خطة طوارئ أمريكية لعودة الاستقرار إلى الاردن "اضافة اخيرة"
ترجمة د. حسن البراري- كتب كل من روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن وديفيد شينكر مدير برنامج الدراسات العربية في ذات المعهد مذكرة طواريء حول عدم الاستقرار السياسي بالاردن، ونشرت على موقع مجلس العلاقات الخارجية- أحد أهم مراكز "الثنك تانك" بالولايات المتحدة.
مقدمة
لغاية الآن صمد الاردن أمام العاصفة السياسية التي هبت على اجزاء كبيرة من الشرق الاوسط منذ نهاية عام 2010. ومع ذلك، فثمة تحديات قيد التشكل لها امكانية ان تتطور الى تهديدات حقيقية لاستقرار المملكة الاردنية. فبينما الاردن دولة معتدلة وغير ايديولوجية وفيه ثقافة سياسية غير ثورية، وهذه عوامل تهدئة، الا ان مخاطر عدم الاستقرار الداخلي هي اكبر من أي وقت مضى، منذ الفترة الدموية في عاميّ 1970-1971. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن تغييرا سياسيا بنيويا يأتي نتيجة لانعدام الاستقرار (والذي قد يفضي على سبيل المثال الى تنحي الملك عبدالله أو ازاحته عن الحكم او يغير النظام الملكي بشكل جذري او ينهي نظام الملكية ويستبدله بنمط من الحكم معادي للغرب) يمكن أن يفضي الى سياسات معادية لمصالح الولايات المتحدة.
ولأن الاردن يتبنى مقاربة استراتيجية منحازة للغرب وملتزمة بمعاهدة السلام مع اسرائيل وتتعاون في الحرب على الارهاب وفي المسائل الامنية، فإن للولايات المتحدة مصلحة قوية في مساعدة عمان في السيطرة على التغيير المحتمل الذي قد يزعزع الاستقرار. فعدم الاستقرار ليس امرا حتميا، فهناك عددا من الخطوات الحكيمة التي يمكن اتخاذها لمنع التطورات غير المحببة.
الاحتمالات
يواجه الملك عبدالله مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية، والمصدر الخارجي الرئيس لعدم الاستقرار هو الحرب الاهلية بسوريا واثارها على الاردن، وهذا قد يتضمن الاشتباك العسكري في المناطق الحدودية مع سوريا، وانتشار التطرف السلفي، والكلفة العالية لاستيعاب اللاجئين، واحتمال اختراق او تدخل البلدان الاخرى في الاقليم بالمنظمات الاسلامية بالاردن. والمصادر الداخلية لعدم الاستقرار يأتي من ارتفاع منسوب الغضب الشعبي الناتج من التقشف الاقتصادي وعدم كفاية الاصلاحات السياسية والانطباع بأن الحكم متسامح مع الفساد، بالاضافة الى الثقة المتنامية لدى الاخوان المسلمين والحركة السلفية التي تزدهر. وفي وقت تشكل فيه التهديدات الخارجية تحديا هاما يبقى الخطر الاهم للنظام عندما تقوم هذه الاخطار الخارجية بخلق او مفاقمة عدم الاستقرار السياسي في البلد. وهنا يمكن الاشارة الى مجموعة من الاحتمالات: ميدان تحرير في عمان على شكل انتفاضة، ولعبة اسلامية لعصر النظام، واحتمال انشقاق القاعدة الاساسية لدعم النظام من الشرق اردنيين.
ميدان التحريرفي عمان
الاحباط الذي يرافقة اصلاحات سياسية بطيئة وغير كافية يتدحرج ككرة الثلج ليتحول الى مظاهرات شعبية لا قبل للنظام باحتوائها دون ان يلجأ إلى مستويات غير مسبوقة من العنف ضد المدنيين غير المسلحين. هنا تكون مسببات الانتفاضة غضب شعبي على رتم عملية الاصلاح المتقطع، عدم الرضا عن الحكومة المليئة بفساد النخب الحاكمة، ظهور فساد (...) بارز لا يخضع لعقاب. ويتصور هذا السيناريو مظاهرات متنامية تأتي بسبب تآكل تدرجي وثابت لدعم الملك وحتى النظام الملكي بذاته. وينطوي المشاركون والنشطاء على طيف من السكان (الفلسطينيون الذين لا يمثلون حسب نسبتهم، الاسلاميون الذين عانوا لفترة طويلة، والشرق اردنيون من اصول قبلية الذين فقدوا الثقة بقدرة الملك على تحسين الوضع الاقتصادي والحكم بشفافية وحتى توزيع مكارم بمستويات تقليدية. وقد تنهار الاجهزة الأمنية أمام الضغوطات لعدم استخدام القوة وبسبب اتفاق اعضاء الاجهزة مع شكاوى الاردنيين، والنتيجة يمكن ان تكون قبول الملك بتغيير سياسي جذري (على شاكلة ملكية دستورية كما هو معمول به في اوروبا)، او تنازل الملك عن العرش، او زوال الملكية واقامة جمهورية.
وفرصة تحقيق مثل هذا السيناريو هي ضئيلة لأن غياب الاصلاح السياسي في الاردن ليس مصدر شكوى رئيس في الاردن ولا عامل توحيد للمعارضة. فالاستياء العام في الاردن يتركز اكثر على ضعف الاقتصاد والانطباع بوجود فساد منتشر، واكثر من ذلك فإن الاصلاح السياسي يلامس عداءً عميقا بين الشرق اردنيين والفلسطينيين. ففي نهاية الامر فإن اي اصلاح سياسي عادل من حيث التمثيل السكاني في الانتخابات يمكن له ان يزيل الدور التفضيلي للشرق اردنيين ويمكّن الاردنيين من اصول فلسطينية سياسيا وفي الاجهزة الامنية التي بقيت حكرا على العشائر. لكن غياب الاصلاح لوحده ليس سببا كافيا لاطلاق معارضة جماهيرية ضد النظام.
لعبة اسلامية لمحاصر الملكية
بعد عقود من العلاقة الملتبسة والغامضة مع النظام، فإن الحركة الاسلامية بالاردن تستفيد من النجاحات الاسلامية في الدول المجاورة لكي تتحدى وبشكل مباشر النظام الهاشمي بهدف تحويل الاردن الى دولة اسلامية. فالاحتجاجات الجماهيرية في هذا السيناريو تنطلق في عمان والزرقاء واربد ومناطق أخرى من التي يوجد بها كثافة سكانية من اصول فلسطينية (التي تمثل معقل الدعم للاسلاميين). هناك من الصعب اخضاع الاشتباكات مع قوى الامن من دون خسائر كبيرة بالارواح الامر الذي يمكن أن يسمح لمقاتلين اجانب دخول الاردن من سوريا ومصر والعراق ما يدفع الى منازلة بقاء بالنسبة للنظام.
فطموحات الاسلاميين في الارن تتحدد بشكل كبير من خلال الاحداث التي تجري خارج الاردن: دور الجهاديين في سوريا ما بعد الاسد، احتمال ان تسيطر حماس على فتح وتصبح اللاعب المهيمن في السياسة الفلسطينية، واذا ما نظرت قيادة الاخوان المسلمين المصرية بدعم مالي قطري الى الاردن كنافذة لتوسيع النفوذ الاقليمي. ومن غير المحتمل أن يؤدي اي من هذه التطورات الى احتمال اسلامي، لكن الحدث الثاني يمكن له أن يكون كافيا لاقناع الاسلاميين المحليين باستعراض عضلاتهم، اما الحدث الثالث فإن العاصفة التامة يمكن ان تحفز نسخة اسلامية من جهود البعثيين والناصريين في الخمسينات والستينيات لتخريب الاردن واخضاعها. واذا ما حدث ذلك فمن المحتمل ان يرد الملك عبدالله بمحاولة تلميع مؤهلاته الاسلامية من خلال التركيز على الاستحضار الهاشمي المتوراث بانتسابهم لبيت الرسول. ولكن في نهاية الامر فإن الملك سيعتمد على اجهزته الامنية من خلال خلق المخاوف من سيطرة فلسطينية حتى يضمن دعم الشرق اردنيين. فجهود منسقة لتقويض حكم الملك عبدالله من قبل اسلاميين في القاهرة وفي دمشق وفي رام الله بحيث يعملون مع الاخوان المسلمين الاردنيين والسلفيين الراديكايين من شأنها ان تشكل تهديدا حقيقا والدعم من الشرق اردنيين، طبعا هناك عوامل يمكن لها مواجهة جهود تقويض النظام مثل الانقسامات الايدولوجية والاثنية (الفلسطينيون والشرق اردنيون) داخل الاخوان المسلمين انفسهم، كما أن هناك حقيقة وهي أن الاجهزة الامنية التي تستند الى العشائر هي على قدر التحدي وبخاصة إذا ما تأكدت هذه الاجهزة ووثقت بالارادة السياسية للملك ونظامه.
انشقاق رئيس للشرق اردنيين
لعقود مضت ركز المحللون على الكتلة السكانية الفلسطينية في الاردن على اعتبار انها هي المصدر المحتمل لعدم استقرار النظام في الاردن. لكن على الاقل ومنذ ان تمكن الجيش الاردني من سحق الثورة الفلسطينية المدعومة من سوريا في عام 1970/1971 والاردنيون من اصول فلسطينية خانعين. ولذلك فإن الخطر الاكبر بالنسبة للنظام هو تطور ارتفاع منسوب الاغتراب بين مؤيدي النظام التقليديين من الشرق اردنيين (الذين يقطنون في المدن الشرق اردنية الرئيسية مثل معان والكرك والطفيلة) وهم الذين يوفرون القوى البشرية للقوات المسلحة الاردنية والاجهزة الأمنية. وفي الفترة الاخيرة بدأ هذا النوع من المعارضة يظهر بسبب الظروف الاقتصادية والاغتراب عن مناطق عمان الثرية والغضب على ما يبدو وكأنه عدم اكتراث من قبل النظام للمطالب العشائري والاستياء على ما يبدو من فساد يتمتع بسماح ملكي.
فالاغتراب الذي يشعر به الكثير من الشرق اردنيين والانخراط الاردني في الازمة السورية- هناك تقارير تفيد بأن الاردن سمح لطائرات اسرائيلية من دون طيارين للتحليق فوق اراض اردنية وبأن الاردن يرحب بنشر قوات اميركية على اراضيه- يمكن لهما أن يغذيا الاحتجاجات ايضا. فالمعارضة العشائرية تمحورت حول ما يسمى بالحراك الذي قام بسلسلة من الاحتجاجات في مدن الشرق اردنيين وفي العاصمة ايضا.
في هذا السيناريو، تنمو حالة عدم الرضا والاغتراب لتصل الى حالة من معارضة للنظام كنتيجة لحدث يمكن له ان يهين الحساسيات العشائرية ويغذي فكرة أن النظام نكث العهد من مؤيديه الشرق اردنيين. وهذا يمكن أن يأخذ شكل قتل اعضاء من الحراك خلال احتجاجات الشارع أو موت النشطاء في الاعتقال، ومن شأن ذلك أن يخلق عداوة يجتمع حولها دعم عشائري ضد القصر. كما يمكن ان يأتي نتيجة لكارثة من صنع البشر مثل انهيار جسر او نفق يذهب ضحيتها اعضاء من عائلة اردنية ويتم الربط بين الكارثة وبين البناء الضعيف للجسر او النفق المرتبط بالفساد. كما يمكن ان يأتي نتجية لاغلاق مؤسسات عامة مثل العيادات والمدارس والمستشفيات وقناعة الناس بأن ذلك جاء نتيجة سياسة غير عادلة مثل شد الحزام على البطون والتقشف ما يؤثر على الفقراء من الشرق اردنيين دون ان يرافق ذلك تضحيات من القيادة السياسية او سكان عمان. وفي كل واحدة من هذه الحالات قد تنتشر المظاهرات بسرعة بسبب التعاطف العام ودعم عناصر من الاجهزة الامنية (الذين هم بالذات شرق اردنيون).
المؤشرات التحذيرية
هناك مؤشرات تحذيرية لسيناريو "ميدان التحرير" في عمان وهي مؤشرات تتضمن انتقادات الملكية والدولة في الاعلامي الجديد المتنامي في الاردن، وظهور المنشورات واليافطات التي تنادي بالوحدة الوطنية لمواجهة الحكومة الفاسدة، وارتفاع حجم وعدد الاحتجاجات العمالية والمظاهرات في الجامعات والاعتصامات في مكاتب الحكومة. وهذه نذر لظهور احتجاجات جماهيرية. وعلى نحو مشابهة، فإن ارتفاع نسبة الفلسطينيين المشاركين في الاحتجاجات—وهم من بقي خارج الاحتجاجات—يمكن له أن يكون نذيرا آخرا لعدم الاستقرار.
اما مؤشرات السيناريو الثاني (لعبة الحصار) ستكون بشكل اقل دراماتيكيا. وواحدة من هذه المؤشرات هو ان تقوم على سبيل المثال قيادات الانظمة الاسلامية في مصر وسوريا بتشجيع الاسلاميين الاردنيين لتبني مواقف اكثر فجاجة او لتبني مقاومة عنيفة غير سلمية. ويمكن في هذه الحالة ان تعقد جهود الجامعات الاسلامية الاجنبية في الاردن من قدرة النظام على التعامل مع الخطر الذي يشكله اسلاميو الداخل. وسيشكل تناميا اضافيا للحركة السلفية الاردنية (وهي تعبر عن اتجاه في الاقليم يتشكل في الاردن) اشارة تحذيرية اضافية.
اما بالنسبة للسيناريو الاكثر ترجيحا فيتعلق بانشقاق شرق اردني، وهناك مؤشرات تحذيرية تشمل ارتفاع تنسيق وحجم وتكرار الاحتجاجات التي يقوم بها الحراك، التعاون المتعاظم بين الحراك والاسلاميين، واحتمال ادانة الملكية لتنازلها للمصالح الاجنبية وارتفاع منسوب القمع للمحتجين وانضمام بعض رجالات الملك للحراك (بعض الشرق اردنيين كبار السن الذين كانوا في السابق من الموالين يشكل اعمى للملكية) واندلاع ثورات الخبز في المناطق القبلية التي تهاجم الملك وعائلته.
من الاهمية بمكان ان لا ينظر الى هذه التطورات والظروف كاحتمالات متباعدة ومنفصلة، فيمكن ان يكون لها القدرة على التاثير على بعضها البعض ويمكن لها ان تدفع بعضها البعض. فمثلا، إن انتشار احتجاجات الحراك التي تحيّد الاجهزة الامنية قد تجعل الاردن اكثر هشاشة للتقويض القادم من اسلاميين راديكاليين. ومن الضروري أن تبقي الاعين مفتوحةعلى الاثار المعدية والمحتملة لأية مجموعة من الاحداث.
المآلات على المصالح الاميركية
سيسهم اي تغيير راديكالي معاد للغرب في الاردن يأتي نتيجة لمعارضة شعبية (مثل تنازل الملك عن العرش، اصلاحات دستورية تحت ضغط الشارع) الى تحول عميق في الوجهة الاستراتيجية للاردن ما سيترتب عليه ضررا بمصالح الولايات المتحدة. فالملكية تعلب دورا في الحفاظ على الانحياز للغرب والسلام، وبالتالي فإن أي سحب للصلاحيات الملكية يمكن ان يلحق ضررا بالعلاقات الاردنية الاسرائيلية الاميركية، وبهذا المعنى فأن اجراء تغيير جذري داخل الاردن من شأنه ان يفضي الى تغيير في السياسة الخارجية.
وهنا يمكن الاشارة الى انتكاسات محتملة للولايات المتحدة نتجية لهذا التغيير وهي انتكاسات تتضمن ولا تقتصر على انهاء العلاقة الاردنية الاسرائيلية ورفض الاردن المشاركة في جهود تحت قيادة الولايات المتحدة لمكافحة الارهاب ولتحقيق الامن الاقليمي، وهي انتكاسات يمكن لها ان ترفع من منسوب عدم الاستقرار في الملكيات في الخليج التي تنظر للاردن على اعتبار انه خط دفاع حرج. وفي الوقت ذاته فإن للولايات المتحدة مصالح انسانية وسياسية في الاردن مثل تجنب سفك الدماء الذي قد يأتي نتيجة لقلاقل شعبية ولها ايضا مصلحة دفع التغيرات الديمقراطية الثابتة والتدريجية بما يتسق مع اهداف اميركا في الاقليم. وبالنظر لهذا المصالح فإن منع احداث تغيير جذري او عنيف في الاردن هو اولوية عليا للولايات المتحدة.
الخيارات الاستباقية
يؤكد اغلب المحللين أن الاصلاح السياسي هو الطريقة المثلى لحماية الملكية في الاردن من التحديات العلمانية والاسلامية. وهذا خطأ. أولا، وكما يفهم بشكل عريض في الغرب فإن الاصلاح هو قضية تفريق في الاردن بسبب الانقسامات الديمغرافية، فحتى تعريف الاصلاح هو امر يخضع للانقسام ايضا. ثانيا، المصدر الاكثر احتمالية لعدم الاستقرار في الاردن الذي يأتي نتيجة لشعور الشرق اردنيين بحالة من الاغتراب هو مصدر موجود بمعزل عن الاصلاحات او نقصها. وعوضا عن ذلك يمكن القول أن العاملين الاكثر اهمية في شعور الشرق اردنيين بالاغتراب هما الانطباعات التي تفيد بأن الفساد منتشر بشكل واسع وعدم وجود انفاق حكومي كاف او انفاق حكومي في غير محله.
وهذا الامر ينطوي على مفارقة بطبيعة الحال لأن الكثير من الشرق اردنيين ليسو غاضبين بسبب الفساد بعينه بل لانه لم يعد بوسعهم الحصول على ما يروه حصة مناسبة وعادلة من الدعم الحكومي وبخاصة في وقت يرون فيه ان الامر بالنسبة للنخب الواصلة في عمان كما كان في السابق.
والطريقة الاكثر فعالية لكي تتمكن الحكومة من نزع فتيل احتمال حصول حالة من الاغتراب لدى كتلة حرجة من السكان هو من خلال خليط متناقض من اتخاذ اجرءات ضد الفساد الرسمي وربما الفساد (...) في وقت تقوم به الحكومة بانفاق اكثر على الحاجات المحلية في المناطق الشرق اردنية الحساسة لتقسيم المعارضة. فعلى عكس الاسلاميين، فإن جزءً كبيرا من المكون الشرق اردني لا يعيش حالة من الاغتراب الايديولوجي مع النظام. لذلك فإن ارضاء الشرق اردنيين يجب ان يكون اولوية. وللتأكيد فإن مهمة منع انزلاق الاردن الى حالة من عدم الاستقرار تكمن بشكل اساي في الملك، ومع ذلك فإن بامكان واشنطن أن تتخذ الخطوات التالية الان من اجل استباق ازمة:
تقديم دعم مالي اضافي
منذ بداية الدولة فإن الاردن دولة مدينة تعتمد على المانحين الاجانب للحصول على تمويل. ومؤخرا تفاقمت الحالة المالية للمملكة بسبب قطع امدادات الغاز الطبيعي الرخيص الذي يأتي من مصر وبسبب العنف في الجارة سوريا. وفي الوقت ذاته بدأت عمان في برنامج تقشف ورفعت الدعم عن الطاقة والغذاء (مما غامر بوجود حالة من الغضب الشعبي) استجابة لشروط اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. ولمنع قدوم عدم الاستقرار الداخلي فالاردن بحاجة الى دعم مالي اكبر. والولايات المتحدة دعمت بشكل حكيم جهود الاردن للحصول على سوق المستندات الدولي من خلال منح الاردن ضمانات قروض. لكن تدفق اللاجئين عبر حدود الاردن وفي اعداد متزايدة مما يضع اعباءً اضافية على قطاع الخدمات العامة ويخلق ما يمكن ان يكون منافسة مع مؤيدي النظام الاكثر اخلاصا على المال العام الضيئل اصلا. وفي هذه البيئة فإن هناك حاجة لدعم اضافي. وتستطيع واشنطن ان تتخذ خطوات متعددة من ضمنها اعطاء عمان مساعدات ثنائية وتنظيم "اصدقاء الاردن" لمساعدة المملكة واستعمال تأثيرها لاقناع السعودية ودول الخليج بالوفاء بالتزماتهم في الدعم المالي للاردن.
دعم اجراءات صادقة لمكافحة الفساد
الفساد اصبح صرخة تعبئة قوية لجماعات المعارضة البائسة في الاردن، وقد ثبت الفساد بأنه مدمر لمكانة الملكية التي وبالرغم من تأسيس هيئة مكافحة الفساد في عام 2006 ما زالت تعاني من وجود انطباع بأنها ليست ملتزمة بما فيه الكفاية للقضاء على الفساد عال المستوى. وبينما يمكن ادراج الاردن ضمن البلاد العربية الاقل فسادا وبالرغم من ان الحكومة لاحقت حالات حساسة لاناس رفيعي المستوى فإن الانطباع بأن الفساد اصبح وبائيا هو الانطباع المسيطر. ولمواجهة هذا الانطباع يمكن لواشنطن تشجيع الملك لتكثيف التزاماته المعلنة لمحاربة الفساد عن طريق المضي في محاكمات لشخصيات كبيرة وعن طريق ترخيص المؤسسات مثل الشفافية الدولية لتفتح لها مكتبا بالاردن وعن طريق الغاء التشريعات التي تحد من منشورات الانترنت التي كانت عالية الصوت في كشف الفساد بالاردن.
تشجيع قيادة سليمة وتمويل كاف للقوات المسلحة والاجهزة الامنية
يعد وضع المسؤولين موضع المسؤولية والمساءلة ضرورة لمحاربة الفساد. لكن ومن زاوية أخرى فإنه لا ينبغي على شركاء الاردن وحلفائه أن يرتاحوا ويكتفوا بوضع رئيسي سابقين لجهاز المخابرات بالسجن لجرائم مالية. فالخزي الشعبي لهذين الرئيسين له اثار مدمرة معنوية لدى المؤسسة التي يعتمد عليها الملك في الامن الداخلي. وبهذا الصدد فليس هناك الكثير ما يوسع اميركا القيام به غير الاستمرار في المراقبة اللصيقة للاغتراب في الاجهزة الامنية وتشجيع تعيين قادة يركزون فقط على حماية المملكة.
ويمكن لواشنطن ان تمارس ضغطا على عمان لتتخذ الاخيرة اجراءات لتقوية قواتها المسلحة التي تعد المرتكز الثاني في امن النظام. وباستطاعة الولايات المتحدة أن تشجع الحكومة على تقليص المشتريات لسلاح الجو في الموازنة (والتي نالت عناية خاصة لوقت طويل) بالرغم من دورها الهامشي في الامن الوطني لصالح القوات الارضية التي توفر الرجال والمعدات الضرورية لمواجهة التهديدات للمملكة. وخلال الاوقات الاقتصادية الصعبة فإنه من الضرورة ان يحتفظ الاردن بمستويات تقليدية من المال للمدراس والمستشفيات العسكرية والخدمات الاجتماعية الضرورية لعائلات الفقراء من الشرق اردنيين. ويجب تقديم النصح للاردن بألا ترتكب خطأ غير ضروري في تقليل البنى التحية العسكرية الضرورية لاستقرارها الداخلي.
تعزيز التعاون الهاديء حول سوريا
ستشكل سوريا بشكلها الحالي من الحرب الاهلية او بعد الاسد تهديدا كبيرا للأمن الاردني، وهو تهديد سينافس ان لم يزيد عن الرتم العملياتي المرتفع للقاعدة في الاردن اعقاب الغزو الاميركي للعراق. وسيؤدي الانتشار للايديولوجيات الراديكالية من قبل الجماعات الاسلامية في سوريا وتدفق الجهاديين العنيفين والتهديج الناجم عن الارهاب عابر الحدود والتجارة بالاسلحة المعقدة الى تآكل في الاستقرار الداخلي للاردن. ولمساعدة الاردن في التصدي لمثل هذا الطيف من التهديدات ولحماية السياسة الداخلية في الاردن من التطورات في سوريا فإنه بامكان الولايات المتحدة ان توسع من المشاركة القوية في التعاون الاستخباري مع الاردن، ومع ذلك لا بد من العمل مع الاردن بروية وهدوء لأن الردع الاضافي الذي يمكن ان يخلق في العلاقة مع سوريا نتيجة الاعلان عن تعاون استخباري وعسكري اردني اميركي والذي يتضمن نشر قوات اميركية للتحضير لأي طاريء يمكن أن يوازن بمشاعر محلية حارقة من شأنها ان تفاقم من الظروف.
تشجيع اتفاقية غاز مع اسرائيل
مشكلة الاردن الاقتصادية تتعلق كثيرا بموضوع الطاقة، فمصر كانت المصدر الرخيص للطاقة لوقت طويل، غير أن غياب الامن في مصر بعد الثورة جعل من خطوط تزويد الغاز عرضة للهجمات الارهابية مما أجبر الاردن على البحث عن مزود طاقة بديل باسعار كبيرة. وقد عانت عمان من مصروفات بقيمة مليار دولار غير مرصودة في الموازنة في عام 2012. الراهن ان مصر لن تعود لتكون مزودا يمكن الاعتماد عليه في المستقبل المنظور. وعلى المدى القصير هناك ما قد يملأ الفراغ مثل ترتيبات تفضيلية مع العراق او نفط باسعار تفضيلية من الخليج، لكن الحل الاستراتيجي للاردن هو إسرائيل التي ستبرز قريبا كمصدر رئيسي للغاز وهي ترغب في تزويد الاردن باحتياجاته وباسعار تفضيلية لمستقبل بعيد. غير ان هناك مشاعر معادية لاسرائيل تطغى على الراي العام الاردني قد تعيق الاردن في التوصل الى اتفاقية غاز مع اسرائيل. وهنا يمكن للولايات المتحدة ان تلعب دور الوسيط لاقناع القصر والشعب الاردني لكي يقبلوا باتفاقية تصب في مصالح الاردن الاستراتيجية والتجارية والامنية في وقت تقوى فيه معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية.
دعم اصلاحات ذات مصداقية ولو متواضعة
بينما لا يعد الاصلاح السبب الرئيس لمعارضة النظام في الاردن فإن اجراء اصلاحات ديمقراطية متواضعة هي من دون شك في موضع ترحيب لأن لها فوائد كبيرة ولأنها تحسن من صورة الملك. فبعد ان بدأ الربيع العربي بوقت قصير في بدايات عام 2011 بادر الملك الى اطلاق علمية انتهت باصلاحات دستورية نالت استحسان 70% من الاردنيين. وفي وقت لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تؤيد تغيرات ذات طبيعة تحولية يدعمها الاسلاميون فإنه يتوجب على واشنطن ان تدعم اصلاحات معتدلة تتضمن مراجعة لقوانين الاعلام حتى تسمح ببيئة اعلامية اقل قمعية وتتضمن ايضا تعديلا على قانون الانتخابات لزيادة نسبة الممثلين على القوائم النسبية ما يمنح الاحزاب السياسية تمثيلا اكبرا في مجلس النواب.
الاشتباك مع اسرائيل والسعودية
هناك دولتان في الشرق الاوسط لهما مصالح عميقة في استقرار الاردن : اسرائيل والسعودية ويمكن للولايات المتحدة ان تدعم الاردن وتقويه من خلال تعزيز العلاقات والروابط معه. وبالنسبة لإسرائيل التي تعتبر معاهدة السلام مع الاردن كذخر استراتيجي فإن ايجاد طرق لضمان استقرار جارتها الشرقية هي اولوية عليا. اما مصالح السعودية فهي اكثر تعقيدا، فبالرغم من التقلب في علاقة العائلة الحاكمة في السعودية مع الهاشميين فإن الاردن يعد منطقة عازلة لتمنع عدم الاستقرار في الشمال. صحيح ان المصالح السعودية والاسرئيلية ليست متماثلة لكنها ذات طبيعة تكميلية وهناك الكثير مما يمكن ان تقوم به واشنطن لتعزيز التعاون السياسي والامني والاستخباري في العلاقة مع الاردن والسعودية واسرائيل. وهناك دور داعم يلعبه لاعبون آخرون --مثل الامارات العربية المتحدة والدولة الاوروبية الرئيسية وبلدان شرق اسيا المؤيدة للغرب—على شكل مساعدات اقتصادية، ومع ذلك فإن دورهم في وقت الازمات سيبقى في حدوده الدنيا.
خيارت التهدئة
اذا ما واجه الاردن وضعا سريع التدهور فإنه ينبغي على الولايات المتحدة ان تقوم اولا باتخاذ خطوات عملية لضمان سلامة موظفي سفارة اميركا والمغتربين الاميركان المقيمين بالاردن، لكن بعد ذلك هناك خطوات هامة يمكن لواشنطن ان تقوم بها بالتناغم مع دول اخرى للتخفيف من حدة الاخطار المترتبة على عدم الاستقرار في الاردن، وهذه الخطوات هي:
١ - رسالة علنية للدعم
في حالة اندلاع عنف او مظاهرات كبيرة في الاردن فأنه يمكن لواشنطن ان تقوم بتشجيع القصر بشكل سري للاستمرار في سياسته طويلة الاجل للسيطرة على الناس بشكل سلمي ويجب على اميركا ان تتجنب توجيه انتقادات علنية للملك عبدالله الثاني او ان تقيم اتصالات بشكل علني مع رموز المعارضة، فهذان العملان يمكن ان يفسرا بانهما مؤشران على تراخي الدعم الاميركي للملكية. اما الضغط على الاردن لاتخاذ تغيرات سياسية جذرية مثل السماح بتمثيل نيابي كامل او شبه كامل من خلال القائمة الوطنية التي من شأنها ان تتماشى مع المباديء الديمقراطية ولكنها على الارجح ستقدم فائدة للحركة الاسلامية فقط.
٢- تأمين تدفق مباشر للنقد
لا يمكن للمال ان يضمن الاستقرار بالاردن ولكنه يمّكن الملك من شراء الوقت للسيطرة على المشاكل الاقتصادية التي تغذي القلاقل الشعبية، لذلك فإن قيام دول الخليج او المانحين الغربيين بمد يد المساعدة وتقدم نقد اثناء اندلاع ازمة يمكن له ان يعمل كاجراء مؤقت يمّكن القصر من استعادة نظام الدعم على السلع ورفع اجور العاملين بالحكومة أو يمكنه من القيام بخطوات من شانها نزع حدة المظاهرات. بعدها يمكن للملك ان يستأنف برنامجه في الاصلاح المسيطر عليه عندها تستقر الامور.
٣- انذار داعمي الاخوان المسلمين الخارجيين
على واشنطن ان تفكر مليا باجراءات اكثر تأكيدا لمنع اللاعبيين الخارجيين من تغذية عدم الاستقرار، وربما بامكان واشنطن اصدار تحذيرات لمصر (الاخوان المسلمون هناك اقوى) وقطر (المانح المالي الرئيس للاخوان) حتى لا يتدخلا في السياسة الاردنية. لكن في حالة تجد عمان نفسها في خضم ازمة مع الشرق اردنيين الذين يشعرون بحالة من الاغتراب فإنه يمكن لكل من القاهرة والدوحة أن يجدا في ذلك فرصة لتوسيع تأثير الاسلاميين ويساهما في التعصيد عن طريق تشجيع الاسلاميين في الاردن ليتظاهروا بالشوراع والدخول في تحالف تكتيكي مع الشرق اردنيين. ولمنعهم من القيام بذلك يتوجب على الولايات المتحدة ان تبين لهما الكلف الكبيرة التي ستدفعانها ( مصر قطر) ثمنا للعبث بالشؤون الداخلية للاردن.
التوصيات
للولايات المتحدة مصالح هامة على المحك في الاردن ولذلك يتوجب عليها القيام ياتخاذ خطوات الان للتقليل من احتمالية بروز تهديد رئيس للاستقرار بالاردن في المستقبل. والعامل الاكثر مساهمة في عدم الاستقرار بالاردن هو مالي، وقد ورد في تقرير صندوق النقد الدولي ان الوضع النقدي الاردني النصفي هو ايجابي، لكن لكي تصل الى فترة المنتصف وبخاصة اذا ما ساءت الحالة الامنية فإن الاردن بحاجة الى مساعدة. وعلى نحو متزامن لا يمكن فصل الاردن من الازمة المتفاقمة في سوريا مع انه يمكن حمايتها من المآلات الاكثر سلبية. وعلى هذا النحو، ينبغي ان تقوم ادارة الرئيس أوباما بالخطوات التالية:
· العمل مع الكونغرس للحفاظ على المساعدة العسكرية للاردن وتنظيم "اصدقاء الاردن" لتوفير مساعدات مالية اضافية لموازنة تكاليف استضافة اللاجئين السوريين. والمبلغ الدقيق للمساعدات الاضافية (الذي يمكن ان يصل الى مئات الملايين من الدولارات) يجب ان يشمل تقييمات الاحتياجات التي تقوم بها حكومة الاردن مع الحكومة الاميركية والمؤسسات الدولية صاحبة العلاقة وكذلك يجب ان يتضمن مبلغا ماليا مصمما للتقليل من حدة الاهتزازات التي تطال النظام ولمنع ارتفاع منسوب عدم الاستقرار الناتج من المنافسة على المال العام القليل. وعلاوة على ذلك ينبغي على ادارة اوباما ان تقوم بتشجيع السعودة والدول المانحة الأخرى بالوفاء بالتزماتها المتبقية. هذه الخطوات مع بعضها البعض يمكن لها ان تقلل من العجز في الموازنة وتوفر لعمان الوسيلة لمعالجة مطالب قواعد هامة في البلاد.
· العمل على الكولسة بشكل غير علني لدفع الملك عبدالله لبذل جهود منتظمة لمكافحة الفساد في وقت يعزز فيه من الاستثمارات الشفافة والمفتوحة في المناطق التي يقطنها شرق اردنيون. وينبغي ان تكون هذه الرسالة على اجندة الولايات المتحدة في التشاور مع الاردن. وعلى قيادة الاتحاد الأوروبي ان تعزز من هذه الرسالة ولتوفير المساعدات التقنية في اجراءات مكافحة الفساد.
· تشجيع عمان في وضع اولوية الانفاق العسكري في مجالات ضرورية للحفاظ على النظام، ويجب ان يتركز الانفاق على القوات الارضية والاجهزة الاستخبارية والمؤسسات العسكرية الداعمة مثل المستشفيات والمدارس بدلا من الانفاق على شراء سلاح الجو وعلى المجالات الاخرى الهامشية في مسالة الحفاظ على الاستقرار.
· تشجيع الاردنيين ليستمروا في اصلاحات تدرجية وهذا يتطلب التخفيف من القيود على الاعلام ورفع المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية في البرلمان. وأي تغير يحدث يجب ان يفضي الى توازن في الحفاظ على دفع الحركة للامام لكن من دون رفع سقف التوقعات في تحول سياسي سريع او توفير الفرصة لخصوم النظام لكي يدفعوا بتغيير ثوري.
· مقاومة انتشار الايدلوجيات الاسلامية المتطرفة والارهاب الجهادي في الاردن، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين التعاون القائم بالفعل بين الاستخبارات الاميركية والاردنية وتحذير اللاعبين الخارجيين وبخاصة قطر ومصر من استغلال الانكشاف الاردني لزيادة التأثير الاسلامي في البلد. كما ان هناك ضرورة للعمل لمنع حماس من السيطرة في الضفة الغربية وذلك لتقوية التعاون بين الاردن مع كل من السعودية واسرائيل.
انتهت الترجمة
Acknowledgment: Political Instability in Jordan by Robert Satloff, Copyright © 2013 by the Council on Foreign Relations Press. Translated and republished with permission.
ترجمة د. حسن البراري- كتب كل من روبرت ساتلوف المدير التنفيذي لمعهد واشنطن وديفيد شينكر مدير برنامج الدراسات العربية في ذات المعهد مذكرة طواريء حول عدم الاستقرار السياسي بالاردن، ونشرت على موقع مجلس العلاقات الخارجية- أحد أهم مراكز "الثنك تانك" بالولايات المتحدة.
مقدمة
لغاية الآن صمد الاردن أمام العاصفة السياسية التي هبت على اجزاء كبيرة من الشرق الاوسط منذ نهاية عام 2010. ومع ذلك، فثمة تحديات قيد التشكل لها امكانية ان تتطور الى تهديدات حقيقية لاستقرار المملكة الاردنية. فبينما الاردن دولة معتدلة وغير ايديولوجية وفيه ثقافة سياسية غير ثورية، وهذه عوامل تهدئة، الا ان مخاطر عدم الاستقرار الداخلي هي اكبر من أي وقت مضى، منذ الفترة الدموية في عاميّ 1970-1971. وبالنسبة للولايات المتحدة فإن تغييرا سياسيا بنيويا يأتي نتيجة لانعدام الاستقرار (والذي قد يفضي على سبيل المثال الى تنحي الملك عبدالله أو ازاحته عن الحكم او يغير النظام الملكي بشكل جذري او ينهي نظام الملكية ويستبدله بنمط من الحكم معادي للغرب) يمكن أن يفضي الى سياسات معادية لمصالح الولايات المتحدة.
ولأن الاردن يتبنى مقاربة استراتيجية منحازة للغرب وملتزمة بمعاهدة السلام مع اسرائيل وتتعاون في الحرب على الارهاب وفي المسائل الامنية، فإن للولايات المتحدة مصلحة قوية في مساعدة عمان في السيطرة على التغيير المحتمل الذي قد يزعزع الاستقرار. فعدم الاستقرار ليس امرا حتميا، فهناك عددا من الخطوات الحكيمة التي يمكن اتخاذها لمنع التطورات غير المحببة.
الاحتمالات
يواجه الملك عبدالله مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية، والمصدر الخارجي الرئيس لعدم الاستقرار هو الحرب الاهلية بسوريا واثارها على الاردن، وهذا قد يتضمن الاشتباك العسكري في المناطق الحدودية مع سوريا، وانتشار التطرف السلفي، والكلفة العالية لاستيعاب اللاجئين، واحتمال اختراق او تدخل البلدان الاخرى في الاقليم بالمنظمات الاسلامية بالاردن. والمصادر الداخلية لعدم الاستقرار يأتي من ارتفاع منسوب الغضب الشعبي الناتج من التقشف الاقتصادي وعدم كفاية الاصلاحات السياسية والانطباع بأن الحكم متسامح مع الفساد، بالاضافة الى الثقة المتنامية لدى الاخوان المسلمين والحركة السلفية التي تزدهر. وفي وقت تشكل فيه التهديدات الخارجية تحديا هاما يبقى الخطر الاهم للنظام عندما تقوم هذه الاخطار الخارجية بخلق او مفاقمة عدم الاستقرار السياسي في البلد. وهنا يمكن الاشارة الى مجموعة من الاحتمالات: ميدان تحرير في عمان على شكل انتفاضة، ولعبة اسلامية لعصر النظام، واحتمال انشقاق القاعدة الاساسية لدعم النظام من الشرق اردنيين.
ميدان التحريرفي عمان
الاحباط الذي يرافقة اصلاحات سياسية بطيئة وغير كافية يتدحرج ككرة الثلج ليتحول الى مظاهرات شعبية لا قبل للنظام باحتوائها دون ان يلجأ إلى مستويات غير مسبوقة من العنف ضد المدنيين غير المسلحين. هنا تكون مسببات الانتفاضة غضب شعبي على رتم عملية الاصلاح المتقطع، عدم الرضا عن الحكومة المليئة بفساد النخب الحاكمة، ظهور فساد (...) بارز لا يخضع لعقاب. ويتصور هذا السيناريو مظاهرات متنامية تأتي بسبب تآكل تدرجي وثابت لدعم الملك وحتى النظام الملكي بذاته. وينطوي المشاركون والنشطاء على طيف من السكان (الفلسطينيون الذين لا يمثلون حسب نسبتهم، الاسلاميون الذين عانوا لفترة طويلة، والشرق اردنيون من اصول قبلية الذين فقدوا الثقة بقدرة الملك على تحسين الوضع الاقتصادي والحكم بشفافية وحتى توزيع مكارم بمستويات تقليدية. وقد تنهار الاجهزة الأمنية أمام الضغوطات لعدم استخدام القوة وبسبب اتفاق اعضاء الاجهزة مع شكاوى الاردنيين، والنتيجة يمكن ان تكون قبول الملك بتغيير سياسي جذري (على شاكلة ملكية دستورية كما هو معمول به في اوروبا)، او تنازل الملك عن العرش، او زوال الملكية واقامة جمهورية.
وفرصة تحقيق مثل هذا السيناريو هي ضئيلة لأن غياب الاصلاح السياسي في الاردن ليس مصدر شكوى رئيس في الاردن ولا عامل توحيد للمعارضة. فالاستياء العام في الاردن يتركز اكثر على ضعف الاقتصاد والانطباع بوجود فساد منتشر، واكثر من ذلك فإن الاصلاح السياسي يلامس عداءً عميقا بين الشرق اردنيين والفلسطينيين. ففي نهاية الامر فإن اي اصلاح سياسي عادل من حيث التمثيل السكاني في الانتخابات يمكن له ان يزيل الدور التفضيلي للشرق اردنيين ويمكّن الاردنيين من اصول فلسطينية سياسيا وفي الاجهزة الامنية التي بقيت حكرا على العشائر. لكن غياب الاصلاح لوحده ليس سببا كافيا لاطلاق معارضة جماهيرية ضد النظام.
لعبة اسلامية لمحاصر الملكية
بعد عقود من العلاقة الملتبسة والغامضة مع النظام، فإن الحركة الاسلامية بالاردن تستفيد من النجاحات الاسلامية في الدول المجاورة لكي تتحدى وبشكل مباشر النظام الهاشمي بهدف تحويل الاردن الى دولة اسلامية. فالاحتجاجات الجماهيرية في هذا السيناريو تنطلق في عمان والزرقاء واربد ومناطق أخرى من التي يوجد بها كثافة سكانية من اصول فلسطينية (التي تمثل معقل الدعم للاسلاميين). هناك من الصعب اخضاع الاشتباكات مع قوى الامن من دون خسائر كبيرة بالارواح الامر الذي يمكن أن يسمح لمقاتلين اجانب دخول الاردن من سوريا ومصر والعراق ما يدفع الى منازلة بقاء بالنسبة للنظام.
فطموحات الاسلاميين في الارن تتحدد بشكل كبير من خلال الاحداث التي تجري خارج الاردن: دور الجهاديين في سوريا ما بعد الاسد، احتمال ان تسيطر حماس على فتح وتصبح اللاعب المهيمن في السياسة الفلسطينية، واذا ما نظرت قيادة الاخوان المسلمين المصرية بدعم مالي قطري الى الاردن كنافذة لتوسيع النفوذ الاقليمي. ومن غير المحتمل أن يؤدي اي من هذه التطورات الى احتمال اسلامي، لكن الحدث الثاني يمكن له أن يكون كافيا لاقناع الاسلاميين المحليين باستعراض عضلاتهم، اما الحدث الثالث فإن العاصفة التامة يمكن ان تحفز نسخة اسلامية من جهود البعثيين والناصريين في الخمسينات والستينيات لتخريب الاردن واخضاعها. واذا ما حدث ذلك فمن المحتمل ان يرد الملك عبدالله بمحاولة تلميع مؤهلاته الاسلامية من خلال التركيز على الاستحضار الهاشمي المتوراث بانتسابهم لبيت الرسول. ولكن في نهاية الامر فإن الملك سيعتمد على اجهزته الامنية من خلال خلق المخاوف من سيطرة فلسطينية حتى يضمن دعم الشرق اردنيين. فجهود منسقة لتقويض حكم الملك عبدالله من قبل اسلاميين في القاهرة وفي دمشق وفي رام الله بحيث يعملون مع الاخوان المسلمين الاردنيين والسلفيين الراديكايين من شأنها ان تشكل تهديدا حقيقا والدعم من الشرق اردنيين، طبعا هناك عوامل يمكن لها مواجهة جهود تقويض النظام مثل الانقسامات الايدولوجية والاثنية (الفلسطينيون والشرق اردنيون) داخل الاخوان المسلمين انفسهم، كما أن هناك حقيقة وهي أن الاجهزة الامنية التي تستند الى العشائر هي على قدر التحدي وبخاصة إذا ما تأكدت هذه الاجهزة ووثقت بالارادة السياسية للملك ونظامه.
انشقاق رئيس للشرق اردنيين
لعقود مضت ركز المحللون على الكتلة السكانية الفلسطينية في الاردن على اعتبار انها هي المصدر المحتمل لعدم استقرار النظام في الاردن. لكن على الاقل ومنذ ان تمكن الجيش الاردني من سحق الثورة الفلسطينية المدعومة من سوريا في عام 1970/1971 والاردنيون من اصول فلسطينية خانعين. ولذلك فإن الخطر الاكبر بالنسبة للنظام هو تطور ارتفاع منسوب الاغتراب بين مؤيدي النظام التقليديين من الشرق اردنيين (الذين يقطنون في المدن الشرق اردنية الرئيسية مثل معان والكرك والطفيلة) وهم الذين يوفرون القوى البشرية للقوات المسلحة الاردنية والاجهزة الأمنية. وفي الفترة الاخيرة بدأ هذا النوع من المعارضة يظهر بسبب الظروف الاقتصادية والاغتراب عن مناطق عمان الثرية والغضب على ما يبدو وكأنه عدم اكتراث من قبل النظام للمطالب العشائري والاستياء على ما يبدو من فساد يتمتع بسماح ملكي.
فالاغتراب الذي يشعر به الكثير من الشرق اردنيين والانخراط الاردني في الازمة السورية- هناك تقارير تفيد بأن الاردن سمح لطائرات اسرائيلية من دون طيارين للتحليق فوق اراض اردنية وبأن الاردن يرحب بنشر قوات اميركية على اراضيه- يمكن لهما أن يغذيا الاحتجاجات ايضا. فالمعارضة العشائرية تمحورت حول ما يسمى بالحراك الذي قام بسلسلة من الاحتجاجات في مدن الشرق اردنيين وفي العاصمة ايضا.
في هذا السيناريو، تنمو حالة عدم الرضا والاغتراب لتصل الى حالة من معارضة للنظام كنتيجة لحدث يمكن له ان يهين الحساسيات العشائرية ويغذي فكرة أن النظام نكث العهد من مؤيديه الشرق اردنيين. وهذا يمكن أن يأخذ شكل قتل اعضاء من الحراك خلال احتجاجات الشارع أو موت النشطاء في الاعتقال، ومن شأن ذلك أن يخلق عداوة يجتمع حولها دعم عشائري ضد القصر. كما يمكن ان يأتي نتيجة لكارثة من صنع البشر مثل انهيار جسر او نفق يذهب ضحيتها اعضاء من عائلة اردنية ويتم الربط بين الكارثة وبين البناء الضعيف للجسر او النفق المرتبط بالفساد. كما يمكن ان يأتي نتجية لاغلاق مؤسسات عامة مثل العيادات والمدارس والمستشفيات وقناعة الناس بأن ذلك جاء نتيجة سياسة غير عادلة مثل شد الحزام على البطون والتقشف ما يؤثر على الفقراء من الشرق اردنيين دون ان يرافق ذلك تضحيات من القيادة السياسية او سكان عمان. وفي كل واحدة من هذه الحالات قد تنتشر المظاهرات بسرعة بسبب التعاطف العام ودعم عناصر من الاجهزة الامنية (الذين هم بالذات شرق اردنيون).
المؤشرات التحذيرية
هناك مؤشرات تحذيرية لسيناريو "ميدان التحرير" في عمان وهي مؤشرات تتضمن انتقادات الملكية والدولة في الاعلامي الجديد المتنامي في الاردن، وظهور المنشورات واليافطات التي تنادي بالوحدة الوطنية لمواجهة الحكومة الفاسدة، وارتفاع حجم وعدد الاحتجاجات العمالية والمظاهرات في الجامعات والاعتصامات في مكاتب الحكومة. وهذه نذر لظهور احتجاجات جماهيرية. وعلى نحو مشابهة، فإن ارتفاع نسبة الفلسطينيين المشاركين في الاحتجاجات—وهم من بقي خارج الاحتجاجات—يمكن له أن يكون نذيرا آخرا لعدم الاستقرار.
اما مؤشرات السيناريو الثاني (لعبة الحصار) ستكون بشكل اقل دراماتيكيا. وواحدة من هذه المؤشرات هو ان تقوم على سبيل المثال قيادات الانظمة الاسلامية في مصر وسوريا بتشجيع الاسلاميين الاردنيين لتبني مواقف اكثر فجاجة او لتبني مقاومة عنيفة غير سلمية. ويمكن في هذه الحالة ان تعقد جهود الجامعات الاسلامية الاجنبية في الاردن من قدرة النظام على التعامل مع الخطر الذي يشكله اسلاميو الداخل. وسيشكل تناميا اضافيا للحركة السلفية الاردنية (وهي تعبر عن اتجاه في الاقليم يتشكل في الاردن) اشارة تحذيرية اضافية.
اما بالنسبة للسيناريو الاكثر ترجيحا فيتعلق بانشقاق شرق اردني، وهناك مؤشرات تحذيرية تشمل ارتفاع تنسيق وحجم وتكرار الاحتجاجات التي يقوم بها الحراك، التعاون المتعاظم بين الحراك والاسلاميين، واحتمال ادانة الملكية لتنازلها للمصالح الاجنبية وارتفاع منسوب القمع للمحتجين وانضمام بعض رجالات الملك للحراك (بعض الشرق اردنيين كبار السن الذين كانوا في السابق من الموالين يشكل اعمى للملكية) واندلاع ثورات الخبز في المناطق القبلية التي تهاجم الملك وعائلته.
من الاهمية بمكان ان لا ينظر الى هذه التطورات والظروف كاحتمالات متباعدة ومنفصلة، فيمكن ان يكون لها القدرة على التاثير على بعضها البعض ويمكن لها ان تدفع بعضها البعض. فمثلا، إن انتشار احتجاجات الحراك التي تحيّد الاجهزة الامنية قد تجعل الاردن اكثر هشاشة للتقويض القادم من اسلاميين راديكاليين. ومن الضروري أن تبقي الاعين مفتوحةعلى الاثار المعدية والمحتملة لأية مجموعة من الاحداث.
المآلات على المصالح الاميركية
سيسهم اي تغيير راديكالي معاد للغرب في الاردن يأتي نتيجة لمعارضة شعبية (مثل تنازل الملك عن العرش، اصلاحات دستورية تحت ضغط الشارع) الى تحول عميق في الوجهة الاستراتيجية للاردن ما سيترتب عليه ضررا بمصالح الولايات المتحدة. فالملكية تعلب دورا في الحفاظ على الانحياز للغرب والسلام، وبالتالي فإن أي سحب للصلاحيات الملكية يمكن ان يلحق ضررا بالعلاقات الاردنية الاسرائيلية الاميركية، وبهذا المعنى فأن اجراء تغيير جذري داخل الاردن من شأنه ان يفضي الى تغيير في السياسة الخارجية.
وهنا يمكن الاشارة الى انتكاسات محتملة للولايات المتحدة نتجية لهذا التغيير وهي انتكاسات تتضمن ولا تقتصر على انهاء العلاقة الاردنية الاسرائيلية ورفض الاردن المشاركة في جهود تحت قيادة الولايات المتحدة لمكافحة الارهاب ولتحقيق الامن الاقليمي، وهي انتكاسات يمكن لها ان ترفع من منسوب عدم الاستقرار في الملكيات في الخليج التي تنظر للاردن على اعتبار انه خط دفاع حرج. وفي الوقت ذاته فإن للولايات المتحدة مصالح انسانية وسياسية في الاردن مثل تجنب سفك الدماء الذي قد يأتي نتيجة لقلاقل شعبية ولها ايضا مصلحة دفع التغيرات الديمقراطية الثابتة والتدريجية بما يتسق مع اهداف اميركا في الاقليم. وبالنظر لهذا المصالح فإن منع احداث تغيير جذري او عنيف في الاردن هو اولوية عليا للولايات المتحدة.
الخيارات الاستباقية
يؤكد اغلب المحللين أن الاصلاح السياسي هو الطريقة المثلى لحماية الملكية في الاردن من التحديات العلمانية والاسلامية. وهذا خطأ. أولا، وكما يفهم بشكل عريض في الغرب فإن الاصلاح هو قضية تفريق في الاردن بسبب الانقسامات الديمغرافية، فحتى تعريف الاصلاح هو امر يخضع للانقسام ايضا. ثانيا، المصدر الاكثر احتمالية لعدم الاستقرار في الاردن الذي يأتي نتيجة لشعور الشرق اردنيين بحالة من الاغتراب هو مصدر موجود بمعزل عن الاصلاحات او نقصها. وعوضا عن ذلك يمكن القول أن العاملين الاكثر اهمية في شعور الشرق اردنيين بالاغتراب هما الانطباعات التي تفيد بأن الفساد منتشر بشكل واسع وعدم وجود انفاق حكومي كاف او انفاق حكومي في غير محله.
وهذا الامر ينطوي على مفارقة بطبيعة الحال لأن الكثير من الشرق اردنيين ليسو غاضبين بسبب الفساد بعينه بل لانه لم يعد بوسعهم الحصول على ما يروه حصة مناسبة وعادلة من الدعم الحكومي وبخاصة في وقت يرون فيه ان الامر بالنسبة للنخب الواصلة في عمان كما كان في السابق.
والطريقة الاكثر فعالية لكي تتمكن الحكومة من نزع فتيل احتمال حصول حالة من الاغتراب لدى كتلة حرجة من السكان هو من خلال خليط متناقض من اتخاذ اجرءات ضد الفساد الرسمي وربما الفساد (...) في وقت تقوم به الحكومة بانفاق اكثر على الحاجات المحلية في المناطق الشرق اردنية الحساسة لتقسيم المعارضة. فعلى عكس الاسلاميين، فإن جزءً كبيرا من المكون الشرق اردني لا يعيش حالة من الاغتراب الايديولوجي مع النظام. لذلك فإن ارضاء الشرق اردنيين يجب ان يكون اولوية. وللتأكيد فإن مهمة منع انزلاق الاردن الى حالة من عدم الاستقرار تكمن بشكل اساي في الملك، ومع ذلك فإن بامكان واشنطن أن تتخذ الخطوات التالية الان من اجل استباق ازمة:
تقديم دعم مالي اضافي
منذ بداية الدولة فإن الاردن دولة مدينة تعتمد على المانحين الاجانب للحصول على تمويل. ومؤخرا تفاقمت الحالة المالية للمملكة بسبب قطع امدادات الغاز الطبيعي الرخيص الذي يأتي من مصر وبسبب العنف في الجارة سوريا. وفي الوقت ذاته بدأت عمان في برنامج تقشف ورفعت الدعم عن الطاقة والغذاء (مما غامر بوجود حالة من الغضب الشعبي) استجابة لشروط اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. ولمنع قدوم عدم الاستقرار الداخلي فالاردن بحاجة الى دعم مالي اكبر. والولايات المتحدة دعمت بشكل حكيم جهود الاردن للحصول على سوق المستندات الدولي من خلال منح الاردن ضمانات قروض. لكن تدفق اللاجئين عبر حدود الاردن وفي اعداد متزايدة مما يضع اعباءً اضافية على قطاع الخدمات العامة ويخلق ما يمكن ان يكون منافسة مع مؤيدي النظام الاكثر اخلاصا على المال العام الضيئل اصلا. وفي هذه البيئة فإن هناك حاجة لدعم اضافي. وتستطيع واشنطن ان تتخذ خطوات متعددة من ضمنها اعطاء عمان مساعدات ثنائية وتنظيم "اصدقاء الاردن" لمساعدة المملكة واستعمال تأثيرها لاقناع السعودية ودول الخليج بالوفاء بالتزماتهم في الدعم المالي للاردن.
دعم اجراءات صادقة لمكافحة الفساد
الفساد اصبح صرخة تعبئة قوية لجماعات المعارضة البائسة في الاردن، وقد ثبت الفساد بأنه مدمر لمكانة الملكية التي وبالرغم من تأسيس هيئة مكافحة الفساد في عام 2006 ما زالت تعاني من وجود انطباع بأنها ليست ملتزمة بما فيه الكفاية للقضاء على الفساد عال المستوى. وبينما يمكن ادراج الاردن ضمن البلاد العربية الاقل فسادا وبالرغم من ان الحكومة لاحقت حالات حساسة لاناس رفيعي المستوى فإن الانطباع بأن الفساد اصبح وبائيا هو الانطباع المسيطر. ولمواجهة هذا الانطباع يمكن لواشنطن تشجيع الملك لتكثيف التزاماته المعلنة لمحاربة الفساد عن طريق المضي في محاكمات لشخصيات كبيرة وعن طريق ترخيص المؤسسات مثل الشفافية الدولية لتفتح لها مكتبا بالاردن وعن طريق الغاء التشريعات التي تحد من منشورات الانترنت التي كانت عالية الصوت في كشف الفساد بالاردن.
تشجيع قيادة سليمة وتمويل كاف للقوات المسلحة والاجهزة الامنية
يعد وضع المسؤولين موضع المسؤولية والمساءلة ضرورة لمحاربة الفساد. لكن ومن زاوية أخرى فإنه لا ينبغي على شركاء الاردن وحلفائه أن يرتاحوا ويكتفوا بوضع رئيسي سابقين لجهاز المخابرات بالسجن لجرائم مالية. فالخزي الشعبي لهذين الرئيسين له اثار مدمرة معنوية لدى المؤسسة التي يعتمد عليها الملك في الامن الداخلي. وبهذا الصدد فليس هناك الكثير ما يوسع اميركا القيام به غير الاستمرار في المراقبة اللصيقة للاغتراب في الاجهزة الامنية وتشجيع تعيين قادة يركزون فقط على حماية المملكة.
ويمكن لواشنطن ان تمارس ضغطا على عمان لتتخذ الاخيرة اجراءات لتقوية قواتها المسلحة التي تعد المرتكز الثاني في امن النظام. وباستطاعة الولايات المتحدة أن تشجع الحكومة على تقليص المشتريات لسلاح الجو في الموازنة (والتي نالت عناية خاصة لوقت طويل) بالرغم من دورها الهامشي في الامن الوطني لصالح القوات الارضية التي توفر الرجال والمعدات الضرورية لمواجهة التهديدات للمملكة. وخلال الاوقات الاقتصادية الصعبة فإنه من الضرورة ان يحتفظ الاردن بمستويات تقليدية من المال للمدراس والمستشفيات العسكرية والخدمات الاجتماعية الضرورية لعائلات الفقراء من الشرق اردنيين. ويجب تقديم النصح للاردن بألا ترتكب خطأ غير ضروري في تقليل البنى التحية العسكرية الضرورية لاستقرارها الداخلي.
تعزيز التعاون الهاديء حول سوريا
ستشكل سوريا بشكلها الحالي من الحرب الاهلية او بعد الاسد تهديدا كبيرا للأمن الاردني، وهو تهديد سينافس ان لم يزيد عن الرتم العملياتي المرتفع للقاعدة في الاردن اعقاب الغزو الاميركي للعراق. وسيؤدي الانتشار للايديولوجيات الراديكالية من قبل الجماعات الاسلامية في سوريا وتدفق الجهاديين العنيفين والتهديج الناجم عن الارهاب عابر الحدود والتجارة بالاسلحة المعقدة الى تآكل في الاستقرار الداخلي للاردن. ولمساعدة الاردن في التصدي لمثل هذا الطيف من التهديدات ولحماية السياسة الداخلية في الاردن من التطورات في سوريا فإنه بامكان الولايات المتحدة ان توسع من المشاركة القوية في التعاون الاستخباري مع الاردن، ومع ذلك لا بد من العمل مع الاردن بروية وهدوء لأن الردع الاضافي الذي يمكن ان يخلق في العلاقة مع سوريا نتيجة الاعلان عن تعاون استخباري وعسكري اردني اميركي والذي يتضمن نشر قوات اميركية للتحضير لأي طاريء يمكن أن يوازن بمشاعر محلية حارقة من شأنها ان تفاقم من الظروف.
تشجيع اتفاقية غاز مع اسرائيل
مشكلة الاردن الاقتصادية تتعلق كثيرا بموضوع الطاقة، فمصر كانت المصدر الرخيص للطاقة لوقت طويل، غير أن غياب الامن في مصر بعد الثورة جعل من خطوط تزويد الغاز عرضة للهجمات الارهابية مما أجبر الاردن على البحث عن مزود طاقة بديل باسعار كبيرة. وقد عانت عمان من مصروفات بقيمة مليار دولار غير مرصودة في الموازنة في عام 2012. الراهن ان مصر لن تعود لتكون مزودا يمكن الاعتماد عليه في المستقبل المنظور. وعلى المدى القصير هناك ما قد يملأ الفراغ مثل ترتيبات تفضيلية مع العراق او نفط باسعار تفضيلية من الخليج، لكن الحل الاستراتيجي للاردن هو إسرائيل التي ستبرز قريبا كمصدر رئيسي للغاز وهي ترغب في تزويد الاردن باحتياجاته وباسعار تفضيلية لمستقبل بعيد. غير ان هناك مشاعر معادية لاسرائيل تطغى على الراي العام الاردني قد تعيق الاردن في التوصل الى اتفاقية غاز مع اسرائيل. وهنا يمكن للولايات المتحدة ان تلعب دور الوسيط لاقناع القصر والشعب الاردني لكي يقبلوا باتفاقية تصب في مصالح الاردن الاستراتيجية والتجارية والامنية في وقت تقوى فيه معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية.
دعم اصلاحات ذات مصداقية ولو متواضعة
بينما لا يعد الاصلاح السبب الرئيس لمعارضة النظام في الاردن فإن اجراء اصلاحات ديمقراطية متواضعة هي من دون شك في موضع ترحيب لأن لها فوائد كبيرة ولأنها تحسن من صورة الملك. فبعد ان بدأ الربيع العربي بوقت قصير في بدايات عام 2011 بادر الملك الى اطلاق علمية انتهت باصلاحات دستورية نالت استحسان 70% من الاردنيين. وفي وقت لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تؤيد تغيرات ذات طبيعة تحولية يدعمها الاسلاميون فإنه يتوجب على واشنطن ان تدعم اصلاحات معتدلة تتضمن مراجعة لقوانين الاعلام حتى تسمح ببيئة اعلامية اقل قمعية وتتضمن ايضا تعديلا على قانون الانتخابات لزيادة نسبة الممثلين على القوائم النسبية ما يمنح الاحزاب السياسية تمثيلا اكبرا في مجلس النواب.
الاشتباك مع اسرائيل والسعودية
هناك دولتان في الشرق الاوسط لهما مصالح عميقة في استقرار الاردن : اسرائيل والسعودية ويمكن للولايات المتحدة ان تدعم الاردن وتقويه من خلال تعزيز العلاقات والروابط معه. وبالنسبة لإسرائيل التي تعتبر معاهدة السلام مع الاردن كذخر استراتيجي فإن ايجاد طرق لضمان استقرار جارتها الشرقية هي اولوية عليا. اما مصالح السعودية فهي اكثر تعقيدا، فبالرغم من التقلب في علاقة العائلة الحاكمة في السعودية مع الهاشميين فإن الاردن يعد منطقة عازلة لتمنع عدم الاستقرار في الشمال. صحيح ان المصالح السعودية والاسرئيلية ليست متماثلة لكنها ذات طبيعة تكميلية وهناك الكثير مما يمكن ان تقوم به واشنطن لتعزيز التعاون السياسي والامني والاستخباري في العلاقة مع الاردن والسعودية واسرائيل. وهناك دور داعم يلعبه لاعبون آخرون --مثل الامارات العربية المتحدة والدولة الاوروبية الرئيسية وبلدان شرق اسيا المؤيدة للغرب—على شكل مساعدات اقتصادية، ومع ذلك فإن دورهم في وقت الازمات سيبقى في حدوده الدنيا.
خيارت التهدئة
اذا ما واجه الاردن وضعا سريع التدهور فإنه ينبغي على الولايات المتحدة ان تقوم اولا باتخاذ خطوات عملية لضمان سلامة موظفي سفارة اميركا والمغتربين الاميركان المقيمين بالاردن، لكن بعد ذلك هناك خطوات هامة يمكن لواشنطن ان تقوم بها بالتناغم مع دول اخرى للتخفيف من حدة الاخطار المترتبة على عدم الاستقرار في الاردن، وهذه الخطوات هي:
١ - رسالة علنية للدعم
في حالة اندلاع عنف او مظاهرات كبيرة في الاردن فأنه يمكن لواشنطن ان تقوم بتشجيع القصر بشكل سري للاستمرار في سياسته طويلة الاجل للسيطرة على الناس بشكل سلمي ويجب على اميركا ان تتجنب توجيه انتقادات علنية للملك عبدالله الثاني او ان تقيم اتصالات بشكل علني مع رموز المعارضة، فهذان العملان يمكن ان يفسرا بانهما مؤشران على تراخي الدعم الاميركي للملكية. اما الضغط على الاردن لاتخاذ تغيرات سياسية جذرية مثل السماح بتمثيل نيابي كامل او شبه كامل من خلال القائمة الوطنية التي من شأنها ان تتماشى مع المباديء الديمقراطية ولكنها على الارجح ستقدم فائدة للحركة الاسلامية فقط.
٢- تأمين تدفق مباشر للنقد
لا يمكن للمال ان يضمن الاستقرار بالاردن ولكنه يمّكن الملك من شراء الوقت للسيطرة على المشاكل الاقتصادية التي تغذي القلاقل الشعبية، لذلك فإن قيام دول الخليج او المانحين الغربيين بمد يد المساعدة وتقدم نقد اثناء اندلاع ازمة يمكن له ان يعمل كاجراء مؤقت يمّكن القصر من استعادة نظام الدعم على السلع ورفع اجور العاملين بالحكومة أو يمكنه من القيام بخطوات من شانها نزع حدة المظاهرات. بعدها يمكن للملك ان يستأنف برنامجه في الاصلاح المسيطر عليه عندها تستقر الامور.
٣- انذار داعمي الاخوان المسلمين الخارجيين
على واشنطن ان تفكر مليا باجراءات اكثر تأكيدا لمنع اللاعبيين الخارجيين من تغذية عدم الاستقرار، وربما بامكان واشنطن اصدار تحذيرات لمصر (الاخوان المسلمون هناك اقوى) وقطر (المانح المالي الرئيس للاخوان) حتى لا يتدخلا في السياسة الاردنية. لكن في حالة تجد عمان نفسها في خضم ازمة مع الشرق اردنيين الذين يشعرون بحالة من الاغتراب فإنه يمكن لكل من القاهرة والدوحة أن يجدا في ذلك فرصة لتوسيع تأثير الاسلاميين ويساهما في التعصيد عن طريق تشجيع الاسلاميين في الاردن ليتظاهروا بالشوراع والدخول في تحالف تكتيكي مع الشرق اردنيين. ولمنعهم من القيام بذلك يتوجب على الولايات المتحدة ان تبين لهما الكلف الكبيرة التي ستدفعانها ( مصر قطر) ثمنا للعبث بالشؤون الداخلية للاردن.
التوصيات
للولايات المتحدة مصالح هامة على المحك في الاردن ولذلك يتوجب عليها القيام ياتخاذ خطوات الان للتقليل من احتمالية بروز تهديد رئيس للاستقرار بالاردن في المستقبل. والعامل الاكثر مساهمة في عدم الاستقرار بالاردن هو مالي، وقد ورد في تقرير صندوق النقد الدولي ان الوضع النقدي الاردني النصفي هو ايجابي، لكن لكي تصل الى فترة المنتصف وبخاصة اذا ما ساءت الحالة الامنية فإن الاردن بحاجة الى مساعدة. وعلى نحو متزامن لا يمكن فصل الاردن من الازمة المتفاقمة في سوريا مع انه يمكن حمايتها من المآلات الاكثر سلبية. وعلى هذا النحو، ينبغي ان تقوم ادارة الرئيس أوباما بالخطوات التالية:
· العمل مع الكونغرس للحفاظ على المساعدة العسكرية للاردن وتنظيم "اصدقاء الاردن" لتوفير مساعدات مالية اضافية لموازنة تكاليف استضافة اللاجئين السوريين. والمبلغ الدقيق للمساعدات الاضافية (الذي يمكن ان يصل الى مئات الملايين من الدولارات) يجب ان يشمل تقييمات الاحتياجات التي تقوم بها حكومة الاردن مع الحكومة الاميركية والمؤسسات الدولية صاحبة العلاقة وكذلك يجب ان يتضمن مبلغا ماليا مصمما للتقليل من حدة الاهتزازات التي تطال النظام ولمنع ارتفاع منسوب عدم الاستقرار الناتج من المنافسة على المال العام القليل. وعلاوة على ذلك ينبغي على ادارة اوباما ان تقوم بتشجيع السعودة والدول المانحة الأخرى بالوفاء بالتزماتها المتبقية. هذه الخطوات مع بعضها البعض يمكن لها ان تقلل من العجز في الموازنة وتوفر لعمان الوسيلة لمعالجة مطالب قواعد هامة في البلاد.
· العمل على الكولسة بشكل غير علني لدفع الملك عبدالله لبذل جهود منتظمة لمكافحة الفساد في وقت يعزز فيه من الاستثمارات الشفافة والمفتوحة في المناطق التي يقطنها شرق اردنيون. وينبغي ان تكون هذه الرسالة على اجندة الولايات المتحدة في التشاور مع الاردن. وعلى قيادة الاتحاد الأوروبي ان تعزز من هذه الرسالة ولتوفير المساعدات التقنية في اجراءات مكافحة الفساد.
· تشجيع عمان في وضع اولوية الانفاق العسكري في مجالات ضرورية للحفاظ على النظام، ويجب ان يتركز الانفاق على القوات الارضية والاجهزة الاستخبارية والمؤسسات العسكرية الداعمة مثل المستشفيات والمدارس بدلا من الانفاق على شراء سلاح الجو وعلى المجالات الاخرى الهامشية في مسالة الحفاظ على الاستقرار.
· تشجيع الاردنيين ليستمروا في اصلاحات تدرجية وهذا يتطلب التخفيف من القيود على الاعلام ورفع المقاعد المخصصة للقائمة الوطنية في البرلمان. وأي تغير يحدث يجب ان يفضي الى توازن في الحفاظ على دفع الحركة للامام لكن من دون رفع سقف التوقعات في تحول سياسي سريع او توفير الفرصة لخصوم النظام لكي يدفعوا بتغيير ثوري.
· مقاومة انتشار الايدلوجيات الاسلامية المتطرفة والارهاب الجهادي في الاردن، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين التعاون القائم بالفعل بين الاستخبارات الاميركية والاردنية وتحذير اللاعبين الخارجيين وبخاصة قطر ومصر من استغلال الانكشاف الاردني لزيادة التأثير الاسلامي في البلد. كما ان هناك ضرورة للعمل لمنع حماس من السيطرة في الضفة الغربية وذلك لتقوية التعاون بين الاردن مع كل من السعودية واسرائيل.
انتهت الترجمة
Acknowledgment: Political Instability in Jordan by Robert Satloff, Copyright © 2013 by the Council on Foreign Relations Press. Translated and republished with permission.