الطفلة جنى.. ضحية التحلّل الأخلاقي والإنهيار المؤسّساتي
جو 24 :
محرر الشؤون المحليّة - لا يمكن تخيّل ما هو أصعب أو أكثر تراجيديّة من مأساة أم أو أب فجعتهما الحياة برحيل أحد أطفالهم، فكيف إذا كان الموت بطيئا، لطفلة أغلقت في وجه ذويها أبواب المستشفيات، لتتراشقهم البيروقراطيّة البشعة من مستشفى متهالك إلى آخر يعجز عن استقبال حالتها الطارئة، في رحلة يأس مضنية، تنتهي على أبواب مقبرة!
الطفلة جنى، زهرة لم تكمل السنوات الأربع الأولى من عمرها، اضطرّ والدها لحملها على يديه من مستشفى إلى آخر، دون أن يستقبلها أحد، حتّى لفظت أنفاسها الأخيرة، ليكوي القدر مهجته بفاجعة، لم تكن إلا نتيجة لجريمة قتل فرص النجاة، عبر تقويض القطاع الصحّي، وإطلاق رصاصة اللا رحمة على حقّ المواطن بالحياة!
لا صوت يعلو فوق صوت الموت عندما يعجز القطاع الصحي عن تقديم سرير لطفلة تلفظ أنفاسها الأخيرة! حدث هذا في ذات البلد الذي يستقطب الزوّار بهدف السياحة العلاجيّة! الأردن، بلد النشامى، الذي أغلقت أبواب مستشفياته في وجه جنى.. كلّ ما كان يتطلّبه الأمر هو سرير.. سرير فقط.. يبقي جنى بين ذراعيّ ذويها، الذين تجرّعوا مرارة الفقد، على يد حكومة "النهضة"!
ماذا يعني أن يهرع مواطن من مستشفى إلى آخر حاملا طفلته على يديه، متوسّلا إنقاذها، وتغلق في وجهه كافّة الأبواب، لتصبح عبارة "لا يوجد سرير" لعنة مهيمنة بكامل سوادها وثقلها؟! كيف يكون مثل هذا البؤس المفجع هو مصير المواطن، الذي يعمل ليل نهار فقط لإشباع رغبات الحكومة من ضرائب لا تعدّ ولا تحصى، وفي النهاية تفشل حكومته في توفير أبسط الحقوق على الإطلاق: الحق في الحياة!
قدّر الله ما شاء فعل.. كلّ نفس ذائقة الموت.. ولكن أليس من حقّ الإنسان أن تضمن له دولته حقّه في تلقّي الرعاية الصحيّة؟ ما هي وظيفة الدولة ودورها بل وسبب وجودها، إذا فشلت في توفير مجرّد سرير، ينقذ حياة طفلة اختطفها الموت من أحضان والديها، لتلفظ أنفاسها الأخيرة خارج أبواب المستشفيات، العاجزة عن استقبالها؟!
ماذا لو كانت طفلتك أو طفلك يا عطوفة المسؤول؟ تخيّل لو كنت أنت من اضطرّ لحمل ضناه بين ذراعيه، من مستشفى إلى آخر، وأغلقت في وجهك كافّة الأبواب باستثناء أبواب المقابر! ما حدث لجنى من الممكن أن يحدث لأي طفل في هذا البلد.. هذه المأساة هي حكم بالإعدام على آخر بارقة أمل، فكيف سيكون الحساب؟ ومن هم الجلاوزة الذين ستنال منهم العدالة، إثر هذه الفاجعة.
المأساة بدأت عندما أصيبت جنى بالتهاب رئوي حادّ، وضيق تنفّس، ما استدعى نقلها إلى مستشفى السلط الحكومي، باعتباره الأقرب لمنزل ذويها، قبل نحو أسبوع.
في ذلك المستشفى قرّر الأطبّاء وضع جهاز لمساعدة الطفلة على التنفّس، وكانت حالتها حرجة للغاية. وقبل خمسة أيّام تقرّر عزلها في غرفة خاصّة، غير أنه تمّ إعلام ذويها بعدم توفّر مكان للعزل، وبالتالي سلّموهم كتاب تحويل طبّي، لنقلها إلى مستشفى الأمير حمزة.
الأب هرع حاملا طفلته إلى مستشفى حمزة، الذي ردّت عليه إدارته برفض استقبال جنى، بسبب عدم توفّر أسرّة.. الوقت لم يكن في صالح جنى على الإطلاق، حالتها تزداد خطورة، وتستوجب الرعاية الفوريّة.. متعلّقا بأمل يحتضر هرع الأب إلى مستشفى الجامعة، الذي رفض أيضا استقبال الطفلة، بترديد عبارة: "لا توجد أسرّة"، التي سدّت كلّ أبواب النجاة.
دون أن يستسلم لليأس الذي بدأ بالتمكّن منه، لجأ والد جنى إلى المدينة الطبيّة، ولكن دون جدوى.. الوقت يمضي بآخر ما تبقّى من ذرّة أمل.. يحاول الأب، العامل في بلدية السلط، طرق أبواب القطاع الخاص، حيث أن التأمين الصحّي ملزم، حسب نظامه، بتغطية الحالات التي لا يتولاها القطاع العام، في المستشفيات الخاصّة.
الخطوة الأخيرة قادت جنى إلى مستشفى الإسراء، الذي سبق لذويها التعامل معه، ولكن المستشفى أيضا اعتذر عن استقبالها، ما أغلق الستار على آخر بصيص أمل.
أهل الطفلة تواصلوا وفق تأكيداتهم لـ الأردن 24 مع وزارة الصحة، التي وعدهم المسؤولون فيها بتوفير سرير لإنفاذ جنى، ولكن بعد ست ساعات من ذلك الوعد، لفظت الفقيدة أنفاسها الأخيرة، وقاد القدر أباها إلى دفنها في مقبرة العيزريّة، بعد أن رحلت إلى الأبد!
رحلت جنى، التي لم يتجاوز عمرها الأربع سنوات.. رحلت دون أن تجد سرير يستقبلها، وذلك في ذات اليوم الذي قارن فيه رئيس الوزراء د. عمر الرزاز الإنفاق الحكومي على القطاع الخاص، بما تنفقه أوروبا على مستشفياتها!
الأردن 24 تواصلت بدورها مع وزير الصحة، د. سعد جابر، الذي قال إن بإمكان الأهل التقدّم بشكوى، والوزارة ستقوم بفتح تحقيق في الموضوع.
وأضاف جابر بقوله إن كل المستشفيات تتوافر فيها غرف عزل، وذلك حماية للمرضى الآخرين في حال وجود حالة يفترض عزلها.
** الصور أسفل المساحة الاعلانية..