jo24_banner
jo24_banner

عندما تصبح الدراسات الاستراتيجية أفيون صنّاع القرار!

عندما تصبح الدراسات الاستراتيجية أفيون صنّاع القرار!
جو 24 :
تامر خورما - "غالبية الأردنيين متفائلون لأنهم يؤمنون بالله ويتوكّلون عليه".. هذه ليست عبارة "جبر خواطر" تقولها لك إحدى الجدّات وهي تربّت على كتفك بحنان، في محاولة لمسح الغمّ عن قلبك بقليل من الرضا، وكثير من الحب، كما قد يتخيّل من يقرأ تلك الكلمات، بل هي خلاصة "دراسة" لمركز الدراسات الإستراتيجيّة في الجامعة الأردنية، نشرت على صفحات جريدة الغد!

البحث العلمي والدراسات الإجتماعيّة لها طعم مختلف في الأردن، فنحن شعب طيّب، وعاطفي، بل وربّما "رومانسي" إلى حدّ ما، لذا تعمد مراكز الدراسات إلى الاتّكال -بعد الله طبعا- على البعد الروحي- الوجداني في مقاربتها لتزويد صانع القرار بالمعطيات اللازمة، لرسم السياسات الرسميّة، ووضع الحلول المناسبة لقضايا المجتمع، انطلاقا من مبدأ الإيمان بالله واليوم والآخر، والحفاظ على نعمة الأمن والأمان.

صدّق أو لا تصدّق، فإن هذه هي "أساليب البحث العلمي" التي نستند إليها في وضع استراتيجياتنا.. على عكس الغرب المارق، الذي يكبت المخيّلة، ويتجاهل الأبعاد الميتافيزيقيّة، في أساليبه الماديّة البحتة.. تخيّل أن كثيرا من الدول تدعم دراسات وأبحاث يقتصر عملها على تشخيص المشاكل، ووضع الحلول الملائمة لها، في إطار رقميّ مملّ لا روح فيه، وبالتالي تكون سياسات الدولة مجرّدة من المشاعر..

ما حاجة الأردن لمراكز دراسات مقيّدة بأساليب البحث العلمي، طالما أن صنّاع القرار لا يلتفتون إلاّ للحلول الإبداعيّة.. كمكافحة الكثافة السكّانيّة لحلّ أزمة المرور، كما ألمحت وزارة النقل ذات محطّة، أو تصدير الكهرباء إلى أوروبا لحلّ مشكلة فائض الإنتاج، أو استيراد الغاز من العدو الصهيوني، لافتقارنا إلى مصادر الطاقة اللازمة لتوليد فائض الإنتاج المذكور، أو ربّما بناء مفاعل نووي لانتزاع اللقب من تشرنوبل، أو منح المزيد من الإعفاءات الضريبيّة للمستثمر الأجنبي، لتعزيز مبادئ المواطنة وروح المسؤوليّة لدى دافعي ضريبة الدخل..

مثل هذه الحلول الإبداعيّة التي تفتّش عنها مراكز صنع القرار، تحتاج إلى مراكز دراسات وأبحاث قادرة على التفكير خارج الصندوق، والتحدّث بغير لغة الأرقام الخشبيّة، والمعطيات العلميّة المحنّطة، لذا كان من الطبيعيّ أن تلجأ هذه المراكز للجانب الروحي، بهدف التحليق بعيدا عن هذا العالم المادّي، الذي سيؤول مصيره حتما إلى الزوال.

ما همّنا من هذه الدنيا الزائلة.. الإيمان بالله والتوكّل عليه كفيلان بحلّ كافّة المعضلات، أمّا فيما يتعلّق بالأخذ بالأسباب، فهذه مقاربة كلاسيكيّة تفتقر إلى روح التجديد.. عندما يكون لديك صنّاع قرار يحترفون التحليق خارج إطار الواقع، ونخب تبحث عن الحلول عبر ممارسة التأمّل في صومعات الأبراج العاجيّة، فإن الدراسات الكلاسيكيّة لن تشبع حاجتك للمعرفة، والاتّكال على المولى عزّ وجلّ فقط هو ما يمكنك اللجوء إليه في ظلّ هذا الواقع المرير، الذي صنعه جهابذة السياسة الأردنيّة.

ولكن مع هذا تبقى الدراسة ناقصة، فقد تجاهلت -عن حسن نيّة بالطبع- الخروج بتوصية تمكّننا من تقبّل الواقع المعاش، كالدعوة للحمد والشكر، انطلاقا من مبدأ: "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه"، أو ترديد عبارة "الصبر مفتاح الفرج" كلّما ضاقت حلقات الظلم واشتدّت وطأة الفقر والبطالة.. في النهاية، أمام هذا الإنجاز العلمي العظيم، الذي جاء ليتماهى مع الطبيعة المعقّدة لعمليّة صنع القرار في الأردن، لا نملك إلا القول: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"!
 
تابعو الأردن 24 على google news