2024-08-27 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

فايز الخصاونة: الحكومة تتكسب من التعليم العالي.. ويربح منه سنويا (37) مليون دينار

فايز الخصاونة: الحكومة تتكسب من التعليم العالي.. ويربح منه سنويا (37) مليون دينار
جو 24 :
إبراهيم العظامات - عُقد لقاء منتصف الشهر الجاري، أقرب إلى جلسة الندب لحظنا العاثر في التعليم العالي في الأردن، إذ جَلَسَ أستأذان مخضرمان في الأكاديميا والمسؤولية، د. عدنان بدران ود. فايز خصاونه، في مدرج محمد علي بدير في مبنى إدارة الجامعة الأردنية عصر الثلاثاء 15-10-2019، وأسهبا في تقديم الدلائل على التراجع المأساوي المستمر لأهم قطاع حيوي في الأردن، وعن تخلي الدولة تمامًا ونهائيًا عن مسؤولياتها في تقديم أي تمويل للتعليم الجامعي الحكومي لدرجة وصلت أن الحكومة "تَتَكَسَبُ (تربح) من التعليم العالي" وفق أرقام العام 2016 بل أن "التَكَسُبُ في ازدياد" بعد ذلك العام، و"لدى (د.فايز خصاونه) أرقام تدعم هذا الكلام".

الجديد في التشخيص الذي قدمه أستاذ شرف الدكتور فايز خصاونه أن "الحكومة الأردنية الوحيدة والفريدة في العالم التي تَتَكَسَبُ من التعليم العالي" فما دفعته باليد اليمنى (54) مليون دينار دعما مباشرًا للجامعات العام 2016، استردته يسارها (91) مليون بشكل مباشر (نقدي) أو غير مباشر (عيني)؛ بمعنى أنها رَبِحَت (37) مليون دينار في حين تدعي أنها لم تبخل في الإنفاق العام على العملية التعليمية في الجامعات، وكَرَّرَ ما افتتح به قبل عام سلسلة مقالات تحليلة نشرها في صحيفة الرأي، إذ قال: "بنيت اقتصاديات التعليم في الأردن خلال عقدين ونصف على سياسة غير مُعلنة تتضمن إلقاء عبء تمويل التعليم العالي تدريجيًا على كاهل أولياء أمور الطلبة في حالة فريدة تنفرد بها الأردن" بين جميع دول العالم المتقدم والنامي.

بدأ الدكتور عدنان بدران حديثه استذكارًا للزمن الجميل في تأسيس كلية العلوم في الجامعة الأردنية منتصف ستينات القرن الماضي، ثم لاحقا رئاسة جامعة اليرموك، وأكد عندما بدأنا في الأردن "كنا في صف كوريا الجنوبية التي صنعت Samsung، وسنغافوره، وفنلندا" في المستوى العلمي، فـ"هذه الدول لم تكن أرقى منا وقتها" التي اعتمدت في نهوضها على التعليم والبحث العلمي، فقد كنا "نقبل 30 طالبًا في كل تخصص في كلية العلوم، والذين تخرجوا كلهم توفقوا، وأصبحوا قادة أينما حلوا"، فالتعليم كان "نوعيًا"، ثم انتقل إلى مؤشرات التراجع التي بدأت مع استحداث وزارة التعليم العالي العام 1985 التي أخلت باستقلالية الجامعات. مشيرًا إلى استمرار التراجع إلى يومنا هذا بعدم تلبية مخرجات الجامعة لاحتياجات السوق المحلي، والأزمة المالية التي تعصف بكثير من الجامعات، والاكتظاظ الطلابي الكبير، وعدم تنافسية المخرجات.

وحول تمويل الجامعات، أقسم الدكتور بدران: "والله، الذي عُمِل للتعليم العالي في الأردن في البدايات، لو ترك على حاله؛ لأصبحت جامعاتنا من أفضل الجامعات على المستوى العالمي، فالأردن البلد الوحيد الذي فرض (ضريبة جامعة) لتمويل التعليم العالي مع فرض رسوم كانت ضمن قدرة أولياء الأمور، فقد كانت وزارة المالية تجمع الضريبة كأمانات للجامعتين الأردنية واليرموك ثم لاحقًا مؤتة، وهذه الإيرادات كانت كافية لتمويل الجامعات دون التفكير برفع الرسوم، وتم فيها أيضًا بناء جامعات وكليات بدون قروض. ثم أشار الدكتور بدران "إلى خطأ شخص واحد"؛ وزير مالية أسبق، أَفقَدَ الجامعات الرسمية أحد أهم مصادر تمويلها الدائمة، فقد قَرَّرَ ذلك الوزير في مطلع تسعينيات القرن الماضي، جمع ضريبة الجامعة وإدخالها في الموازنة العامة ليتم توزيعها بعدئذٍ على الجامعات، وأضاف الدكتور بدران متحسرًا "دخلت إيرادات الجامعات الموازنة العامة، وهات تخرج"، ولما تخرج لغاية اليوم.

الدكتور فايز خصاونه أوضح في مستهل الندوة التي عقدتها "الأردنية" مع "جماعة عمان": إنه "لم يكن متحمسًا في المشاركة، فقد وصلت إلى مرحلة الإحباط، لم يبق منبرًا إلا وتحدثنا فيه، لكن لا أحد يسمع"، وأضاف أن حديثي قد يكون "قاسيًا" لاستنهاض هِمم الجميع خاصة الشباب، فقد "أشبعنا مواضيع هذا القطاع بالحديث، وبالغنا في طرح الحلول لمشاكل نحن من صنعناها"، و"وضعنا استراتجيات طموحة لكنها بنيت على جُرُفٍ هَارٍ"، و"غفونا على سردية تتغنى بانجازات النصف الأول من مسيرة الجامعات" لبداية التسعينات، والآن "نتغافل عن الشيخوخة المُبكرة لهذا القطاع".
وأضاف "أنه إذا في مجال لقرع نواقيس الخطر" فأرجو أن تكون هذه الندوة إحداها، لأنه حدثت في الفترة الأخيرة "تطورات جسيمة"، خصوصًا هذا العام أولها "التشكيك باعتمادية الجامعات الأردنية" حصل هذا، وكان رد الأردن حكومةً وأكاديميًا وشعبًا "ردًا متهافتًا" و"كأنه لم يحدث"، قالها بالعامية "واحد قرصك بإذنك" فكان ردك كأنه "إذنك مخدرة"، وثانيها: التضخم المفرط في أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات؛ فالجامعة الأردنية وصل عدد طلبتها إلى (52) ألف طالب، واليرموك قبلت هذا العام أكثر من (13) ألف طالب إضافة إلى إن هناك "توجه غير معلن، بضغوط رسمية لتقليص الابتعاث لتأهيل أعضاء هيئة التدريس" وهذا أمر جلل.
وتابع د. خصاونه، "أتحدث في هذه النقاط الخطيرة التي حدثت، ويا للهول، في ظل استراتيجة وطنية لتنمية الموارد البشرية، معتمدة رسميًا، ويفترض أنها تخضع لتقييم ومتابعة حثيثة من أعلى المستويات، ومع ذلك حدث كل هذا!".
وأسهب الدكتور خصاونه في حديثه عن الأخطار التي تحيط بقطاع التعليم العالي "حتى نستفيق من غفوتنا فإن وقت المصارحة المؤلمة قد حان"، مشيرًا إلى "ضبابية النص الذي يحدد الرؤية لهذا القطاع"، فـإذا قرأنا رؤية وزارة التعليم العالي على موقع الوزارة، وأخذته على وزارة ثانية "بمشي"؛ لأنه كلام مُعمَّم نحتاج إلى نص صريح يُحدد الرؤية، "غياب نص متكامل في الرؤية أدى لغياب نص متكامل في السياسيات"، مبينًا أن قانون التعليم العالي فيه ثغرات واسعة غير مغطاة "يصل الفرد إلى استنتاج أن هذه الثغرات بقيت ثغرات، بتصميم، ومنهجية معروفة وليست عبثًا".
وذكر أنه "عندما بدأنا في مسيرة التعليم العالي كانت الرؤية غير مكتوبة؛ ولكنها مفهومة وواضحة في عقول الأكاديميين، غياب النص في الرؤية والسياسيات أدى إلى تعقيدات كثيرة حصلت بشكل تلقائي متواتر: تسارع في أعداد الطلبة، وإنشاء الجامعات الخاصة، وتزايد العجوزات في مالية الجامعات، واستحداث البرامج الموازية والدولية، وإنشاء جامعات الأطراف، والتوسع المفرط في الاستثناءات في القبول"، وأصبح القطاع نهبًا لاجتهادات شخصية فكل وزير يجتهد، ونقول: "أن للمجتهد أجر واحد إذا أخطأ".
وأضاف أن ضبابية النص أصبحت مستساغة لتعمية سياسيات التعليم العالي، وقال: لا يوجد نص قانوني نستعين به للتوازن بين التعليم الأكاديمي في الجامعة والتقني في الكليات، ومن يصححه الآن بدون نص وهذا اجتهاد. وأوضح: لدينا الآن هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي ولها قانون ملزم، لكن هذا العام "وضعنا القانون على جنب" وتساهلنا بقبول أعداد كبيرة من الطلبة. وأكد أنه "لا توجد سياسات واضحة حول قبول الطلبة فهذه يجب أن تكون بنص قانوني" ضابط، وقال "أنه لا يجوز اعتماد القبول الجامعي وفق أسس، فالأسس هي أدنى درجات السلم القانوني" ويسهل تغييرها والعبث بها.
وذَكَّرَ الحضور بالإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي جاءت على أعقاب سلسلة من الاستراتيجيات التي أدمنا على إعدادها منذ (20) سنة، وكانت قبلها إستراتيجية كبرى وصفت في حينها بأم الاستراتيجيات لكنها "كُلها- كُلها فَشِلَت" وذلك لأمرين: لعدم وجود "مساءلة"، ولأنها لم تبنَ على نص دقيق وشامل للسياسات Policy Statement ونص عميق للرؤية Vision Statement، كما انتقد طريقة إعداد الاستراتيجية الوطنية التي "استندت إلى أوراق عمل مستوردة من الخارج، وليست أوراق أردنية، وقد كتبها خبراء من الخارج"، زعموا فيها أن قطاع التعليم العالي يتسم بفائض في التمويل Overfunding؛ إذ يُنفق عليه أكثر مما يجب؛ فلذلك أهملت الاستراتيجية البحث عن مقترحات لموارد مستدامة للتمويل الجامعي.
وقال: "وصلنا إلى الوضع المالي المأزوم في الجامعات، فهذا الوضع المالي كان يعتمد على نص قانوني مُلزم وبقي ملزمًا إلى التسعينات، على ضريبة يدفعها كل الناس باسم (ضريبة الجامعة) لكنها "راحت"، الآن نعتمد على "التزام أخلاقي موروث" من وزير تعليم عالٍ أسبق في منتصف التسعينات، ألغى ضريبة الجامعة و"دَقْ على صدره، رح نوديلكوا كل اللي تحتاجوه"، وقُدرت تلك الإيرادات الضريبية بتلك الفترة بـ(300) مليون دينار أردني تم تحويل (50) مليون منها فقط إلى الجامعات الرسمية، مشيرًا إلى أن "تلك الضريبة كانت تجبى من بيوعات العقار"، وأكد أنه "لا يدعو إلى فرض ضريبة جديدة" لكنه يطالب بإيجاد النص القانوني الذي يُعطي الأولوية لتمويل التعليم العالي والتعليم، وأن يحتل أولوية عليا في سلم الإنفاق العام، وأضاف إن ما يخصص للجامعات كل عام من دعم مالي مباشر يأتي نتيجة "قرار مزاجي" لمدير الموازنة العامة، وهو رقم ثابت حاليًا لا يتجاوز (73) مليون دينار وعلى مدار سنوات يخصم جزء منه لصندوق دعم الطالب، وقال: "يجب أن يكون لدينا الجرأة لنقول أن اللي صار بأخر (30) سنة غلط" فيما يتعلق بالإنفاق على العملية التعليمية في الجامعات الحكومية.
وتحدث مُفصلًا: أن "قضايا التعليم العالي لا تجد أي اهتمام إلا خلال ساعتين من مناقشة الموازنة العامة، ويتم التصويت عليها وتمشي الأمور، فقد تحللت الحكومات من التزاماتها الأخلاقية والموروثة كلها، وهي في طريقها كما أرى لمزيد من التكسب من قطاع التعليم العالي إذ يتم تحويل مبالغ متواضعة لموازنات الجامعات في وقت تقبض الحكومة ضرائب من الجامعات الخاصة، ولا تدفع إِلَّا نصف الكلفة الفعلية تقريبًا على طلبة المكرمات والمنح والقرض إضافة إلى تَحَلّلها من دفع رسوم الجسيم فهذا استحقاق يجب أن يعطى لأصحاب الاعتلال الجسيم، ولكن ليس على حساب الجامعة، المفروض يغطيه صندوق التقاعد العسكري لأنه ورد في قانون التقاعد العسكري"، حصل ذلك بسبب غياب النصوص القانونية الضابطة فازدهرت الاجتهادات.
وحول دور الجامعات في صناعة القيم والفكر الطلابي المستنير، قال الدكتور خصاونه: "إن الهاجس الأمني في الجامعات خَرَّب بيتنا؛ لأن الطالب قادم إلى الجامعة وبده صفحته بيضا، يتخرج الطالب من الجامعة فكره فارغ، والفكر الفارغ يستوعب إي فكر يأتيه، وهذا خطر على المجتمع". وأضاف "منع الفكر عن الطلاب مأساة". وأوضح ما زلنا: "خايفين من البعبع" فلا نستطيع التعامل معه بذكاء وحرفية.
كتب الدكتور خصاونه، قبل عام في الرأي، بعد أن استعرض التقارير السنوية الصادرة عن مُنظمةOECD الأوروبية حول تمويل التعليم العالي التي تغطي طيفًا واسعًا من الدول "لم أجد بينها دولة مثل الأردن (إذ) يتحمل القطاع الأهلي (فيها) كامل ما ينفق على العملية التعليمية" في الجامعات، ويضيف: "لا أظن أننا اكتشفنا حكمة غابت عن الدُنيا كلها، بل أظن أننا تُهنا". وقد أوصى بـ"الاعتماد على قوانين ونصوص ملزمة وعابرة للحكومات"، "لأن الأوضاع التائهة قد ستستمر لأكثر من جيل".

 
تابعو الأردن 24 على google news