورجيا و رمت بهم للصفوف الخلفية من اولوياتها ،بعد انشغالها بالصراع الداخلي على السلطة. الآن أصبح من الواضح أن أحداً في جورجيا لن يقبل بعودة الاتراك الميسخيتينسه (أكثر من 60 في المائة وفقاً لإستطلاعات الرأي للسكان الجورجيين ضد إعادة الاتراك إلى الوطن).فهم اصبحوا منبوذين في بلادهم ليس عن ذنب اقترفوه و لكن وفقاً لاهواء و نزوات الانتهازيين السياسيين هناك. فاليوم آلة الدولة الجورجية شكلت عدة حواجز و عوامل تجعل اللاجئ الذي يرغب بالعودة لوطنه الأم يعيد النظر جدياً في فكرة العودة لجورجيا.
ففي عام 2007، اقر البرلمان الجورجي قانوناً بشأن العودة إلى الوطن، الذي، ووفقاً لخبراء من منظمة "هيومن رايتس ووتش " ليس قانوناً اجتماعياً شاملاً اي انه تناول فقط الأساس القانوني للانتقال إلى جورجيا،و لم يتحدث حول عملية إعادة التوطين وطرق تمويلها و برامج إعادة التأهيل للمهجرين بحيث تسمح لهم باندماج سلس في مجتمع جديد عليهم نسبياً.مع كل هذه الملاحظات أصرت الحكومة الجورجية على إقرار القانون بشكله القبيح هذا دون إجراء أية تعديلات عليه لاقتناعهم بشموليته و عدالة فحواه.
و فور اعتماد قانون العودة في جورجيا خرج للضوء العديد من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال عودة الأتراك الميسخيتينسه إلى جورجيا، ولكن المستفيد الرئيسي من منح الاتحاد الأوروبي والدعم الرسمي لتبليسي، هي منظمة سامتسخيه-دجافاخيتي "توليرانت" ،هذه المنظمة ومع علاقاتها القوية المباشرة مع الحكومة و مع الهيئات الحكومية التي تعمل مع اللاجئين والعائدين،واصل مسؤولوها انتقاد قصور الأنظمة التشريعية في جورجيا التي تخص اللاجئين والغياب الفعلي للدولة في حل هذه القضية.و على حد قول مدير هذه المنظمة "توليرانت" تسيري ميسخيشفيلي " الأتراك الميسخيتينسه الذين عادوا إلى وطنهم جورجيا، عملياً لم يحصلوا على أي شيء فالعائدون دفعوا بأنفسهم تكاليف الانتقال و السكن، و ايضاً شراء احتياجاتهم الضرورية الخاصة من طعام و شراب و دواء و كساء،فمع غياب الدعم الحكومي لهم يمكن لهؤلاء الناس الاعتماد فقط على الدعم من المنظمات غير الحكومية و التي تعاني من شح الموارد أصلاً ".
بدوره يرى رئيس تجمع الاتراك المهجرين "فاتان" إسماعيل موليدزي في جورجيا، أن القانون الصادر سنة 2007 قد اوجد العديد من العقبات البيروقراطية في وجه العائدين ،على سبيل المثال يجب تقديم 16 شهادة طبية توكد خلو الشخص من الامراض ،و ورقة إعلان الملكية تحتوي على 45 سؤال و الاجابة عليها فقط باللغة الجورجية واللغة الإنجليزية و التي لا يتقنها الكثير من العائدين كونهم اساساً فلاحين و من مناطق ريفية جبلية،بالإضافة لطلبات رسمية و شبه رسمية من قبل الجانب الجورجي تطالب العائدين بالتخلي عن أسمائهم و عن لغتهم الاصلية و عن دينهم و اعتناق الدين المسيحي لتسهيل عملية دمجهم في المجتمع الجورجي الرافض اصلاً لفكرة تقبلهم كمواطنين .
من الواضح أن سياسة ساكاشفيلي تجاه المسخيتينسه تستند إلى الرغبة فقط في إرضاء أوروبا، و إظهار مدى التزامه بالقانون و حرصه على تطبيق اتفاقياته امام المجتمع الدولي، و هذا ما يسمى في المصطلحات الدولية "الواجهة الديموقراطية".
لايمكننا ان ننسى الأحداث التي وقعت في الثامن من آب/أغسطس من عام 1990، عندما و صل حوالي 1500 من الاتراك المسيخيتينسه إلى مدينة أدلر على البحر الأسود وكانوا ينوون الذهاب الى جورجيا و قطع الحدود بالقوة في حملة كان اسمها "الرجوع للوطن" و على الجهة المقابلة من الحدود و تحديداً في قرية ليسيليدزي الحدودية تجمع عدة آلاف من الأشخاص من جميع انحاء ابخازيا في نفير عام اعلنوا فيه عزمهم على قطع الطريق على القادمين الاتراك بقوة السلاح مع وصول جموع اخرى من الغاضبين الى مدينة ليسيليدزي من غرب جورجيا اعلنوا في وقتها الحرب المقدسة على المسلمين العائدين لوطنهم الأم ،هذة الازمة كانت ستوقع بلا شك خسائر كبيرة في الارواح لولا تدخل السلطات المحلية في روسيا و وجود عدد من العقلاء بين طرفي الأزمة استطاعوا نزع فتيل الازمة حتى و لو كان بشكل مؤقت.فماذا يمنع طرفي القضية من جديد من الاحتكام لقوة السلاح و فرض واقع جديد على الأرض؟ فالمشرد لا شيء عنده ليخسره و هو قادر على ان يراهن على كل شيء من لا شيء !
يجب علينا ان نكون واقعيين ونعترف بأنه لن يتم حل مشكلة عودة "الأتراك المسخيتينسه" في خطوة واحدة و من الجولة الأولى . فكل هذه الخطوات لتنفيذ الالتزامات، و بين كل هذه المناكفات و المناقشات بين الطرفين حول من هو على حق، ومن هو على خطأ، كل هذا لن يحل المشكلة و سنبقى في مكاننا. فالتعامل مع الملفات التاريخية العالقة والتي تؤثر على ما يحدث اليوم، كلها ستحل لو وجدت الإرادة السياسية الصادقة.
فالمجتمع الجورجي و الحكومة الجورجية لغاية الان ليسوا قادرين و غير مؤهلين للتعامل مع ملف "الاتراك المسيختينسه" بشكل خاص ، و مع مواطينيها المسلمين بشكل عام.فلا تزال مشاعر العداء و العنصرية ذات الدلالة و الصبغة الدينية سائدة و بقوة في المجتمع الجورجي.فأنا اعتقد أن كل هذه الملفات العالقة لا يمكن حلها دون مشاركة مباشرة و نشطة من جانب الدول العربية و الإسلامية والمنظمات غير الحكومية الدولية. فجورجيا بتعنتها هذا بعدم معالجة أوجه القصور والثغرات في التشريعات القانونية التي تخص الأقليات العرقية و الدينية و مواصلتها اللعب على وتر العنصرية و الكراهية ضد الاقليات الدينية ،لن تستطيع الوصول إلى مجتمع ديمقراطي يحترم الانسان و يحترم حقه بممارسة شعائره الدينية بحرية و من دون اية ضغوط و استفزازات ،غير ذلك تكون التجربة الديموقراطية الجورجية قد فشلت و بإمتياز.
mohammedodeh@mail.ru
في عام 1944، كانت الضربة الاولى لهم بعد ان قرر ستالين ترحيل الأتراك المسخيت و الذين كانوا يعيشون في جورجيا في المناطق الحدودية مع تركيا (سامتسخي-جافاخيتي)، بتهمة مساعدة العدو، فتم ترحيلهم قسراً من جورجيا إلى كازاخستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان،حيث اسكنوا في قرى منفردة . قبل ان يتلقوا الضربة الموجعة الثانية و التي تمثلت هذة المرة بمواجهات عرقية و صدامات عنيفة حصلت في مدينة فرغانة الاوزبكية عام 1989 بينهم و بين مجموعة مواطنين اوزبك تصاعدت أحداثها بعد مقتل شاب اوزبكي في مواجهات اقرب ما تكون لمعارك شوارع راح ضحيتها المئات من القتلى و الجرحى من الطرفين.بعد هذه الاحداث العرقية الدامية و بعد ان فقد الكثير من الناس ابناءها و اصبحوا مشردين بلا مأوى، اجبر "الأتراك الميسخيتينسه" مرة أخرى على المغادرة إلى مناطق شمال القوقاز التي اخذت على عاتقها هذه المرة مسؤولية استقبالهم .
وفي عام 1999،و في مساعي الحكومة الجورجية للانضمام إلى "المجلس الأوروبي "، الزمت الحكومة الجورجية نفسها خلال عامين على اعداد قانون يضمن عودة المهجرين الاتراك المسيختينسه إلى وطنهم الأم ، وخلال عشر سنوات من تاريخه سيتم ترتيب عودتهم بشكل نهائي إلى جورجيا.و ذكرت الحكومة الجورجية في حينها بأن عدد الذين سيشملهم القانون وفق إحصائيات رسمية سيقارب 300.000 شخص ينبغي عل الحكومة الجورجية إتاحة الفرص وتهيئة جميع الظروف لعودتهم إلى وطنهم الام بموجب شروط الاتفاقية التي تؤهل جورجيا للانضمام إلى المجلس الأوروبي.
لغاية الان عمل جيد و مبادرة رائعة ، ولكن ما حقيقة الأمر على ارض الواقع؟
بحكم عملي كصحفي و تنقلي المستمر بين الجمهوريات القوقازية المختلفة مما سمح لي البقاء على اتصال دائم مع مسلمي منطقة القوقاز و خصوصاً مسلمي جورجيا و الذين تربطني بالعديد منهم علاقات أخوة و صداقة ، و دائماً اشعر بالقلق الكبير الذي يغلفهم فيما يتعلق بمصيرهم، لا سيما في الفترة الاخيرة في سياق الصراع الدائر بين أنصار الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي ورئيس الوزراء بيدزيني إيفانيشفيلي على توزيع الصلاحيات، فنحن نرى بأن الحكومة الجورجية قد أدارت ظهرها لمشاكل القوميات و الأقليات في جورجيا و رمت بهم للصفوف الخلفية من اولوياتها ،بعد انشغالها بالصراع الداخلي على السلطة. الآن أصبح من الواضح أن أحداً في جورجيا لن يقبل بعودة الاتراك الميسخيتينسه (أكثر من 60 في المائة وفقاً لإستطلاعات الرأي للسكان الجورجيين ضد إعادة الاتراك إلى الوطن).فهم اصبحوا منبوذين في بلادهم ليس عن ذنب اقترفوه و لكن وفقاً لاهواء و نزوات الانتهازيين السياسيين هناك. فاليوم آلة الدولة الجورجية شكلت عدة حواجز و عوامل تجعل اللاجئ الذي يرغب بالعودة لوطنه الأم يعيد النظر جدياً في فكرة العودة لجورجيا.
ففي عام 2007، اقر البرلمان الجورجي قانوناً بشأن العودة إلى الوطن، الذي، ووفقاً لخبراء من منظمة "هيومن رايتس ووتش " ليس قانوناً اجتماعياً شاملاً اي انه تناول فقط الأساس القانوني للانتقال إلى جورجيا،و لم يتحدث حول عملية إعادة التوطين وطرق تمويلها و برامج إعادة التأهيل للمهجرين بحيث تسمح لهم باندماج سلس في مجتمع جديد عليهم نسبياً.مع كل هذه الملاحظات أصرت الحكومة الجورجية على إقرار القانون بشكله القبيح هذا دون إجراء أية تعديلات عليه لاقتناعهم بشموليته و عدالة فحواه.
و فور اعتماد قانون العودة في جورجيا خرج للضوء العديد من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال عودة الأتراك الميسخيتينسه إلى جورجيا، ولكن المستفيد الرئيسي من منح الاتحاد الأوروبي والدعم الرسمي لتبليسي، هي منظمة سامتسخيه-دجافاخيتي "توليرانت" ،هذه المنظمة ومع علاقاتها القوية المباشرة مع الحكومة و مع الهيئات الحكومية التي تعمل مع اللاجئين والعائدين،واصل مسؤولوها انتقاد قصور الأنظمة التشريعية في جورجيا التي تخص اللاجئين والغياب الفعلي للدولة في حل هذه القضية.و على حد قول مدير هذه المنظمة "توليرانت" تسيري ميسخيشفيلي " الأتراك الميسخيتينسه الذين عادوا إلى وطنهم جورجيا، عملياً لم يحصلوا على أي شيء فالعائدون دفعوا بأنفسهم تكاليف الانتقال و السكن، و ايضاً شراء احتياجاتهم الضرورية الخاصة من طعام و شراب و دواء و كساء،فمع غياب الدعم الحكومي لهم يمكن لهؤلاء الناس الاعتماد فقط على الدعم من المنظمات غير الحكومية و التي تعاني من شح الموارد أصلاً ".
بدوره يرى رئيس تجمع الاتراك المهجرين "فاتان" إسماعيل موليدزي في جورجيا، أن القانون الصادر سنة 2007 قد اوجد العديد من العقبات البيروقراطية في وجه العائدين ،على سبيل المثال يجب تقديم 16 شهادة طبية توكد خلو الشخص من الامراض ،و ورقة إعلان الملكية تحتوي على 45 سؤال و الاجابة عليها فقط باللغة الجورجية واللغة الإنجليزية و التي لا يتقنها الكثير من العائدين كونهم اساساً فلاحين و من مناطق ريفية جبلية،بالإضافة لطلبات رسمية و شبه رسمية من قبل الجانب الجورجي تطالب العائدين بالتخلي عن أسمائهم و عن لغتهم الاصلية و عن دينهم و اعتناق الدين المسيحي لتسهيل عملية دمجهم في المجتمع الجورجي الرافض اصلاً لفكرة تقبلهم كمواطنين .
من الواضح أن سياسة ساكاشفيلي تجاه المسخيتينسه تستند إلى الرغبة فقط في إرضاء أوروبا، و إظهار مدى التزامه بالقانون و حرصه على تطبيق اتفاقياته امام المجتمع الدولي، و هذا ما يسمى في المصطلحات الدولية "الواجهة الديموقراطية".
لايمكننا ان ننسى الأحداث التي وقعت في الثامن من آب/أغسطس من عام 1990، عندما و صل حوالي 1500 من الاتراك المسيخيتينسه إلى مدينة أدلر على البحر الأسود وكانوا ينوون الذهاب الى جورجيا و قطع الحدود بالقوة في حملة كان اسمها "الرجوع للوطن" و على الجهة المقابلة من الحدود و تحديداً في قرية ليسيليدزي الحدودية تجمع عدة آلاف من الأشخاص من جميع انحاء ابخازيا في نفير عام اعلنوا فيه عزمهم على قطع الطريق على القادمين الاتراك بقوة السلاح مع وصول جموع اخرى من الغاضبين الى مدينة ليسيليدزي من غرب جورجيا اعلنوا في وقتها الحرب المقدسة على المسلمين العائدين لوطنهم الأم ،هذة الازمة كانت ستوقع بلا شك خسائر كبيرة في الارواح لولا تدخل السلطات المحلية في روسيا و وجود عدد من العقلاء بين طرفي الأزمة استطاعوا نزع فتيل الازمة حتى و لو كان بشكل مؤقت.فماذا يمنع طرفي القضية من جديد من الاحتكام لقوة السلاح و فرض واقع جديد على الأرض؟ فالمشرد لا شيء عنده ليخسره و هو قادر على ان يراهن على كل شيء من لا شيء !
يجب علينا ان نكون واقعيين ونعترف بأنه لن يتم حل مشكلة عودة "الأتراك المسخيتينسه" في خطوة واحدة و من الجولة الأولى . فكل هذه الخطوات لتنفيذ الالتزامات، و بين كل هذه المناكفات و المناقشات بين الطرفين حول من هو على حق، ومن هو على خطأ، كل هذا لن يحل المشكلة و سنبقى في مكاننا. فالتعامل مع الملفات التاريخية العالقة والتي تؤثر على ما يحدث اليوم، كلها ستحل لو وجدت الإرادة السياسية الصادقة.
فالمجتمع الجورجي و الحكومة الجورجية لغاية الان ليسوا قادرين و غير مؤهلين للتعامل مع ملف "الاتراك المسيختينسه" بشكل خاص ، و مع مواطينيها المسلمين بشكل عام.فلا تزال مشاعر العداء و العنصرية ذات الدلالة و الصبغة الدينية سائدة و بقوة في المجتمع الجورجي.فأنا اعتقد أن كل هذه الملفات العالقة لا يمكن حلها دون مشاركة مباشرة و نشطة من جانب الدول العربية و الإسلامية والمنظمات غير الحكومية الدولية. فجورجيا بتعنتها هذا بعدم معالجة أوجه القصور والثغرات في التشريعات القانونية التي تخص الأقليات العرقية و الدينية و مواصلتها اللعب على وتر العنصرية و الكراهية ضد الاقليات الدينية ،لن تستطيع الوصول إلى مجتمع ديمقراطي يحترم الانسان و يحترم حقه بممارسة شعائره الدينية بحرية و من دون اية ضغوط و استفزازات ،غير ذلك تكون التجربة الديموقراطية الجورجية قد فشلت و بإمتياز.
mohammedodeh@mail.ru