ما المواقع الثقافية الإيرانية التي هدد ترامب باستهدافها، ولماذا حدد 52 هدفاً؟
جو 24 :
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدير السياسة الخارجية الأمريكية واضعاً نصب عينه هدفاً واحداً لا يبدو أنه يحيد عنه وهو الفوز بفترة ثانية في البيت الأبيض، وفي هذا السياق جاء قراره بقتل قاسم سليماني، لكن لماذا حدد 52 هدفاً إيرانياً بالتحديد كرد انتقامي إذا ما انتقمت إيران لمقتل قائد فيلق القدس؟ وما المواقع الثقافية التي هدد باستهدافها؟
ماذا قال ترامب بالتحديد؟
مساء أمس الأحد 5 يناير/كانون الثاني، توعد ترامب مجدداً بضرب مواقع ثقافية في إيران، ما أثار مرة أخرى الجدل حول تغريدة سابقة توعد فيها باستهداف 52 موقعاً في إيران إذا ردّت الجمهورية الإسلامية عسكرياً على قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الجمعة الماضية في ضربة أمريكية في بغداد.
كيف برر استهداف مواقع ثقافية؟
أثارت تغريدة ترامب، الجمعة 3 يناير/كانون الثاني، موجة من التنديد داخلياً وخارجياً بسبب تهديداته باستهداف مواقع ثقافية، وقضى وزير خارجيته مايك بومبيو صبيحة أمس الأحد محاولاً التأكيد أن الولايات المتحدة ستحترم القانون الدولي في حال وجهت ضربات إلى إيران، بعد اتهامات بأن ترامب يحضر لارتكاب «جريمة حرب».
لكن الرئيس الأمريكي لم يتراجع عن تهديداته بل جددها في المساء، وقال لصحافيين يرافقونه في الطائرة الرئاسية: «نسمح لهم بقتل مواطنينا. نسمح لهم بتعذيب وتشويه مواطنينا. نسمح لهم باستخدام قنابل لتفجير مواطنينا. ولا يحق لنا المسّ بمواقعهم الثقافية؟ الأمور لا تسير بهذا الشكل».
بومبيو ظهر في معظم البرامج الصباحية على كبرى الشبكات التلفزيونية الأمريكية ليؤكد أن واشنطن ستحترم «إطار القانون»، متفادياً في الوقت نفسه معارضة الرئيس بشكل صريح، وقال متحدثاً لشبكة سي إن إن: «على الأمريكيين أن يعرفوا أننا سنحميهم على الدوام، وسنفعل ذلك باحترام القانون الدولي والدستوري الأمريكي»، كما قال لشبكة إيه بي سي إن: «أي هدف قد نضربه سيكون هدفاً قانونياً».
ما تلك المواقع الثقافية؟
مدينة يزد الإيرانية ضمن تراث العالم بحسب اليونسكو
عندما يغرد الرئيس الأمريكي بمثل هذا الكلام، من الطبيعي أن نتساءل عن تلك المواقع التي يشير إليها، فنجد أن إيران تضم مواقع تاريخية مصنفة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي، بينها مدينة بم وبازار تبريز، ضمن نحو 20 موقعاً ينطبق عليها ذلك الوصف.
هل استهداف مواقع ثقافية أو تراثية قانوني؟
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال إن استهداف مواقع ثقافية سيشكل «جريمة حرب»، وقال نيكولاس بيرنز السفير الأمريكي السابق لدى الحلف الأطلسي في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش إن تهديد ترامب «لا أخلاقي ومعارض للقيم الأمريكية».
ما مدى جدية هكذا تصريح لترامب؟
الواقع أن قراءة تصريحات ترامب تؤكد أنها موجهة للداخل الأمريكي والناخبين أكثر ما هي موجهة لإيران نفسها، وهذا ما عبر عنه كولين كال، المستشار السابق في المسائل الأمنية لنائب الرئيس الديمقراطي جو بايدن بقوله: «يبدو لي من الصعب أن أصدق أن البنتاغون حدد لترامب أهدافاً تتضمن مواقع ثقافية إيرانية».
وتابع: «قد لا يكون ترامب يكترث لقوانين الحرب، لكن المسؤولين والمحامين (في وزارة الدفاع) يكترثون.. والواقع أن استهداف مواقع ثقافية يشكل جريمة حرب»، بحسب فرانس برس.
لماذا 52 هدفاً بالتحديد؟
الصورة ربما تكتمل أيضاً بالتوقف عند تفسير ترامب نفسه لسبب اختياره الرقم 52 تحديداً من الأهداف عند توجيه تهديداته لإيران، حيث أوضح أن المواقع الـ52 تمثل عدد الأمريكيين الذين احتجزوا رهائن في السفارة الأمريكية في طهران لأكثر من سنة أواخر عام 1979، محذراً بأن بعض هذه المواقع «على مستوى عال جداً وبالغة الأهمية بالنسبة إلى إيران والثقافة الإيرانية».
محاصرة السفارة الأمريكية في العراق
ترامب هنا يذكر الأمريكيين بالمأساة الأبرز في تاريخ علاقتهم مع إيران والمعروفة بأزمة الرهائن، حينما تم اقتحام السفارة الأمريكية من جانب أتباع آية الله الخميني وقت اندلاع الثورة في إيران واحتجاز 52 أمريكياً رهائن لمدة 444 يوماً، حاولت خلالها الإدارة الأمريكية تحريرهم بالقوة مرتين وفشلت، وسببت تلك الأزمة جرحاً نافذاً في كبرياء واشنطن دولياً، كما شكلت العداوة بين إيران والولايات المتحدة حتى اليوم.
وعلى الرغم من عدم وجود أوجه للمقارنة من الأساس بين ما حدث قبل 40 عاماً وما حدث أمام السفارة الأمريكية في بغداد الثلاثاء 31 ديسمبر/كانون الأول من محاصرة ميليشيات عراقية مدعومة من إيران للسفارة والهجوم عليها دون اقتحامها، من الواضح أن قرار ترامب بقتل قاسم سليماني بعد ذلك بيومين جعل البلدين عملياً في حالة حرب وهذا ما لا يريده ترامب.
في هذا السياق يمكن تفسير اختيار الرقم «52»، فهو يسعى لتحضير الرأي العام الداخلي لحالة الحرب مع إيران ويبررها بأنها تهدف لحماية الأمريكيين ومصالحهم من عدو يتربص بهم منذ 40 عاماً، وفي الوقت نفسه يرسل تهديدات مبالغ فيها لإيران كي لا تقدم على التصعيد، فإذا ما وصلت الرسالة لطهران ولم تنتقم لمقتل سليماني بضربات تستهدف قواعد أو مصالح أمريكية بشكل مباشر يكون ترامب قد حقق انتصاراً كاسحاً على المستوى الداخلي ويضمن الفوز في الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.عربي بوست