سلام نتنياهو – كيري – المصـري (الاقتصادي )
عريب الرنتاوي
جو 24 : أربعة مليارات دولار لإنعاش “السلام الاقتصادي” بين الفلسطينيين وإسرائيل..كشف عنها جون كيري في توقيت متزامن مع قيام رجال أعمال فلسطينيين وإسرائيليين (منيب المصري – يوسي فاردي) بإطلاق مبادرتهم الرامية تفعيل عملية السلام وحل الدولتين..السلطة كما هو معروف، رحبت بمبادرة كيري، بيد أنها شددت على وجوب “تلازم المسارين” السياسي والاقتصادي معاً، وهذا ما ردده كيري نفسه، على أية حال.
حسناً، سيبدأ كيري، ومن خلفه طابور طويل وعريض من رجال الاعمال والمستثمرين، فلسطينيين وإسرائيليين وعرباً ودوليين، بإنفاذ هذه المبادرة، والأرجح أن حكومة نتنياهو لن تقف في طريق هذا المشروع، الذي هو في الأصل، ترجمة لمشروع نتنياهو الذي حمل الاسم نفسه: “السلام الاقتصادي أولاً”..وسينشغل الفلسطينيون حتى إشعار آخر، بهذه المشاريع، قبل أن يلتفتوا من جديد، إلى أن المسار السياسي، ما زال معطلاً، وأن سلام نتنياهو – كيري الاقتصادي، ليس مرتبطاً، ولا هو بالضرورة، مقدمةً لحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
في هذه الأثناء، ستكون واشنطن وحلفاؤها قد فرغت من التعامل مع أكثر المهمات سخونة وحيوية في المنطقة: إيران وسوريا..وبعد ذلك لكل حادث حديث، فالمطلوب اليوم، وقبل أي وقت مضى، احتواء القضية الفلسطينية وإبقاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في دائرة السيطرة والتحكم، لحين الانتهاء من التعامل مع هذه الملفات.
وثمة رهان أمريكي – إسرائيلي لم يخفت يوماً، على نظرية “الإنسان الفلسطيني الجديد”..وهو مصطلح راج في عهد دايتون – بلير، ويقوم على فرضيتين اثنتين: الأولى، أمنية، وتقترح أن جيلاً من الفلسطينيين يمكن أن ينشأ على فكرة أن “الآخر في الوطن” هو العدو، وليس الاحتلال الإسرائيلي..والثانية، اقتصادية، وتتجلى في إغراق هذا الجيل بثقافة البيزنيس والاستهلاك والقروض والكمبيالات المصرفية، التي تبقيه منصرفاً طوال حياته، صوب المصارف، وليس لمقاومة الاحتلال والتصدي له.
ولأن “سلام نتنياهو – كيري الاقتصادي” ومعه مبادرة المصري – فاردي (كسر الجمود)، تفترض تعاوناً إسرائيلياً فلسطينياً مشتركاً، فإن من المتوقع أن تتحطم كافة محاولات مقاومة التطبيع التي يقوم بها نشطاء فلسطينيون في السنوات الأخيرة، بل ومن المتوقع أن تنتهي هذه التحركات، إلى إعادة احكام ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد الاحتلال وتكريس تبعيته.
الفلسطينيون من أنصار المبادرتين والمرحبين بهما، يتذرعون بالقول أنهما تخدمان “تعزيز صمود شعب فلسطين” فوق وطنه، للحيلولة دون تسربه للخارج وتفريغ الأرض من سكانها..وهذا هدف عزيز على قلوب الفلسطينيين الذين ذاقوا الأمرين جراء النكبة والتشريد واللجوء..ولطالما رفعت الحركة الوطنية الفلسطينية شعار “تعزيز الصمود في أرض الوطن” بوصفه واحداً من الأهداف الرئيسة لها.
لكن الحقيقة تقول أن “تعزيز الصمود” شيء، و”السلام الاقتصادي” أو “كسر الجمود” شيء آخر مختلف تماماً..والفارق بين الأمرين هو ذاته الفارق بين “اقتصاد المقاومة” و”اقتصاد الاستتباع والاستهلاك”..في الحالة الأولى، يجري التوسع في الانفصال عن اقتصاد الاحتلال، وتعزيز ثقافة الانتاج في أبعاده الزراعية والحرفية والصناعية والخدمية، أما في الحالة الثانية، فيجري تكريس تبعية الاقتصاد الوطني للاحتلال، والاقتصاد المنزلي لمدراء المصارف والشركات العقارية وتجار السيارات وشركات التأمين..بين الاقتصادين، مسافة كبيرة، هي ذاتها المسافة بين المقاومة في نعلين وبلعين والتسكع في “ المقاهي والمولات”.
قبل أيام، وصلتني رسالة غاضبة من مواطن فلسطيني في الضفة، كال لي فيها من الشتائم والاتهامات ما يكفي، لا لشيء إلا لأنني أذكّر بالمقاومة والانتفاضة الثالثة فيما أقول وأكتب..لم أعالجه بالرد، لأنني أعرف أن الأمر لا يتصل بتباين في وجهات النظر والتقديرات..هو قرر أن الأولوية بالنسبة له: “بدنا نعيش”، وأنا أرى أن لا عيش ولا كرامة تحت ظلال الاحتلال..وأن ما يبدو اليوم “انتعاشاً اقتصادياً” سيتحول إلى كارثة اقتصادية، ولكن بعد خراب البصرة، بعد أن يفقد الشعب الرازح تحت نير الاحتلال، قدرته على المقاومة والاعتراض والانتفاض، فيصبح “كالمنبت، لا ظهراً أبقى ولا أرضاَ قطع”.
السلطة ستظل على رفضها للسلام الاقتصادي، بيد أنها وفي غياب “المشروع الوطني” و”الاستراتيجية البديلة”، ستظل على رفضها اللفظي له، فيما فصوله ستترجم على الأرض، مع كل ما ستأتي به، من نتائج وتداعيات..ستظل على رفضها اللفظي ومطالبتها بـ”السياسة أولاً”، ولكن من دون أن تفعل ما يكفي لنقل أولوياتها إلى حيز التنفيذ.
لقد نجح كيري وفشلنا..وسواء التأمت مائدة المفاوضات أم لم تلتئم، فقد وضعنا نتنياهو – كيري – المصري، على سكة جديدة..سكة السلام والتطبيع الاقتصاديين، قبل السياسة ومن دونها، ومن حق رئيس حكومة إسرائيل أن يضحك ملء شدقيه. (الدستور)
حسناً، سيبدأ كيري، ومن خلفه طابور طويل وعريض من رجال الاعمال والمستثمرين، فلسطينيين وإسرائيليين وعرباً ودوليين، بإنفاذ هذه المبادرة، والأرجح أن حكومة نتنياهو لن تقف في طريق هذا المشروع، الذي هو في الأصل، ترجمة لمشروع نتنياهو الذي حمل الاسم نفسه: “السلام الاقتصادي أولاً”..وسينشغل الفلسطينيون حتى إشعار آخر، بهذه المشاريع، قبل أن يلتفتوا من جديد، إلى أن المسار السياسي، ما زال معطلاً، وأن سلام نتنياهو – كيري الاقتصادي، ليس مرتبطاً، ولا هو بالضرورة، مقدمةً لحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
في هذه الأثناء، ستكون واشنطن وحلفاؤها قد فرغت من التعامل مع أكثر المهمات سخونة وحيوية في المنطقة: إيران وسوريا..وبعد ذلك لكل حادث حديث، فالمطلوب اليوم، وقبل أي وقت مضى، احتواء القضية الفلسطينية وإبقاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في دائرة السيطرة والتحكم، لحين الانتهاء من التعامل مع هذه الملفات.
وثمة رهان أمريكي – إسرائيلي لم يخفت يوماً، على نظرية “الإنسان الفلسطيني الجديد”..وهو مصطلح راج في عهد دايتون – بلير، ويقوم على فرضيتين اثنتين: الأولى، أمنية، وتقترح أن جيلاً من الفلسطينيين يمكن أن ينشأ على فكرة أن “الآخر في الوطن” هو العدو، وليس الاحتلال الإسرائيلي..والثانية، اقتصادية، وتتجلى في إغراق هذا الجيل بثقافة البيزنيس والاستهلاك والقروض والكمبيالات المصرفية، التي تبقيه منصرفاً طوال حياته، صوب المصارف، وليس لمقاومة الاحتلال والتصدي له.
ولأن “سلام نتنياهو – كيري الاقتصادي” ومعه مبادرة المصري – فاردي (كسر الجمود)، تفترض تعاوناً إسرائيلياً فلسطينياً مشتركاً، فإن من المتوقع أن تتحطم كافة محاولات مقاومة التطبيع التي يقوم بها نشطاء فلسطينيون في السنوات الأخيرة، بل ومن المتوقع أن تنتهي هذه التحركات، إلى إعادة احكام ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد الاحتلال وتكريس تبعيته.
الفلسطينيون من أنصار المبادرتين والمرحبين بهما، يتذرعون بالقول أنهما تخدمان “تعزيز صمود شعب فلسطين” فوق وطنه، للحيلولة دون تسربه للخارج وتفريغ الأرض من سكانها..وهذا هدف عزيز على قلوب الفلسطينيين الذين ذاقوا الأمرين جراء النكبة والتشريد واللجوء..ولطالما رفعت الحركة الوطنية الفلسطينية شعار “تعزيز الصمود في أرض الوطن” بوصفه واحداً من الأهداف الرئيسة لها.
لكن الحقيقة تقول أن “تعزيز الصمود” شيء، و”السلام الاقتصادي” أو “كسر الجمود” شيء آخر مختلف تماماً..والفارق بين الأمرين هو ذاته الفارق بين “اقتصاد المقاومة” و”اقتصاد الاستتباع والاستهلاك”..في الحالة الأولى، يجري التوسع في الانفصال عن اقتصاد الاحتلال، وتعزيز ثقافة الانتاج في أبعاده الزراعية والحرفية والصناعية والخدمية، أما في الحالة الثانية، فيجري تكريس تبعية الاقتصاد الوطني للاحتلال، والاقتصاد المنزلي لمدراء المصارف والشركات العقارية وتجار السيارات وشركات التأمين..بين الاقتصادين، مسافة كبيرة، هي ذاتها المسافة بين المقاومة في نعلين وبلعين والتسكع في “ المقاهي والمولات”.
قبل أيام، وصلتني رسالة غاضبة من مواطن فلسطيني في الضفة، كال لي فيها من الشتائم والاتهامات ما يكفي، لا لشيء إلا لأنني أذكّر بالمقاومة والانتفاضة الثالثة فيما أقول وأكتب..لم أعالجه بالرد، لأنني أعرف أن الأمر لا يتصل بتباين في وجهات النظر والتقديرات..هو قرر أن الأولوية بالنسبة له: “بدنا نعيش”، وأنا أرى أن لا عيش ولا كرامة تحت ظلال الاحتلال..وأن ما يبدو اليوم “انتعاشاً اقتصادياً” سيتحول إلى كارثة اقتصادية، ولكن بعد خراب البصرة، بعد أن يفقد الشعب الرازح تحت نير الاحتلال، قدرته على المقاومة والاعتراض والانتفاض، فيصبح “كالمنبت، لا ظهراً أبقى ولا أرضاَ قطع”.
السلطة ستظل على رفضها للسلام الاقتصادي، بيد أنها وفي غياب “المشروع الوطني” و”الاستراتيجية البديلة”، ستظل على رفضها اللفظي له، فيما فصوله ستترجم على الأرض، مع كل ما ستأتي به، من نتائج وتداعيات..ستظل على رفضها اللفظي ومطالبتها بـ”السياسة أولاً”، ولكن من دون أن تفعل ما يكفي لنقل أولوياتها إلى حيز التنفيذ.
لقد نجح كيري وفشلنا..وسواء التأمت مائدة المفاوضات أم لم تلتئم، فقد وضعنا نتنياهو – كيري – المصري، على سكة جديدة..سكة السلام والتطبيع الاقتصاديين، قبل السياسة ومن دونها، ومن حق رئيس حكومة إسرائيل أن يضحك ملء شدقيه. (الدستور)