jo24_banner
jo24_banner

فاجعة الكرامة.. كيف احترق الضمير؟!

فاجعة الكرامة.. كيف احترق الضمير؟!
جو 24 :
كتب تامر خورما - 

"العدالة غير قابلة للتجزئة" تقول المناضلة الأميركية أنجيلا ديفيس مؤكّدة أنّه "لا يمكنك أن تقرّر من الذي يحصل على الحقوق المدنية ومن لا يحصل، لأنّنا جميعا لنا نفس الحق في أن نحيا أحرار"..

بعد تراكم نضالات طويلة، أصبحت هذه الكلمات بديهيّة أخلاقيّة في كافّة الأعراف الإنسانيّة التي تدّعي التحضّر، بعد أن كانت مجرّد أحلام ثوريّة لعهود طويلة من الإستغلال والاضطهاد.

من أبشع ألوان الظلم، أن تطالب بالعدالة والحقوق الإنسانيّة لنفسك، ولا تهتمّ كثيرا عندما يتعلّق الأمر بـ "الآخر" المختلف عنك عرقيّا أو ثقافيّا أو وفق أي اعتبار آخر من تلك الإعتبارات ما دون الإنسانية. قد يتّفق الجميع -ربّما- على هذا المبدأ الأخلاقي.. ولكن مع الأسف عندما تتحدّث الأفعال، فإنّها أحيانا تتكلّم بما يناقض تماما ما هو متّفق عليه نظريّا.

كيف يمكننا تفسير التعامل الرسمي، بل وحتّى الإعلامي، مع الكارثة الموجعة، التي أودت بحياة 13 عاملاً من أشقّائنا الباكستانيّين، وبينهم من كان لايزال في عمر الطفولة؟! برود موجع ولامبالاة مؤلمة تسيّدا المشهد، كما كان عليه الوضع الذي عبّرت عنه ردّات الفعل البليدة تجاه وفاة أحمد محمد مغازي، ومحمد سعيد علي، وعبد الرحمن عبد الحميد عبد الرحمن، من أشقّائنا المصريين، الذين قضوا في الأمس القريب تحت أنقاض مبنى إنشائي مخالف.

حتّى في الدول التي تنخر فيها الرأسماليّة المتوحّشة عصب المنظومة القيميّة، لا يمكن أن يمرّ نبأ وفاة عامل مهاجر واحد، نتيجة إهمال أو خطأ أو عدم تحمّل ربّ عمل لمسؤوليّاته الأخلاقيّة، مرور الكرام، ودون أن يحاسب أحد.. فكيف إذا ما كان مسرح مثل هذه الأحداث المفجعة هو بلد النشامى؟! وزير العمل، نضال البطاينة، استكثر على الضحايا حتّى زيارة لموقع الحادث، ولم نسمع حتّى الآن عن إحالة أحد إلى التحقيق على خلفيّة ظروف أو بيئة العمل التي كانت سببا في رحيل أرواحهم، رغم أنّه تبيّن في بيان الدفاع المدني أنّهم كانوا يعيشون في "صفيح زينكو" تتناثر على سطحه أسلاك الكهرباء!

كان بالإمكان تخيّل قساوة الظروف المعيشيّة للعمالة المهاجرة في تلك البلاد الباردة، التي لا قيمة فيها فوق سطوة رأس المال.. ولكن أن يحدث هذا هنا، في بلد يفترض أنّه يعاني، كغيره من دول العالم الثالث، استهداف السياسات النيوليبراليّة لحاضر ومستقبل أبنائه، فهنا ينبغي التوقّف طويلا لإدراك حجم الإغتراب عن الذات الذي نعيش فيه.

ضحايا العمالة المهاجرة ليسوا مجرّد أرقام تمرّ على ذكرها الصحف وبيانات المسؤولين، دون أن ترتعش لها الأوصال! هذه أرواح أهدرت على الأرض الأردنيّة بسبب غياب الحدّ الأدنى من شروط السلامة، التي تضمن أبسط وأهمّ حقوق الإنسان على الإطلاق: الحقّ في الحياة!

في قطاع الزراعة تحديدا يعيش كثير من العمّال في "بيوت" تفتقر إلى الحدّ الأدنى الذي يمكّن من وصفها ببيوت صالحة لسكن البشر.. هل كان علينا الإنتظار حتّى حصول هذه الفاجعة لندرك أن هنالك حقوقا مسلوبة، وعمالة مهاجرة تعيش بيننا تحت نير ظلم لا تقبل به الأخلاق والقيم التي نتغنّى بها؟!

هذه الكارثة تسلّط الضوء على مسألة حاصرها الكتمان واللامبالاة لفترة لا يمكن السماح باستمرارها بعد اليوم، ولكن ما خفي قد يكون أعظم، فهل نحتاج إلى المزيد من الموت لنبدأ بمحاسبة كلّ مسؤول عن مثل هذا الإهمال الذي يودي بحياة الناس؟ كم من الضحايا نحتاج لنتذكّر أن العمالة المهاجرة أيضا لها حقوقها التي تفرضها القيم الإنسانيّة على الجميع، وكيّ نضمن لهم على الأقل مسكنا لا يهدّد أرواحهم؟!
 
تابعو الأردن 24 على google news