عن الطفل الذي ودع معلمه على تخوم الصحراء مثل حصان اصيل...
خلدون عبدالسلام الحباشنة
جو 24 :
عين على الحضور وأخرى على الغياب، دموع وفاء على عتبات الرحيل، وكان أحمد الحجايا الصغير يخاف على عقله وكتبه من الغياب، ونعش معلمه أحمد الحجايا الكبير أمام المصلين يتوسد منهاجاً جديداً، كل حرف تعلمته منه روح حلت فيك حتى تركت الطفولة خلفك ووقفت مرة خلف الجنازة، ومرة أمامها، أسوة بالقلوب التي ألفت صوته الدافئ في صقيع صحراء الحسا...
أين رأس المال؟
هذا هو السؤال، سفول الموت والضرع الذي جف على فجأة منا..
السماء مثل الصحراء قفر لا غيوم هناك ولا شجر هنا، إلى القبر تمشي وفياً بالطفولة لمقام العطش، تلميذا قادك الحب حيث لا روح في المحبوب، والأيوبيون الصابرون على البلاء يحملون نقيبهم إلى سرير أخير.
طفلا تصحو مثل سنبلة على لمسات النسيم تكتب واجبك بين يدي النصوص ولكن صريف المعاني الذي اذهلك عن مهد صباك لتقف أمام الفقد متقناً مقام الوقوف بين يدي النقيب...
نسيت النوم باكراً هذا المساء، لم تهتدِ بعد إلى صدر هذا الليل، وكأنك مثل جريح تريد النوم على قبر قوافيه...
كيف تسربت إلى ذاكرة الولد؟
كيف حجزت مكانك في القلب؟
كيف تبادرت الناس اسمك؟
وحمل المنسيون منذ خمسين عاما صورك.
لذاكرتك ايها الطفل الجنوبي اصرار الموج
في عهدة صحراء القسوة جثمان ترقبه عيناك، وأنت لا تجد للآن مكاناً لدرس ولا تعي حتى اليوم أهمية علامات الترقيم...
نقيب "الجيش" الباحث عن الخبز اليومي كان يتحدث لغة لم تفهمها بعد نخب عناقيد اللؤلؤ، انت فهمت تعاليم الرجل العادي...
أستاذ اللغة واستاذ التاريخ واستاذ قوانين الفيزياء ومعلم احجية الارقام حضروا وانت ترسل عينك نحو منام الغافي .
البجع المزواج يا "أحمد ناصر الحجايا" لا يعرف معنى أن تركض نحو الصف السادس مكسور الخاطر في مدرسة الفوسفات.
لا يعرف سكان "البرج" العاجي نفسية طفلة في عمر الورده تبيع دفاتر رسم على دوار فراس العجلوني في شوارع الحسين.
مد بصرك، قلبك مسلوق حزنا، وانت ترى الماء المسبي يذهب للجهة المستحيلة...
وقفت كأنك تعلن خوفا ما عرفته قامات البدو ولا استسلمت يوما له قامات القرويين
ملح وجوه لم تتذوق يوما حلم الحقول احالك مطرا تبلل بالحب قبرا يعاني الجفاف
ايها الطفل الذي أتقن الوفاء ولغة المراثي فتحت علينا باب الخوف ويممت بنا منعطف الجهة المستحيلة ..
وصلنا اخر العتبات وليس معنا بوصلة ونسينا الوجوه ...
ادر وجهك وانظر الي، اتحد كي لا تتبدد، معلموك الواقفون على حد الحياة منذ خمسين عاما يتحدون سلطة الموت جوعا، هذا معنى لا روح فيه...
لنقل أنهم منذ خمسين عاما يربطون على البطون الحجارة تحت البرانيس لكنهم كانوا يحذرونك من غدر الذئب بالشاة ويحملونك مسؤولية الحب والصبر والامنيات .
هو أغراك بالسبورة والطبشورة حتى أحببت الحياة رغم أنه أمامك كان يخفي جرحه الذي يسلمه للبكاء حينا وحينا يسلمه للممات ...
معلموك علموك أن "وصفي التل" واجه الموت ضاحكا، معلموك علموك أن "هزاع المجالي" كان لا يقيم وزنا للانفجار كي لا تعيش لحظة انكسار...
معلموك علموك أن جنودا في الكرامة اجتهدوا كي ياتوك بالنصر... ومعلموك علموك أن الفلاحين ينتظرونك كي تعلمهم جدول الضرب على جنبات البيادر، وعلموك أن التجار يحتاجون إلى دروس في الحساب والجبر والكسر وزرعوك بذرة في الارض كي تنبت مثل الضوء في الظلام... لكنهم نسوا أن يعلموك أن ثمة ألسنة من نار بالمرصاد، وأيادٍ أتقنت الخيبة وأخرى تندس في غفلتنا في الجيوب...
بدوي من ذوي الطبع الجميل ، انت أيقونة هذا الجيل هل تعي معنى احتدام النزاع ؟
هل توقعت أن تظل شهرا خارج المنطق مثلا ؟
هل فهمت اي شيء من المؤتمرات الصحفية ؟
هل تلقنت درسا غير درس التشكي من ضيق الحال ، وهل انت راض ايها الطفل الطالب للعلم عن حكومة تختبئ خلف محكمة أو عن قرار غير قابل لتنفيذ؟
نسبة النمو الاقتصادي لا تعنيك ابدا ، اين كنت ايها الطفل حين كانت السماء تبرق ؟
هل انت راض ايها الجيل عن كل هذا التمترس وعن كل هذا التحدي والصلف ؟
عن حوار بلا نتائج ، عن خطاب برسم المرض النفسي واخر بنكهة الفوقية ؟
قل لزملائك طلاب المدارس أن يتقاسموا الحب بالتساوي وان يعشقوا الاردن فوق الجنون وفوق التصور .
يحتاج الشعراء والصحافيون والأطباء والسياسيون الى لغة جديده خارج سياقات النص المعلب .
لتكبروا سريعاً ايها الاطفال والطلاب نريدكم أن تعلمونا درسا في الحرية والوعي وارفعوا صوتكم عاليا مع طلوع الشمس ورفع العلم وانشدوا:
نحن من سيفك لغز الظلام ...
لا نفهم لغة الإفلاس والاكتئاب .