"الأخطاء الطبية".. إيذاء وقتل غير مقصود
كتبت- هبة العمري
لم يكن التقرير الطبي حول وفاة الشابة غادة، الذي كشف أن "الاهمال وعدم التعامل بحسب الاصول الطبية" أدى الى وفاتها، الا واحدا من اخطاء طبية عديدة باتت تعتبر مؤشرا على "تراجع" المستوى الطبي في المملكة، وفقا لمواطنين حملوا وزارة الصحة المسؤولية عن ذلك "التراجع".
ليست صدمة رقيقة تعرض لها ذوي غادة وزوجها، بعد ان تسبب خطأ طبي بعاهة دائمة في جسدها تمثلت في "الشلل الكلي". أدخلت غادة إلى المستشفى للولادة، وكان وضعها الصحي، حسب ذويها، "جيدا نوعا ما ولا تحتاج لأي نوع من الأدوية او المطعوم الذي يسهل عملية ولادتها"، الا ان الطبيب المسؤول عن ولادتها قام بإعطائها "طلق اصطناعي"، ما أدى الى شللها بشكل كامل بعد الولادة.
وبعد ذلك، قضت غادة تسع سنوات على فراش المعاناة والصبر، ولم ينجح معها أي علاج على الاطلاق، بقيت صامدة الى أن جاءت لحظة مفارقتها للحياة في سن الـ34 عاما.
وغادة ليست سوى واحدة من ضحايا الأخطاء الطبية في الأردن، وهي القضية التي ما تزال تأخذ أبعادا مختلفة ووجهات نظر متضاربة، دون وجود أي مساءلات طبية او قوانين رادعة.
ورغم تكرار الشكاوى وتعددها، لا توجد احصائيات رسمية لأعدادها، وفقا لمدير مديرية الرقابة الداخلية في وزارة الصحة الدكتور حكمت ابو الفول.
الموت بخطأ طبي
دخلوا إلى المستشفى سيرا على الأقدام، وخرجوا محمولين على الاكتاف بالنعوش. غادروا منازلهم يشكون آلاما "بسيطة"، يطلبون العلاج، لكن من سعوا للشفاء على يديه "أخطأ"، فأعادهم في أكفانهم إلى مثواهم الأخير.
وتتعدد الراويات والقصص، ويبقى العنوان واحدا "مات بخطأ طبي".
الدكتور علاء محمد طبيب جراح يعمل في احدى المستشفيات الكبرى، يروي تجربة مريرة، و يقول "دخل المريض الى المستشفى ويعاني من الآم في الصدر، وبعد الفحص تم الكشف بأنه بحاجة الى عملية قسطرة القلب والشرايين، من اجل زراعة شبكة لتوسيع الشرايين".
ويتابع "عند زراعة الشبكة حدث خطأ غير مقصود من الكادر الطبي كاملا المتواجد في غرفة العمليات، حيث انفلت ما يسمى بالـ "شيت" ما أدى الى خروج الدم بكميات كبيرة من الشريان الرئيسي للمريض، ولم تتم معالجة الحالة بالسرعة المطلوبه، وانتهى الامر بوفاة الشاب الذي كان يبلغ من العمر ٣٧ عاما" .
أما الضحية سهى العمري التي توفيت أثناء ولادتها في احدى المستشفيات الخاصة، فإنها وبحسب أقاربها، أخبرت الفريق المختص أنها تعاني من الحساسية الزائدة من "البنج"، ورغم ذلك تم زيادة جرعة "البنج" ما أدى الى حصول نزيف داخلي حيث توفيت أثناء نقلها الى مستشفى آخر.
أما قصة عمر، طالب فيزياء في جامعة اليرموك، فتعرض لحادث سير أثناء عودته لمنزله, ونقل بعده الى مستشفى الأمير راشد بن الحسن العسكري، لتبدأ بعدها المعاناه.
كان تشخيص طبيب الطوارئ في المستشفى أن عمر مصاب بكسور وجروح, وفيما بعد تم إدخالة الى غرفة العمليات، وأجريت له عملية تركيب جهاز تثبيت عظم خارجي، وخرج بعدها الطبيب مطمئنا لأبيه وأمه وإخوته المنتظرين خارجا.
بعد ذلك أدخل عمر الى غرفة العنايه الحثيثه ومكث فيها يومين على التوالي, وفي اليوم الثالث كشف عليه أطباء اختصاص، وتم ارساله الى غرفة التصوير الاشعاعي ثم جرى تحويله مباشرة إلى قسم الشرايين في مدينة الحسين الطبية.
في المدينة الطبية، جاء نبأ الفاجعة الأولى ليقع صاعقة على ذوي عمر، فما أن فحصة طبيب الشرايين حتى أخبرهم أن "لا أمل". فرجل عمر اليسرى تعرضت لنقص حاد في الترويه أدى الى تهتك الأنسجة فيها ما يستدعي بترها.
أُدخل عمر قسم الشرايين وأجرى له الطبيب في قسم الشرايين عملية بتر لرجله (تحت الركبه)، لم يتحمل بعدها والد عمر ما أصاب فلذة كبده فتوفي بعدها بثلاث أيام إثر تعرضه لجلطة دماغية.
لم يتوفى عمر، لكنه عانى، وما يزال يعاني الأمرين، جراء تتابع الأخطاء الطبية عليه، وكان أخرها محاولة إزالة جهاز التثبيت الخارجي عن قدمه اليسرى، حيث خضع لعملية يعتبرها "فاجعة ثانية" له.
تمثلت الفاجعة بأن "جرح العملية الأخيرة، يخرج منه سوائل" قال له الطبيب إنها "سوائل الجسم العادية، ولا يوجد ما يدعو للخوف أو القلق".
وبعد فترة وجيزة، استيقظ عمر ليجد جرحة قد نزف دما كثيرا, فعاد مرة أخيرة إلى مدينة الحسين الطبية, ليخبره طبيبه أنه يعاني من "إلتهاب وصل العظم, وفي أغلب الأحوال سيكون مزمنا يرافقه بقية حياته".
تأمين ضد الخطأ الطبي
لمواجهة تبعات الأخطاء الطبية ومخاطرها، يشدد الخبير الدولي المختص في هذا الملف الدكتور خالد الدويري على ضرورة تكثيف الرقابة المستمرة على المراكز الطبية من قبل وزارة الصحة من أجل الحصول على وثيقة تأمين الزامي ضد أية مخاطر قد تتسبب بها المهنة، بحيث "لا يمكن لأي طبيب أن يمارس المهنة دون أن يحصل على هذه الوثيقة".
ويرى الدكتور الدويري أهمية بالغة لـ "فرض الرقابة على وضع النظام الطبي، ومتابعة المستجدات في المجال الصحي، عن طريق الشراكة بين وزارة الصحة وجميع مقدمي الخدمات الصحية لتقديم خدمات آمنة تنعكس على تقليل الأخطاء الطبية".
وعن دور نقابة الأطباء في معاقبة الأطباء المخطئين، يقول الدكتور الدويري ان "القضاء هو الجهة الوحيدة فقط المسؤولة عن فرض تعويضات مادية على أي طبيب يرتكب خطأ طبيا"، في حين يكمن دور النقابة في "المسلك التأديبي فقط".
الخطأ الطبي جريمة إيذاء
في القانون، يعامل الخطأ الطبي على أنه جريمة إيذاء وقتل غير مقصود، بحسب المحامي عبد الرحمن محمد الذي يوضح أن القانون الجزائي الأردني "لم يتضمن قواعد خاصة بمسؤولية العاملين في المجال الطبي، وبشكل خاص الأخطاء الطبية غير المقصودة التي قد تقع منهم أثناء ممارستهم المهنة، لذلك فهم يخضعون للقواعد العامة للمسؤولية الجزائية الخاصة بجرائم الإيذاء والقتل غير المقصود".
يعرّف الخطأ الجزائي، غير المقصود، بأنه تقصير في مسلك الإنسان، لا يقع فيه شخص متوسط الذكاء يمر بالظروف نفسها، أو بعبارة أخرى هو إخلال بواجب الحيطة التي يفرضها القانون. وللخطأ ثلاث صور في القانون الجزائي هي الإهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والأنظمة.
أما حقوقيا، فإن الأخطاء الطبية تدخل في باب انتهاك "الحق في الحياة"، الذي يكتسب أولوية متقدمة في مواثيق حقوق الإنسان، كما أنها تنتهك الحق في الصحة.
ويعتبر دستور منظمة الصحة العالمية ان "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية".
ويتفق دستور المنظمة مع المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تعتبر الحق في الحصول على رعاية صحية وطبية مناسبة " واحدا من الحقوق الأساسية للإنسان"، وهو أيضا ما نص عليه الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تبنته جامعة الدول العربية في العام 2004.
ويشير الميثاق إلى أن "لكل مريض الحق في تقديم شكوى للجهات المختصة الإدارية والنقابية والقضائية فيما يتعلق بالعناية الصحية المقدمة له، والحصول على إرشادات خاصة بطرق تقديم الشكاوى، والحصول على متابعة جدية من مختلف الجهات المعنية للشكوى المقدمة منه وتلقي جواب خطي خلال فترة زمنية معقولة، والحصول على تعويضات عادلة عن الأضرار التي أصابته دون وجه حق، وخلافاً للقانون سواء تعلق الأمر به شخصياً أو نشأ عن عجز أو وفاة أحد أفراد أسرته".
أعدّ لبرنامج الاعلام و حقوق الانسان
مركز حماية و حرية الصحفيين