هل المناورة البريطانية غيرت قواعد اللعبة ؟
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
هل حرب الناقلات ستذهب بمنطقة الخليج إلى أتون نار تكون فيه المصالح والقوات الأميركية في مرمى النيران الإيرانية؟ ... هل المناورة البريطانية غيرت قواعد اللعبة واصبحت بريطانيا في مواجهة ايران حماية للمصالح الامريكية؟ ...
في ظل التحشيد الامريكي البريطاني المتواصل في منطقة الخليج ، تستعد وزارة الدفاع البريطانية لإرسال سفينة حربية ثالثة إلى الخليج العربي، هذا ما صرح به مكتب رئيسة الوزراء البريطانية " تيريزا ماي " حقيقة إرسال سفينة حربية بريطانية ثالثة إلى الخليج، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تصعيداً بعد تكرار حوادث أًطلق عليها إعلامياً "حرب الناقلات" حيثلا اكد مكتب " تيريزا ماي " بأن إرسال سفينة حربية ثالثة وناقلة بحرية للخليج إجراء اعتيادي لا علاقة له بإيران،.. وللتذكير فقد تعرضت ناقلات نفطية عدة لهجمات في المياه القريبة من ساحل إيران الجنوبي في شهري مايو ويونيو الماضيين، وقد حملت واشنطن طهران المسؤولية عن الهجمات، وهو ما نفته إيران.
لقد دخلت منطقة الخليج مرحلة جديدة في التجاذب الأميركي البريطاني من جهة والإيراني من جهة اخرى، حيث تبدو إيران عازمة على مواصلة برنامجها التصعيدي وفي خضم حرب الناقلات الذي اشرنا اليه فقد هيمنت الأزمة بين بريطانيا وإيران على مقالات الرأي والتعليقات في الصحف البريطانية في أعقاب احتجاز طهران لناقلة بريطانية هي " ستينا أمبيرو " ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز نتيجة عملية احتجاز ناقلة نفط ايرانية في جبل طارق ، وفي هذا السياق فقد نشرت صحيفة الأوبزرفر تعليقا كتبه " سيمون تيزدال " يقول فيه إن مستشار الرئيس الأمريكي، دون بولتون، هو الذي أوقع بريطانيا في ما يراه الكاتب "فخأ خطيرا" من أجل معاقبة إيران ويقول " تيزدال " ايضا إن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جون بولتون، والمعروف بكونه أحد صقور الحرب على العراق، مكلف بمهمة ، فقد منحه الرئيس، دونالد ترامب، سلطات سياسية واسعة. وهو من يقود المواجهة مع إيران. ولأنه متحمس لمعاقبة إيران لا يهمه من يتأذى من جراء سياسته، ولو كان أقرب حلفاء الولايات المتحدة مثل بريطانيا.
وعلى صعيد التوتر البريطاني الايراني فقد اتهمت الحكومة البريطانية الأربعاء الماضي 17 يوليو / تموز 2019 إيران بمحاولة اعتراض السفينة "بريتيش هيريتيدج" في مضيق هرمز، وهو ما نفاه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قائلاً: " هذه الادعاءات البريطانية لا قيمة لها وتكررت كثيراً، وهدفها التصعيد وتوتير الوضع". وقد جاءت هذه الواقعة بعد أسبوع من احتجاز البحرية البريطانية الناقلة الإيرانية "غريس 1" قبالة ساحل جبل طارق، للاشتباه في أنها تحمل نفطاً إلى سوريا، وخرق للعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على سوريا، وأكّدت طهران من جانبها أنّ السفينة محمّلة بنفط إيراني لكنها لم تكن متوجهة إلى سوريا.
نتناول هذا الموضوع من جوانب لها علاقة ببروز الدور البريطاني في تصعيد المواجهة مع ايران ومن خلال التنسيق المباشر مع الامريكيين من خلال دراستنا للتصعيد المتدحرج الى حافة المواجهة بين الاطراف المحتملة ونقول:
(1) إعادة توجيه الاستراتيجية البريطانية في الخليج
في عام 2012 طرح الجنرال "ديفيد ريتشاردز" رئيس أركان الجيش البريطاني السابق في محاضرته بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) ، فكرة توسيع بريطانيا لوجودها العسكري في الخليج والمنطقة المحيطة بها، وذلك بما يتناسب مع مصالح بريطانيا في هذه المنطقة، وقد لاقى هذا الطرح نقاشات واسعة في أروقة داوننج ستريت (مقر مجلس الوزراء البريطاني)، ووزارتي الدفاع والخارجية... وتهدف الحكومة البريطانية إلى تعزيز الروابط والعلاقات الثقافية والتاريخية مع دول الخليج، وتبلورت هذه التطلعات بشكل أساسي في ثلاثة أشكال هي: خطة العمل المعلنة في مايو 2011 والتي سعت إلى إعادة تأسيس علاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، و"مبادرة الخليج"؛ واتفاقيات التعاون الدفاعي الجديدة، إذ تُشكل هذه المبادرات معاً إطاراً لتعزيز العلاقات الثنائية من خلال زيارات رفيعة المستوى لكبار المسئولين، وتعزيز التبادل التجاري والثقافي، والتركيز على التدريب والتعاون في مجال الدفاع، وتعيين مستشار بريطاني خاص لشئون الدفاع في منطقة الشرق الأوسط وفي نفس المنحى تخطط القوات المسلحة البريطانية من جانبها لواحد من أكبر برامج إعادة الهيكلة في الجيش خلال السنوات الأخيرة، وجزء من هذا الإصلاح يتضمن المزيد من نشر القوات في منطقة الخليج وغيرها... حيث إن بريطانيا تحضر لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي " البريكسيت "، من خلال كسب حلفاء جدد، والعودة إلى صحراء الخليج...
(2) القواعد البريطانية في الخليج
بعد أن انسحبت بريطانيا من قواعدها في الخليج عام 1971 في خطوة أدت إلى استقلال البحرين وقطر وإنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة، تعاود بريطانيا حاليًا بناء قواعدها العسكرية في المنطقة، وشرعت عام 2015 ببناء قاعدة عسكرية دائمة في ميناء سلمان بالبحرين، بقيمة 19 مليون يورو. وأعلنت المنامة أن بناء القاعدة الجديدة "من شأنه تكريس الشراكة بين البلدين الصديقين وتمكين تلك القوات من أداء المهام المناطة إليها بفاعلية". وتستضيف القاعدة البريطانية التي افتتحت عام 2018 نحو 500 من عناصر البحرية البريطانية بينهم بحارة وجنود وطيارون، ومن أبرز مهامها ضمان تحرك شحنات النفط والبضائع من آسيا إلى أوروبا.
وفي العام الماضي أعلنت بريطانيا أنها ستفتح قاعدة تدريب عسكري مشتركة في سلطنة عمان، وأجرت بريطانيا مع مسقط مناورات عسكرية باسم " السيف السريع 3 "، استمرت شهرًا وكلفت بريطانيا نحو 100 مليون إسترليني، وشارك فيها آلاف الجنود. وستضم القاعدة حاملتي طائرات. كما تم إنشاء منطقة تدريب عمانية - بريطانية جديدة لتسهيل وجود دائم للجيش البريطاني في المنطقة، ونقل موقع ميدل إيست أن السلطنة استوردت أسلحة من لندن بقيمة 2.4 مليار دولار في الفترة بين 2014 و 2018.
وتعتبر القاعدة الجوية في قاعدة المنهاد في دبي التي تحولت منذ 2001 إلى قاعدة قوات متعددة الجنسيات الغربية وتُستخدم في مهمات التدريب والخدمات اللوجستية، علاوة على الترفية نظرًا لقربها من مدينة دبي، إلا أن توسيع هذه القاعدة سيتيحها كقاعدة ثابتة لسلاح الجو البريطاني.
(3) بريطانيا في مواجهة ايران حماية للمصالح الامريكية
وقت كتابة هذا المقال، كانت منطقة الخليج العربي على وشك الاشتعال عندما قامت قوارب الصواريخ السريعة الإيرانية بمحاولة احتجاز سفينة بريطانية وقيادتها إلى أحد الموانئ الإيرانية، لولا أن الفرقاطة العسكرية المصاحبة والحارسة لها وجهت مدافعها إلى القوارب الايرانية وكان انسحابهم ولم تحدث المواجهة. محاولة الاحتجاز هذه كانت ردا على قيام بريطانيا بتطبيق العقوبات الموقعة على إيران باحتجاز سفينة إيرانية في جبل طارق كانت محملة بالبترول الموجه إلى سوريا كما اسلفنا...
كان الفعل ورد الفعل جزأين من عمليات تصعيد عسكري متوالية شملت منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر نجم عنها إعلان أميركي بتكوين تحالف دولي لحماية السفن وناقلات البترول والمنصات البحرية. أصبحت المنطقة التي تشمل البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وخليج عمان ومضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس تشترك في حمايتها الدول المعنية بحماية ناقلاتها أو ممراتها البحرية على أن تقوم الولايات المتحدة بمهام المراقبة والمعلومات والاستخبارات. وبينما تبدو هذه المنطقة تسير في طريق التوتر فإن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط تبدو هي الأخرى على الطريق المتوترة نفسها، وترزح تحت مياهه أزمة مثلما حال المياه الأخرى المحيطة بالشرق الأوسط تنتظر موعد الانفجار... وفي هذا الاطار والملفت للانتباه مؤخرا هو تصدر بريطانيا للمشهد والاقتراب من خط السخونة مع ايران وفي اعتقادي تفسير ذلك كما يلي:
بالنظر الى التواجد الامريكي الكثيف حول ايران اما من خلال التواجد العسكري على الارض العراقية وتواجد المقاومة العراقية وقوات الحشد الشعبي المساندة لايران والدور الذي يضطلع به الجنرال قاسم سليماني وتأثيرة على هذه المجموعات المسلحة او من خلال القواعد الامريكية المنتشرة بالعشرات في دول الخليج العربية وافغانستان وحاملات الطائرات قرابة مضيق هرمز والاسطول الخامس الامريكي في البحرين، وانه في حال اقدمت الولايات المتحدة على عمل عسكري تجاه ايران ، فإن المنطقة ستذهب إلى أتون نار تكون فيه المصالح الأميركية والقوات الأميركية في مرمى النيران الإيرانية كما ان الموارد النفطية وأنابيب وناقلات النفط ستكون عرضة للدمار ... وهنا نقول فإنه قد يكون حصل اتفاق ما بين الامريكين والبريطانيين على المواجهة مع ايران عبر نَسَقِين:
1. النسق الاول : حيث ان البريطانيين ليس لديهم تواجد عسكري على الارض في مرمي النيران الايرانية (وعلى العكس من الامريكيين كما اسلفنا) حيث ستقوم بريطانيا على مواجهة ايران والتذرع بحرب الناقلات لضرب المواقع الايرانية الحساسة والحاق الاضرار الجسيمة بها (برغم تصريح بوريس جونسون يوم الاثنين 15 يوليو / تموز 2019 ، المرشح الأوفر حظا لرئاسة الوزراء في بريطانيا، إنه لن يساند الولايات المتحدة حاليا إذا شنت عملا عسكريا ضد إيران) ، ... وبعد قياس نتائج ما خلفتة الضربات البريطانية يدخل تنفيذ النسق الثاني...
2. النسق الثاني: بعد التاكد من تمام النسق الاول والحاق الالاضرار الجسيمة بالمواقع الايرانية الحساسة تقوم امريكا بالدور الكاسح وتهاجم الاراضي الايرانية بعنف مستهدفة المراكز الحساسة العسكرية والعلمية وبخاصة مراكز تخصيب اليوارانيوم والتي هى حتما معروفة لدى العسكريين الامريكيين...
هذا والله اعلم ...
باحث ومخطط استراتيجي