خبر وفاته حصل على 1.5 مليار مشاهدة.. قصة البطل الذي أنذر الصين من كورونا مقابل حياته
جو 24 :
طبيب عيون صيني ولكن عمله امتد إلى مجابهة الفيروسات، وكان أول المحذرين من انتشار فيروس كورونا الجديد، لكن بدل أن يُشكر ويُكرّم على ذلك، تعرض لتأنيب من السلطات الصينية، واليوم الجمعة توفي متأثرا بالفيروس. فما قصته؟
تبدأ القصة مع بداية ظهور فيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان بالصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي، في سوق للأطعمة كان يبيع حيوانات برية بطريقة غير نظامية.
كان الطبيب لي ون ليانغ (34 عاما) الذي يعمل في مستشفى ووهان، أول من بلغ عن ظهور الفيروس في مدينة ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي أواخر ديسمبر/كانون الأول، وفقا لفرانس برس.
ووفقا لمدير مكتب الجزيرة في بكين ناصر عبد الحق، فإن الطبيب لي ون ليانغ أعلن في بداية يناير/كانون الثاني الماضي قائلا إنه اكتشف أن هناك سبع إصابات بفيروس يشابه فيروس سارس.
واعتقد لي في البداية أن المرض كان سلالة جديد من متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، وهو مرض نشأ في الصين وأودى بحياة نحو ثمانمئة إنسان في أنحاء العالم في عامي 2002 و2003.
مواقع التواصل
أبلغ لي مجموعة من الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية وعبر منصة الرسائل "وي تشات" أنه تم التأكد من وجود صلة بين سبع حالات من متلازمة "سارس" وبين سوق للأطعمة البحرية في ووهان، يعتقد أنه مصدر الفيروس.
ونشر لي صورة لنتائج تحليل تؤكد وجود فيروس كورونا -الذي يشبه سارس- في عينة أحد المرضى، طبقا لما ظهر في لقطة شاشة للمحادثات التي جرت عبر منصة "وي تشات" واطلعت عليها رويترز وتحققت منها.
أرسل لي رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذر فيها من فيروس كورونا الجديد، مما أثار غضب الشرطة.
في 3 يناير/كانون الثاني، أُجبر لي على توقيع خطاب قال فيه إنه ألحق "أضرارا كبيرة بالنظام العام"، وجرى تهديده بتوجيه اتهامات له.
كان لي واحدا من ثمانية أشخاص تعرضوا لترهيب من الشرطة في مدينة ووهان الشهر الماضي، بعد اتهامهم بنشر معلومات "كاذبة وغير قانونية" بشأن فيروس شبيه بالإنفلونزا.
لاحقا أبلغ لي وسائل الإعلام الحكومية أنه تعرض للتأنيب من إدارة المستشفيات والمسؤولين في الحزب الشيوعي، بعد أن نبّه زملاءه إلى مجموعة من الأعراض المرَضية المرتبطة بسوق للحيوانات في مدينة ووهان.
المحكمة العليا
في يناير/كانون الثاني، انتقدت المحكمة العليا الصينية شرطة ووهان لمعاقبتها أول "المروجين للشائعات"، معتبرة أن الأزمة ما كانت لتصبح بهذا السوء "لو صدق الناس تلك (الشائعات) في ذلك الحين".
في الأول من فبراير/شباط، قال لي على موقع ويبو إن نتائج التحاليل التي أجريت له أكدت إصابته بفيروس كورونا، ويُعتقد أنه أصيب في يناير/كانون الثاني الماضي بعد علاجه مريضا بالغلوكوما دون معرفته أنه كان يحمل فيروس كورونا.
بعد منتصف ليل الجمعة، قال مستشفى ووهان المركزي -حيث عمل لي- إنه في حالة حرجة، وبعد ذلك بحوالي ثلاث ساعات، أكد وفاته، وقال "لم تنجح الجهود الشاملة لإنقاذه، نحن نأسف بشدة ونشعر بالحزن على الخسارة".
وأعلن المستشفى أن لي توفي الساعة 02:58 من ليلة الجمعة بالتوقيت المحلي (الساعة 18:58 من مساء الخميس بتوقيت غرينتش).
وكان لافتا أن وسائل إعلام رسمية -مثل تلفزيون "سي سي تي في" الوطني وصحيفة "غلوبال تايمز"- قد أعلنت عن وفاة لي مساء الخميس، قبل أن تسحب الخبر.
ودون انتظار تأكيد بأن الطبيب فارق الحياة، أعربت منظمة الصحة العالمية من جهتها عن حزنها.
وكتبت صحيفة الشعب اليومية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم على تويتر "ننعى وفاة لي ون ليانغ، طبيب ووهان.. رغم كل الجهود لإنقاذه توفي في الساعة 02:58".
بطل وطني
بعد وفاة لي أعلنت هيئة تفتيش صينية الجمعة فتح تحقيق، وذكرت في بيان أن فريق التحقيق سيتوجه إلى ووهان "لإجراء تحقيق شامل في المسائل المتعلقة بالطبيب لي ون ليانغ والتي أثارها الناس".
وقال مدير مكتب الجزيرة في بكين ناصر عبد الحق إن إعلان السلطات الصينية إجراء تحقيق ربما جاء منها لاحتواء ما يمكن إطلاق عليه اسم "ثورة" على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار خبر وفاة الطبيب.
وأضاف عبد الحق أن خبر وفاة الطبيب على موقع ويبو الصيني -الذي هو بموازاة تويتر- حصل نحو مليار ونصف مشاهدة.
وشرح مدير مكتب الجزيرة في بكين أن إعلان السلطات الصينية إجراء تحقيق في هذا الموضوع، ربما جاء لامتصاص غضب العامة ومرتادي الإنترنت الذين بدؤوا اتهامها بعدم الاهتمام بما أعلن عنه الطبيب منذ بداية ديسمبر/كانون الأول، حينما لم تعره الحكومة اهتماما.
وبات الطبيب لي بمثابة بطل وطني في مواجهة المسؤولين المحليين المتهمين بمحاولة التكتم على المرض عند بداية انتشاره، وكتب أحد زملائه على موقع ويبو "إنه البطل الذي أنذر من المرض مقابل حياته".
وقال أحد مستخدمي ويبو بدوره "فليهلك كل المسؤولين الذين يملؤون بطنوهم بالمال العام"، في تعليق حذف مباشرة بعد ذلك من الرقابة.
وتسببت وفاة لي في انطلاق موجة من الدعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح الطبيب رمزا وطنيا لمحاولات الناس الحصول على إجابات بشأن الاستجابة الأولية للسلطات حول انتشار فيروس كورونا.
كما سادت حالة من الحزن والغضب مواقع التواصل، ووصف الكثير من مستخدميها لي بالبطل، واتهموا السلطات بالإهمال خلال المراحل المبكرة من التفشي.
فوضى
ويرى البعض أن وفاة لي تشكل انعكاسا لحالة الفوضى التي تعمّ مستشفيات ووهان مع تدفق المرضى إليها، وأقر مسؤول رفيع الخميس بأن الطواقم الطبية لم تعد كافية، وأنها تفتقر لمعدات وقاية من الفيروس.
وتعرضت حكومة ووهان لانتقادات لما اعتبره كثيرون فشلا في الكشف المبكر عن شدة المرض الجديد، مما أدى إلى مزيد من الإصابات بين الطواقم الطبية والعامة، ولم تكشف بكين أي بيانات بشأن عدد العاملين في القطاع الطبي الذين أصيبوا بالفيروس الجديد.
وقالت لجنة الصحة الوطنية في الصين إن عدد وفيات الفيروس في برّ الصين الرئيسي ارتفع إلى 636 شخصا اليوم الجمعة، حيث توفيت 73 حالة جديدة إضافة إلى 3143 إصابة جديدة مؤكدة، مما يرفع عدد الإصابات الإجمالي إلى 31,161 شخصا.
وانتشر الفيروس في أنحاء العالم، وأظهرت حسابات رويترز التي استندت إلى بيانات رسمية أن هناك 320 إصابة في 27 دولة ومنطقة خارج بر الصين الرئيسي.
استبداد
من جهته، قال الكاتب تشن قوانغ تشنغوفي تقريره الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن الحزب الشيوعي الصيني أثبت مرة أخرى أن الاستبداد أمر خطير، ليس فقط على حقوق الإنسان وإنما أيضا على الصحة العامة.
وتحدث عن المواطنين الشجعان في ووهان الذين ينقلون معلومات مباشرة عن وباء كورونا لأبناء وطنهم والعالم الخارجي، إنهم يفعلون ذلك ويعرضون أنفسهم لخطر كبير، ويعلمون أنهم سيواجهون أعمالا انتقامية محتملة لعملهم البطولي المتمثل في مجرد كشف الحقيقة.
ويضيف أن مقاطع الفيديو التي التقطها السكان المحليون الشجعان خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، خاصة من قِبل الصحفيين المواطنين فانغ بينغ وتشن تشوتشي، تكشف الحقائق.
وأظهرت مقاطع الفيديو جثثا ملقاة في الشارع أو منقولة خارج المنازل، وشاحنة تحمل ثمانية أكياس جثث تنتظر نقل الموتى من المستشفى إلى المحرقة، وصفوفا من الناس المتسللين عبر أجنحة المستشفى في انتظار الاختبار والتسجيل، حيث يتسبب كل سعال وسط الحشد بتراجع الناس لا إراديا، يجلس عشرات آخرون في غرفة انتظار، مثبتين أيديهم بأكياس محلول وريدي متدلية بشكل خاطئ من السقف وكأنها قنديل بحر عائمة في حوض سمك.
وأضاف الكاتب أنك ستسمع في المقاطع نحيب الناس على والديهم وأحبائهم الذين يحتضرون أثناء استلقائهم هامدين على الأسِرّة، وسترى الناس متكئين على الجدران أو مستلقين في الأروقة، وسترى الأموات ممدين على النقالات إلى جانبهم ومغطين بألحفة مزهرة أحضرت من المنزل.
يرتدي جميع العاملين في مجال الرعاية الصحية بدلات واقية، بينما ينتقل الناس العاديون من المستشفيات وإليها لا تحميهم سوى أقنعة وجه ورقية، حيث يختبئ جميعهم وراء هويات مخفية. يسود الصمت الغريب، كما لو أن الكلام نفسه سينشر المرض أكثر.
ويزعم الكاتب أن مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني يحرصون على منع الذين مرضوا من مغادرة منازلهم بإبقاء أبوابهم موصدة، وترفض المستشفيات والعيادات معالجة الناس لأنهم لا يستطيعون الدفع (على الرغم من الوعود الرسمية للرعاية المجانية)، ليعودوا بذلك إلى منازلهم للعناية بأنفسهم وعائلاتهم أو للاستسلام للمرض بمفردهم.
ودون التشخيصات المعتمدة، لن تحتسب هذه الوفيات في إحصائيات الحزب الشيوعي الصيني الرسمية حول المرض الجديد.
سجن
ويلفت الكاتب إلى قرار الحزب الشيوعي الصيني بشأن بناء مستشفى جديد يهدف إلى مكافحة الفيروس خلال عشرة أيام الذي أثار ضجة هائلة، حيث وعدت السلطات بتوفير ألف سرير جديد بعد تفشي العدوى وإصابة أكثر من عشرين ألف شخص.
لكن البعض شبه المبنى بالسجن، حيث لا تفتح الأبواب فيه إلا من الخارج، وهي تحتوي فتحات صغيرة جدا، أما النوافذ فعليها قضبان حديدية.
من جهته، قال الكاتب جيمس بالمير في تقريره الذي نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، "ووهان تنعى أول شهيد للفيروس.. وفاة الطبيب الذي نبّه لخطر كورونا، والسؤال الآن هو عما إذا كانت بكين ستحتفل بتضحيته أو تدفن قصته".
وقال الكاتب إن الطبيب لي ون ليانغ حاول دق ناقوس الخطر منذ ديسمبر/كانون الأول، وقد كان من الأطباء الثمانية الذين نشروا تقارير عن الفيروس عبر الإنترنت، خوفا من أن يتفشى المرض وينتقل من إنسان لآخر.
لكن الحكومة المحلية ردت عن طريق إرسال الشرطة لتهديده وإرغامه على توقيع بيان، يقول فيه إنه لن يثير المزيد من المتاعب. وقد جاء في البيان المكتوب: "نحن نحذركم رسميا: إذا واصلتم العناد، بمثل هذه الوقاحة، وواصلتم في هذا النشاط غير القانوني، فسوف تسلمون إلى العدالة، فهل هذا مفهوم؟".
توفي لي في الوقت الراهن، حيث أعلنت العديد من المصادر عن وفاته، على غرار مجموعة كايكسين التي تحظى باحترام كبير، وصحيفة غلوبال تايمز المملوكة للحزب الشيوعي. ولكن مع انتشار الأنباء عن وفاته مثل النار في الهشيم على مواقع التواصل، حذِفت التقارير السابقة وجميع المواضيع المتعلقة به، والتي سجل أحدها خمسة ملايين تعليق، كما قيل إن لي قد "أنعِش" ولكنه بقي "في حالة حرجة".
ربما كان لي بالفعل يلفظ أنفاسه الأخيرة أو ربما تكون الحكومة خائفة من إمكانية أن يكون "شهيدا"، لكن في النهاية، أعلن ربُّ عمله أنه توفي في الساعة 2:58 من ليلة الجمعة.
ليس الأول
وذكر الكاتب أن لي ليس أول عامل طبي يموت بسبب الفيروس، وإنما كان ليانغ وودونغ البالغ من العمر 62 عاما، ولكنهما لن يكونا الأخيرين، فهناك تقديرات تشير إلى إصابة أكثر من خمسمئة عامل في مجال الرعاية الصحية بالفعل.
ويرى الكاتب أن التستر على الوباء المحتمل الذي حاول لي والآخرون كشفه، ساهم في قتله.
وأشار إلى أن لجنة المراقبة تسعى إلى التخلص بأسرع وقت ممكن من صورة لي على مواقع الإنترنت، إلى جانب البيان الذي أجبر على التوقيع عليه، ويضيف "واجهت الحكومة الصينية قرارا صعبا، فهل ستتبنى صورة رجل ساعدت القرارات الرسمية على قتله على أمل تحميل مسؤولية موته إلى فشل سلطات ووهان؟ أم أنها ستستمر في محو اسمه وصورته وقمع قصص شهيد محتمل آخر؟".
المصدر : وكالات,الجزيرة,واشنطن بوست,فورين بوليسي