البرلمان في مواجهة اختبار الشرعيّة.. ميلاد جديد أم جنازة وطن؟!
جو 24 :
تامر خورما - أقلّ من أسبوع عمل، يفصل الأردن عن منعطف تاريخيّ، يحدّد مستقبله لعدّة أجيال، ويقرّر ما إذا كانت الدولة ستمضي نحو تحقيق استقلالها الإقتصادي، وبالتالي السيادة على قرارها السياسي، أم أنّها ستكون مرتبطة عضويّا بإرادة دولة الإحتلال، عبر الإعتماد المطلق على غازها المسروق، كمصدر أساسيّ للطاقة.
حكومة د. عمر الرزاز، لا تجد في نفسها حرجا من وسمها تاريخيّا بصاحبة العهد الذي سلّم الإحتلال عصب الإقتصاد الأردني، وناصية القرار السياسي. وتستمرّ هذه الحكومة في لعبتها الخطيرة من خلال تمسّكها الأعمى باتفاقيّة الغاز، ودفاعها المستميت عنها، واللجوء لكافّة سبل ووسائل تمريرها..
عبر اتقانها لشروط وقواعد اللعبة، وتفاصيل مناوراتها الأكروباتيّة، والاختباء خلف الحرص على "الدستوريّة" و"الأصالة القانونيّة"، نجح جلاوزة الظلّ بإخراج مسرحيّة الهروب إلى المحكمة الدستوريّة، لتتكلّل الجهود الحكوميّة الاستثنائيّة لتمرير اتفاقيّة الغاز، بقرار المحكمة الذي جاء استنادا إلى صيغة السؤال المقدّم إليها، وكانت النتيجة -مع الأسف- لصالح الموقف الحكومي.
واليوم.. يبدأ العدّ التنازلي لمصير الإقتصاد الوطني ومستقبل الدولة الأردنيّة. الحكومة متسلّحة بقرار المحكمة الدستوريّة تحثّ خطاها على إتمام هذه الصفقة، دون أيّ اعتبار للإرادة الشعبيّة. أمّا السلطة التشريعيّة فتقف مرتعشة أمام عامل الوقت، حيث يفترض اتّخاذ خطوات حاسمة وسريعة، قبل انتهاء السنة، وتحميل الدولة تبعات اقتصاديّة تحول دون إمكانيّة التراجع عن الصفقة.
المجلس النيابي سبق وأن اتّخذ قراره بالإجماع مسجّلا رفضه لاتفاقية الغاز، ولكنه عجز عن حماية هذا القرار، رغم امتلاكه لعدّة أوراق تمكّنه من فرض إرادته، ابتداء بتشريع قانون يحظر استيراد الغاز من العدو الصهيوني، ومنحه صفة الإستعجال، وليس انتهاء بسحب الثقة في حكومة الرزاز، وترحيلها قبل إتمام المراسم الجنائزيّة لاستقلاليّة القرار الأردني.
إذا كانت غاية المجلس النيابي من تسجيل موقفه الرافض لصفقة استيراد الغاز المسروق يقتصر على "تسجيل الإنجازات على الصعيد الإعلامي"، دون اتباع ذلك بخطوات عمليّة سريعة، فإن ذلك سيكون بمثابة دقّ المسمار الأخير في نعش السلطة التشريعيّة، والنتيجة الحتميّة لهذا هي الكفر المطلق بقوانين اللعبة الديمقراطيّة، فالأغلبيّة الشعبيّة الساحقة ترفض هذه الصفقة، وإن لم يحل البرلمان دونها، فلن يعود هنالك أيّ مبرّر لوجوده.
لاتزال أوراق المناورة الأخيرة بيد المجلس النيابي، متمثلة بمقترحات الحملة الوطنيّة لإسقاط اتفاقية الغاز، ومنها "دعم المذكّرة التي وقّعها حوالي 40 نائبًا لعقد جلسة خاصّة لمجلس النوّاب لإلزام الحكومة بقرار مجلس النواب اعتبار اتفاقيّة الغاز مع العدو باطلة، مهما كان رأي المحكمة الدستوريّة، والاستعجال الشديد في عقد هذه الجلسة وإلزام الحكومة بقرار مجلس النوّاب السابق المذكور".
ومن بين تلك المقترحات أيضا "دعم المذكرة التي وقّعها حوالي 27 نائبًا لسحب الثقة من حكومة عمر الرزاز، التي تستمرّ حتى اللحظة بالسير قدمًا في تنفيذ هذه الاتفاقيّة الكارثة رغم قرار مجلس النوّاب ببطلانها".
كما طالبت الحملة بمتابعة الإخبار الذي قدّمته للنائب العام، والذي يتضمّن شكوى ضد كل المسؤولين عن توقيع وتنفيذ صفقة الغاز. هذا إلى جانب الشكوى التي قدّمتها الحملة مرّتين لدى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بخصوص شبهات الفساد التي تحيط بهذه الصفقة.. فهل سيغادر البرلمان الأردني حلبة الرقص الإستعراضي، ويتسلّح بهذه المقترحات لمنع الحكومة من تقديم المستقبل الوطني قربانا على مذبح الأطماع الصهيونيّة؟
رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، يواجه محاكم دولته بتهم الفساد.. وحليفه الأعتى دونالد ترامب، تقرّر عزله من قبل البرلمان الأميركي، وها هو يواجه محطّة حاسمة في تاريخه السياسي.. بصراحة قد يكون هذا هو السبب الجوهري للتفوّق الذي يحافظ عليه العدو.. ليس التفوّق الإقتصادي، بل هو التفوّق في تمثيل إرادة الناخب، والتعبير عنها على أرض واقع الممارسات السياسيّة.
واليوم.. البرلمان الأردني يقف أمام هذا الإختبار، فهل سينجح في إلغاء صفقة تقوّض مستقبل البلاد، ويقدّم المسؤولين عنها للمحاسبة، أم أن المشرّع الأردني سيوقّع على شهادة وفاة التمثيل الديمقراطي إلى الأبد؟!