jo24_banner
jo24_banner

«الجنة الآن».. رهان الحياة أو الموت

«الجنة الآن».. رهان الحياة أو الموت
جو 24 :

يبدو أن المخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد لا يصنع فيلماً إلا ليفوز بجوائز عالمية تتنافس عليها كبريات الدول التي تصنع وتصدر السينما إلى العالم، وهذا ما حدث فعلاً مع فيلمه الروائي الطويل الجديد «عمر» الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في فئة «نظرة ما»، في مهرجان «كان» السينمائي الدولي أخيراً، بعد ثماني سنوات من صناعة فيلم «الجنة الآن» الذي رشح لجائزة الأوسكار، وحصل على العديد من الجوائز العالمية. ويبدو ايضا أن أبواسعد الذي اثبت أنه يحمل على كاهل كاميراته الهم الفلسطيني، يصر دائماً على وجود قصة العميل الفلسطيني في أفلامه، ليس نقداً له بقدر ما هو إظهار الأسباب التي تجعل الفلسطيني عميلاً «لإسرائيل».

وبما أن فيلم «عمر» لايزال في أروقة المهرجانات ولم يعرض بعد على الشاشات السينمائية، وللاحتفاء بفوز ابواسعد في «كان»، فلا ضرر من الحديث عن فيلمه السابق «الجنة الآن» الذي كان فيلم افتتاح الدورة الثانية من مهرجان دبي السينمائي الذي يدور حول تحضير شابين لعملية «استشهادية» والظروف المحيطة بهما، وهو من بطولة علي سليمان وقصي ناشف.

الحياة والموت

في فيلم «الجنة الآن» لا خيار ثالثاً، الحياة أوالموت، حتى مع وجود طرف يحاول أن يكون ثالثاً يتمثل في البحث عن طرق اخرى في المقاومة، تجسد في شخصية (سها) التي يستهل ابواسعد فيلمه بمشهد تظهر فيه كعائدة تود عبور الحواجز، هي فلسطينية ولدت في المغرب ودرست في فرنسا ووالدها (ابوعزام) الذي اغتالته «اسرائيل»، تقرر العودة أخيراً إلى وطنها، وعلى الرغم من أن مشهد الحاجز لا يوحي باكتظاظه، لكن تسليط الضوء كان على الشعور بالقهر لهذه العائدة بأنها يجب ان تمر على حواجز العدو لتنام في بيتها، المشهد كله صامت ولغة العيون هي السائدة حتى عند أخذ الأذن من الجندي الإسرائيلي بالمرور الى نابلس، وقتها يبدأ الصخب بمشهد عكسي في محاولة الفلسطينيين الدخول إلى المنطقة الخضراء بعد اتفاقية اوسلو التي سمحت لهم بالعمل هناك، وهذا الإسقاط أيضاً له علاقة بالحياة والموت بين منطقة يسودها الفقر والبطالة ومنطقة تعج بالخيرات على حساب وانقاض بيوت هدمت وعائلات هجرت.

مدن ومخيمات

بعد التعرف إلى (سها) العائدة الى الوطن، يلقي أبوأسعد الضوء أيضاً على ابن المخيم وابن المدينة، وجميعهم يعيشون في مدينة نابلس، فينتقل المشهد إلى رجلين يعملان في محل لتصليح السيارات، ليظهر (سعيد) وهو عكس اسمه، فلا نجده يبتسم أبداً حتى أمام الصورة الفوتوغرافية، نجده يتشاجر مع زبون حول ميلان مقدمة السيارة، هذه المشاجرة تكشف عن ما هو قادم عن حياة (سعيد) عندما يصر الزبون أن مقدمة السيارة «مايلة متل ابوك» ليتدخل (خالد) الشاب الثاني الذي يعمل في الورشة ويقوم بتكسير المقدمة كلها لإهانة الزبون صديق عمره، فيطرد من العمل.

إذن طبيعة الشخصيتين تتضح، فـ(سعيد) يتمتع بهدوء حتى عندما يهان، أما (خالد) فهو العصبي المقدام الذي لا يهمه شيء حتى لو فقد عمله، لتعود وتظهر (سها) مرة أخرى تسأل عن سياراتها، فيركض (سعيد) إليها، فيعي المشاهد فوراً أن ثمة شيئاً له علاقة بالحب يربط بينهما لتعود لغة العيون كحكم فيها.

ولنعلم ان ابن المدينة هنا هو (خالد) وابن المخيم هو (سعيد).

آخر ليلة

يفترق الأصحاب ليعود كل إلى منزله، يتخلل هذا الافتراق مشاهد لها علاقة بالحياة في نابلس، في المقهى أو في مطعم الفلافل لصحابه الخليلي على ما يبدو من لهجته، وحوارات من هنا وهناك، خصوصاً في ما يتعلق بالعملاء وكيف على الفلسطينيين قتلهم أمام الناس ونبذ كل من له علاقة بهم، ما يثير حفيظة (خالد) الذي لا يعجبه الحديث ليتبين لاحقاً ان القصة لها علاقة بتاريخ والد (سعيد) الذي كان يعمل عميلاً للكيان، والعار الذي لحق به وبعائلته منذ قتله، لينتقل المشهد الى رجل ملتحٍ لكن حديثه ليس دينياً بحتاً يأتي الى منزل (سعيد) ليبلغه بأن موعد العملية التي قد تقرر غداً رداً على اغتيال القائد (أبوحازم)، واستشهاد «ابن أم جابر» هي مجرد أسماء لا تاريخ لها يذكر، وأن العملية ستكون برفقة صديقه (خالد) حسب طلبهما الشخصي وقت التسجيل، وهذه الخاصية تحديداً تعلن موقفاً أن من يطلب القيام بالعمليات الاستشهادية ليس من الضروري ان يكون من اتباع «الجهاد الاسلامي» او «حماس».

في الجهة المقابلة وفي بيت «خالد» تحديداً، يكون المرسال الثاني قد وصل وعلم (خالد) بأن دوره قد حان فيقرر قضاء ليلته وهو يداعب ويلاعب شقيقته الصغيرة. مشهد الليلة األخيرة قبل تنفيذ العملية يحوم حول تفاصيل خاصة بـ«سعيد» فهو العاشق لـ(سها) بنت (أبوعزام) وهو المسؤول الأول عن عائلته بعد عار والده الذي تصر والدته ان تفهمه أنه كان يعمل لأجل العائلة ومصلحتها من دون إسهاب، فيقرر (سعيد) أن يقصد بيت (سها) الساعة الرابعة فجراً بحجة اعطائها مفتاح السيارة، يصل إليها، تفتح الباب مذهولة من السبب وآراء مجيئه، فتصر على أن يدخل البيت لشرب فنجان شاي، يدور حديث بينهما حول المقاومة، وهي ابنه (ابوعزام) أحد مؤسسي فكرة الكفاح المسلح حسب وصف الفيلم له، هي مع فكرة أن الفلسطيني اضعف من الإسرائيلي الذي يملك كل الآلات العسكرية والدعم من قبل اقوى دول العالم، فعلى الفلسطيني أن يبحث عن طرق بديلة، لتفاجئه بسؤال «هل تشاهد سينما» فيجيب (سعيد) لا يوجد لدينا سينما في نابلس، فتقول« ولا عمرك حضرت فيلم» ليجب «لا لكني بالحقيقة دخلت سينما قبل ‬10 سنوات واحرقتها مع اصدقائي كان اسمها سينما ريفولي» فتصاب (سها) بالصدمة متسائلة عن السبب فيقول لها «بسبب إغلاق اسرائيل المعبر» فتقول « وليش السينما؟» فيجيب «وليش احنا؟».

البداية للنهاية

يصل (سعيد) و(خالد) المكان السري الذي يوجد فيه عدد من الشباب، احدهم على الرغم من يديه المبتورتين الا أنه من يقوم بصنع الحزام الناسف، واخرون يقومون بقص شعر الشابين وتغسيلهما تجهيزاً للموت على وقع تلقين ما قبل القبر، وعلى خلفية «كتاب التحرير والمقاومة» وهي كتائب غير موجودة اصلاً في فلسطين، يبدأ خالد بقراءة وصيته بصوت جهور غير متلعثم، يحتمل كل الخطابات الفلسطينية العلمانية منها والإسلامية، لكن شريط التسجيل لم يكن يعمل فيعيد الخطاب لكن هذه المرة يظهر الارتباك عليه، خصوصاً عندما يرى من يشاهد التصوير وهم يأكلون الطعام، فيقرر تنحية الورقة جانباً ويقدم خطاباً موجهاً لوالدته بأنه عثر على بائع فلاتر ماء أرخص سعراً من البائع القديم، ولم ير المشاهد تسجيلاً لـ(سعيد) الذي تظهر عليه الشكوك منذ لحظة دخوله المكان السري لكن المفارقة التي ستظهر لاحقاً تقلب كل موازين الرغبة فعلاً في نيل الجنة، وهما يرتديان الحزام الناسف ويحفظان تعليمات تشغيله، وقد حضر (ابوحازم) الأسطورة النضالية حسب سيناريو الفيلم، واعدا البطلين بتعليق صورهما في نابلس وكل الضفة الغربية والاعتناء بعائلتيهما.

الحقيقة

يودع (سعيد) و(خالد) الشباب و(ابوكارم)، يستقلون السيارة التي ستوصلهما الى منطقة حدودية مع «اسرائيل» مع اتفاق مع «اسرائيلي» بنقلهما الى المكان المحدد مقابل رزمة من النقود، وهنا اشارة الى الانتماء الذي يختلف بين «الفلسطيني والاسرائيلي» الأخير المستعد مقابل حفنة من النقود أن يتسبب في تفجير اشخاص من عرقه لأنه اساساً لا يؤمن بهويته المزعومة، الخلل يحدث عندما تمر دبابة اسرائيلية في مواجهة سيارة الإسرائيلي الملقب بـ(ابوالشباب)، فيضطر (سعيد) و(خالد) إلى العودة لكن الطريق تفصل بينهما، فيصل الخبر إلى (ابوكارم) الذي يتهم (سعيد) بالخيانة من دون البحث عن الأسباب، مع اصرار (خالد) على أن صديقه لم يخن ولا يبيع، فيضع على مسؤوليته البحث عنه كي لا يحمل وزراً آخر لا ذنب فيه مرة أخرى، في الوقت الذي تخلي الخلية مكانها السري، كان (سعيد) يحاول أن ينفذ العملية لوحده، بعد ان استطاع الوصول فيجد نفسه امام حافلة ركاب، وقبل أن يصعد يرى طفلة صغيرة تداعب مقبض الحافلة، فيغير طريقه ويقرر العودة، لكنه لم يعد قادرا على التواصل مع الخلية ومع (خالد) فيلتقي حبيبته في «الكراج» ويصعد السيارة معها، وكأنه يريد أن يعيش الجنة على الأرض هذه المرة، و(خالد) مازال يبحث عنه فيجده، يحاول أن يقول له أن يبتعد عن الفكرة، البلد بحاجة الى أحياء وليس إلى أموات لا يقتنع (سعيد) لنجده يجلس أمام (ابوكارم).

غسل العار

وأمام (ابوكارم) الذي يتردد في منح (سعيد) الفرصة مرة أخرى في تنفيذ العملية، بعد أن تخلى (خالد) عن الفكرة، تسلط الكاميرا ضوءها على سعيد وهو يقدم تبريراته لوجول اعطائه فرصة ثانية تتمثل، منذ ولادته في المخيم، والسجن الكبير، واستغلال الاحتلال ضعف النفس البشرية وتحويلها الى عملاء لصالحهم كما حدث مع والده الذي قتل وهو في عمر الـ‬10 سنوات، والعار الذي حمله وعائلته طوال هذه السنوات، عار اللجوء والرضا به بدلاً من مقاومته، عار الهزيمة وعار اوسلو، هو يريد غسل كل هذا العار لتتم الإشارة الى والدته بأم البطل وليسيي زوجة العميل، شقيقة البطل وليست ابنة العميل، أخي البطل وليس ابن العميل.

الجنة الآن

عند سؤال (سعيد)، و(خالد) في محاولتها الأولى لتنفيذ العملية التي فشلت لمرافقهما (جمال) عن ماذا بعد العملية، يجيبهما «سيأتي ملكان من السماء ويأخذانكما إلى فوق» فيرد (خالد) «أكيد»، فيقول (جمال) «بعد العملية راح تشوف»، لكن خالد اقتنع أن المقاومة لديها وجوه كثيرة وتأثيرها اقوى من الحزام الناسف، في المقابل يمضي (سعيد) الى تل ابيب لينفذ العملية لوحده هذه المرة قاصداً حافلة ملأى بالجنود، وينتهي الفيلم على وجهه المصر على الجنة ربما وغسل العار بكل تأكيد.

 

(علا الشيخ.. الامارات اليوم)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير