أنتِ جميلة! لا تذهبي إلى طبيب التجميل
جو 24 :
لا تكفّ الجمعيات النسائية حول العالم عن إصدار مطالعات قانونية يُشرف عليها مختصّون، كل فترة، حول مكامن عدم المساواة بين الجنسين في غير مكان، سواء في مؤسسات الدولة أو بيئة العمل أو التفاوت في الأجور. مع ما يعنيه هذا من دعوات إلى جسر الفجوات القانونية والمجتمعية المسؤولة عن الظلم اللاحق بالنساء.
يمكن الجزم أنه وبعد عقود من نضال الحركات النسوية، استطاعت النساء أن تحصّلن جزءاً من حقوقهن التي بات يكفلها القانون، تبعاً لكل بلد ومجتمع، وإن كانت في دولنا العربية تستلزم وقتاً أطول وثقافة مرنة تمنح القابلية للتغيّرات الاجتماعية.
لكن يبدو أن هناك قضايا أخرى لم تلتفت إليها حركات التحرّر النسوي بالشكل الكافي، وهي على درجة من الخطورة بحيث لا يمكن أن يستوعبها قانون. نحن نتحدث عن تسليع المرأة كجزء من ثقافة إستهلاك عالمية، تجعل الجسد الأنثوي مادة قابلة للإنتفاع المادي أو المعنوي بناء على معايير ضبابية.
هذا الكلام موجّه بالدرجة الأولى إلى النساء اللبنانيات أكثر منه إلى الرجال، إذ لا يكاد يخلو بيت لبناني اليوم من فتاة لم تخضع لعملية تجميل واحدة على الأقل. قد يردّ البعض، إنّ تحسين المظهر وتحديداً بعض تفاصيل الوجه كالأنف والشفتين يستحق الخضوع لعملية جراحية. وغالباً ما يواجهوننا بجملة صريحة مفادها أن "الله جميل يحب الجمال".
هذا صحيح، لا بل قد يكون فعلاً مرغوباً فيه عند من يجرون جراحات تجميلية ضرورية، لأجزاء من أجسامهم حملوها "بشعة" بالوراثة أو نتيجة حوادث في سني الطفولة والمراهقة.
لكن ماذا عن تلك النسخ من النساء التي بتنا نراها بكثرة، حتى استحال جميعهن كأنهن نسخة واحدة لا تنجح في تمييز إحداهن من الأخرى؟ شفاه كبيرة وخدود مشدودة وحواجب مرفوعة وأنف دقيق، الصدر البارز والمؤخرة كذلك؟ فضلاً عن اللواتي يتعرضن لأخطاء طبية لا يمكن إصلاحها، في ظل غياب الرقابة وتفشي ثقافة "الجمال المثالي والخارق".
يبيّن الواقع أن تهافت النساء على إجراء الجراحات التجميلية، مردّه إلى عالم غارق في ثقافة الاستهلاك. ثقافة تديرها شركات عالمية عابرة للحدود. يبدأ الأمر مع السينما وصولاً إلى تلك التي تصنع الثياب ومستحضرات التجميل والعطور.
في عالم صار مثل "قرية صغيرة"، تلعب التكنولوجيا أدواراً شديدة السوء والفظاعة. فنحن نشاهد الاعلانات ببطلاتها "الفاتنات" كما يتم تقديمهن لنا، وهنّ غالباً ممن لهن ظهور سابق على الشاشات الكبيرة والصغيرة، أو من أصحاب الوجوه الاجتماعية.
ثم يأتي دور وسائل التواصل وتحديداً موقع "انستاغرام"، حيث خرجت علينا فئة جديدة. فتيات كنّ مغمورات لكنهن بقدرة قادر، صرن يحظين بمئات آلاف المتابعين، فيستعرضن صورهن وفق أنماط متشابهة حدّ التطابق. تفاصيل الوجه، اللباس، الماكياج.
تكرار هذه الصور، وتحت ضغط حضور مواقع التواصل والشاشات في حياتنا اليومية كمصدر وحيد للمعرفة، يتمّ تثبيت معايير لجمال المرأة وبالتالي قبولها اجتماعياً بوصفها كائن جميل يحظى بالجاذبية والقدرة على الارتباط او العمل. هذه المعايير هي نفسها غير واضحة البتة. معايير لا يمكن ضبطها ولا معرفة سبب سطوعها ثم خمودها فجأة، لتحل مكانها معايير أخرى. يمكن ملاحظة ذلك ببساطة عبر تصفح صور بعض الفنانات اللبنانية خلال العقد الأخير.
الرجل نفسه ضحية هذه المعايير. فكما يتمّ إقناع المرأة بأنها لن تكون مقبولة وجاذبة للرجل إلا وفق المواصفات التي يضعها المستفيدون من شركات وأطباء تجميل، فإن الرجل أيضاً بات خاضعاً بدوره لمعايير لا تقلّ خطورة. ومنبع هذه الخطورة القول له إنه لن يبلغ النساء، إلا إن نجح في الوصول إلى الشكل النموذجي، تماماً كالرجال الذين يظهرون في الاعلانات. فهو شخص مشكوك بنجاحه على اجتذاب النساء إذا لم يكن مفتول العضلات وصاحب هيئة (شعر، ولحية، ولباس، وأسنان لماعة) يظهر أن جميع الرجال باتوا يستنسخونها.
يبدو أننا اليوم، رجالاً ونساءً، نعيش حالة غير واعية وحديثة من العبودية، لشركات دولية لديها ترسانة ضخمة من أدوات الدعاية التي تريدنا مشترين، وتحولنا إلى مجرد دمى تنتظر من يملي عليها مواصفات الجمال.