صفحات مطوية من الدعم الإسرائيلي لإيران قبل أربعة عقود ونيف
د. حسين عمر توقه
جو 24 :
قد يتساءل البعض ما هي العلاقة الحقيقية بين إيران وإسرائيل وما هي العلاقة الحقيقية بين إيران والولايات المتحدة. وما هو السر في صمت الولايات المتحدة وهي ترقب تعاظم النفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
لقد كانت إيران في عهد الشاه أقوى الحلفاء للولايات المتحدة في منطقة الخليج كما كانت إيران هي التي تزود إسرائيل بكل احتياجاتها النفطية. فهل نصدق أن هناك عداء متأصلا بين إيران والولايات المتحدة وهل نصدق أن هناك عداء واقعا بين إيران وإسرائيل.
ولو عدنا الى عام 1980 أي في عهد الثورة الإسلامية الإيرانية في عهد الإمام الخميني واستعرضنا الدعم الإسرائيلي لإيران لهالنا عظم العلاقة الإستراتيجية بين الدولتين فلنستعرض بعضا من هذا التعاون الموثق عسانا نصل الى قناعة أو على الأقل نحلل بطريقة موضوعية نوعية العلاقة القائمة اليوم.
في عام 1980 قام نائب وزير الدفاع الإسرائيلي "مردخاي زبوري" بعقد اتفاق مع عدد من القادة الإيرانيين في مدينة باريس تقوم بموجبه إسرائيل ببيع السلاح الى إيران مقابل تعهد الحكومة الإيرانية بالمحافظة على اليهود الإيرانيين ومنحهم حرية التنقل. وبالفعل فلقد قامت اسرائيل بشحن الأسلحة الى إيران في شهر تشرين أول عام 1980 مما أثار حساسية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في ذلك الوقت بسبب أزمة الرهائن الأمريكيين وطالب إسرائيل بالتوقف عن تزويد إيران بالأسلحة. وما أن تم إطلاق سراح الرهائن حتى استأنفت إسرائيل عملية شحن الأسلحة من جديد لإيران حيث اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون في شهر أيار بوجود علاقة عسكرية مع إيران. ولقد تم تأكيد بيع الأسلحة لإيران على لسان السفير الإسرائيلي موشيه آرينز في ذلك الوقت 1982 في واشنطن حيث أكد أن شحنات الأسلحة كانت تضم قطع غيار مختلفة وذلك بعد مناقشة هذا الموضوع مع الإدارة الأمريكية. وتقدر قيمة شحنات الأسلحة الإسرائيلية لإيران خلال 1980-1983 بما قيمته 500 مليون دولار.
بتاريخ 31/ 11/ 1986 صرح الجنرال المتقاعد "بارام" في مقابلة مع محطة تلفزيون "سي بي إس" برنامج ستون دقيقة صرح بأن إسرائيل قد زودته هو ومجموعة من زملائه بقائمة أسلحة تبلغ قيمتها ملياري دولار من أجل شرائها وشحنها الى إيران. ولقد تم إلقاء القبض على بارام ومجموعته وتم التعتيم على دور إسرائيل في هذه العملية.
لقد تم العثور على وثائق تؤكد استمرار إسرائيل في شحن الأسلحة الى إيران على متن طائرات "العال" الإسرائيلية والخطوط الجوية الكورية واستنادا إلى تقارير الأوبزيرفر الصحفية فلقد بلغت قيمة هذه الشحنات العسكرية خلال عام 1984 مبلغ 500 مليون إلى 800 مليون دولار.
ولقد تمكنت إسرائيل من توريط الولايات المتحدة وزجها في عملية تزويد إيران بالأسلحة تحت ذريعة قيامها بمساعدة الولايات المتحدة من أجل إطلاق سراح المختطفين الأمريكان والذين تم اختطافهم من قبل المليشيات الإيرانية في لبنان. ففي شهر تموز عام 1985 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت "شمعون بيريز" بإبلاغ رجال الأعمال الإسرائيليين بأن على إسرائيل والولايات المتحدة تزويد إيران بالأسلحة من أجل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين الذين تم اختطافهم في لبنان.
وفي شهر آب 1985 تم تكليف مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي "جون بويند كستر" والمقدم "أوليفر نورث" بالإشراف على الإتصالات والمفاوضات ذات الصبغة السرية. بمتابعة توصيات رئيس الوزراء الإسرائيلي والقيام بإجراء إتصالات من أجل عقد لقاءات سرية مع الزعامات الإيرانية.
وفي بداية شهر أيلول 1985 تم وصول طائرتي شحن محملتين بالأسلحة الأمريكية عن طريق إسرائيل. وبتاريخ 14/9/1985 تم إطلاق سراح أحد الرهائن الأمريكيين في لبنان وهو "بنجامين وير" وبتاريخ 18-19 /9/1985 قامت طائرات الشحن الأمريكية بالهبوط في مطار "تبريز" وهي محملة بشحنات من صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للدروع.
وفي شهر تشرين الأول عام 1985 تم عقد لقاء سري في مدينة جنيف بين بعض المسؤولين الإيرانيين وبعض المسؤولين الأمريكان برئاسة "جون بويند كستر". وفي شهر تشرين الثاني 1985 قامت إحدى سفن الشحن بمغادرة إيطاليا محملة بقطع الغيار لطائرات "إف 4" وقطع غيار لطائرات الهيلوكبتر الأمريكية متوجهة الى ميناء إيلات حيث تم تفريغ هذه الشحنة ونقلها على ظهر باخرة شحن أخرى وتوجهت بهذه الشحنة الى ميناء بندر عباس في إيران.
في شهر كانون الثاني عام 1986 قام الرئيس الأمريكي بالتوقيع على أمر خاص يصرح بموجبه إجراء اتصالات مباشرة مع القيادات الإيرانية ويأمر برفع الحظر المفروض على بيع الأسلحة لإيران وطالب بإبقاء هذا الأمر في طي السرية وعدم إبلاغ الكونغرس ولجانه المختلفة بما جاء فيه.
في شهر شباط 1986 رفع أعضاء مجلس الأمن القومي تقريراً خاصا للرئيس الأمريكي يوضحون فيه نجاح الإتصالات السرية التي قام بها مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي بمساعدة المقدم "أوليفر نورث".
بتاريخ 28/5/1986 قام "روبرت مكفارلين" مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي بزيارة سرية لطهران.
بتاريخ 4/7/1986 قامت طائرة شحن بالهبوط في مطار طهران حاملة المزيد من شحنات الأسلحة الأمريكية وبتاريخ 26/7/1986 تم الإفراج عن الرهينة الأمريكي "لورانس جنكو" في لبنان.
بتاريخ 9/9/1986 وبتاريخ 12/9/1986 وبتاريخ 21/9/1986 تم اختطاف ثلاث رهائن أمريكيين هم فرانك ريد وجوزيف جيسيبو وإدوارد تريسي.
بتاريخ 17/10/1986 قامت سفينة الشحن الدينماركية "مورسو" بشحن 26 حاوية تضم قطع غيار من صنع إسرائيلي الى الدبابات والمدافع الأمريكية الصنع وغادرت السفينة ميناء إيلات وأفرغت حمولتها في ميناء بندر عباس في إيران وبتاريخ 12/11/1986 تم إطلاق سراح أحد الرهائن الأمريكيين في بيروت وهو "دايفيد جاكوبسن".
في شهر تشرين الأول عام 1987 استضافت اسرائيل عدداً من قادة البحرية الإيرانية وتم الإتفاق على بيع إيران عدداً من القوارب الإسرائيلية الصنع بالإضافة الى أعداد كبيرة من صواريخ جابرييل ومدافع عيار 40 ملم ومدافع 76ملم.
ويمكن الإستمرار الى ما لا نهاية في طرح أمثلة للتعاون العسكري الإسرائيلي الإيراني.
فما الذي حدث اليوم وهل يشكل الدعم الإيراني لسوريا ولحزب الله نقطة التحول الرئيسية في العلاقات الإسرائيلية الإيرانية. وهل يشكل إبتلاع العراق ودعم الحوثيين وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة وتدمير منشآت النفط التابعة لشركة أرامكو تهديدا لسيادة المملكة العربية السعودية وأمنها وإقتصادها. ولعل التساؤل الأكبر والأخطر هل تمكنت إيران من فرض نفسها كقوة مؤثرة على ساحة العالم وبالذات على منطقة الخليج العربي بعد أن فرضت وجودها السياسي والإقتصادي والعقائدي على حيز كبير من مساحة دول الخليج العربي ولنفترض جدلا أن الولايات المتحدة تفكر جديا في ضرب إيران عسكريا فما هو أثر أي حرب مستقبلية على الدول العربية واقتصادها. ولا ننسى أن أي حرب مستقبلية سوف تكون دول الخليج أولى ضحاياها لأن الأرض العربية سوف تكون ميدان المعركة الأول.
إنه لمن الأفضل نزع الفتيل لأن الخليج العربي أصبح برميلا من البارود شديد الإنفجار وكما ذكرنا ان هناك دولا تعتمد في استمرارها على استمرار تدفق البترول والغاز العربي والإيراني على حد سواء من خلال مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران وترسخت هذه السيطرة بعد استلاء إيران على جزيرة طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى من أبو ظبي قبل ثمانية وأربعين عاما.
مخطئ من يظن أن الولايات المتحدة ستشنّ حربا على إيران دفاعا عن المملكة العربية السعودية ومخطئ أيضا من يظن أن إسرائيل سوف تشن حربا على إيران دفاعا عن المملكة العربية السعودية.
إن مبادرة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان تفتح الباب على مصراعيه من أجل إجراء لقاء مباشر وجها لوجه بين كل من المعسكر الشيعي والمعسكر السني. ولا ننسى حجم وثقل الباكستان المسلمة فهي دولة عظمى من الناحية العسكرية لأنها تضم في جنباتها الأسلحة النووية وهي الدولة المؤهلة في هذا الظرف بالذات لتقود الوساطة بين إيران والسعودية ولقد آن الأوان كي تثبت القيادة السعودية أنها قادرة على إتخاذ القرارات الأصعب بعيدا عن السيطرة الأمريكية التي أصبح رئيسها يتقن فن الإبتزاز.