لعبة الكراسي في الأردن
د. حسين عمر توقه
جو 24 :
كنا ونحن طلاباً في الصفوف الإبتدائية نلعب لعبة الكراسي حيث كان المعلم يمسك بجرس المدرسة النحاسي ويقرعه بيده ونحن ندور حول مجموعة من الكراسي نغني بصوت عال "طاق.. طاق .. طاقية ..رن.. رن.. يا جرس" وما أن يتوقف قرع الجرس نتراكض للفوز بأحد الكراسي والذي لم يحصل على كرسي يخرج من اللعبة وفي كل مرة يتم تنقيص عدد الكراسي حتى نصل في النهاية الى كرسي واحد.
واليوم ومنذ عقدين من الزمان ونيف نراقب أن هذه اللعبة بعد أن توقفت في مدارسنا واتجه الطلاب الى ألعاب أفضل تواكب ركب التكنولوجيا فأصبح الطالب يلعب ألعابه المفضلة على شاشة الهاتف النقال أو على شاشة الكومبيوتر.
ولكن هذه اللعبة لا زال يلعبها في الأردن ما يقارب المائة شخصية من أصحاب الذوات فهم يدورون حول هذه الكراسي الفرق الوحيد في هذه اللعبة أن هذه الكراسي لا تنقص عدداً وإنما يتغير مكان جلوس هؤلاء الذوات على هذه الكراسي. وكل كرسي مكتوب عليه بأحرف كبيرة لافتة تقول رئيس وزراء ... رئيس مجلس الأعيان ... رئيس مجلس أمناء جامعة ..... وزير داخلية ... رئيس ديوان ملكي ... وزير تخطيط ... رئيس مجلس إدارة شركة ... رئيس مفوضية ... رئيس مجلس إدارة بنك ...... وزير مالية.... مستشار شؤون..... أمين عمان الكبرى... رئيس مجلس النواب .... وزير شؤون... مجلس الوزراء ... وزير بلا وزارة ... عضو اللجنة العليا .... عضو المجلس الإعلامي ..... رئيس اتحاد .... سفير حتى الشركات التي تمت خصخصتها ... فوسفات ... بوتاس .. إتصالات ... كهرباء يتم تعيين رؤساء مجالس إدارتها ... ومن بين هذه الكراسي مجموعة لا بأس بها كتب عليها وسطاء.
لو استعرضنا بعض هذه الكراسي لوجدنا أن بعضهم قد حصل على دفعة للأمام لأنه اشترك في مسار معاهدة السلام فبعد أن كان سفيرا في دولة إسرائيل وخلال أشهر معدودة وصل الى منصب رئاسة الوزراء والآخر بعد أن كان رئيسا لوفد مباحثات السلام أصبح رئيسا للوزراء وشخص آخر تقلد عددا من الوزارات كان سفيرا في إسرائيل عاد ليصبح وزيرا للخارجية ونائبا لرئيس الوزراء ومن ثم نائباً لرئيس البنك الدولي للشؤون الخارجية في عهد بول ولفويتز.
والغريب في أمر لعبة الكراسي هذه أن هؤلاء الذوات يهبطون في بعض الأحيان بواسطة المظلة "البراشوت" من الولايات المتحدة وفي سنوات قليلة يتولون أعلى المناصب من وزارات مختلفة الى قمة الهرم في الديوان الملكي وليخرجوا وفي حساباتهم مئات الملايين وفي الزمن القريب أصبح الهبوط من خلال مظلة البنك الدولي بالتعاون مع البنك الأهلي.
وهناك من يمل من لعبة الكراسي هذه ويصر أنه بعد سلسلة طويلة من الوزارات المختلفة وأمانة عمان الكبرى وبعد رئاسة الحكومة وعضوية مجلس الأعيان يريد أن يدلل أن شعبيته بين أبناء شعبه سوف توصله الى قبة البرلمان وبالفعل يعود الى قبة البرلمان نائبا ممثلا عن قريته.
وهناك بعض الذوات الذين توارثوا هذه المناصب أباً عن جد بل وإبناً عن أب، تماما كما حدث قبل عدة أعوام فلقد تقلد منصب رئيس الوزراء أحد الذوات سبقه والده الى منصب رئيس الوزراء كما سبقه جده لأبيه لمنصب رئيس الوزراء كما سبقه أيضاً جده لوالدته منصب رئيس الوزراء.
لسنوات طويلة كان منصب رئيس الديوان الملكي المنصب الوحيد الذي يحظى بلقب معالي وفي بعض الأحيان كان يتم الإستعانة ببعض الذوات من أصحاب المعالي الذين كانوا يعينون كمستشارين لجلالة الملك فكان هؤلاء يحتفظون بلقب معالي ... ولكننا اليوم نلاحظ أن معظم رؤساء الدوائر في الديوان الملكي يحصلون على لقب معالي وسنوات خدمتهم لا تؤهلم لحمل الدرجة الخامسة.
ولا أظن أنكم تشكون في قولي إذا قلت لكم إن أحد الوزراء السابقين بل ورئيس سابق لمجلس النواب بعد أن خسر في الإنتخابات النيابة الأخيرة قد تم تعيينه نائبا لرئيس الوزراء وتمت مكافأته بطريقة مجزية ولا يعلم أحد طبيعة دوره في السماح للسيد خالد شاهين في مغادرة البلاد.
كما أن أحد رؤساء الديوان الملكي السابقين قد استمر في شغل منصبه رئيسا لمجلس إدارة عدد من الشركات من بينها الملكية الأردنية وفي هذا مخالفة للدستور.
وبالرغم من أن أحد الوزراء الذين تم تطويب أكثر من وزارة بإسمه وظل وزيرا في عدد من الوزارات إلا انه وبعد استقالة إحدى الحكومات قد تم تعيينه في وظيفة كرئيس لهيئة خاصة قد قام بوصفه رئيساً لهذه الهيئة بتوقيع اتفاقية مع الحكومة الفرنسية لمنحها امتياز استخراج اليورانيوم دون عرض هذه الإتفاقية على الحكومة الأردنية أو على مجلس الأمة وهو إجراء مخالف للدستور ولقد تمت إعادته بضع مرات الى عدد من الحكومات. ولا زال حتى هذه اللحظة يوقع إتفاقات مع دول جديدة مثل روسيا ويكذب علينا ويمنينا بالحصول على الطاقة النووية.
الغريب في أعضاء لعبة الكراسي هذه أن الواحد منهم وهو رئيس وزراء أو وزير يخططون له المنصب الذي سيتولاه بعد استقالة الحكومة كرئيس لمجلس أمناء الجامعات أو الشركات التي تم تخصيصها أو المشاريع الكبرى التي يتم التفاوض عليها أو أحد البنوك.
كما لم أسمع في حياتي أنه كان يتم ترفيع ضابط الى رتبة أعلى من رتبته الحالية قبل إحالته على التقاعد من أجل تحسين راتبه التقاعدي ولو عدنا الى تاريخ الجيش العربي الباسل واستعرضنا المعارك التي خاضها هذا الجيش عام 1948 وعام 1967 ومعركة الكرامة وعام 1973 والظروف الصعبة التي كان يتعايش معها النشامى الشجعان حماة الوطن لوجدنا أن معظم المتقاعدين العسكريين من تلك الحقب يتقاضون راتبا لا يكفل لهم أبسط مستلزمات العيش الكريم لاسيما أبناء الشهداء منهم لقد أكلتموهم لحما ورميتموهم عظما فبدل إجراء تعديل وزاري من أجل خلق مقعد وزاري لوزيرة مزمنة سابقة كان الأولى التفكير بتحسين رواتب التقاعد للضباط المتقاعدين من الرعيل الأول الذين تقادمت رواتبهم التقاعدية. وأنا أذكر المئات من العمداء الذين أمضوا أكثر من سبع سنوات في رتبتهم العسكرية تلك وتمت إحالتهم الى التقاعد دون أن يحصل على رتبة لواء. إنني أدعو سيد البلاد أن يحافظ على كرامتهم اليوم كما حافظت هذه الكوكبة من الضباط الشرفاء على كرامة الأردن بالأمس.
كم عدد أعضاء مجلس الأمة من النواب والأعيان الذين كانوا يجمعون بين رواتبهم التقاعدية ورواتبهم من مجلس الأمة وكم استفادوا من احتساب المدة الزمنية وأخضعوها للتقاعد وكم من الأعيان خدم دورات ودورات وإن الواجب يحتم ألا يتم تعيين أي عين لأكثر من دورتين بدل أن يتم تطويب مقعد العينية بإسمه أو إسم إبنته. وبعض الأعيان لم يسمع بهم أحد حتى أنهم يتندرون أن أحدهم حين حطت طائرته إلى مطار قادما من الإمارات لم يكن يعلم أين يذهب أو أي طريق يسلك.
لقد تم قبول استقالة أحد الأعيان لأن شركاته قد حصلت على عطاءات حكومية ولماذا لا يستقيل بالمقابل النواب الذين اكتسحت مكاتبهم التجارية معظم العطاءات لحكومية.
أين هي القوانين التي تحدد المدة الزمنية لرئاسة مجالس إدارة الشركات بل ما هي الأسس والمعايير التي تنظم هذه التعيينات وما الذي يضمن لنا أن أحداً لن يكسر هذه القوانين كما فعل الشخص الذي حصل على الجنسية الأردنية وتم نقله من منصب الى منصب قبل أن تمضي على حصوله على الجنسية الأردنية الفترة الزمنية المنصوص عليها بالقانون.
كم من السفراء الذين تم تعيينهم في سفارات هامة لدى دول عظمى ليست لهم أي خدمة مدنية سابقة في أي جهاز حكومي مخالفين بذلك أبسط النصوص القانونية والمعايير في تعيين السفراء. وكم تم تعيين سفراء في دول هامة لم يخدموا في الدولة الأردنية بل تم تقفيز بعضهم من كاتب محلي إلى سفير.
ولعل أكبر مهزلة في تاريخ لعبة الكراسي هذه أن ينادي أحد أعضائها بضرورة تطبيق قانون من أين لك هذا؟ لأنه لو تم تطبيق هذا القانون فإن غرف فندق الخمس نجوم سجن! لن يكفي لنزلائه الكرام.
الكل ينادي بمكافحة الفساد والكل يعجب ويستغرب كيف يصل الفساد الى أهم الدوائر الأمنية المغلقة المفروض فيها أن تكون من أنظف المؤسسات التي تحمي النظام.
لقد انشغلت أوساط الشعب بقضية مصفاة البترول حتى الذين تمت إدانتهم وصدر بحقهم حكم القانون تم إرسالهم الى الخارج بطريقة مخجلة.
لقد اعترف أحد رؤساء الوزرات السابقين على الملأ أنه قام بتطويب أراضي أميرية لجهة معينة بناء على أمر صادر من الديوان الملكي وهو مدرك أن هذا الإقرار لا يعفيه من المسؤولية القانونية وهو يكاد يتحدى أن يسأله أحد بشأن ما ارتكب. هل يعني هذا أن هناك ذوات أعلى من القانون ولا تطالهم يد العدالة .
لماذا لم يتم تحويل رئيس وزراء سابق ورئيس ديوان سابق إلى القضاء علما بأنه قد تم سجن المدير العام وقد تسبب في ضياع 200 مليون دينار حين كان رئيسا لإحدى الشركات الخاصة وتسبب في تحطيم سبعة آلاف عائلة أردنية فقدوا كل مدخراتهم.
في السابق كان معظم وزراء التربية والتعليم يقومون بإنشاء كليات المجتمع كي يضمنوا استمرار تدفق المال لجيوبهم بعد خروجهم من الوزارة واليوم نتساءل ما هو السبب في وجود هذا الكم الهائل من الجامعات وهو يشكل أعلى نسبة في العالم ومن هم المستفيدين من هذه الجامعات. ومن هم أصحاب المدارس الخاصة التي يبلغ القسط السنوي فيها أكثر من تكلفة دراستي الإبتدائية والثانوية.
من هم من أعضاء لعبة الكراسي الذين تمت في عهدهم خصخصة الشركات الوطنية وما هو المفهوم الحقيقي للشريك الإستراتيجي بل كيف تقوم شركة أجنبية بشراء أفضل شركاتنا بثمن بخس ودونما تحديد للفترة الزمنية. وعلى سبيل المثال كانت شركة الإتصالات الأردنية من أنجح الشركات وكان دخلها السنوي يتراوح بين 150 مليون دينار الى 180 مليون دينار في العام. "كان هذا قبل دخول أنظمة الهواتف النقالة" قد تم بيعها الى الأبد ( حين أقول الى الأبد لا أعني لمدة عشرين أو خمسين عام) وإنما فعلا الى الأبد بمبلغ 500 مليون دولار مع أن موجوداتها العينية تتجاوز ثلاثة مليار دينار.
كنت أتمنى ألا أضطر الى التساؤل عن الشركاء الإستراتيجيين أصحاب الشركات الوهمية. وكيف يتم بيع امتياز لشركة اتصالات للهواتف النقالة بمئات الملايين بينما لم يتعد سعر التكلفة للحصول على الترخيص بضعة ملايين لا تتجاوز أصابع اليد هؤلاء هم الوسطاء الذين أشرت اليهم في لعبة الكراسي والتي كانت كراسيهم تحت عنوان "الوسطاء".
ما هي الأسرار الكامنة التي أدت إلى خصخصة الملكية الأردنية والفوسفات والبوتاس والإسمنت وميناء العقبة وبيع معسكرات الزرقاء والعبدلي.
كان الملك الراحل الحسين رحمه الله أول من فكر في تخصيص منزل خاص لرئيس الوزراء طوال فترة توليه مسؤولية رئاسة الوزراء لأنه رحمه الله كان يريد أن يوفر المستوى اللائق لرئيس الوزراء ولكن هذه الفكرة انتهت باستيلاء أحد رؤساء الوزارت السابقين على المنزل.
لماذا هذا التباطؤ في تنفيذ المشاريع الإستراتيجية الهامة التي تمس حياة المواطن وعلى سبيل المثال أذكر لكم مشروع نقل مياه حوض الديسي الى عمان. في البداية تبرعت إحدى الشركات الألمانية بتنفيذ هذا المشروع وبتمويل من الحكومة الألمانية بتكلفة لا تتجاوز 150 مليون مارك ألماني. حدث هذا قبل أن يتم منح امتياز استغلال المياه العذبة والتي تمثل المخزون الإستراتيجي للأردن الى عدد من الأشخاص أصحاب المزارع الخاصة والتي تبلغ مساختها آلاف الدونمات في استخراج مزروعات مردودها المالي أرخص بكثير من ثمن المياه العذبة والمهدورة في سقايتها. وكيف قفزت نفقات تنفيذ المشروع الى 300 مليون دولا ر والى 500 مليون دولار وكيف أن زعيما عربيا قد قدم مبلغ 25 مليون دولار من أجل إجراء الدراسات الأولية لهذا المشروع ولا أريد أن اقتبس الرقم الذي تم الإعلان عنه في الصحافة المحلية لتكلفة العطاء والذي تجاوز المليار دولار.
لقد أُجريت دراسات عديدة من أجل بناء خط سكة حديد حديثة من الزرقاء إلى عمان والمسافة لا تتجاوز 35 كيلو متر ولقد عرضت الكثير من الدول مساعدة الحكومة الأردنية في بناء وتمويل وتشغيل هذا المشروع الحيوي الكبير علما بأن هناك أكثر من 200 ألف مركبة تتنقل يوميا بين الزرقاء وعمان تحرق آلاف الأطنان من الوقود وتتسبب في الإختناقات المرورية علما بأن البنية التحتية لخط سكة الحديد متوفرة بل وقائمة منذ عام 1907 متمثلة في خط سكة حديد الحجاز .
كم شركة طيران موجودة وعاملة في الأردن بعد أن كانت الملكية الأردنية هي الناقل الرسمي الوحيد لعقود خلت قبل أن يتم تفتيتها وبيع أقسامها بأبخس الأسعار. ومن هم أصحاب هذه الشركات بل من هم وكلاء معظم الطائرات التي تم شراؤها أو إستئجارها .
كم هو تعداد الرسوم والضرائب المفروضة على الشعب الأردني؟ لقد تجاوزت في تعدادها 164 ضريبة ولا زال التفنن في خلق ضرائب جديدة من أجل سرقة جيب المواطن.
أستطيع الكتابة الى ما لانهاية وأستطيع أن أتطرق الى مئات المواضيع وأؤكد لكم أن الشعب الأردني من أذكى الشعوب ولا تفوته صغيرة ولا كبيرة، لكني أختم بسؤال بسيط متواضع، إلى متى تظل لعبة الكراسي هذه مستمرة؟!!