والدة محارب السرطان خليل الشاويش ترثيه بكلمات مؤثرة
ونشرت أم خليل عبر صفحتها على فيسبوك الجمعة منشوراً قالت فيه:
* آلو ماما ...كيفك حبيبتي ..؟
" هلا حبيبي ... كيفك إنت ..؟
* أنا .. الحمد لله ..
ماما ..... من مده لاحظت ورم صغير برجلي... راجعت الدكتور ..
طلب أخذ عينه لفحصها ..
" لاتخاف حبيبي .. ممكن تكون غده دهنيه...
* لا ياماما ...طلعت النتيجه...
ورم سرطاني بالأنسجه ..ساراكوما..وهو عنيد وخبيث..
" لاتخاف حبيبي ..السرطان صار مابيخوف ..والطب تقدم ..خصوصا إذا كان بمراحله الأولى..
* إن شاء الله خير....
إنتهت مكالمتنا..وإبتدأت حكايتنا....
..............................
وقفت واجمه ....وصرت أردد..
اللهم لانسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه....
دارت بي الدنيا وألقتني في خضم بحر مظلم .. تتضارب فيه أمواج المشاعر المبهمه ....
تارة تعلو بي بالرجاء والدعاء....وتارة تهوي بالخوف والرعب من المجهول ......
لم أنم في تلك الليله ..وأنا واقفة على باب الكريم .. أرحم الراحمين.. أرجوه وأدعوه وأتوسل إليه بكل جوارحي ..
وأنا أذرف الدموع وأكتم الشهقات......
مرت أمامي كل صور المصابين بهذا المرض الذين عرفناهم..
لم أجد منهم أحدا قد نجا ....وهذا ماأفزعني وقد مضجعي ..
ضاق صدري وأحسست بأضلعي تكاد تختلف ..وأن قلبي يتمزق ..
أدركت أني مقدمة على خطوات داميه ..بطريق صعب .. طويل ..
وشاق .. كان عزائي ويقيني ..أنه محفوف بالرحمات والمنح والعطايا ...
في الفتره التي تلتها بدأت صعوبة الطريق تظهر بعد أخذ جرعات الكيماوي ..
وبدأت قناديل الفرح المعلقه في قلبي تتأرجح..تنير تارة ..وتخبو أخرى...
كنت أستمد قوتي من قوة إيمانه وتسليمه ورضاه..
لم أكن أظهر له لحظات ضعفي حتى لا أخذله .. أو أقلقه ...
مسيرته المرضيه ورحلة علاجه تابعها الجميع ..
كانت تحدوها الثقة بالله والرضا والتسليم مع الصبر والتفكر والتدبر بنعم الله...
في هذه الظروف ..شعرت بشدة إحتياجي لوالدي رحمهما الله ..لدعائهمايحيطني وحبهما يحتويني ..
كنت حقا بحاجة إيمانهما وكلامهما كالبلسم .. ليمدني بالصبر والجلد والثبات .. وأن أرمي حملي الذي أرهقني عند أقدامها فيتلاشى ..
الغريب..أني كلما شعرت بالضعف والعجز واللا حول ....كنت أتذوق لذة القرب والمناجاة..وملازمة الباب والوقوف عند الأعتاب..
كلما إشتد الأمر وضاقت الحلقات .. كانت تفتح نافذة الرحمة والعطاء والصبر على القضاء مع الرضا والتسليم......
إلى أن أقبلت أضيق الحلقات....بالمرحلة الأخيره...
وإشتد بخليلي المرض فتدهورت حالته ..بسرعه...
دخل المشفى ماشيا على قدميه ..ومكث فيه مستلقيا على السرير لا يقوى على الحراك..
قال لي في يوم : ماما لاتتركيني.... قلت له لن أتركك ياروحي أبدا ...
لازمته باقي أيامه ليلا نهارا ...أشد من أزره ونقوي بعضنا بعضا.. .. تشاركنا الألم والوجع...هو في جسمه وأنا في شغاف قلبي وحناياه...أحاول رتق ماأصاب جدرانه من تشققات ...
.........
عندها أدركت أننا نخطوا خطواتنا نحو النهاية ..فشعرت برعب شديد.....
...........
بعد تفكير طويل.. قررت..وكنا على إنفراد....
قلت له مالاتحب أن تقوله أم لولدها على وجه البسيطه....
أخبرته أنه قد آن الأوان لترتيب الأمور كلها ...وأن لايترك شيئا معلقا ..
كنت أتكلم معه والدموع تتساقط من عيوني لمرارة الموقف ...
كان جرحي يزداد مع كل كلمه وينزف ...
لكن ...لا بد من حزم الأمور وأن نفكر بالحقيقه شئنا أم أبينا ...
كان صوتي يرتعش وبالكاد فهم مني ماكنت أريد توصيله ...
فوافقني الرأ ي ....ولم يمض وقت طويل حتى كان قد رتب أموره ولله الحمد....
................
كثير من المرات كان يصر أن أسقيه من يدي..
كان لايشرب إلا ماء زمزم..لأن باقي الماء له طعم الحديد بفمه ..
قال لي أنا أتعبتك معي ..
ولكن أحب أن أشرب زمزم من يدك ..لأني أشعر براحة بعدها ..
ثم من ينال أن يشرب زمزم بيد من الجنة ؟؟......
حضنته ودعوت له فتدفقت مشاعرنا حبا وترقرقت دموعنا بين المآقي والجفون عطفا ....
في الساعات الأخيره ..لم أترك يده ..وأدركنا أنها النهايه ...
قلت له : شايف حبيبي ماتركتك ولا لحظه ..متل ماطلبت..أنا وعدتك ....وانا عند وعدي.....
فنزلت دمعة من عينه.....
ولم يقو على الجواب ....
...........
كان يقول لي : ماما أدع لي أن تكون هينه سلسه..فأقول له بإذن واحد أحد ستكون مثل الصلاة على النبي...
ستكون هينه سلسه كما تحب وستكون كالصلاة على النبي كما أحب...
كانت يدي بيده وخدي على خده وهمس دعائي ورجائي وتلقين الشهادتين في أذنه ..
قلت له حبيبي.ياروحي صبر جميل والله المستعان..بقي لك قليل من الصبر وبعدها الفوز الكبير..هنيئا لك مقام الصابرين...
أنا مطمئنة عليك...وفرحة لأجلك.. أنت الصابر الراضي ..أنت الحاج البار التقي النقي الورع ...أنت الآن في حضرة الحق ..غدا تلقى الأحبه محمدا وصحبه...هنيئا لك هذا المقام..هنيئا لك هذا الإجتباء..هنيئا لك هذا الصفاء ..
إن شاء الله صحيفة أعمالك ناصعة البياض لاشائبة فيها ... أنت أصبحت أنظف من يوم ولدتك...هنيئا لك هذا الكرم الإلهي..
الحمد لله أن أكرمني على قضاء وقت المرض وأنا معك وقريبة منك..
الحمد لله الذي ألهمني وأطلق لساني بالدعاء...
الحمد لله أن أكرمنا بلحظات كانت فيها من التجليات والنفحات مايثلج الصدر ويزيح الهم.....
الحمد لله أن كنا من الراضين ..وأرجو أن نكون من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه...
..........................
جاء الأطباء في جولتهم
كنت أنا وزوجته ممسكتين بيديه ندعوا له ونلقنه الشهادتين....
دخل الأطباء في جولتهم الصباحيه..فتنحينا نحن لنفسح لهم المجال بفحصه..
سمع الطبيب صوت نبضه بسماعته .. قال: نبضه ضعيف..أخدت الطبيبه السماعه وسمعت ... ثم قالت البقيه في حياتكم...لم يستغرق الأمر أقل من دقيقه ..من وقت دخول الأطباء الغرفه لوقت إعلان الوفاة...
لقد فاضت روحه بسلام كما أحب وكالصلاة على النبي كما أحببت....
لم نشعر به ولا للحظه ...
أصبحنا نردد بصوت خفيض .. إنا لله وأنا إليه راجعون ..اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرا منها...
قلت له: سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا ...
أصبحت أردد الحمد .....
فالحمد لله الذي أكرمنا بالثبات عند الصدمة الأولى....
الحمد لله الذي أكرمني وشد على قلبي لحظة الوداع....
الحمد لله الذي أكرمني وثبت أقدامي عند زيارته في مرقده الأخير.....
والحمد لله الذي ألهمني الصبر عند تلقي العزاء في بيت الأجر....
......
طبت حيا وطبت ميتا يا خليلي ...
تغمدك الله بواسع عفوه ورحمته ورضاه.. وجمعنا بك في جنات عرضها السماوات والأرض..
وأنزل الصبر والسكينة والرضا على قلوبنا أجمعين....
.......
في فترة مرضه الأخير ..تسنى لي أن أحظى بلقاء أصدقائه ..
وجدت أنهم الأخوة والأصدقاء والمحبين الصادقين ....
أود أن أشكرهم جميعا على ماقدموه من محبة صادقة وصحبة طيبة ومساعدة على التهوين عليه وتخفيف آلامه وتخطي أصعب اللحظات....
بارك الله لكم جميعا وأقر أعين أهليكم بكم وجزاكم خير الجزاء...
.............
أحب أن أشكر زوجته الرضيه إبنة الأكرمين ..
على وقوفها إلى جانبه طول فترة مرضه ...
ليلا نهارا....تركت عملها من بداية مرضه لتتفرغ له ولمساعدته....
نحن لانستطع إيفاءها حقها بالشكر والعرفان..
لقد تركنا ذلك لرب العالمين فهو أكرم وأرحم..
ربنا يجزيك خير الجزاء ويقدرك على تربية يحيى كما كان والده يحب أن يكون....مثله وأحسن ..هكذا يحب..
ولاتنسي..أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا.....
فكيف بك وأنت أمه ؟؟؟...
.....................
أحب أن أشكر جميع الأطباء وطاقم التمريض و العاملين بمركز الحسين للسرطان ...لما قدموه لخليل في فترة تواجدي معه في المستشفى.....
شعرت أن بعضا منهم برقي معاملتهم ولطفهم وإنسانيتهم..كالملائكه تمشي على الأرض........
كما وأشكر كل من شاركنا مصابنا
سواء حضر إلى دار الأجر أو شاركنا بتقديم واجب العزاء وإشادة مناقبه....
إنا لله وإنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
........... الفاتحه ............
عايده 15/11/2019