يوم قتل حلم ميسي بسكين بارد
جو 24 :
المكان: ملعب ماراكانا بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
مع دخول الضوء الأول لغرفة ليونيل ميسي في فندق إقامة منتخب الأرجنتين بمدينة ريو دي جانيرو، كان البرغوث مستيقظًا ومنتظرًا بكل شغف لأحد أبرز الأيام التي حلم بها في حياته.
فما أدراك ما يعنيه التتويج بكأس العالم مع منتخب بلادك.. إنه حلم الطفولة الذي ظل يراود ميسي كلما شاهد فيديوهات مسجلة من إنجاز راقصي التانجو في نسخة 1986.
وما أجمل تذكر ما فعله مارادونا بإنجلترا في هذه النسخة المجنونة! سواء التسجيل بيده أو مراوغة أكثر من نصف فريق الأسود الثلاثة، لزيارة الشباك في أحد أجمل أهداف المونديال منذ انطلاقه.
حلم وكابوس
ظل ميسي على فراشه لأكثر من ساعة يتذكر مشاعره كلما شاهد هذه الأهداف النادرة، وخصوصًا في المرة الأولى، وكيف أنه يستطيع اليوم صنع ذكريات أجمل للأجيال الجديدة التي لم يكتب لها مثله مشاهدة تتويج الأرجنتين بكأس العالم على الهواء.
وفي ظل اندماج ميسي داخل ذكرياته الجميلة تذكر فورًا كابوسًا عاشته الأرجنتين، وفي يوم مماثل لما يحدث في ريو دي جانيرو. إنه 8 يوليو/ تموز 1990 عندما سقط رفقاء مارادونا أمام ألمانيا الغربية في نهائي مثير أقيم بالملعب الأولمبي في روما.
وبين ذكريات الفرح والشجن قرر ميسي الاتصال بصديقته أنتونيلا روكوزو (التي تزوجها فيها بعد عام 2017) كي يطمئن على نجله تياجو الذي لم يتم بعد عامه الثاني.
ميسي: كيف حالك حبيبتي؟ وما هي أخبار تياجو؟
أنتونيلا: لم أستطع النوم منذ الأمس للتفكير فيما يحدث، بينما تياجو يبكي باستمرار كي يسمع صوتك، ولذلك أضعه دائمًا أمام التلفاز لمشاهدة أهدافك، والآن نحن في انتظار إضافة هدف جديد اليوم إلى المجموعة.. هل تعدني بذلك؟
ميسي: بداخلي الآن الكثير من المشاعر المتناقضة بين هتافات الجماهير لي وحملي على الأعناق مثل مارادونا، والخوف من رد فعل غاضب ربما لا أتحمل قسوته.
أنتونيلا: ولكنك لم تقصر تجاه الفريق في هذه البطولة.
ميسي: الجماهير لا تتذكر سوى البطولات، وغير ذلك فإنها تضعك في خانة الأفشل في العالم، وأنا حتى الآن لم أحقق أي لقب في كوبا أمريكا أو كأس العالم كي أدفاع به عن نفسي أمامهم.
أنتونيلا: ولكن هناك الكثير من الإنجازات الأخرى التي تدافع عنك وتثبت إنك الأفضل في العالم.. أليس كذلك؟
ميسي: الفوز بكل البطولات مع برشلونة لا يعني لهم شيئًا. إنهم يريدون مني لقبا كبيرا مع المنتخب، وإلا سأسظل أفشل في المقارنة الأبدية مع مارادونا، الذي أحبه وفي نفس الوقت أدفع ثمن أسطوريته أضعافًا لحبي.
أنتونيلا: هون عليك يا حبيبي.. سينتهي كل شيء اليوم، إنها ستكون نهاية كل من انتقدك أو وضعك في مقارنات، فبعد رفع الكأس لن يقدر أحد على فتح فمه مجددًا بقول إنك لست ناجحًا في مشوارك الدولي.
ميسي: أتمنى ذلك، يجب أن أذهب الآن لتناول الإفطار ثم لحضور المحاضرة الفنية، ولكني سأتصل بك مجددًا قبل الذهاب للملعب.
دخل ميسي المطعم الخاص بالفندق للإفطار وإذا بوجوه اللاعبين صامتة يسيطر عليها تركيز يشوبه الكثير من القلق من مواجهة ألمانيا في نهائي المونديال، ولكن البرغوث قرر التعامل مع الأمر بلطف، حيث حصل على الطبق الخاص به وذهب لتناول الطعام كالمعتاد بجوار صديقه سيرجيو أجويرو.
ميسي: صباح الخير يا كون.. كيف هي الأمور معك؟
أجويرو: لست في أفضل حال.. ولكن ربما ذلك بسبب المباراة.
لم يقرر ميسي مواصلة الحديث مع صديقه، بعدما أدرك أنه أيضًا مصاب بما يعاني منه الفريق بأكمله، ولكن ربما يزيد من غضب أجويرو أنه علم بعدم دخوله التشكيل الأساسي لمباراة اليوم لحساب جونزالو هيجواين الذي أنهى فطوره مبكرًا، وجلس صامتًا في انتظار المحاضرة الفنية للمدرب أليخاندرو سابيلا.
حضر ميسي واللاعبون المحاضرة ثم حصلوا على راحة لمدة ساعتين، قبل التحرك مبكرًا صوب ماراكانا، وهنا قرر البرغوث إجراء اتصاله الأخيرة بأنتونيلا.
ميسي: سنتحرك بعد دقائق للذهاب إلى المباراة.. أشعر ببعض التوتر وهذا هو الجو العام هنا داخل الفريق، ولكني في نفس الوقت أفكر في الاحتفالات عقب التتويج وكيف سأضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
أنتونيلا: وهل هناك في رأسك ما هو أكثر أهمية من إنهاء الانتقادات التي توجه لك بسبب نتائجك الدولية والنجاح في إحراز لقب مهم كهذا مع الأرجنتين؟
ميسي: بالطبع لا، فإن حصد اللقب مع بلدي هو الهدف الأول بالطبع، ولكن هناك لقبًا آخر ربما أناله اليوم.
أنتونيلا: لقب آخر!!
ميسي: نعم لقد خسرت هذا العام دوري أبطال أوروبا وحصل ريال مدريد في المقابل على اللقب، وبالتالي فإن الكرة الذهبية ذاهبة لا محالة إلى كريستيانو رونالدو بسبب ذلك.
أنتونيلا: حسنًا وما علاقة ذلك بمباراة اليوم؟
ميسي: إنها الضربة الوحيدة التي قد تقلب الطاولة في وجه كريستيانو، وتمنحني الكرة الذهبية الخامسة بكل تأكيد.. ليس هناك أهم من الفوز بكأس العالم.
أنتونيلا: أتمنى ذلك، وسأنتظرك للاحتفال في الملعب عقب المباراة، إلى اللقاء.
مرت الساعات المتبقية لانطلاق المباراة على ميسي ببطء شديد، حيث تراوده أفراح حمل كأس العالم والكرة الذهبية، وفي نفس الوقت تكرار كابوس 90 ليس ببعيد.
وكما أصابت الحيرة ميسي قبل المباراة.. ظلت تلازمه طوال دقائق المواجهة المثيرة إلى أن تغلبت عليه مظاهر اليأس عقب أن أهدر هيجواين انفرادًا صريحًا بمانويل نوير، ثم أتبعه البرغوث بإضافة فرصة خطيرة أخرى لراقصي التانجو بجوار القائم.
وانهارت كل أحلام ميسي عقب الهدف القاتل لماريو جوتزه الذي أدرك معه البرغوث أن العقدة لا تزال مستمرة لسنوات مقبلة.
كوورة