إضراب المعلمين من الدوار الرابع الى اروقة المحاكم
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
إضراب المعلمين من الدوار الرابع الى اروقة المحاكم ... أزمة توشك أن تعصف بمستقبل الفصل الدراسي الأول وقد تؤدي لتأجيله!
قانونيا، يُعدّ قرار القضاء قد بات صادرا، لكن السؤال المهم كيف سينفذ، في ظل إحجام المعلمين ورفضهم العودة للتدريس إلّا بتحقيق مطلبهم بالعلاوة 50% على الراتب الأساسي، ... دخل القضاء على خط إضراب المعلمين بإصدار المحكمة الإدارية قرارا يوقف إضرابهم الذي دخل أسبوعه الرابع، بعد استدعاء قُدم للمحكمة بشكل مستعجل من أولياء أمور طلبة، بينما أكد نائب نقيب المعلمين - ردا على القرار- أنهم لن يتراجعوا عن الإضراب...
جاء في قرار المحكمة أنه ولتوافر شروط القضاء المستعجل من حيث وجود خطر حقيقي محدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يستلزم درؤه بسرعة دون تأخير أو تأجيل، وأن يؤدي تنفيذ القرار المطعون فيه إلى نتائج يصعب تداركها، وألا يمس القرار المستعجل موضوع الدعوى؛ فقد قررت المحكمة وقف تنفيذ قرار إعلان الإضراب المفتوح مؤقتا إلى حين البت في الدعوى، ... وللتنويه يعتبر قرار المحكمة الإدارية الصادر قابلا للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا...
وهنا وفي سياق القرار القضائي " المؤقت " الذي صدر بوقف الاضراب وفي المقابل وفي شرعية استمرار الاضراب يذهب الكثير من القانونيين الى أن حق الإضراب عن العمل مكفول بالدستور والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما ويضاف لذلك أن المشكلة الآن في تنفيذ القرار، ... ويتبادر سؤال جوهري.. لماذا ذهبت الجهة المستدعية للمحكمة الإدارية وحصلت على قرار بوقف الإضراب؟، بينما يصعب على أرض الواقع تطبيقه، وفي حال تطبيق قرار القضاء فسيواجه بصعوبة كبيرة، وقد يصطدم بحق التجمع المشروع للمعلمين، وحقهم الذي كفله العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالتعبير عن رأيهم، ... وفي هذا الإطار فإن المحكمة الإدارية عليها تبليغ مجلس نقابة المعلمين بلائحة الاستدعاء للرد وفق أحكام القانون، لتجري بعدها المحاكمة وتقديم البيانات...
وللتعقيب على القرار القضائي عند صدره (بالقرار القطعي الملزم) فقد اعتبر بعض الخبراء بالقضاء الإداري بأن الجهة المستدعية التي طلبت القرار من المحكمة تسعى للصدام بين المعلمين المضربين عن العمل والجهات التنفيذية للقرار القضائي، وحتى لو عاد المعلم لصفه فليس هناك ما يجبره على تدريس الطلبة في 3870 مدرسة حكومية في الأردن حيث من المفروض بأن يتابع نحو مليون ونصف مليون تلميذ وتلميذة تعليمهم، فيما يُقدّر عدد المعلمين بنحو 120 ألف معلم ومعلمة. واليوم، العملية التعليمية لا زالت معطّلة في تلك المدارس على خلفيّة إضراب المعلمين في البلاد...
الرؤية الحكومية - المسار المهني وعلاوة على الأداء
أما فيما يتعلق بالخيارات الحكومية، وبعيدا عن قرار المحكمة الإدارية فإنها برأينا بدأت تضيق عقب رفض مجلس نقابة المعلمين قرار مجلس الوزراء بالعلاوات على أساس الرُتب التي أعلن عنها رئيس الوزراء د عمر الرزاز مساء أمس الأحد 29 سبتمبر / أيلول 2019 ... بيد أن قيمة العلاوات المالية التي أعلن عنها رئيس الوزراء لم ترض نقابة المعلمين، معتبرين أنها " فُتات لا تساوي قيمة وجبة إفطار يومي لمعلم أو معلمة "...
وجاء قرار مجلس الوزراء الذي سيكلف الخزينة نحو 26 مليون دينار (36 مليون دولار) سنويا للخروج من أزمة توشك أن تعصف بمستقبل الفصل الدراسي الأول وتؤدي لتأجيله، ويدخل القرار حيز التنفيذ مطلع الشهر القادم في 1 أكتوبر / تشرين الأول 2019...
ووفق نظام الرتب سيحصل المعلم المساعد حديث التعيين في وزارة التربية والتعليم على علاوة مقدارها 24 دينارا شهريا (33 دولارا)، وسيتمكن من الاستفادة من هذه العلاوة نحو 36 ألف معلم ومعلمة، وتمنح هذه العلاوة لأول مرة.
في حين سيحصل من هم في رتبة "المعلم" أي بعد مرور خمسة أعوام على التعيين، على علاوة مقدارها 25 دينارا شهريا (35 دولارا) وتصرف له لأول مرة، وستمنح لـــ 31 ألف معلم ومعلمة.
أما رتبة "المعلم الأول" بعد مرور عشرة أعوام على تعيينه، فسيحصل على زيادة مالية مقدارها 28 دينارا (39 دولارا) وتمنح العلاوة لأول مرة، ويستفيد منها 18 ألف معلم ومعلمة.
وأخيرا سيحصل من هم برتبة "المعلم الخبير" ممن مضى على تعيينهم بالوزارة أكثر من 15 عاما على علاوة شهرية مقدارها 31 دينارا شهريا (43 دولارا)، ويستفيد منها 335 معلما ومعلمة، وستمنح لهم لأول مرة.
خلاصة القول
على الرغم من أنّ النقابة أعلنت على لسان نائب نقيبها بعدم وجود أيّ أهداف سياسية خلف مطالب المعلمين وحراكهم، وشددّت على أنّ مطالب المعلمين مهنية ولا ترتبط بأيّ طرف سياسي، إلا أنّ المخاوف والتي لا تغيب عن بال السلطات الأردنية ممثلة بالسلطة التنفيذية، الحكومة وأجهزتها، التي تخشى توظيف الإضرابات المطلبية لأغراض سياسية وخلق مناخات تفرض تغييرات تحت ضغط الشارع مثلما حدث في أثناء احتجاجات الدوار الرابع في عام 2017. في ذلك الحين، فُرض الرحيل على حكومة هاني الملقي. واليوم، نسبة كبيرة من الأردنيين تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، مثل المعلمين، وربما أكثر صعوبة من قبل، بسبب ارتفاع نسبة البطالة وعدم كفاية الدخل، الأمر الذي يغذّي الاحتقان في داخل المجتمع، وسط غياب مبادرات جدية لكسر حالة الإحباط المسيطرة على فئات واسعة من الأردنيين، في ظلّ حكومة عاجزة عن تقديم حلول تمنع تدهور الأوضاع الاقتصادية...
وفي تحليلنا لما آلت اليه الأمور نقول بالشرح المختصر بأن طرفي المعادلة " نقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم " قد دخلوا في سجال التصريحات الفيسبوكية والتي تطاير شررها ليكتوي به أبنائنا الطلبة واهليهم، ... فالنقابة تصر وتقول نحن نطالب الحكومة بألا تكون متعنتة في الرأي ومصرّة على موقفها، وربط العلاوة بالأداء وهنالك ميدان محتقن وناس تشعر بأنّ هيبتها وكرامتها مُسّت وتشعر بالاحتقان"، مطالبين الحكومة بأن تقدم اعتذاراً للمعلمين لتهدئة الأجواء... وعلى الطرف الاخر تقول وزارة التربية والتعليم إنّ " طاولة الحوار هي أساس التفاهم والاتفاق "، كما ان الوزارة تجدد دعوتها للحوار، والنظر لتحسين البيئة التعليمة وبما ينعكس بشكل إيجابي على الواقع التعليمي...
وفي سياق ما قدمنا نقول ... الحكومات الأردنية المتعاقبة منذ أكثر من خمسة أعوام لم تستجب للأسف لأيّ مطلب نقابي لتحسين الدخل، كما أنّ مثل هذا الإضراب يزيد الاحتقان في الشارع، وعلى الحكومة الاستجابة للمطالب بشكل جزئي أو كلي، حيث ان جزءاً كبيراً من المجتمع يتعاطف مع المعلمين لكنّ ثمّة متضررين من الإضراب كالتلاميذ والأهالي وبعض الأطراف الأخرى...
ختاما إنّ " ما تقوم به نقابة المعلمين من إجراءات احتجاجية لا يخالف القانون ،فهم يمارسون حقاً من حقوقهم، ولا يجوز أن تقوم الحكومة بتقييد ممارستهم هذا الحق، ولا يجوز لها أيضاً اتخاذ أيّ إجراءات عقابية لأيّ من قادة النقابة أو المعلمين والمعلمات بسبب مشاركتهم في هذه الاحتجاجات " ، فالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادقت عليه الحكومة الأردنية، والذي ينصّ على حق جميع العاملين في الإضراب عن العمل للدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم، يتقدّم بالتطبيق على القوانين المحلية، وذلك وفقاً لنصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي تؤكد سموّ المعاهدات الدولية في التطبيق عند تعارضها مع القانون الوطني لأيّ دولة طرف في معاهدة دولية .
باحث ومخطط استراتيجي