jo24_banner
jo24_banner

كلهم يعني كلهم.. المحاسبة أوردت تقاريرها فمتى موعد الحساب؟

كلهم يعني كلهم.. المحاسبة أوردت تقاريرها فمتى موعد الحساب؟
جو 24 :
محرر الشؤون المحليّة - تقرير ديوان المحاسبة يعكس بلا شك درجة عالية في الشفافيّة والمكاشفة، في إطار محاسبة الحكومة لنفسها ولأدائها الوظيفي، دون أيّة مجاملة أو ترقيع يحاول تقديم صورة مغايرة للواقع.. صراحة لا تخشى نتائج النقد الذاتي، وحديث مفعم بلغة الأرقام وعلى المكشوف.. ولكن..

ما الجديد الذي يمكن إضافته وتحقيقه على أرض الواقع، إذا ما بقي الحديث عن التجاوزات وشبهات الفساد حبيس إطاره النظري، بين أوراق وأرقام معلنة، سيلقى بها إلى رفوف الأرشيف في نهاية الأمر؟ ذات المخالفات تستنسخ نفسها سنة تلو الأخرى، لتنتقل الأرقام الصادمة من تقرير إلى آخر، ويستمر مسلسل الهدر والتبذير وتبديد المال العام دون أيّة نهاية مرتقبة.. فإلى متى؟

حكومة د. عمر الرزاز حاتميّة الكرم قرّرت في العام الماضي منح إعفاءات جمركيّة بقيمة مليار و98 مليون وحفنة من مئات آلاف الدنانير.. أي ما يقترب من ضعف المبلغ الذي تقرّر إدراجه كعجز في الموازنة المرتقبة! ناهيك عن مئات الملايين الأخرى التي تدفّقت سيولها من خزينة الدولة دون جدوى أو مبرّر، كمبلغ الـ 100 مليون دينار لاستملاك الأراضي المحاذية لمشروع سكك الحديد، أو المخصّصات التي تمّ رصدها لمشاريع تبيّن عدم الحاجة لما خصّص لها بعد كلّ المناقلات التي تمّ إجراؤها، أو الهدر الدائم المتجدّد لأمانة عمّان وغيرها.. وكلّ ما تمّ هدره من أموال لم تستثن حتّى الحمّامات من بذخها!

هذا غيض من فيض ما كشفه تقرير ديوان المحاسبة، وكالعادة، ينشر الإعلام أرقام مرعبة جديدة، ويتناقش بعض النواب حول جزء منها، ليعود الأمر كما كان عليه، في انتظار تقرير جديد، يكشف المزيد من التجاوزات، وطرق استنزاف المال العام، ليتحمّل المواطن كالعادة، عبء العجز والمديونيّة وتفاقهما، على حساب غذائه ودوائه.

من أعطى الحقّ لأي مسؤول بمنح كلّ تلك الإعفاءات الضريبيّة والجمركيّة التي تمتّعت بها شركات ولوبيّات ثراء، في الوقت الذي يكون فيه المواطن هو المطالب الرئيس بالتعويض وتدارك الخلل؟ شكوى دائمة من ضيق الحال يتمّ اتّخاذها كمبرّر لجلد الناس بغلاء لا يتوقّف، وبالتوازي مع هذه الشكوى، تظهر الأرقام الرسميّة ذاتها حجم الهدر والاستهتار بأموال وتعب الناس، بل ومستقبل عيالهم!

تقرير تلو الآخر.. وتستمرّ الكارثة.. فمتى سيأتي وقت الحساب؟! أليس الأصل أن يتولّى مجلس النوّاب المهام التي تمّ انتخابه لأدائها، ويتسلّح بتقارير ديوان المحاسبة، كيّ نشهد بدء إجراءات اجتثاث الفساد، ومحاسبة الفاسدين والمتجاوزين على المال العام؟! أم أن هذه الأرقام الكارثيّة قد تمّ إيرادها لغايات ديكوريّة تجميليّة ليس إلاّ؟!

ولماذا يستمرّ تدّفق هذه الأرقام المهولة من الأساس، ما الذي تفعله مؤسّسات الدولة تجاه ما يتمّ اقترافه من تجاوزات واعتداءات على المال العام، ولماذا لا تتمّ محاسبة كل من ينتهك القانون فور ارتكاب جنحته أو جنايته؟ قانون أصول المحاكمات الجزائية يفرض في المادّة 25 من بنوده "على كلّ سلطة رسمية أو موظف علم أثناء إجراء وظيفته بوقوع جناية أو جنحة، أن يبلغ الأمر في الحال المدعي العام المختص، وأن يرسل إليه جميع المعلومات والمحاضر والأوراق المتعلقة بالجريمة".. فأين المسؤولين من الالتزام بهذا النصّ القانوني؟!

كان الأولى قبل التفاخر باجترار التقارير، والتباهي بالشفافيّة التي تعكسها الأرقام، أخذ ما يصدر عن ديوان المحاسبة على أعلى درجات الجدّ والمسؤوليّة.. والبدء بسياسة لا تهاون فيها لمحاسبة أيّ موظّف يتجاوز حدوده القانونيّة على الفور، والعمل بشكل حاسم على إنهاء مثل تلك التجاوزات، فلو كان الرادع جليّا منذ البداية، لما تجرّأ الكثيرون على تجاوزاتهم.. هذا فيما يتعلّق بما يقترفه صغار الموظّفين.. أمّا عندما يصل الأمر إلى وجود شبهات فساد، فهنا الطامّة!

المادّة 17 من القانون المذكور تفيد بوضوح بأن وظيفة النيابة العامّة هي تقصّي الجرائم والتحرّي عن وقوعها، والتحقيق للوصول إلى مرتكبيها.. وها هو تقرير ديوان المحاسبة بين أيديكم يا أعضاء المجلس النيابي الموقّر، بكلّ ما ورد فيه من أرقام وتفاصيل.. فماذا أنتم فاعلون؟!

وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، سامي الداوود، رئيس الفريق المكلّف بتصويب المخالفات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة، قال إنّه خلال مراجعة المخالفات، تبين للفريق وجود شبهات فساد واختلاس للمال العام وتزوير في بعض القضايا، بالإضافة إلى عطاءات ماليّة مخالفة، وتجاوز للقوانين، وصرف مكافآت ومركبات، وعلاوات، وبدل سفر لبعض الموظفين دون وجه حق، والتغاضي عن تحصيل أموال عامة.

كلام جميل.. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ في حديثه حول ما يتعلّق بحجم المبالغ التي من الممكن استردادها من هذه المخالفات، لفت الداوود إلى أنّ حجمها يقدّر بـ110 مليون دينار، مؤكداً أنّ الحكومة، ومن خلال الجهات الرقابيّة، وبمتابعة من الفريق تتابع عمليّة التحصيل بشكل دقيق.

باختصار، ما قد يتمّ استرداده لن يعوّض سوى جزء بسيط للغاية ممّا تمّ استنزافه على مدى سنوات عدّة.. ولا ننسى أن هذا ليس أوّل تقرير يصدره ديوان المحاسبة، فهل من موعد لبدء إجراءات جديّة حاسمة تنهي هذا المسلسل العبثي، أم أنّه سيتمّ الاكتفاء بما يرد في تقارير قادمة، لاسترداد جزء يسير ممّا يفيض عن مئات الملايين المهدورة ؟!

أمام كلّ ما ورد من أرقم وحقائق، لا بدّ من تقديم الأسماء المتورّطة بشبهات الفساد للقضاء، كلّهم بلا استثناء، فالاكتفاء بكبش فداء، أو استرداد حفنة من الدنانير المهدورة هنا أو هناك، أو اتّخاذ إجراء ترقيعيّ لا يقدّم معالجة جذريّة.. كل هذا لن يغيّر شيء من واقع الحال.. ديوان المحاسبة قال كلمته، فأين صولاتكم وجولاتكم يا أعضاء السلطتين؟! أم أنّه سيكون علينا انتظار اجترار الأرقام في تقارير قادمة بذات القديم الجديد؟!
 
تابعو الأردن 24 على google news