"كنت أتطلع لإنجاب 13 طفلا، أما الآن فلا أفكر في الإنجاب مطلقا"
جو 24 :
لم يساور براندالين بيكنر في صباها شك في أنها ستنجب مستقبلا 13 طفلا. وقد تشربت بيكنر، التي نشأت في كنف عائلة كاثوليكية في شيكاغو بولاية إلينوي، هذه الأفكار أثناء دراستها في المدرسة الثانوية الكاثوليكية. لكن بعد الجامعة انخفض سقف تطلعاتها إلى أربعة أطفال فقط.
وعندما بلغت 23 عاما، انضمت إلى متطوعي "فيلق السلام" الأمريكي في مالاوي، وما لبثت أن أعادت النظر في خطتها.
وتقول بيكنر إنها رأت خلال السنوات الأربع التي قضتها في مالاوي تبعات تغير المناخ، إذ لاحظت عن كثب مدى تأثير الأنماط المتغيرة للمناخ على نمو المحاصيل الزراعية التي يعيش عليها جيرانها وأصدقاؤها.
وشعرت بيكنر بوخز الضمير بسبب نمط الحياة الأمريكي، الذي يتسبب في إنتاج كميات هائلة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وسرعان ما أدركت بيكنر أن إنجاب طفل في أمريكا سيفاقم مشكلة انبعاثات الكربون. ففي الدول المتقدمة يصل نصيب الطفل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى نحو 58.6 طنا متريا في العام، في حين أن نصيب الطفل في مالاوي من انبعاثات الكربون قد يتراوح بين 0.07 و0.1 طن متري سنويا.
وأثناء عملها في مالاوي، التقت بيكنر بزميلها في "فيلق السلام" تشيز مورغان، وأقاما علاقة غرامية وانتقلا للعيش معا في واشنطن، حيث تعمل بيكنر مسؤولة علاقات عامة بوكالة فيدرالية، بينما يعمل مورغان في وكالة دولية لتطوير البنية التحتية للطاقة.
ويقول مورغان: "اتخذ كل منا هذا القرار بمفرده. فقد أردت عن نفسي أن أخفض نصيبي من انبعاثات الكربون وتأثيري على البيئة قدر الإمكان".
وأصبحت بيكنر ومورغان جزءا من حركة ناشئة تربط بين تغير المناخ وبين الخيارات الشخصية ذات الصلة بالإنجاب. وفي ظل تزايد المخاوف من تغير المناخ، يرى البعض أن قرار تكوين أسرة بات محفوفا بالمشاكل والتحديات.
بعد أن أمضى وقتا في برنامج "فيلق السلام" التطوعي في مالاوي، صرف تشيز مورغان النظر عن إنجاب أطفال خوفا من زيادة انبعاثات الكربون
قلق عميق
وعلى الرغم من أن انخفاض معدلات الإنجاب في الولايات المتحدة مرده بالأساس إلى عوامل اجتماعية واقتصادية، إلا أن ثمة أدلة متزايدة تؤكد أن البعض يأخذون في الاعتبار أيضا تغير المناخ عند التفكير في تكوين أسرة.
وأشار استطلاع للرأي أجراه موقع "بيزنس إنسايدر" العام الحالي إلى أن 38 في المئة تقريبا من الأمريكيين من سن 18 إلى 29 عاما يرون أن تغير المناخ يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند اتخاذ قرار الإنجاب.
وأجرى ماثيو شنايدر مايرسون، أستاذ مساعد للدراسات البيئية بكلية ييل-جامعة سنغافورة الوطنية، استطلاعا للرأي شمل 901 شخص حول العالم من سن 27 إلى 60 عاما، وذكروا أنهم يربطون تغير المناخ بقرارات الإنجاب، وكان بعضهم آباء أو يخططون للإنجاب أو لم يقرروا بعد أو متمسكون بقرار الامتناع عن الإنجاب.
ويقول شنايدر تعليقا على نتائج الدراسة: "إن قرار الامتناع عن الإنجاب مؤلم للكثيرين من الشباب الحريصين على المناخ. بينما أعرب البعض عن مخاوف عامة بشأن تزايد انبعاثات الكربون، فقد أبدى آخرون قلقا عميقا وحزنا حيال مصائر الأطفال في هذا العالم في ظل تغير المناخ".
ويرى أن أعداد الناس الذين يخافون على مستقبل أطفالهم ويمتنعون عن الإنجاب بسبب المخاوف من تبعات تغير المناخ سيزداد ما لم تتخذ إجراءات فورية لمكافحة تغير المناخ.
السياسة وليس السكان
وفي المقابل، ثمة أبحاث تؤكد أن سياسات وإجراءات تحديد النسل، مهما بلغت قسوتها، لن تسهم كثيرا في إبطاء معدل النمو السكاني أو تخفيف حدة آثار تغير المناخ.
وتقول بيستي هارتمان، أستاذة الدراسات التنموية بكلية هامبشير بمساتشوستس، إن معدلات المواليد تراجعت بالفعل حول العالم، باستثناء عدد قليل من البلدان التي لا تزال معدلات المواليد فيها مرتفعة نسبيا، مثل دول أفريقيا جنوب الصحراء، لكن نصيب الفرد من انبعاثات الكربون في هذه الدول هو الأكثر انخفاضا على مستوى العالم.
وترى هارتمان أنه يجب التركيز من باب أولى على شركات الوقود الأحفوري، وهي سبب رئيسي في تغير المناخ، والتصدي للمصالح السياسية والعسكرية التي تدعمها.
مصدر الصورةKAY MICHAEL
Image caption
أسست بليث بيبينو جمعية "بيرث سترايك"، التي أعلن معظم أعضائها عن اعتزامهم الامتناع تماما عن الإنجاب إلى حين تحسن مستقبل كوكب الأرض
وخلصت دراسة أيضا في عام 2017 نشرت في دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم" إلى أن السياسات والتقنيات التي ترمي إلى ترشيد استهلاك الموارد ستكون أكثر فعالية بمراحل من سياسات تحديد النسل.
وظهرت جمعيات جديدة في هذا المجال لتحويل النظر من تحديد النسل إلى إدخال تغييرات في السياسات للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على مستوى العالم، مثل جمعية "كونسيفابل فيوتشر" و"بيرث سترايك". وترى كلا الجمعيتين أن المخاوف من تغير المناخ تقيد خيارات الشباب المهتمين بالبيئة بشأن الإنجاب.
وتشجع هذه الجمعيات الناس حول العالم لمشاركة مخاوفهم من الإنجاب، وتحث الشباب على الدفاع عن حقهم في اتخاذ قرار الإنجاب في عالم غير مهدد بالكوراث البيئية الناتجة عن تغير المناخ.
وتقول ميغان كولمان، التي شاركت في تأسيس جمعية "كونسيفابل فيوتشر"، إن المخاوف التي أفصح الناس عنها، سواء من خلال موقع الجمعية على الإنترنت أو الحفلات التي تنظمها الجمعية حول العالم، كان من بينها: "ما حجم الضرر الذي قد يسببه طفلي للعالم؟" أو "كيف يمكن أن يؤثر العالم الأقل استقرارا والأكثر حرارة وعنفا على طفلي؟" وحتى "يتملكني الرعب كلما تصورت إنجاب طفل في ظل هذا المستقبل الذي تكتنفه سحابة كثيفة من الغموض".
لكن الهدف من هذه الجمعية، على حد قول كولمان، ليس زيادة النسل أو الحد منه، بل إن الغاية النهائية هي أن نعيش في عالم أكثر نظافة واستدامه، حيث يمكننا اتخاذ قرارات صائبة في مصلحتنا.
وتقول بليث بيبينو، الناشطة التي أسست جمعية "بيرث سترايك" في نهاية 2018 في المملكة المتحدة، إن الجمعية تهدف إلى استخدام القرار الاستثنائي بالامتناع عن الإنجاب للضغط على الحكومات والمؤسسات لتخفيض الانبعاثات إلى أدنى مستوى.
وترمي الجمعية إلى حشد الناس للدفاع عن المناخ عن طريق التركيز على قرار الإنجاب، لكن ليس لها علاقة بتنظيم النسل. وقد أعلن معظم أعضاء الجمعية عن اعتزامهم الامتناع تماما عن الإنجاب حتى يروا بصيص أمل في مستقل كوكب الأرض.
ووسط ضبابية المستقبل، لا يزال الكثيرون في حيرة من أمرهم حول قرار الإنجاب.
وتقول فيروريلي: "نحن نجمع الناس معا ونشجعهم على الانخراط في الحديث مع الآخرين في محاولة للتوصل إلى حلول".
وتقول بيبينو إنها اتخذت قرار الامتناع عن الإنجاب منذ أن كانت في العشرينيات من عمرها، لكنها غيرت رأيها بعد أن التقت شريك حياتها.
وتنوي بيبينو، التي تبلغ من العمر الآن 33 عاما، وشريك حياتها أن يتبنيا طفلا، لأنها لا تزال متمسكة بقرار عدم الإنجاب حتى تختفي انبعاثات الكربون من العالم، وينخفض استهلاك الموارد التي تمثل بيئات طبيعية للحيوانات والنباتات المختلفة، وقطعها وتدميرها.
وتقول بيكنر: "نفكر أنا ومورغان جديا في التبني مستقبلا إذا تهيأت الظروف لتربية طفل، لكنني مقتنعة بقرار الامتناع عن إنجاب المزيد من الأطفال في هذا العالم".
BBC