امرأة حرمها المرض من طفولتها فأسعدت أطفال العالم
على مدار آلاف السنين، أنهك شلل الأطفال البشرية حيث يصيب هذا المرض الفيروسي شديد العدوى بالدرجة الأولى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات فيضر بالجهاز العصبي وهو كفيل بإحداث الشلل التام في غضون ساعات. وتتمثل أعراضه الأولية في التعب والحمى والصداع والتقيؤ وتصلب في الرقبة وآلام الأطراف. كما تؤدي بعض حالات المرض إلى شلل عضال يصيب عادة الأطراف السفلى. ويلقى ما بين 5 و10% من المصابين به حتفهم بسبب توقف عضلاتهم التنفسية. ويعود ذكر شلل الأطفال إلى الفترات التاريخية القديمة حيث تبرز بعض النقوش الحائطية الفرعونية أطفالاً مصابين بتشوهات عند مستوى أطرافهم السفلى ويعتمدون على عصي للتنقل.
وفي 24 تموز/يوليو 1847، ولدت بمدينة غينغن الألمانية، القريبة من بافاريا، الطفلة مارغريت ستيف بصحة جيدة. وبعد مضي نحو 18 شهراً فقط على ولادتها، استيقظت مارغريت على وقع حمى مرتفعة وكانت غير قادرة على تحريك أطرافها السفلى ليشخص الأطباء إصابتها بشلل الأطفال خلال فترة سبقت بنحو 100 عام ظهور التلقيح المضاد لهذا المرض على يد الطبيب جوناس سالك.
وعام 1863، التحقت مارغريت المقعدة، التي اعتمدت على كرسي متحرك للتنقل، بإحدى مدارس الخياطة لتصبح خياطة بارعة في السابعة عشرة من عمرها. وتدريجياً كسبت سمعة جيدة ومكانة هامة بمدينتها بفضل جودة الأقمشة والثياب التي قدمتها.
وافتتحت مارغريت متجر خياطة صغير وعملت بنصيحة قريبها أدولف غلاتز، فانتدبت مزيداً من العاملات لتوسع نشاطها.
وأثناء مطالعتها لمجلة عن الموضة في 8 كانون الأول/ديسمبر 1879، توقفت عند صورة فيل صغير فاتخدتها مصدر إلهام لتحدث ثورة في مجال الألعاب. في بادئ الأمر، صنعت وسادة دبابيس خياطة على شاكلة فيل صغير وبدأت في تسويقها لتفاجأ لاحقاً باستخدامها كألعاب من قبل المشترين، حيث اتجه كثيرون لاقتنائها بهدف تقديمها كلعب لأطفالهم الذين انبهروا بها.
ومع نجاحها في بيع نحو 5000 نسخة من هذه الفيلة الصغيرة عام 1880، اتجهت مارغريت لصناعة ألعاب مشابهة على شاكلة حيوانات أخرى. وعقب مضي عقد من الزمن، حققت هذه الألعاب مبيعات قياسية، حيث أقبل عليها الأطفال بكثافة، خاصة مع بداية تصديرها نحو الولايات المتحدة الأميركية.
وعام 1902، عملت مارغريت بنصيحة قريبها ريتشارد، الذي اقترح عليها صناعة ألعاب على شاكلة دببة فباشرت بعرضها بمعرض ليبزغ للألعاب وأقبل عليها الأطفال بكثافة.
عام 1906، اقتنى تاجر أميركي 3000 نسخة من هذه الدببة التي أنتجتها مؤسسة مارغريت ستيف واتجه لتسويقها بالولايات المتحدة. وعلى الرغم من ظهور اللعبة الدب "الدبدوب" المعروفة بتيدي بير بأميركا منذ مطلع القرن العشرين، قبل فترة وجيزة من ظهورها بألمانيا، على يد المخترع موريس ميكتوم، حققت دببة مارغريت رواجاً كبيراً بالأراضي الأميركية وتزايد الطلب عليها بشكل هائل بعد أن لقبت هي الأخرى بتيدي بير. وقد لقبت هذه اللعبة الدب بهذا الاسم نسبة للرئيس الأميركي، ثيودور روزفلت، الذي خرج ذات مرة عام 1902 للصيد ورفض إطلاق النار على دب مقيد لجذع شجرة.
وعلى الرغم من إصابتها بشلل الأطفال ومعاناتها من إعاقة منعتها من استخدام أطرافها السفلى بشكل ملائم وجعلتها مقعدة على كرسي متحرك طيلة حياتها، حققت مارغريت نجاحاً كبيراً في عالم الأعمال وتغلبت على المرض وأدخلت البهجة على نفوس الأطفال بفضل هذه الدببة المحبوبة. وخلال عام 1907 فقط بيع ما لا يقل عن مليون نسخة منها.
وفارقت هذه المرأة الألمانية الحياة في 9 أيار/مايو 1909 عن عمر يناهز 61 عاماً عقب إصابتها بالتهاب حاد برئتها.