قابوس بن سعيد.. رحل وهو صديق الجميع
جو 24 :
عن ثمانين عاما رحل قابوس بن سعيد سلطان عُمان، الدولة الهادئة في محيط لم يخل يوما من الأزمات.
سلطان عمان السابق، وثامن سلاطين آل سعيد، ورئيس مجلس الوزراء والقائد الأعلى للقوات المسلحة، قاد بلاده في مرحلة اضطرابات، فأوقف ثورة ظفار وعمل على تحديث السلطنة، وضع كل السلطات في يده وحظر تشكيل الأحزاب، انتهج الحياد في السياسة الخارجية، وسعى للصداقة مع الجميع.
ولد السلطان قابوس في 18 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1940 في صلالة في الجنوب، وهو الابن الوحيد لوالده سعيد بن تيمور.
تابع تعليمه المدرسي في صلالة، إلى أن التحق بأكاديمية "ساندهيرست" العسكرية الملكية في بريطانيا وهو في العشرين من عمره.
تخرّج فيها بعد عامين برتبة ملازم، ودرس لمدة عام في مجال نظم الحكم المحلي، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة، ثم خدم في ألمانيا ضمن فرقة عسكرية بريطانية لمدة عام.
لدى عودته إلى بلاده سنة 1964، اصطدم السلطان بسياسة متشددة كان يعتمدها والده الرافض لأي تحديث، إلى أن تولى الحكم في 23 يوليو/تموز 1970، ليطلق مرحلة من التحديث بدأت بتصدير النفط.
وأعلن قابوس نفسه "سلطان عمان" بعدما كان لقب الحاكم "سلطان مسقط وعمان"، وأصبح الحاكم الثامن في سلالة آل سعيد منذ أن تولت الحكم في 1749، فقام فورا بتغيير العلم والعملة.
واستدعى السلطان الدبلوماسيين المحليين القلائل والعمانيين الذين كانوا يقيمون في المنفى للعودة والمساهمة في اختيار حكومة يرتكز عملها على تطوير البلاد التي كانت تفتقد للطرق والمدارس والمستشفيات.
ثورات عديدة
تزامنت عودته مع إخماد "ثورة الجبل الأخضر" (1955-1964) ونفي زعيمها الإمام غالب الهنائي إلى السعودية.
ولم يكد ينهي عامه الأول في بلاده حتى اندلعت ثورة ظفار (1965-1975) التي تشكل ثاني ثورة على والده سعيد الذي وصل إلى السلطة عام 1932.
كان من أصغر الزعماء العرب سنا، لكنه كان ذا ثقافة عالية، وسعى منذ توليه الحكم إلى تعميق علاقات السلطنة بالدول العربية والأجنبية، وأنهى عزلتها، واستخدم عائداتها النفطية لتحديثها.
تولى الحكم في أوج ثورة ظفار وكان التحدي الأول الذي واجهه هو إنهاء الثورة، وتطلب منه ذلك حوالي خمس سنوات من حكمه، وبعد أن أنهاها ووحد سلطنة عمان بدأ مواجهة التحدي الثاني المتمثل في تحديث البلاد.
انتهج خلال توليه الحكم نوعا من الحياد في القضايا الإقليمية والدولية، لكنه احتفظ بعلاقات صداقة مع الدول العربية ودول العالم عامة، وربط علاقات عسكرية وسياسية قوية بواشنطن.
مارس صلاحيات مطلقة في الحكم، فحظر إنشاء الأحزاب السياسية، وتولى تعيين الحكومة بنفسه، ولكنه أنشأ مجلس شورى منتخبا يتألف من 84 عضوا.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الهدوء واجهت قابوس موجة احتجاجات تزامنت مع الثورات الشعبية التي عرفت بالربيع العربي مطلع العام 2011، حيث تحرك مئات العمانيين في العاصمة مسقط مطالبين بتحسين الدخل ولجم ارتفاع الأسعار.
وفي 18 فبراير/شباط 2011 نظمت مجموعة من المدونين العمانيين مسيرة سلمية ثانية شارك فيها بعض النساء، كما شهدت ولاية صحار شمال العاصمة مظاهرات تحولت إلى أحداث عنف سقط فيها قتيل، حسب الرواية الرسمية.
وفي رد فعله إزاء هذه التطورات، قرر قابوس إيفاد وزير الديوان لولاية صحار للقاء مجموعة من المحتجين والاستماع إلى مطالبهم، كما أصدر قرارا بتوفير خمسين ألف فرصة عمل للمواطنين فعادت عُمان إلى هدوئها.
سياسة هادئة
لعبت سلطنة عمان في عهد السلطان قابوس دور المحايد بشكل دفعها لقيادة وساطة بين القوى الغربية وطهران حليف مسقط، واستضافت مشاورات إيرانية- أميركية، إضافة إلى دورها في ملف الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية عقب استقبال قابوس رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في مسقط نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، في ثاني زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مسقط، منذ أن زارها عام 1994 إسحاق رابين.
كما كان السلطان قابوس بن سعيد من مؤسسي مجلس التعاون الخليجي عام 1981، ولعبت بلاده دور الحياد في ملف الأزمة الخليجية التي اندلعت صيف 2017.
وتقول تقارير إن السلطنة في عهد قابوس كانت قوة ناعمة خليجية حيث تركز على شؤونها الداخلية، ولم يسجل تاريخها حالة واحدة لمحاولات عمان التدخل في شؤون الدول الأخرى أو دول الجوار، حيث ترتبط بحدود مشتركة مع كل من اليمن والسعودية والإمارات.
الجوائز
حصل السلطان قابوس على عدد من الجوائز أبرزها السلام الدولية، وسام الملك عبد العزيز آل سعود عام 1971، استحقاق الجمهورية الإيطالية عام 1974، قلادة النيل العظمى المصرية عام 1976، وسام جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي عام 2004، وسام أسد هولندا عام 2012، وسام الاستقلال القطري.
المرض
سافر السلطان قابوس بن سعيد صيف عام 2014 إلى ألمانيا في رحلة علاج، وأكد البلاط السلطاني في سلطنة عمان في بيان له يوم 18 أغسطس/آب 2014، أن السلطان يجري فحوصات طبية في مدينة ميونيخ.
ووجه السلطان قابوس في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2014 من العام نفسه كلمة إلى الشعب العماني، أكد فيها أن صحته تتحسن بعد أسابيع من العلاج، وفي 23 مارس/آذار 2015 عاد إلى مسقط بعد ثمانية أشهر من العلاج.
وأعلن الديوان مغادرته للبلاد في 7 ديسمبر/كانون الأول 2019، ضمن رحلة علاجية وفحوصات طبية في بلجيكا، قبل أن يعلن عودة في 13 ديسمبر/كانون الأول، أي بعد نحو أسبوع، ومعها تجددت مخاوف بشأن صحته.
رحيل وحداد
أعلن الديوان السلطاني، وفاة السلطان قابوس بن سعيد، فجر السبت 11 يناير/كانون الثاني الجاري، مشيرا إلى إعلان الحداد وتعطيل العمل الرسمي للقطاعين العام والخاص لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام أربعين يوما.
المصدر : الجزيرة + وكالات