جدل واسع في ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام
شهدت أعمال جلسة افتتاح اليوم الثاني لملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي جدلاً واسعاً حول موضوعها الرئيسي الذي تناول الانتهاكات الواقعة على الإعلام في العالم العربي بعد الربيع.
الجلسة التي ترأسها الإعلامي ناصر اللحام من فلسطين عرض خلال المتحدثون الرئيسيون مشاهداتهم وتوثيقهم للانتهاكات الواقعة على الإعلام في بلدانهم، وعرضاً لشبكة "سند" وتقييمها لواقع الانتهاكات.
وقدم المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد مقارنات واقعية بين بعض الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها الصحفيون المصريون فترة حكم النظام السابق، وبين نفس الانتهاكات التي وقعت على الصحفيين بعد الثورة في مصر وتولي جماعة الاخوان المسلمين الحكم في البلاد، مشيراً إلى أن "هذه الانتهاكات كماً ارتفعت بعد زوال النظام السابق بأضعاف وخلال فترة زمنية قصيرة".
وأشار عيد أن عدد القضايا التي رفعت على صحفيين ومواطنين صحفيين خلال 200 يوم بتهمة إهانة الرئيس والتي حصلت مؤخراً في عهد الرئيس المصري محمد مرسي لم تحصل كماً خلال فترة حكم النظام السابق.
وعرض منسق وحدة رصد في مركز تونس لحرية الصحافة الفاهم بوكدوس واقع الانتهاكات الواقعة على حرية الصحافة والصحفيين في تونس، مشيراً إلى أن "المشكلة في حالة الحريات الإعلامية في تونس ترتبط بالجهود الحكومية التي لا علاقة لها بمفهوم الحريات نفسه".
وأضاف بوكدوس أن "حزب النهضة الذي يقود الائتلاف الحاكم في تونس كثيراً ما برر الانتهاكات الجسيمة والكثيرة التي تعرض الصحفيون التونسيون بذريعة الأمن السياسي والاجتماعي، وهذا الوضع الجديد في تونس أنتج منتهكين جدد لحرية الصحافة".
وقال أنه "بالإضافة إلى الانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة اأمنية وسلطات الدولة هناك منتهكون آخرون، كالأحزاب السياسية والنقابات الذين لا زالوا لا يقبلون الرأي الآخر مهما كان، إضافة إلى العصابات الذين يعملون لصالح أطراف عملت مع النظام السابق وتعمل حالياً مع النظام الحالي".
وأشار بوكدوس إلى انتهاكات يرتكبها مواطنون عاديون بحجة تهميش الإعلام لقضاياهم، وهؤلاء عادة يتواجدون في المناطق المهمشة.
وقال أن "الصحفيون يتعرضون لانتهاكات لم يعتادوا عليها خاصة بعد تدشين أول اغتيال سياسي في تونس مع الثورة التونسية وهو اغتيال القيادي في الجبهة الشعبية شكري بلعيد ووجود 12 حالة تهديد بالقتل لصحفيين على خلفية هذا الاغتيال"، مشيراً إلى أن من يقوم بهذا التهديد جماعات قريبة من النظام السابق وأيضاً الحالي.
ونوه بوكدوس إلى أن "السلطات التونسية لا تحرك ساكناً ولا يجد الصحفيون الذين يتقدمون بشكاوى بحق الانتهاكات والاعتداءات التي يتعرضون لها آذاناً صاغية من الحكومة أو القضاء خاصة خلال الشهور الأخيرة الماضية حيث رصدنا اعتداءات على أكثر من 30 إعلامية وصحفية تونسية رغم أن حقوق المرأة مصانة في تونس أكثر من العديد من البلدان العربية ولم يسبق أن حدث مثل هذا الرقم من الاعتداءات على الصحفيات التونسيات خلال الخمسين عاماً الماضية".
رئيس الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين إبراهيم السراجي قال أن "البيئة السياسية والتشريعية في العراق غير حاضنة لحرية الصحافة رغم تغير واقع الإعلام بعد سقوط النظام السابق، وهناك حاجة لبناء تشريعات جديدة تضمن حرية الصحافة رغم وجود محكمة مختصة بقضايا النشر والإعلام".
وتابع السراجي أن "الانتهاكات على الصحفيين العراقيين دائمة الحدوث وقد صنفت العراق كأخطر بلد على الصحفيين ولكن خلال الثلاث سنوات الأخيرة قلت الانتهاكات وقل عدد الضحايا من الصحفيين، حيث وصل عدد القتلى من الصحفيين قبل ذلك وخلال السنوات السابقة إلى نحو 50 صحفياً في السنة".
وبين أن "الاعتداء على الصحفيين مستمر من الأجهزة الأمنية والجماعات المسلحة، ورغم توثيق هذه الانتهاكات إلا أنه مسائلة السلطات بها أشبه بمعطلة بحيث يتم الإفلات من العقاب".
وقال السراجي أن "هناك أكثر من هجوم واعتداء على مقار مؤسسات إعلامية وصحفية ولم يتم فتح تحقيق بها، ويبدو أن المعتدين يحصلون على تغطية أمنية للقيام بهذه الاعتداءات نتيجة تعدد الأقطاب السياسية في العراق".
وأكد على الحاجة الماسة لوضع قانون لحق الحصول على المعلومات في العراق مشيراً إلى أن زعماء الكتل السياسية في البرلمان العراقي يتحكمون في تشريع القوانين، ولهم مصالحهم خاصة مع وجود الفساد والتعتيم على وثائق هامة.
وبخصوص الصحفيات العراقيات قال السراجي أن الصحفيات العراقيات يتعرضن لانتهاكات ومضايقات مشابهة للتي يتعرض لها أي صحفي عراقي.
وأشار إلى أن "هناك العديد من القضايا المرفوعة على الصحفيين من قبل سياسيين وبرلمانيين ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان العراقي ولأسباب كثيرة أهمها توجيه النقد لشخصية معينة أو ظاهرة بعينها".
وبدأ مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل شقفة حديثه بالقول أن "وضع الحريات الإعلامية في سوريا كارثي على الصحفيين السوريين مع وجود انتهاكات وبشتى الأنواع قامت بها الحكومة السورية على الصحفيين السوريين".
وأشار إلى أن "أخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون السوريون من قبل الحكومة وأجهزتها الأمنية هي القتل خارج إطار القانون وسجلنا في ذلك نحو 160 حالة قتل أثناء مسيرة الثورة السورية أغلبها وقعت في حلب".
وأضاف شقفة أن سبعة إعلاميين اعتقلوا وتم تعذيبهم حتى الموت، ويتعرض الصحفي السوري لتعذيب أشد مما يتعرض له المواطن العادي، فيما تم الاعتداء على 3 صحفيات، ويتم استهداف الصحفيين وقتلهم في كافة المحافظات السورية خاصة في المظاهرات عندما يتم استهداف من يقوم بالتصوير بشكل مباشر".
وتابع أن "وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية تُمنع من تغطية الأحداث وتوثيقها، ولا يزال هناك إعلاميون تحت القيود وعدد كبير من الصحفيين والمواطنين الصحفيين مختفين ومعتقلين في السجون وقد بلغ عددهم 3000".
وقال أن "من بين الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الصحفيون السوريون هو تهديد ذوي الصحفي ومنهم مصور قناة العربية الذي ظهر في إحدى اللقطات وصحفي آخر اعتقلت الأجهزة الأمنية شقيقته ووالدته وقرينته".
وأضاف أن الجرائم على الصحفيين ممنهجة وتعتبر انتهاكاً خطيراً بحسب القانون الإنساني الدولي.
وأشار شقفة إلى أن "الجماعات المسلحة تقوم بانتهاكات خطيرة أيضاً ضد المدنيين والصحفيين، وهناك عمليات قتل مقابل طلب فدية أو بسبب النهب أبرزها حالة الإعلامي محمد سعيد الذي قتل على يد جبهة النصرة كما اعتقلت لجان الثورة عدداً من الصحفيين ومن 4 صحفيين أجانب"، مضيفاً أن "الجماعات المسلحة اعتقلت 35 صحفياً تم الإفراج عن غالبيتهم مقابل فدية وعبر مقايضات".
وطالب شقفة في نهاية حديثه معاقبة مرتكبي الانتهاكات الواقعة الصحفيين السوريين من كافة الأطراف المتنازعة ومنع سياسة الإفلات من العقاب.
المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير في لبنان أيمن مهنا قال أن "الاعتداء على الصحفيين اللبنانيين يحتاج إلى توقف خاصة مع وجود حالات اغتيالات وصل عددها إلى ثماني حالات حدثت في لبنان منذ اندلاع الحرب الأهلية ولغاية الآن لم يتم التحقيق بها مما يشجع سياسة الإفلات من العقاب".
وقال مهنا أن "الدولة في لبنان لغاية الآن لا تخفي الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون ولا تمانع بتغطية هذه الانتهاكات إعلامياً وبشكل واضح كون من يرتكبها جهات غير رسمية وغير حكومية، فقد سجلنا خلال العام 2011 32 حالة انتهاك مصدرها جهات غير رسمية، وغالب هذه الانتهاكات يمارسها قوى إسلامية متشددة أو متظاهرين محتجين خاصة تلك المسيرات المناهضة أو المؤيدة للنظام في سوريا، أضف إلى ذلك الانقسام الطائفي بين القوى السياسية".
بدوره بين مدير عام المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية "مدى" موسى الريماوي أن "الصحفيين الفلسطينيين يتعرضون لانتهاكات كثيرة وقد زادت حدتها بعد الانقسام السياسي الذي حدث بين القوى الفلسطينية".
وأوضح الريماوي أن "الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي هي الأخطر على حياة الصحفيين أثناء قيامهم بالتغطية الصحفية".
ودعا الريماوي الجهات الفلسطينية المعنية إلى قبول مقترح قانون متطور لحق الحصول على المعلومات لأهمية هذا القانون ليس فقط للصحفيين بل للمواطنين أيضا، كما دعا إلى ضرورة الانتباه لقضية الإفلات من العقاب خاصة من جانب السلطات الإسرائيلية.
ونوه إلى أن "هناك انخفاضاً في الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والحكومة المقالة في قطاع غزة مع وجود تخوف بسبب الأجواء السياسية القائمة".ً
رئيس مؤسسة حرية للحقوق والحريات الإعلامية في اليمن خالد الحمادي قال أن حرية الإعلام تحسنت بشكل كبير جداً وأصبح هناك مساحة حرية كبيرة بالمقارنة مع نظام الحكم السابق، ولكن سبب عدم رضا القوى التقليدية في اليمن وهو ما أحدثته الثورة ونتج عنه انتهاكات كبيرة العدد في الكم ولكت لا مجال من مقارنتها في النوع".
وأضاف الحمادي أن مؤسسة "حرية" سجلت في العام 2012 نحو 220 حالة انتهاك وقعت على نحو 130 صحفي تضمنت اعتداءات ومحاكمات محدودة، ومنذ بداية العام الحالي 2013 سجلت المؤسسة 120 حالة انتهاك وقعت على 99 صحفياً، وبالمقارنة مع العام الماضي فقد سجل عام 2013 وقوع حالة قتل واحدة، وأيضا هناك حالات اعتداء بالقتل، وخلال الأسبوع الماضي سجلنا حالة اختطاف صحفي في مأرب".
ويرى الحمادي في الانتهاكات الواقعة على الإعلاميين في اليمن وخاصة العام الحالي مؤشراً خطيراً على حالة الحريات الإعلامية في البلاد، موضحاً أن الانتهاكات التي تقع ليس مصدرها وسببها الحكومة في الأغلب بل بسبب عدم قدرة الأجهزة الأمنية في ضبط الحياة اليومية في البلاد".
وبين أن "هناك بعض الانتهاكات من الأجهزة الأمنية لكنها قليلة مقارنة بالجماعات المسلحة، كما أن هناك قوى قبلية وسياسية، بالإضافة إلى وجود مناطق مغلقة على الصحفيين ولا يمكن القيام بأي أعمال صحفية وهذه المناطق موجودة في الشمال والجنوب وفي مقدمتها محافظة عدن".
وأشار الحمادي إلى أن "الانتهاكات التي ارتكبت خلال الثلاث سنوات الماضية متقاربة في العدد ولكن ما تغير هو النوع بسبب تعدد الأجهزة والأطراف التي تقوم بالاعتداء على الصحفيين، ولكن تبقى الإشكالية الحالية في عدم وجود قوانين منظمة للعمل الإعلامي، وقد دخلت البلاد في فوضى وحرب سياسية، والتعبئة السياسية خلال عام الثورة أفرزت ثقافة شعبية للاعتداء على الصحفيين، وقد انخرط صحفيون أيضاً نتيجة ذلك بالعمل السياسي".
من جهته يرى المستشار الحقوقي لشبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي د. محمد الموسى من الأردن أن "الدول العربية تشترك بالمجمل بقواسم مشتركة على صعيد انتهاكات الحريات الإعلامية أهمها أن هذه الانتهاكات هي من النوع الجسيم والعمدي، وأن الدول العربية تتقاعس عن ملاحقة مرتكبي هذه الانتهاكات وتنتهج سياسة الإفلات من العقاب بصددها".
وأضاف بأن "واقع الحريات الإعلامية في البلدان العربية واقع مرير وما يزال الإعلاميون يعانون من القمع والبطش والملاحقة ولم يعد يقتصر هذا لقمع على الأجهزة الرسمية ولكنه بات يشمل كذلك جماعات وأشخاص عاديين في ظل سكوت تام من قبل الدول أو فشل وضع حد لها".