jo24_banner
jo24_banner

من يوقف هذا العبث .. من يوقف هذه الانهيارات؟

عريب الرنتاوي
جو 24 :

تضرب إسرائيل بقسوة في قلب دمشق..ينبري من يُلقي اللائمة على عاتق النظام، ويُظهر شماتة لا تليق إلا بصغار الجواسيس والعملاء، ويخرج عليك من “ثوار” حمص، من يبادر للاتصال بالقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي مهنئا ومباركاً بعربية ركيكة تجهد في محاكاة “العبرية”، شكلاً ومضموناً..إسرائيل ترد على تهافت فرسان المعارضة السورية الجدد، بمزيد من الاستخفاف والاحتقار، لكل من (وما) هو سوري، نظاماً كان أم معارضة..كل ما يعنيها أن لايبقى السلاح “الكاسر للتوازنات” في سوريا، لا مع النظام، ولا في أيدي المعارضة السنيّة (النصرة) أو المقاومة الشيعية (حزب الله).

تهرول “سباعية” المبادرة العربية إلى “بلير هاوس”، لتضع على طبق من فضة، واحداً من التنازلات الجوهرية، باسم النظام العربي الرسمي..لا أحد يتصدى لهذا “العربون غير المسترد”، جميعهم يتلطون برداء “الجامعة العربية”، مع أن الجامعة لم تقرر تعديل المبادرة، وحده “سيد الجامعة” في زمن الربيع العربي، يقرر من جانب واحد، تعديل المبادرة، ولم لا يفعل طالما أن يده ممدودة في حلوق كثيرين، بمن فيهم أنظمة الربيع العربي، بالمال والكاز والغاز وبقية أدوات الدبلوماسية القطرية..إسرائيل تستخف بالهرولة العربية، وتطلب إلى “المتوسلين والمتسولين” المزيد..هذه المرة، مطلوب التقدم خطوة للأمام، مطلوب اعتراف عربي جماعي بـ”يهودية الدولة”..وحبل التنازلات على الجرار كما يقال في المثل الدارج في بلاد الشام.

تستقبل المنطقة وزير خارجية الولايات المتحدة ثلاث مرات منذ توليه مهام منصبه..وهي تستعد لاستقباله في جولة رابعة قريباً..تقدم كل الضمانات والاستعداد و”التنازلات” لتسهيل مهمته، بما في ذلك “جرجرة” الجانب الفلسطيني إلى مفاوضات غير مشروطة، أو بالأحرى إلى مفاوضات بالشروط الإسرائيلية..لكن إسرائيل التي اعتادت استقبال الموفدين الأمريكيين بوجبات استيطانية دسمة، حرصت أن تستقبله هذه المرة، بثلاثمائة وحدة استيطانية جديدة، وبعد يومين فقط من “تسريب” خبر وقف استدراج عروض البناء الاستيطاني حتى تموز / يوليو المقبل.

لا شيء يتغير على الإطلاق..الجامعة تستجيب لطلب السلطة والأردن بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين (من يسمع بهؤلاء)، بهدف استصدار بيان إضافي، يشجب ويندد..الوزراء منشغلون بمهام أخرى، والقادة فلا يسافرون إلا للعمرة (ما أجمل الورع) أو السياحة والاستجمام..أما السلطة، فلا تفعل شيئاً خارج مألوف عادتها..شجب واستنكار، وحديث عن “المسمار الأخير في نعش عملية السلام”..كم مسمارا غرست إسرائيل في هذا النعش؟!، لقد صار كالغربال لكثرة ما دُقّت فيه من مسامير..وكم مسماراً إضافياً يحتاج هذا النعش حتى يوارى الثرى؟!..لا أحد يعرف..فيما تكتفي “المقاومة” بمراسم استقبال كبير فقهاء الظلام، والتلويح بـ”الضربات المزلزلة”.

ابتهاج أردني – فلسطيني بالاتفاق التاريخي لـ”رعاية المقدسات”..لكأن ما درج عليه العرف والتقاليد لا يكفي، أو لكأن ما ورد في اتفاقية وادي عربة من بنود حول الرعاية الأردنية للمقدسات لا تكفي..وكيف تكفي في الأصل، طالما أن إسرائيل لا تمتلك هذا الحق، لتهبه للآخرين..لكن إسرائيل، وكدأبها أيضاً، تقرر “بل الاتفاق وترك الآخرين يشرون ماءه”..تقرر توجيه صفعة قوية للاتفاق ..غزو شامل لباحات المسجد الأقصى..مستوطنون كالجراد يزحفون في تشكيلات شبه عسكرية صوب أولي القبلتين، وحماية أمنية كاملة من دولة الاحتلال والاستيطان بمستوياتها السياسية والأمنية والعسكرية..إسرائيل التي لم تُقم وزناً للمعاهدة، لن تعترف باتفاق عمان ورام الله حول المقدسات..هي لا تحترم الاتفاقات التي تكون طرفاً فيها، فكيف تعترف باتفاق هي ليست طرفاً فيه..وكيف تحترمه..لقد شهدنا بعض فصول هذا الاحترام في تدنيس ثالث الحرمين، واعتقال مفتي القدس والديار المقدسة.

لا جديد في كل ما قلناه ونقوله..لا أحد يختلف على الوقائع التي أوردناها، ولا على التوصيفات المذكورة لدولة العنصرية والاحتلال والاستيطان..لكنه العجز والإفلاس الذي يدفع حكوماتنا وأنظمتنا وسلطتنا إلى المضي في ذات الطريق المسدود، المرة تلو المرة..إنه العجز عن اجتراح الخيارات والبدائل للتعامل مع الصلف الإسرائيلي..إنه التواطؤ على “لعبة تقطيع الوقت” التي لا وظيفة لها، سوى تمكين إسرائيل من قضم المزيد الأرض والحقوق والمقدسات.

وسيستمر الحال على هذا المنوال..ستُضرب سوريا والسودان ولبنان وغزة مرات ومرات..سيُعتدى على الأقصى والمقدسات مرات ومرات، وسيقسم الحرم القدسي الشريف على طريقة شقيقه “الحرم الإبراهيمي الشريف”..وربما يُهدّم ويبنى على أنقاضه هيكل سليمان المزعوم..ولم لا تفعل إسرائيل ذلك، طالما أن “المندوبين” سيعاودون الاجتماع مرة ثانية..طالما أن هناك الكثير من “المسامير” التي ستدق في نعش عملية السلام..وطالما أن هناك الكثير من الأوراق والأحبار لتسطير بيانات الإدانة والاستنكار..وربما من باب “الحفاظ على الشجر والبيئة”، سيعمد القادة العرب إلى حساباتهم على “تويتر” للتعبير عن سخطهم للممارسات الإسرائيلية التعسفية.

نعود إلى ما كنّا عليه قبل الربيع العربي، كما قال السيد حسن نصرالله بالأمس..حكام دول الربيع ووزراء خارجيتهم، أسوأ من سابقيهم وأكثر تخاذلاً وتفريطاً..وكل ما بدا “تكتيكاً” للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، يتحوّل إلى “استراتيجية”..لأن الأنظمة الجديدة، الإسلامية في مبناها، تريد الاحتفاظ بالسلطة استراتيجياً، وإلى الأبد، إن أمكنها ذلك، وشرط حصولها على مبتغاها، هو حفظ أمن إسرائيل وتقديس المعاهدات المبرمة معها (أنظروا ماذا يحدث حول غزة)، والتصرف بـ”ذلّة” أمام إسرائيل وجماعات الضغط والدول الراعية لها (أنظروا طابور الوزراء الكومبارس المصطفين خلف حمد بن جاسم في بلير هاوس)..ودائماً تحت ستار كثيف من دخان الادعاءات و”إبر التخدير” والوعود التي لم يحترموا أياً منها على أية حال.
الدستور

تابعو الأردن 24 على google news