"كابوس أسوأ من السرطان".. تفاصيل مكالمة هاتفية بين شاب ووالدته مريضة معهد الأورام
هل هناك كابوس أسوأ من المرض؟ أن تجلس داخل معهد الأورام رفقة الألم ورائحته؟ في انتظار عملية لاستئصال ورم خبيث ينهش في الجسد، كانت الإجابة قاسية لنزلاء المعهد، في الساعة 11 مساءً من يوم الأحد، اهتز المبنى فجأة بعنف، سقط المرضى من فراشهم، تهشم زجاج النوافذ فوق الرؤوس "الباب اتكسر، السقف كان بيقع علينا" ارتجفت القلوب، هرعت "لطيفة" لهاتفها للاتصال بابنها تستنجد به "مكنتش سامعها بوضوح، فضلت معاها لحد ما وصلتلها، تقريبًا عشت معاها الحادثة كلها على التليفون" يقولها "علي" بأسى.
بصوت مرتجف تشرح الأم ما يدور من حولها "دخان ونار وكل حاجة حوالينا بتتكسر، بقيت بتشاهد قولت دا يوم القيامة" بعد لحظات الصدمة الأولى حاولت السيدة الستينية رفقة المرضى في عنبر السيدات الخروج لكن الأطباء نصحوهم بالانتظار داخل الغرفة وعدم الخروج حتى لا يتعرضوا للأذى، فيما طالبها الابن بالانتظار لحين وصوله من شارع الهرم إلى مقر المعهد بشارع قصر العيني "النور قطع يا ابني" تصرخ الأم فيما يعتصر القلق "علي" بينما يدلف إلى إحدى السيارات منطلقًا إلى والدته.
ينقطع الخط، يحاول استعادة الاتصال بها، السيدة لطيفة في عالم آخر، ظلام دامس، أشباح يتحركون من حولها، الجميع يندفع نحو الأبواب والسلالم "خفنا أكتر بسبب الضلمة، الناس بقيت بتجري على نور كشافات الموبايل"، أخبرهم الأطباء بضرورة التزام النظام أثناء الخروج من المكان "عايزنا ننزل اتنين اتنين، بس طبعًا محدش سمع الكلام، كله كان عايز النجاة" لم تنتظر كثيرًا، أمسكت بحقيبة صغيرة "وخدت الست اللي على السرير اللي جنبي، ونزلنا، مقدرناش نغير لبس المستشفى" ثم اختارت القرار الصعب.
"لو منزلتش هموت يا ابني، ربنا يسترها" تحدث ابنها الذي يقطع الطريق قدر إمكانه، الأم تخشى الانتظار حتى لا تأتي النهاية وهي وحيدة، تخوض مغامرة مُرة بين عشرات المرضى المندفعين على سلالم المستشفى "ناس كتير وقعت، اللي اتعور واللي اتدهس" كانت ترى مشاهد مفزعة على ضوء كشافات الهواتف "رجالة نازلة وهي مركبة خراطيم، وناس عمالة تقول حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عملوا الانفجار، مش كفاية علينا المرض" يحاول الابن تهدئتها، يطلب منها التريث في خطواتها "كان صعب، وفيه واحد خبطني وقعت بس الحمدلله على جنب السلم".
التقطت أنفاسها للحظات قبل أن يساعدها شاب يحمل والده "خدني أنا والست اللي معايا لحد ما نزلنا تحت" اقترب الابن من منطقة المنيل "أحاول أهديها وأدعي وأقولها خدي بالك من نفسك، أنا قربت" تشق لطيفة في الوقت نفسه طريقها بين الضحايا "ناس ماتت من الأمن والعمال، لهيب نار للسما، وعربيات متفحمة حولينا" تخطو السيدة الستينية ببطء "قلبي كان هيقف من اللي بشوفه"، زحام من رجال إسعاف ومواطنين قدموا للمساعدة "وفيه شباب حرامية بتحاول تسرقنا" تمسك جيدًا بحقيبتها الصغيرة بينما تنظر إلى الجهة الأخرى من الشارع كأنها طوق النجاة.
خطوة تلو الأخرى تبعدها عدة أمتار عن الحادث لكن قلبها لا يطمئن "مستنية ابني يوصل" تسير حتى تصل إلى الضفة التانية من الطريق، تجلس على الرصيف مع رفيقتها "الست من بني سويف وكانت خايفة قولتلها هتباتي عندي متقلقيش، فيه ناس مكنتش لاقية مكان تقعد فيه"، صوت ابنها قادم من الهاتف لكنها مشدوهة إلى مشهد السيارات المحترقة وسقوط واجهة معهد الأورام "مبقتش مصدقة وعمالة أدعي ربنا، خروجنا من المكان معجزة" دقائق قليلة حتى وصل الابن وباقي أفراد الأسرة، اختبأت في أحضانهم، بكاء ما بعد الصدمة "كانت عايزة تمشي من المكان بسرعة، وفعلًا اتحركنا بيها هي وصاحبتها للبيت".
رنين الهاتف لم يتوقف منذ الأمس، تنظر إليها السيدة الستينية بحسرة، لا ترغب في الرد على أحد "مش عايزة أفتكر التفاصيل دي تاني، أنا من امبارح منمتش، كل ما أغمض أشوف الدم والنار" يذهب الابن للمعهد ليأتي بحاجتها التي تركتها في عنبر النساء "عرفت إن العملية بتاعتها هتتأجل لما المعهد يترمم ويرجع تاني" لم تغضب، كل ما تريده هو النسيان، تفاصيل الحادث الأليم، فيما ستبقى تلك المحادثة التي جرت مع ابنها أطول وأصعب "تليفون حصل في حياتنا احنا الاتنين".