حوادث النوادي الليلية والامن المجتمعي .. ماذا جرى يا قوم؟
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
الأردن: حوادث النوادي الليلية والامن المجتمعي ... ماذا جرى يا قوم؟ ... اين غلظة القانون وحزم السلطة من هؤلاء المتهورين؟
تابعت مثل غيري من ملايين الاردنيين ما تناقلته وسائط الاعلام المجتمعي عن تلك الحوادث المفزعة والدخيلة على مجتمعنا الاردني، والتي اتت من تصرفات رعناء لبعض الجهلاء من مرتادين النوادي الليلية وفي اهم شارع في العاصمة عمّان، وكم انتابني الالم عندما شاهدت بالتصوير المرئي التصرف الصبياني الارعن والغير مسؤول لاحدهم وكأننا في مناطق الصراعات التي لا تتحكم فيها القيم ولا المثل الاجتماعية ولا تحكمها عدالة القانون وكل هذا حدث في عمّان التي تعد هي ولا غيرها في المنطقة بيت الامن والامان وكعبة المضيوم ، والتي فتحت ابوابها للملايين الاشقاء الذين توافدوا الى بلادنا طلبا للأمن والامان ، ... ما هذا يا قوم؟ ... اين غلظة القانون وحزم السلطة من هؤلاء المتهورين؟
تعتبر مسألة المحافظة على أمن المجتمعات وسلامتها إحدى القضايا الجوهرية والأساسية التي أولاها الإسلام اهتماما خاصا ومميزا، فالإسلام يحب الحياة ويقدسها ويحبب الناس فيها، ولذلك يحررهم من الخوف ويرسم الطريقة المثلى لتعيش الإنسانية متجهة إلى غاياتها وأهدافها من الرقي والتقدم والتطور وهي مظللة بظلال الأمن الوارفة ... والمقصود بالأمن المجتمعي أن يكون الفضاء العام للمجتمع بجميع شرائحه متسما بالاستقرار والهدوء مع وجود القانون الذي يعطي كل ذي حق حقه. إنه الطمأنينة التي تنفي الخوف والفزع عن الإنسان فردا أو جماعة في سائر ميادين العمران الدنيوي في الزمن الحاضر والآتي.
إن الأمن المجتمعي هو كل ما يطمئن الفرد به على نفسه وماله ويضمن الشعور بالطمأنينة وعدم الخوف والاعتراف بوجوده وكيانه ومكانته في المجتمع، فهو يرمز إلى الحماية من أخطار الجريمة والجوع والمرض والتلوث وانتهاكات حقوق الإنسان بصورة عامة، وإذا لم تؤمن هذه الأمور أمكن من خلالها اختراق أمن المجتمع والإضرار بمصالحه. وقد أصبح موضوع الأمن المجتمعي مادة علمية ذات قيمة إنسانية وحضارية يتناقلها المفكرون والمتخصصون والعاملون في الحقل الاجتماعي في كتاباتهم ومنتدياتهم الفكرية، خاصة وأن هذا المصطلح اتسع ليشمل مفاهيم ومضامين متعددة تتداخل مع مجمل أوضاع الحياة ليشمل الإصلاح الاجتماعي وتحقيق العدل وتوفير التعليم والصحة وغير ذلك مما يحتاجه الفرد في حياته اليومية.
ولما كانت العبادة السليمة لا يستقيم أمرها شأنها شأن عمارة الأرض إلا في ظل جو من الأمن المجتمعي فقد حرص ديننا السمح أشد الحرص على أن يتوفر للناس أمنهم ،ولذلك جعله الله تعالى إحدى المكافآت الكبرى التي يحصل عليها المؤمنون جزاء طاعتهم والتزامهم بالمنهج الرباني في حياتهم الخاصة والعامة ، قال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)...الآية 55 سورة النور
ولكيلا نذهب بعيدا عن موضوعنا فإننا نشدد مرة اخرى على سرعة البت في موضوع الاسلحة وخصوصية اقتنائها حيث إن قضية حمل واستخدام السلاح من قبل بعض المراهقين والطائشين والمتهورين، قضية مقلقة ومزعجة للمواطنين اللذين يرون أن وراء كل مصيبة وجريمة هو السلاح تلك الآلة الفتاكة القاتلة التي لا ترحم أحداً والتي تسهل من ارتكاب الجريمة وتساعد على انتشارها. كما أن حمل السلاح يعتبر سلوك غير حضاري له انعكاساته ومخاطرة السلبية على الأفراد والاسرة والمجتمع بشكل عام كما يؤثر سلباً على التنمية والاقتصاد ويشكل زعزعة للسكينة العامة وتعديا لأمن وحريات المواطن التي ينعم بها وكفلها له النظام والقانون ولا شك بأن حمل السلاح يُسهل عملية استخدامه في المشاجرات والمنازعات والتي قد تنتهي بقتل أحد الأطراف المتنازعة، أو إصابته بعاهة مستديمة...
وفي ملاحظة عامة فإن معظم الشباب الذين يرتكبون جرائم باستخدام السلاح هم من العاطلين عن العمل، ممن تربوا في أسر مفككة، ولم يحصلوا على قدر كاف من التعليم، وبشكل عام فهذه الجرائم تعد إفرازاً شبه طبيعي لخلل في التربية، وقلة الوعي بخطورة تصرفهم، وقد شاهدنا كيف أقدم أحدهم بإطلاق النار على اخر بدم بارد غير مراعى لحرمة الشارع والمجتمع ومهما تعددت الاسباب الواهية التي اتت على خلفية هذا التصرف الارعن الطائش...
يبقى للأمن المجتمعي دلالة أساسية تعني الرفض على الدوام لكل أشكال الصراع أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه أو تبريره أو نشر ثقافة تعتبر التصادم واقعا غير مرتفع والعمل على تحويل مفهوم الحق في الاختلاف إلى إيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها، لذلك فإن انتشار الفوضى والعنف يعني فرض نمط حياة معينة يسودها الانفلات الأمني وينجم عنها إضرار بحقوق المواطنين وتطلعاتهم إلى حياة آمنة ومستقرة.
ونظرا لأهمية الأمن المجتمعي في حياة الأفراد والمجتمعات باعتباره ليس وصفة جاهزة وإنما هو مرحلة وفضاء تصل إليه المجتمعات حينما تزداد وتيرة التفاهم والتلاقي بين مكوناتها المختلفة. ومع تزايد هذه الظواهر الدخيلة على مجتمعنا الاردني، ومع يقيننا التام وثقتنا بأجهزتنا الامنية فإن الحكومة ملزمة لتحقيق صفة الأمن للمجتمع من خلال عدة طرق:
أولاً: وضع قوانين جادة بمنع حمل السلاح أياً كان نوعه في الأماكن العامة والمناسبات وداخل المدارس.. ومعاقبة من يخالف بشكل صارم
ثانياً: عن طريق فرض العقوبات التي هي موانع لفئة من الناس عن المساس بأمن المجتمع، لذلك كان لابد من رادع مادي كي تنزجر الفئة الباغية ويعيش المجتمع آمنا.
ثالثا: قيام المؤسسات الأمنية والتربوية الكفيلة بتوجيه الإنسان ومساعدته على التشبع بنمط الحياة الاجتماعية الآمنة.
رابعاً: ايجاد الارضيات اللازمة للتماسك المجتمعي وذلك من خلال تعزيز الانتماء إلى وطن أو مجتمع واحد، فالأمن المجتمعي بما يقدمه للمواطن من أسباب الطمأنينة والرفاهية يتطلب من هذا المواطن مساهمة فعالة في تحقيقه انطلاقا من شعور راسخ لديه بأن ما ينعم به غيره من الخير إنما ينعم به هو أيضا، وأن ما يصيب غيره من شر يرتد عليه أيضا، وأواصر الألفة والتماسك هي العامل الجامع والخيط الناظم بين أفراد المجتمع الواحد.
خامساً: تكثيف التواجد الامني في المناطق التي يرتادها السائحين والشباب من النوادي الليلية ومناطق الاكتظاظ السكاني..
واخيرا وليس اخرا نقول فإن إصلاح النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الذي تسود فيه روابط اجتماعية منبعها كلها الإيمان وهي بمجموعها تزين لأبناء المجتمع الخير بكل أشكاله وتوفر السكينة والطمأنينة، وهذا كله ينتظم في وزارة الشؤون الاجتماعية وحماية الاسرة في الامن العام... فإذا كان الأمن المجتمعي يبدو أحيانا غاية وليس وسيلة فلأنه غاية ما تتمناه الشعوب والتجمعات البشرية لتعيش حياة الاستقرار والهدوء تحت مظلة القانون بعيدا عن الاضطراب والفوضى ولذلك عَدَهُ القرآن الكريم نعمة ينعم بها المولى عز وجل على عباده، قال تعالى (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) ... الآية 4 سورة قريش.
حمى الله بلادنا وادام عليها نعمة الامن والامان...
باحث ومخطط استراتيجي