وسائل التواصل.. منافعها ومفاسدها وكيف نتعامل معها؟
جو 24 :
العالم بين يديك، أصبح العالم قرية صغيرة، ثورة الاتصالات، عبارات تُعبر عن السبق الهائل الذي وصل إلى الإنسان في القرن العشرين إلى يوم الناس هذا حيث الهواتف الذكية بإمكاناتها المقدورة ونُسخها المتطورة المتلاحقة، ومع تنوع وسائل التواصل وفوائدها، وُلِدت كذلك معها إشكالات عديدة، وَوَضعتْ الإنسانَ أمام اختبارات كثيرة منها:
- اختبار القيم والأخلاق.
- اختبار قوة التحكم في الذات
- اختبار لإدارة الوقت.
- اختبار لقدرة الإنسان على بناء علاقات صحيحة بشكل مُتزنة.
- تأثيرها على الأطفال وكيف يتعاملون معها؟
اعلان
منافع وسائل التواصل
هناك جملة من أهداف وسائل التواصل الاجتماعي بصورها المختلفة وهى محل اعتبار وموطن إفادة واستفادة، نذكر منها ما يلى ما شيء من التعليق:
1- تعزيز العلاقات الاجتماعية
هل تنسى يوم كنت تُقَلب صفحات العالم الأزرق " الفيس بوك " أو غيره، فوجدت قريبا أو صديقا قديما أو زميلَ دراسةٍ تاقت نفسك لرؤيته؟ والسؤال هنا: هل حققنا هذا الهدف؟ هل عززنا علاقتنا الاجتماعية عبر تلك الوسائل التي أتحفنا بها زماننا؟ لا ريب أن ساحة التواصل أتاحتْ فرصا متساوية للجميع، وكل أمرئ يصيب منها من الخير بقدر نيته وحزمه ورغبته الصادقة في صلة الأرحام وتعميق أواصر القربى والأخوة والصداقة النافعة.
2- التأثير في الرأي العام
يمكن لمقطعٍ قصير لا يتجاوز دقيقتين أن يُرسخَ قيمةً أو ينصرَ حقاً أو يُزهقَ باطلاً أو ينشرَ سعادةً وفرحاً، أو يواسىَ محزونين، أو يدعم الخير بوجوهه المتعددة، وكم من مقالاتٍ قصيرةٍ، أو تغريدات يسيرة، كتبها صاحبها من أعماق قلبه فطافت خلال البلاد وسَرَتْ في قلوب الناس
3- تنمية المواهب والملكات
مساحة واسعة تلك التي توفرها وسائل التواصل لكل ذي موهبة يبتغي صقلها وتنميتها وتطويرها والإفادة منها لنفسه ولغيره. فأصحاب الأقلام الناشئة يجدون فرصا للتعبير عن أفكارهم، ومن خلال تفاعل الجمهور يمكن أن يستفيد منها ويتقدم ويخطو خطوات جيدة في ميدانه، المهم كيف يعبر عن نفسه وأفكاره ويقدم ما لديه في قالب جذَّابٍ يناسب الزمان والمكان والمخاطَبين، وأهل الأدب والشعر والموسيقى والغناء والرسم والتصوير والإخراج ومن ضاقت بهم وسائل الإعلام التقليدية لهم مجال واسع أن يصلوا بأعمالهم إلى قطاعات واسعة من الجمهور. ولكل مجتهدٍ نصيب.
4 - إطلالة على الواقع والاستفادة منه
تَمُورُ صفحات ومواقع التواصل بالمقروء والمسموع والمرئي، فيها الخير والشر، والنافع والضار، والجيد والرديء، وما يُسعدك وما يُحزنك، وما يُضحكك وما يُبكيك، أنت وما تريد، ولكل قاصد غايته، وكل طالب منفعة أو مفسدة سيظفر ببغيته، تتيح لك تلك المواقع أن تتعرف على واقع الأفراد والأمم والشعوب من خلال ما يكتبون وينشرون أو ما يُكتب عنهم ولهم، وتستطيع من خلال التتبع والاستقراء أن تبلور صورة ذهنية عن طرق وأنماط التفكير والسلوك، الأمر الذي يعين الداعية والمفكر والمصلح أن يعالج بعض جوانب الخلل والقصور في المجتمعات، وأن يرصد الظواهر ويحللها.
مزالق وسائل التواصل على الكبار والصغار
1- البناء المعرفي الهَش
للوجبات السريعة أضرارها على الجسم وكذلك للمعلومات العشوائية آثارها السلبية على طريق التفكير والمعرفة العلمية، وذلك لمن اتخذ من تلك المواقع مصدرا للتكوين والمعرفة دون تكوين سابق يُمَلِّكه ضوابطَ حاكمة، وموازينَ دقيقة، ومناهجَ في التفكير بها يُميز ويُمحص، ويُدقق فيما يقرأه ويسمعه، ومما نأسف له عزوف كثير من الشباب عن القراءة والآمال العريضة بعد أن انصرفوا وعكفوا على عوالم الاتصالات.
جاءني رجل منذ سنوات طويلة وأعطاني خمس عشرة ورقة مطبوعة فيها قصة خرافية كان عنوانها "حامل مفاتبح الرسول" يزعم أن حامل المفاتيح أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ونعى فيه حال الأمة وما آلت إليها من ضعف وهوان إلخ... قلت وما المطلوب: قال أن تطبعها خمسة عشر مرة وتوزعها وإن لم تفعل فيحدث لك شر عظيم وفي الورقة أن فلانا أهملها فخسرت تجارته وهلك ولده، إلى آخر هذه التُرَّهات، نصحت الرجل بأن هذه خرافات وأوهام وأننا هكذا نفسد ديننا ودنيانا فلم ينتصح، فقلت أرأيتَ لو أحرقت تلك الأوراق الممتلئة بالدجل ماذا يجري؟ فذُعر وقال لا تفعل! فسجَّرتُها.
كانت تلك الواقعة قبل ظهور الفيس وتويتر والواتس وغيره، والآن تأتيك ألوف من الرسائل المشحونة بالكذب والدجل والتليفق والإثارة بجميع صورها والعجب العاجب أن بعضا من الطيبين ينشرون دون وعي وتأمل، وأسأل أحيانا هل قرأها حقا قبل أن يرسلها؟ وكيف لرجلٍ يرسل في كل يوم عشرات الرسائل والمقاطع أن يمحص ما بين يديه ويدرك مخاطر بعض المنشورات -الملفقة- على العقول والقلوب، ويحار المرء قائلا: كيف تنتشر البضاعة الزائفة بهذه السرعة الفائقة؟
وما أكثر الإشاعات في الساحة العلمية والسياسية وغيرها وصدق المفكر الفرنسي الكبير "غوستاف لوبون" حينما أكد في كتابه "سيكولوجية الجماهير" أن "الإشاعة أقوى من الحقيقة" آسف لأطفال صغار يهرعون في أوقات كثيرة وطويلة على (الهواتف الذكية) كما يسمونها، فهل ننتظر منهم أن يكونوا ما عشاق المكتبات والقراءة الهادفة؟!
2- اضطراب الحالة النفسية
يتقلب مزاج المرء في بضع دقائق مرات ومرات، تقرأ خبرا فتفرح، وتتحرك أنامِلُك للمرور على صفحة أو موقع لترى صورة فتحزن، ثم تقرأ منشورا فتغضب أو تتعجب أو تبكي أو إلخ، تلك ما تجرى به سُنة الاطلاع على تلك المواقع وإدمان النظر إليها، قد يتحول الفرد مع الوقت إلى حالة مَرضية حقا، ويعزل نفسه عن العالم، وأرى أن تُجرى دراسات نفسية عن الآثار النفسية لإدمان مواقع التواصل.
3- سهولة المعصية
العالم بين يديك، اختبار شديد للحصانة الإيمانية للمرء في هذا العصر، فبلمسة واحدة يأخذك هاتفك إلى عالم الطاعة أو يقودك إلى المعصية، وفي ساعة الغفلة التي استعاذ منها الصالحون يقع الإنسان في الاطلاع على ما حرم الله ورسوله أو أن تقترف الجوارح إثما يندم المسلم عليه طويلا. وما علينا إلا أن نرسخ في أنفسنا وفي أبنائنا ملَكة المراقبة لله تبارك وتعالى، ولا تقتصر المعاصي على الشهوات فقط، فهناك كتائب الكذب والتشويه للدين والحق حول العالم، وهناك "الذباب الإلكتروني" الذين يخدمون الطغاة ويحاصرون الأحرار ويشوهون سمعتهم ويطعنون في أعراضهم، وهناك من يرسخ للفرقة والخلاف والشقاق بين المسلمين، ومن ينشرون الكراهية حول العالم.
4- انكشاف الذات
لا ينقضي عجبي من رجل أو امرأة لا يفضى بهمومه وآماله وآلامه إلا للقليل جدا ممن حوله، ثم تراه على صفحات التواصل المختلفة يكتب وينشر ما يكتمه، فيعلم القاصى والداني ما يخفيه في نفسه "والفيس وغيره" مُبديه! ما هذا السخف؟! لقد أتاحت مواقع التواصل الفرص للتعبير عن النفس، وليس لكشف عيوب النفس التي سترها الله، أفكلما وقع المرء في أزمة أو مشكلة مع صديق أو مع أهله نضح بمكنونه أمام العالمين؟!
اعلان
ربما لو قدم لنا الفيس صورة عن أنفسنا بعد تحليله لما نكتب وننشر لتوقفنا، على الإنسان أن يتجنب الكتابة أو التعليق أو النشر وهو في حالة انفعال عاطفي، ذلك لأن تلك اللحظة التي تحضر فيها العاطفة ينزوي النظر العقلي قليلا، وأقصد بذلك: عاطفة الغضب أو الحماس أو الفرح الطاغي. أو الرغبة في الظهور أو مجاراة الأقران.
5- خداع النفس
جميلٌ أن ترى أثر عملك، من حقك أن تسعد حينما تكتب مقالا ينال الاعجاب والقبول، أو تنشر تغريدة تنتشر بين الناس، أو تصور مقطعا قصيرا يشاهده الألوف، ولكن احترس من غرور الثناء والمجاملات، فلا يعلم حقيقة المرء إلا نفسه، ولا يهولنك كثرة المعجبين بما تكتب وما تنشر ولو بلغوا أهل الأرض جميعا، فلا يغني عن المرء إلا عمله الخالص وصدق نيته ورغبته الجادة في نفع الناس، وليفتش كلٌ منا ما بين الفَينة والأخرى في قلبه فإنه يتقلب، وما أسرعه.
دعونا أن نقرر جملة من الأمور:
أولا: لكل زمان ومكان صعوباته وتحدياته في تربية الأولاد، فإن كان عصرنا مشحون بصعوبات بالغة التعقيد، فإن العصور الخالية لم تسلم من تعقيداتها، وفائدة إدراكنا لهذه المسألة من شأنها أن تخفف العبيء النفسي قليلا، فلسنا وحدنا من نعاني.
ثانيا: على الرغم من كثرة الشركاء في صياغة شخصية الطفل ومنها وسائل التواصل ، غير أن الكلمة الأعمق أثرا ستبقى للأسرة، فدورها هو الرئيس الذي لا يقوى أحد على منازعته إن قامت به وجهدت في سبيله.
ثالثا : سياسة الحجب والمنع والحرمان تؤول إلى نقيض مقصودها، ومن ثم فلا بديل عن حسن التوجيه والترشيد.
رابعا: إذا أحسنا نحن التعامل مع وسائل التواصل فيسري ذلك إلى أولادنا لا ريب، لكن ينبغي أن نتخذ بعض الخطوات الوقائية والتوجيهيه في هذا الإطار أشير لبعضها:
- تحديد عمر معين لاستعمال الهواتف الذكية، ولا استطيع القطع بالعمر المناسب هنا فالأمر يتوقف على مستوى نضج الطفل ووعيه وأسلوب تربيته، وفي جميع الحالات ينبغي أن يكون الاستعمال محدودا ومحصورا وتحت المراقبة.
- تحديد أوقات معينة سواء لاستعمال التليفون أو مشاهدة البرامج مع الحرص الشديد على معرفة ما يشاهده الطفل، فالمواد المرئية إما أن تكون غذاء للعقول والأرواح أو تكون سموما مهلكة.
- تنمية الشعور بمراقبة الله تبارك وتعالى في النفس فهو الحارس على الإنسان حتى لا تزل قدمه فيشقى.
- عقد لقاء أسبوعي بين الأسرة يتداولون فيها أهم ما رأوه وما اطلعوا عليه من مقاطع أو مقالات أو منشورات والنقاش حولها، وهذا اللقاء من شأنه تعميق الثقة وإنضاج الأفكار ومتابعة المستجدات وغربلة المعلومات وبناء الوعى.
الجزيرة