2024-09-30 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

غربة القصيدة.. هل ولى زمن الشعر في المشهد الغنائي؟

غربة القصيدة.. هل ولى زمن الشعر في المشهد الغنائي؟
جو 24 :

يتساءل كثيرون من عشاق الطرب في العالم العربي: هل ولى زمن القصيدة في المشهد الغنائي أمام تهاطل صيحات الإيقاع السريع وسيطرة العامية بألوانها المغربية والمصرية والخليجية والشامية؟ وتأتي الإجابات قليلة ومعزولة لكنها قوية وممانعة تجسدها تجارب جادة تحمل شعلة الشعر الفصيح.

في منظومة تجارية للصناعة الفنية تملي اشتراطات تخص زمن الأغنية ولغتها وإيقاعها، يضيق المجال بالقصيدة التي تتميز ببنيانها الخاص وغنائيتها الكلاسيكية، وهي التي كانت تحوز نصيبا وافرا في حركية الإنتاج الغنائي في القرن الماضي وحتىالعقود الأخيرة منه.

كان الفنانون الرواد في العصر الكلاسيكي محاطين بنخبة من الشعراء المعاصرين، ومنفتحين على متون الشعر العربي قديمه وحديثه، وينشطون في مناخ إعلامي منحاز للقصيدة بعنفوانها اللغوي والإيقاعي، ويتفاعلون مع جمهور مقبل على تذوق المطولات الشعرية تنساب عبر أصوات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وفيروز ووديع الصافي ومحمد عبده ونجاة الصغيرة وغيرهم.

بدخول عصر الفيديو كليب وتحول الأغنية إلى كبسولة سريعة الاستهلاك، بدا أن القصيدة ضيف ثقيل في سوق الإنتاج الفني والتداول الإعلامي، خصوصا على الفضائيات والإذاعات المتخصصة التي توافقت على تصور وجود جيل جديد من الذوق الغنائي العربي لا يقبل المطولات ولا يتفاعل مع النص الفصيح.

في محيط ضاغط، وبهوامش محدودة، تواصل طاقات فنية الانتساب إلى أفق القصيدة بما تقتضيه من اختيارات جمالية تشمل اختيارات النصوص والأساليب الموسيقية وكذلك ضوابط العرض والتفاعل مع الجمهور.

لا تتطلع هذه الأسماء إلى اعتلاء صدارة المشاهدة الإلكترونية ولا تصدر الصفحات الفنية والمنافسة على حشد عشرات الآلاف في السهرات المفتوحة، لكن هاجسهم ركوب طريق الإبداع الصعب والرهان على وضع بصمات لا يذروها الزمن، بل تدخل حافظة التاريخ.

المشهد ليس سوداويا بإطلاق، والفنانة التونسية عبير النصراوي في موقع مناسب لتوقد شعلة الأمل، على اعتبار أنها تجمع بين الغناء بألوانه الأصيلة وتقدم برنامجا موسيقيا على إذاعة "مونتي كارلو" الفرنسية.

تقول النصراوي "أستقبل شبابا يعودون إلى القصيدة من منافذ شتى بما فيها الشعر الصوفي، لكن يقدمونها بأساليب جديدة، وأحيانا في ثوب إلكتروني حديث قد لا تستسيغه الأذن المتعودة على القوالب الطربية".

وتضيف عبير النصراوي أن الجمهور يحافظ على استماعه للقصيدة بأذن الحنين، لكن إنتاج هذا اللون بنفس الصيغة الكلاسيكية صعب في ظل نسق الحياة المعاصر، خصوصا في العواصم الكبرى، حيث الناس لا يستطيعون التفرغ نصف ساعة لحصة استماع طربية، ويميلون إلى المعاني البسيطة والقوالب الخفيفة.

ثمة تغير جذري في الذوق العام، ومن وجهة نظر عبير فإن "اللغة العربية تسقط من التداول، إنها مرتبطة بالدراسة والمعرفة لكنها ميتة في السوق الإعلامية التي فتحت الباب على مصراعيه أمام دخول كلام الشارع الذي اقتحم حتى النشرات الإخبارية في بعض المحطات الإذاعية، كما لو أن هناك نية لقتل العربية الفصحى".

تشدد عبير على أن القصيدة ليست مرادفة حتما للفصحى، لأن المهم عندها هو الشاعرية التي توجد في العامية أيضا، "لقد بدأت بالقصيدة لكن كنت حريصة على الغناء بلهجتي التونسية، بل لهجتي البدوية الأصلية في منطقة القصرين"، فاللهجة العامية -بحسب رأيها- أقرب إلى الناس، لكنها فقدت شاعريتها اليوم، على حد تعبيرها.

فنانو القصائد
لم يحن بعد الوقت لإعلان وفاة القصيدة المغناة، ولعل النجاح الذي لقيته تجارب كاظم الساهر منذ تسعينيات القرن الماضي مع هذا اللون الفصيح، في اشتغاله على شعر نزار قباني، يؤكد أن المجال ما زال متاحا للمحاولة.

في لبنان تبرز عبير نعمة بأعمالها التي تنبض شعرا عربيا، على غرار مشروعها الذي ينهل من تراث المتنبي، كما يواصل الفنان السعودي عبد الرحمن محمد المغامرة في الشعر التراثي اعتمادا على إنتاجات مستقلة تراهن على التفاعل مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على غرار النجاح الذي حققته قطعة "أصابك عشق".

وفي سوريا، تميزت فايا يونان بشراكتها مع الشاعر مهدي منصور عبر قطع من قبيل "يا قاتلي" و"غنِّ" و"حب الأقوياء"، بالإضافة إلى عودتها إلى نفائس القصيدة العربية القديمة من خلال أبي فراس الحمداني.

على ذات المنوال، تحمل الفنانة المغربية صباح زيداني همّ القصيدة بتجارب متنوعة جسّدها ألبوم "كن لي قليلا" بكلمات للشاعر المغربي بوجمعة العوفي، وهي تعتزم تطوير المشروع إلى عمل ممنهج على الشعر المغربي الحديث من خلال شراكة مع مؤسسة "بيت الشعر في المغرب"، تتأسس على اختيار تجارب شعرية تمتطي صهوة الغناء.

تبدو هذه الفنانة واعية بأن غناء القصيدة لا يعني تجاهل خصوصيات زمن التلقي وتحولات الذوق، إذ إن الانفتاح على القوالب الموسيقية الحديثة يمنح الشعر عمرا جديدا.

المصدر : الجزيرة

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير