خطوة واحدة فقط، بعيداً عن «حافة الهاوية»
عريب الرنتاوي
جو 24 : بعد الغارتين الإسرائيليتين على دمشق وريفها، بدت المنطقة برمتها كما لو كانت تقف على “حافة الهاوية”، ولاحت في الأفق ملامح حرب إقليمية، لم يكن ينقصها فقط، سوى “رشقة صواريخ” واحدة، تنطلق من الأرض السورية أو اللبنانية باتجاه أهداف إسرائيلية..لكن الحراك الديبلوماسي الكثيف، ورسائل الطمأنينة المتبادلة، دفعت الأطراف خطوة واحدة للخلف عن حافة الهاوية، بانتظار جولة جديدة من المواجهة والتصعيد.
بالنسبة لسوريا، بدا أن سياسة “الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين”، لم تعد سياسة تجد قبولاً حتى من قبل أطراف في النظام نفسه..فقد تكررت العدوانات بأكثر مما ينبغي من دون أن تلوح في الأفق، ولو لمرة واحدة، ملامح “توقيت ومكان مناسبين” للرد السوري على العدوانية الإسرائيلية، حتى أن وزير المصالحة الوطنية في حكومة الدكتور حلقي، استنكف عن أداء عمله، ووصف البيان الرسمي لحكومته بـ”البشع” الذي لا يتناسب أبداً مع حجم العدوان.
حزب الله من جهته، ومعه كوكبة من المحللين والناطقين باسمه، مباشرة أو مداورة، أصالة عن نفسه، وربما نيابة عن بعض مراكز صنع القرار في طهران، بدا غاضباً من ردة الفعل السورية الضعيفة..حتى أن أحد مقربي الحزب، لم يقم وزناً للشاشة الرسمية السورية، وانتقد من على اثيرها، مواقف من وصفها “جماعة في الدولة السورية”، ما زالت تتعاطى مع إسرائيل بعقلية انهزامية، تفضل السلامة و”النأي بالنفس” عن المعارك، في حين، فرضت إسرائيل المعركة، أو قل الحرب، على الجميع، وقد آن أوان الاستجابة لهذا التحديث، وحشد كل الطاقات والإمكانيات، لخوض مواجهة شاملة، لن يكون النصر فيها حليفاً لإسرائيل، بحال من الأحوال، كما قال وشدد، مستشهداً بتجربة حرب تموز 2006.
“التسوية الوسط” التي انتهت إليها “عملية صنع قرار الرد على العدوان الإسرائيلي”، انتهت إلى سلسلة خطوات ومواقف سورية، هي فوق “الصمت” ودون “التورط”، هي فوق مألوف ما درجت عليه القيادة السورية في حالات سابقة، ولكنها لا ترقى إلى مستوى رد التحية بمثلها أو أحسن منها..ومن أهمها: الإعلان رسمياً عن وضع القوة الصاروخية السورية غب الطلب وتحديد بنك أهداف إسرائيلية لضربه دون العودة للقيادة في حال تكرر العدوان..الإعلان رسمياً عن فتح جبهة الجولان أمام فصائل المقاومة للعمل ضد إسرائيل..الحديث عن مقاومة شعبية سورية للاحتلال الإسرائيلي للجولان والأراضي المحتلة..فيما بعض المعلومات تقول، أن القيادة السورية قد قررت فعلاً الرد على أي عدوان قادم، مهما كانت النتائج، لأن خسائر سياسة التردد وعدم الرد، باتت أعلى بكثير من عوائدها.
في هذا السياق، جاء دور الدبلوماسية الروسية، التي عملت ما بوسعها، ومع كافة الأطراف ذات الصلة، على دفع الأطراف خطوة للوراء عن حافة الهاوية..ورئيس هذه الدبلوماسية لم يطق صبراً لاستقبال نظيره الأمريكي جون كيري في موسكو، بل بادر إلى الاتصال به هاتفياً عشية سفره إليها، فيما أعلن الكرملين عن اتصال بين بوتين ونتنياهو، أعقب اتصالاً بين لافروف ووليد المعلم، وقررت موسكو الخروج على بروتوكولها الخاص، وتنظيم لقاء لكيري مع بوتين..فالوضع لا يحتمل التأجيل.
إسرائيل من جهتها، بدا أنها لم تخرج عن “خطوطها الحمراء” فيما خص الأزمة السورية..هي ليست طرفاً مباشراً في معادلة تغيير النظام، بل هي منقسمة على نفسها حين يتصل الأمر بمستقبل الأسد، وما إذا كان بقاؤه يخدم مصالح إسرائيل وأمنها أكثر من رحيله..لكنها معنية في المقام الأول والأخير، بإدارة مصالحها في سوريا وحفظ خطوطها الحمراء، والمتمثلة أساساً في هدف واحد: تدمير الاقتدار السوري العسكري والصناعي والعلمي، تدمير أسلحة سوريا النوعية من كيماوية وصاروخية ومنظومات دفاعها الجوي، حتى لا تظل في يد النظام من جهة، ولا تسقط في “الأيدي الخطأ” من جهة ثانية، سواء أكانت هذه الأيدي سورية أو لبنانية، سنيّة متشددة أم شيعية مقاومة.
من هذا المنطلق، سارعت إسرائيل إلى إرسال “كتب التطمين” للنظام السوري، وعبر القنوات الدبلوماسية المعتادة، مفادها أن تل أبيب ليست طرفاً في اللعبة الداخلية، وأن كل ما يعنيها هو الحيلولة بكل السبل، دون وقوع الأسلحة السورية النوعية في أيدي حزب الله أو منظمات المعارضة المتطرفة..وبصرف النظر عن الكيفية التي ردّ فيها النظام السوري على هذه الرسائل، فإن المؤكد أنها لم تكن كافية لبعث الطمأنينة في نفسه، فلإسرائيل سجل طويل في محاربة التسلح السوري، بصرف النظر عن صلة ذلك بالمنظمات والجماعات المذكورة.
الخلاصة، أن الأزمة السورية تتطور وتتداعى باتجاه يسمح بالاعتقاد بأن قواعد اللعبة على جبهة الجولان، قد تغيرت..وأن عودة الهدوء إلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، ليس سوى هدنة مؤقتة بين مواجهتين..صحيح أن مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المصغر، قد حث نتنياهو على توخي الدقة والحذر وضبط النفس والابتعاد عن المجازفة غير المحسوبة..لكن كافة الدلائل تشير إلى أن اسرائيل، ليست بوارد التوقف عن استهداف المقدرات العسكرية والتسليحية السورية، خصوصاً إن شعرت بأنها قد تصبح بين يدي حزب الله..كما أن كثيرا من المؤشرات تبعث على الاعتقاد، بأن النظام السوري، طائعاً أم مرغماً، سيغادر سياسة “ضبط النفس” المكلفة، إن لم يكن رداً على هذا العدوان، فعلى العدوان الذي سيليه، وهو آتٍ بإجماع مختلف التقديرات والتكهنات.
قد لا تكون من مصلحة الطرفين، السوري والإسرائيلي، الانزلاق إلى مواجهة شاملة، يعرف الطرفان أن أكلافها عالية، بالنظر لتداعياتها الإقليمية الواسعة والسريعة وغير القابلة للتحكم والسيطرة..لكن بقاء هذا “الشبح” مُخيماً فوق رؤوس مختلف الأطراف، لا يعني بحال، أنهما لن ينزلقا إلى شكل من أشكال التصعيد المحدود، أو ما يشبه “حرب الاستنزاف” أو “حروب الوكالة”..ليبقى سؤال المليون دولار: من ذا الذي بمقدوره ضمان أن يبقى التصعيد المتبادل عند هذا الحد، وكيف يمكن منع الاحتكاكات المحدودة من أن تصبح حرباً شاملة..سؤال لا جواب عندنا عليه.الدستور
بالنسبة لسوريا، بدا أن سياسة “الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين”، لم تعد سياسة تجد قبولاً حتى من قبل أطراف في النظام نفسه..فقد تكررت العدوانات بأكثر مما ينبغي من دون أن تلوح في الأفق، ولو لمرة واحدة، ملامح “توقيت ومكان مناسبين” للرد السوري على العدوانية الإسرائيلية، حتى أن وزير المصالحة الوطنية في حكومة الدكتور حلقي، استنكف عن أداء عمله، ووصف البيان الرسمي لحكومته بـ”البشع” الذي لا يتناسب أبداً مع حجم العدوان.
حزب الله من جهته، ومعه كوكبة من المحللين والناطقين باسمه، مباشرة أو مداورة، أصالة عن نفسه، وربما نيابة عن بعض مراكز صنع القرار في طهران، بدا غاضباً من ردة الفعل السورية الضعيفة..حتى أن أحد مقربي الحزب، لم يقم وزناً للشاشة الرسمية السورية، وانتقد من على اثيرها، مواقف من وصفها “جماعة في الدولة السورية”، ما زالت تتعاطى مع إسرائيل بعقلية انهزامية، تفضل السلامة و”النأي بالنفس” عن المعارك، في حين، فرضت إسرائيل المعركة، أو قل الحرب، على الجميع، وقد آن أوان الاستجابة لهذا التحديث، وحشد كل الطاقات والإمكانيات، لخوض مواجهة شاملة، لن يكون النصر فيها حليفاً لإسرائيل، بحال من الأحوال، كما قال وشدد، مستشهداً بتجربة حرب تموز 2006.
“التسوية الوسط” التي انتهت إليها “عملية صنع قرار الرد على العدوان الإسرائيلي”، انتهت إلى سلسلة خطوات ومواقف سورية، هي فوق “الصمت” ودون “التورط”، هي فوق مألوف ما درجت عليه القيادة السورية في حالات سابقة، ولكنها لا ترقى إلى مستوى رد التحية بمثلها أو أحسن منها..ومن أهمها: الإعلان رسمياً عن وضع القوة الصاروخية السورية غب الطلب وتحديد بنك أهداف إسرائيلية لضربه دون العودة للقيادة في حال تكرر العدوان..الإعلان رسمياً عن فتح جبهة الجولان أمام فصائل المقاومة للعمل ضد إسرائيل..الحديث عن مقاومة شعبية سورية للاحتلال الإسرائيلي للجولان والأراضي المحتلة..فيما بعض المعلومات تقول، أن القيادة السورية قد قررت فعلاً الرد على أي عدوان قادم، مهما كانت النتائج، لأن خسائر سياسة التردد وعدم الرد، باتت أعلى بكثير من عوائدها.
في هذا السياق، جاء دور الدبلوماسية الروسية، التي عملت ما بوسعها، ومع كافة الأطراف ذات الصلة، على دفع الأطراف خطوة للوراء عن حافة الهاوية..ورئيس هذه الدبلوماسية لم يطق صبراً لاستقبال نظيره الأمريكي جون كيري في موسكو، بل بادر إلى الاتصال به هاتفياً عشية سفره إليها، فيما أعلن الكرملين عن اتصال بين بوتين ونتنياهو، أعقب اتصالاً بين لافروف ووليد المعلم، وقررت موسكو الخروج على بروتوكولها الخاص، وتنظيم لقاء لكيري مع بوتين..فالوضع لا يحتمل التأجيل.
إسرائيل من جهتها، بدا أنها لم تخرج عن “خطوطها الحمراء” فيما خص الأزمة السورية..هي ليست طرفاً مباشراً في معادلة تغيير النظام، بل هي منقسمة على نفسها حين يتصل الأمر بمستقبل الأسد، وما إذا كان بقاؤه يخدم مصالح إسرائيل وأمنها أكثر من رحيله..لكنها معنية في المقام الأول والأخير، بإدارة مصالحها في سوريا وحفظ خطوطها الحمراء، والمتمثلة أساساً في هدف واحد: تدمير الاقتدار السوري العسكري والصناعي والعلمي، تدمير أسلحة سوريا النوعية من كيماوية وصاروخية ومنظومات دفاعها الجوي، حتى لا تظل في يد النظام من جهة، ولا تسقط في “الأيدي الخطأ” من جهة ثانية، سواء أكانت هذه الأيدي سورية أو لبنانية، سنيّة متشددة أم شيعية مقاومة.
من هذا المنطلق، سارعت إسرائيل إلى إرسال “كتب التطمين” للنظام السوري، وعبر القنوات الدبلوماسية المعتادة، مفادها أن تل أبيب ليست طرفاً في اللعبة الداخلية، وأن كل ما يعنيها هو الحيلولة بكل السبل، دون وقوع الأسلحة السورية النوعية في أيدي حزب الله أو منظمات المعارضة المتطرفة..وبصرف النظر عن الكيفية التي ردّ فيها النظام السوري على هذه الرسائل، فإن المؤكد أنها لم تكن كافية لبعث الطمأنينة في نفسه، فلإسرائيل سجل طويل في محاربة التسلح السوري، بصرف النظر عن صلة ذلك بالمنظمات والجماعات المذكورة.
الخلاصة، أن الأزمة السورية تتطور وتتداعى باتجاه يسمح بالاعتقاد بأن قواعد اللعبة على جبهة الجولان، قد تغيرت..وأن عودة الهدوء إلى الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، ليس سوى هدنة مؤقتة بين مواجهتين..صحيح أن مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المصغر، قد حث نتنياهو على توخي الدقة والحذر وضبط النفس والابتعاد عن المجازفة غير المحسوبة..لكن كافة الدلائل تشير إلى أن اسرائيل، ليست بوارد التوقف عن استهداف المقدرات العسكرية والتسليحية السورية، خصوصاً إن شعرت بأنها قد تصبح بين يدي حزب الله..كما أن كثيرا من المؤشرات تبعث على الاعتقاد، بأن النظام السوري، طائعاً أم مرغماً، سيغادر سياسة “ضبط النفس” المكلفة، إن لم يكن رداً على هذا العدوان، فعلى العدوان الذي سيليه، وهو آتٍ بإجماع مختلف التقديرات والتكهنات.
قد لا تكون من مصلحة الطرفين، السوري والإسرائيلي، الانزلاق إلى مواجهة شاملة، يعرف الطرفان أن أكلافها عالية، بالنظر لتداعياتها الإقليمية الواسعة والسريعة وغير القابلة للتحكم والسيطرة..لكن بقاء هذا “الشبح” مُخيماً فوق رؤوس مختلف الأطراف، لا يعني بحال، أنهما لن ينزلقا إلى شكل من أشكال التصعيد المحدود، أو ما يشبه “حرب الاستنزاف” أو “حروب الوكالة”..ليبقى سؤال المليون دولار: من ذا الذي بمقدوره ضمان أن يبقى التصعيد المتبادل عند هذا الحد، وكيف يمكن منع الاحتكاكات المحدودة من أن تصبح حرباً شاملة..سؤال لا جواب عندنا عليه.الدستور