مورينيو والفردوس المفقود!
لا شك ان قرار رحيل جوزيه مورينيو عن ريال مدريد شكل صدمة كبيرة لمحبيه، خصوصاً في عالمنا العربي، فحلم الزواج المثالي بين أنجح ناد في العالم مع أفضل مدرب في العالم كان يجب ان ينجب نجاحات خارقة وانجازات غير مسبوقة، هكذا يقول المنطق، وهكذا تكتب سيناريوات أنجح الافلام السينمائية… فهي أمنيات خيالية يجب ان تتحقق، ويجب ان يولد من رحم المعاناة والصعوبات بطل خارق يتغلب على كل شيء يواجهه.
هذا هو مورينيو، الذي نعت نفسه بـ”سبيشال وان”، وظل على مدى أكثر من عقد يثبت صحة هذا الوصف ويحاول جاهداً ان يعزز من اسطورته… نجح بفضل شخصيته الجذابة وأسلوبه الفريد، ليصبح كاريزما جبارة خارقة في عقول الباحثين عن بطل، بل أصبح أكثر شهرة وبريقاً من نجوم اللعبة، بل صارت له من الشعبية ما تزيد أضعافا على أندية عريقة عدة، حتى باتت القناعة انه لو أسس نادياً غداً وأسماه “مورينيو اف سي” فان عدد مشجعيه سيفوق مئات الاندية التي تأسست منذ عقود طويلة.
هؤلاء من صنعوا منه آلهة كروية في مخيلتهم، ودافعوا عنه بشراسة غير معهودة أو مسبوقة، هم الأكثر صدمة وخيبة بخبر الرحيل، غير مصدقين ان الزواج المثالي أصبح عاصفاً ومزعجاً، بل برروا وحلموا بالاستمرار، رغم انه لا فرار من الطلاق المحتوم.
أتأسف لرحيل مورينيو بهذه الصورة، التي أذت شخصية النادي مثلما أذت سمعته وخفتت الكثير من بريقه، لكنني تيقنت أيضاً اننا في عالمنا العربي مشجعون من وراء القضبان، لان الواضح ان الغالبية الساحقة من عشاق مدريد في الشرق الأوسط تريد بقاء مورينيو، وهو العكس في مدريد، لان المصلحة العليا ليست كروية بل سياسية، فعشاق مورينيو في وطننا العربي يريدون بقاء السبيشال وان لأسباب كروية، وهم مقتنعون تمام القناعة ان المدرب البرتغالي كان ضحية لتمرد بعض نجومه ولهجمات صحافية قاسية ومؤذية وأيضا ضحية لظلم الحكام، في حين ان عشاق مدريد الأسبان يرون مدرباً أخفق في تحقيق ما وعد به، بل هز أركان النادي العريق وخلق المشاكل والبلبلة والقلاقل، حتى انه تعدى الخط الاحمر بضرب صميم الوطنية الاسبانية، فالمنتخب الاسباني يتكون بمجمله من لاعبي الريال وبرشلونة، وعندما تكون الخلافات على أوجها بين أنصار الناديين، بل بين لاعبي الفريقين، والتي كانت تعكسها مبارياتهم الملحمية التي تكتنفها الخشونة والهمجية، فيتوجب وضع حد لهذه الامور.
الفردوس الذي يبحث عنه عشاق الريال العرب هو رفع الكؤوس والالقاب ولا يهمه ماذا يحدث في العاصمة مدريد عندما تحترق باستفزاز من مورينيو، ولا يهمهم الحديث عن الانفصال على خلفيات كروية، ولا يهمهم المنتخب الاسباني ان نجح او أخفق، لكن هذا يهم الاسبان، ومنهم المدريديون، صحافة ومشجعين.
سنسمع كيف كسر السبيشال وان هيمنة برشلونة، وكيف أهل الفريق الى نصف نهائي الأبطال ونظف النادي من الشوائب، لكن مورينيو نسي نفسه في لحظات انه بنى اسطورته على علاقته المتينة مع لاعبيه، وهي احدى أسباب نجاحاته الاساسية، ونسي ان الريال ناد عملاق من المفترض به ان يكسر هيمنة الآخرين وان يفوز بدوري الابطال وليس فقط التأهل الى نصف النهائي، فهو يملك أغلى فريق في العالم يلعب للنادي الاكثر دخلا، وهو المدرب الافضل، فمن الطبيعي أن يأتي رجل لم يتأثر بعاطفة الرحيل او بسحر مورينيو الطاغي ويقول احراز دوري واحد وكأس واحدة في ثلاثة مواسم خيبة كبيرة.
في الواقع أستغرب صدمة عشاقه برحيله، لان الرجل كان واضحاً طيلة الموسمين الاخيرين انه لن يبقى طويلا في مدريد، بل كان دائما ما يتغزل بالدوري الانكليزي وعشقه الاول، حتى وصلت صراحته، رغم ان البعض قد يسميها وقاحته، الى الاعلان عن رغبته بالرحيل الى مكان يشعر به بالحب، في المؤتمر الصحفي لأهم مباراة للفريق هذا الموسم، اياب نصف نهائي دوري الابطال ضد دورتموند، وفقط ما منعه عن الرحيل الفوري بعد تأكيد الاقصاء، هو الخلاف على قيمة فك العقد، مثلما كتبت سابقاً، فبيريز يريد 20 مليون يورو تعويضا في حين أن ابراموفيتش يريد استعادة مدربه مجاناً، الى ان توصل بيريز مع مورينيو الى تسوية تحسب بانه اتفاق على فك العقد من دون أي عقوبة مادية، خصوصا بعد أحداث نهائي الكأس، وهي التي أقنعت بيريز ان بقاء مورينيو قد يؤذي الفريق أكثر في ظل اقتراب موعد الانتخابات العامة لرئاسة النادي.
اليوم وبعد ملحمة دامت ثلاث سنوات، حتى مورينيو أذى نفسه كثيراً، فاذا كان هناك 20 نادياً يرغب بخدماته في مطلع الموسم، فان العدد الآن لن يتعدى خمسة أندية مهتمة.
مورينيو بالتأكيد سيكون مكسباً للدوري الانكليزي اذا انتقل الى تشلسي، وربما سيجر معه الملايين من عشاقه الى الدوري الاقوى والاكثر تنافسية.
مورينيو سيبقى كبيراً، لكن الريال سيبقى أيضاً عملاقاً، وربما نكتشف في لحظة هدوء وسكون اننا نتكلم عن كرة قدم، وعن رجل يخطئ ويصيب، والامنيات والاحلام بفردوس جميلة ليست سوى أمنيات وأحلام، وأن الفراق هو الافضل لمدرب كبير ولناد عريق.