بعد إصابة والدتها بالسرطان... نينا: "ارتعبتُ من فكرة الموت وقررتُ الإقلاع عن التدخين بعد 18 عاماً"
جو 24 :
منذ 18 عاماً ونينا تُدخن النرجيلة، اعتادت عليها وعلى نكهتها التي باتت في كل زاوية من زوايا منزلها. اعتادت وجودها في حياتها إلى أن تلقت صفعة قوية من الحياة جعلتها تُعيد حساباتها وتنظر الى حياتها بطريقة مغايرة. مرض والدتها دفعها الى اتخاذ قرارها في الإقلاع عن التدخين، رأت مستقبلها أمام عينيها، كانت ترفض ان تكون مريضة وضعيفة، انتفضت لوالدتها ولنفسها... وفازت بالتحدي.
تروي نينا قصتها لـ"النهار"، ليس سهلاً ان تتحدث عن صدمتها ووجعها في اكتشاف مرض والدتها وقرارها في الإقلاع عن التدخين والمحاربة معها لكسب المعركة. تقول: "أُدخن النرجيلة منذ 18 عاماً، أدخن نحو رأسين الى 3 رؤوس في اليوم، اعتدت عليها وأصبحت جزءاً من حياتي. كانت الأمور تمضي على هذا النحو قبل أن نتلقى خبراً صادماً موجعاً قلب حياتي رأساً على عقب. إكتشفنا إصابة والدتي بسرطان في الغدد الليمفاوية، كانت صفعة غير متوقعة، كيف ذلك؟ لماذا والدتي؟ ماذا عليّ ان أفعل؟ أسئلة كثيرة طرحتها على نفسي وبدأ التحدي".
لم يكن أمام نينا متسع من الوقت، كان عليها التصرف سريعاً مع والدتها، بدأت تخوض معها معركة الانتصار على السرطان ومعركة أخرى مهمة في حياتها، ضرورة الإقلاع عن التدخين. عندما اكتشفتُ مرض والدتي قررتُ التخلي عن النرجيلة، رغم حاجتي اليها في هذا الظرف العصيب. لكني رفضتُ ان أضعف امامها، كان لا بدّ من خوض معركتي ومعركتها والانتصار معاً في هذا الموضوع. كانت والدتي ايضاً مُدخنة، وهي اليوم أسيرة جهاز الآوكسجين في الليل بسبب تضرر رئتيها، أما أنا فتوجهتُ سريعاً لإجراء فحص التنفس وكنتُ عازمة على التخلي عن كل مسبب قد يتهدد حياتنا أكثر. ارتعبتُ لمجرد الفكرة، ليس سهلاً ان تحارب سرطاناً يسكن في جسد والدتك، كانت فترة صعبة خصوصاً ان والدتي وانا متشابهتان لأقصى حدود حتى في المسألة الصحية، لذلك قررتُ ان نخوض المعركة معاُ ولأجلنا".
برأي نينا "كان لا بدّ من مساعدتها وتأمين هذا الجو الإيجابي، هي اليوم تسكن معي في جو نظيف من دون أثر للنزجيلة في حياتي. تخلصتُ منها تدريجياً وقررتُ طلب المساعدة من خلال الالتحاق ببرنامج الإقلاع عن التدخين في الجامعة الأميركية. لم يعد امام والدتي سوى جلسة واحدة وتنتهي من علاجها ونسبة الشفاء مرتفعة جداً، اما انا فقد مرّ حوالى 5 أشهر من اقلاعي عن النرجيلة. لم تكن مرحلة سهلة، لكن الارادة وعدم امتحان الوجع والخوف من الاصابة بمرض كلها اسباب كافية للإستمرار في معركتك وقرارك. في البداية كنت أعدّ النرجيلة من دون تذوقها، كنتُ ادفع نفسي على خوض التحدي وامتحان ارادتي، اليوم لم تعد موجودة في منزلي ولم أعد أشتهي تذوقها. لقد شُفيت منها وذلك بفضل إرادتي ومساعدة المركز لي، لقد ساندوني كثيراً وبفضل البرنامج نجحتُ في الىاختبار".
وتختم "انا اليوم نادمة على كل لحظة قضيتها مع النرجيلة عوض قضائها مع عائلتي والإستفادة من كل لحظة في هذه الحياة، في النهاية لا شيء يستحق ان تخسر حياتك وصحتك من أجله، لا تخف ان تطلب المساعدة، واتخذ قرارك في التخلص من هذا السم الذي يدخل في جسمك، لن تعرف مدى أذيته إلا بعد ان تُنظف جسمك منه".
تشير الدراسات الحديثة الى ان الشخص يقوم بالمحاولة حوالى 7 مرات قبل النجاح في الإقلاع عن التدخين وأن 27% من الأشخاص ينجحون في ذلك بمفردهم. ليس سهلاً ان تقرر الإقلاع عن التدخين بعد سنوات من الإدمان أو الاعتياد عليه، لكن كل الدراسات العلمية والإحصاءات الطبية تشدد مراراً على مخاطر التدخين واعتباره مسبباً رئيسياً في أمراض كثيرة وعلى رأسها السرطان وأمراض القلب والرئة، تجارب وقصص كثيرة دفعت بكثيرين الى طلب المساعدة لا سيما بعد إصابة احد افراد العائلة بمرض يتهدد حياته.
تشرح الاختصاصية في طب العائلة في الجامعة الأميركية في بيروت والمشرفة على برنامج الاقلاع عن التدخين الدكتورة مايا روماني في حديثها لـ"النهار" أن "برنامج الاقلاع عن التدخين تأسس على يد الاختصاصي في أمراض الرئة والجهاز التنفسي الدكتور نديم كنج منذ سنوات وأصبح عبارة عن برنامج متكامل يشمل العلاجات الطبية بالأدوية والعلاج السلوكي بالإضافة الى العلاجات التكميلية (complementary medicine) في عام 2014، وقد أصبح تابعاً لمركز الصحة والعافية في قسم طب العائلة".
يقوم البرنامج على فحوص ومعاينة طبية لتحديد العلاج المناسب للشخص سواء أكان بالأدوية او بجلسات الطب الصيني او بجلسات الاستشارات الأسبوعية. يُحاكي هذا البرنامج كل الزوايا والعوامل المؤثرة التي قد تلعب دوراً وتؤثر في حياة المريض وخياره".
"الدخان بحدّ ذاته هو إدمان ويتجزأ هذا الإدمان الى 3 أقسام" وفق روماني:
* الجزء الأول - إدمان جسدي نتيجة مادة النيكوتين
* الجزء الثاني- إدمان سلوكي ونعني به العادة اليومية مع السيجارة
* الجزء الثالث- ادمان نفسي: تأثير المشاعر وردات فعل الشخص ومدى ارتباطها بتدخين السيجارة.
وبناءً على حالة المريض نقرر نوع العلاج، وتقسم روماني العلاجات الى 4 أقسام:
* العلاج السلوكي لتوقيف التدخين وتغيير عاداتهم وتحسين نفسيتهم لعدم اللجوء الى السيجارة "لتفريغ الضغط".
* العلاج الجسدي: حيث نستبدل النيكوتين ببدائل النيكوتين مثل اللصقات او العلكة او الأدوية المعترف بها من هيئة الدواء والغذاء الأميركية (FDA).
* العلاج الغربي بالإبر الصينية أو بجلسات المعالجة السلوكية الأسبوعية: يعالج الـStress بالإضافة الى علاجه الادمان السلوكي او الفيزيولوجي وتخفيف الشهية.
* العلاج العاطفي من خلال التنويم المغناطيسي: الوصول الى مرحلة الاسترخاء الشديد بهدف استراحة الدماغ.
كذلك يقدم البرنامج متابعة دورية (في الأسابيع الثمانية الأولى تكون المتابعة اسبوعية) ومن ثم نستكمل التواصل معه لمدة سنة للتأكد من عدم عودته الى التدخين او حاجته الى المساعدة، إضافة الى اجراء فحص آحادي الكربون عند كل زيارة (8 زيارات) وفحص وظائف الكلى في الاستشارة الأولى للمريض. يتوافر البرنامج لطلاب وموظفي الجامعة الأميركية مجاناً، في حين تبلغ كلفة البرنامج لباقي الأشخاص ما يقارب الـ166دولاراً.
لكن كيف يمكن للشخص أن يلتحق بالبرنامج؟ تشير سارة جوهر التي تعمل في البرنامج وتالين دمرجيان المتخصصة في الاستشارة للعلاج السلوكي والنفسي للمريض الى أنه "عادة يتصل بنا الأشخاص للاستفسار أكثر حول هذا البرنامج وكيفية مساعدتهم للإقلاع عن التدخين وكل التفاصيل المتعلقة بالبرنامج، وفي حال أراد الشخص الالتحاق بالبرنامج يُحدد له موعد وتعاينه الاختصاصية في طب العائلة والاختصاصي في أمراض الرئة والجهاز التنفسي، إضافة الى تقييم جسدي ونفسي للشخص.
وبناءً على نتائح الفحوص والتقييم، يضع الطبيب جدولاً زمنياً للشخص حول الأدوية التي سيتناولها والتاريخ الذي يُرجح فيه الاقلاع عن التدخين ومراحل العلاج والاستشارات الأسبوعية.
لذلك نحن نعمل على شقين:
* الإدمان: معالجة الشق الإدماني من خلال الأدوية.
* العادة: نعمل مع المريض للتوقف عن هذه العادة واستبدالها بعادة صحية ومساعدة الشخص من خلال الاستماع اليه والحديث معه. في النهاية، الشخص وحده من يقرر الاقلاع عن التدخين لكننا نساعده ونوجهه في تحقيق ذلك.
أما بالنسبة الى فترة العلاج، فهي تراوح بين الشهرين الى ثلاثة أشهر تقريباً، ومن ثم نتابع معه مرة في الشهر لمدة سنة كاملة.
حتى اننا نواكب الأشخاص بعد انتهاء البرنامج لأن بعضهم قد يعود الى التدخين مرة جديدة. وهنا يأتي دورنا في مدّ يد العون حتى لا يشعر الشخص بالفشل بعد معاودة التدخين، لذلك نُشجعه على المحاولة من جديد والمثابرة، وأن يعرف ان الفشل في المحاولة لا يعني انه غير قادر على الخروج من هذه الدائرة المغلقة، أحياناً قد يقوم الشخص بالمحاولة 7 مرات قبل ان ينجح في ذلك، وهذا ما أثبتته أيضاً الدراسات حول مسألة الاقلاع عن التدخين.
لكن ما الأسباب الأكثر شيوعاً التي تدفع الشخص الى التدخين؟
برأي دمرجيان أن "الأسباب تنقسم بين العوامل الداخلية عند الشخص والعوامل الخارجية المرتبطة بوضع البلد والظروف المعيشية والإقتصادية وضغط العمل. لذلك نحن نعمل على معالجة هذه العوامل والأسباب المؤثرة حتى يحقق الشخص هدفه ويتخلى عن هذه العادة أو الادمان بإرادته ومثابرته".
حتى اليوم، تعتبر الأرقام الأولية مشجعة، حيث ان هناك حوالى 70 شخصاً من أصل 110 أقلعوا عن التدخين منذ سنتين (ارقام للموظفين والعاملين والطلاب في الجامعة الأميركية) في حين أن أعداد المرضى خارج الكادر الطبي والجامعي فهي مشجعة مقارنة بمعرفتهم بالبرنامج. من المهم ان نعرف أن هناك شريحة لا بأس بها ما زالت لا تعرف بوجود هذا البرنامج، وبالمساعدة التي يمكن تقديمها لهم في هذا الإطار، وما يهمنا حقيقة تشجيع الشخص على المحاولة وطلب المساعدة دون خجل.
كذلك نحن بحاجة الى تعاون وتوعية من الأطباء ايضاً حول توجيه المرضى الى هذا البرنامج للإقلاع عن التدخين، أحياناً لا يريد الشخص سوى الارشاد حتى يتصرف ويتشجع على اتخاذ هذا القرار. وغالباً ما يكون دافع الشخص للقدوم الى المركز والالتحاق بالبرنامج سببه تشخيصه او تشخيص احد افراد عائلته بالمرض (أمراض قلبية او صدرية او سرطانية).
في النهاية، نرفع الصوت اليوم لنكون سنداً لكل مريض يريد الإقلاع عن التدخين ويريد المساعدة. سنكون بجانبه ونستمع اليه ونرشده ونقدم له بدائل صحية من أجله ومن أجل عائلته. لن نحكم عليه ولن نلومه في حال فشل في المرة الأولى، نحن موجودون هنا لمساعدته طوال الوقت ودون ملل، ولكن عليه أن يعرف ان القرار بيده وحده فقط.
النهار