jo24_banner
jo24_banner

من الصدمة للنجاح.. قصة أم لطفلة متلازمة داون تصبح أستاذة جامعية

من الصدمة للنجاح.. قصة أم لطفلة متلازمة داون تصبح أستاذة جامعية
جو 24 :
لم تكن الدكتورة نسيبة جلال تدرك عند إنجابها طفلتها البكر "غدير" عام 1990 أنها اللحظة التي ستغير مسار حياتها، فهي لم تنجب فتاة طبيعية كسائر الأطفال؛ بل كتب القدر أن تكون مصابة بمتلازمة داون.

فرغم كل ما مرت به من (مراحل الصدمة) في تقبل ابنتها غدير ابتداء من الصدمة، والغضب، والنكران، والاكتئاب، والتقبل، والمساومة، والتكيف؛ فإنها تقبلت طفلتها في غضون خمسة أشهر، وهو زمن قياسي بالنسبة للكثير من الأهالي، وتقول "أحبها فهي قطعة مني".

إنجاب غدير
نسيبة جلال قصة نجاح وتحد رغم ظروفها، فقد تزوجت في 17 من عمرها قبل إتمام دراسة الثانوية العامة، وأنجبت بعد سنة من زواجها ابنتها "غدير" التي استدعت حالتها البقاء فترة في المستشفى، حيث لم يبق على موعد امتحان الثانوية العامة إلا شهران فقط، ورغم ذلك أصرت على الدراسة وهي برفقة ابنتها في المستشفى، وكانت آنذاك حاملاً في طفلها الثاني.

تقول نسيبة "لا أنسى نظرات الطبيبة وهي تراني فتاة صغيرة وابنتي صغيرة في المشفى مصابة بمتلازمة داون، وبقي على الامتحانات شهران، قالت لي باستغراب: بدك تنجحي! والنتيجة نجاحي بالثانوية العامة وحصلت على معدل 82% وقد مر على ولادتي 7 أيام فقط!"
 
إكمال الدراسة الأكاديمية
حب نسيبة للعلم حرّك فكرة إكمال الدراسة الأكاديمية بعد سباتها ست سنوات. عندما شعرت بالملل من دون تحقيق إنجازات جديدة رغم وجود أطفالها الأربع، والحرص على إشرافها الشخصي على تربيتهم دون اللجوء لمربية، إضافة إلى عمل زوجها الذي يتطلب السفر الدائم.

عادت لإكمال المسار الأكاديمي، فاختارت دراسة تخصص التربية الخاصة لإفادة ابنتها "غدير" وفق أسس علمية، ولأهمية التخصص بمعرفة السلوك المضطرب للشخص العادي، وذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى طموحها إلى العمل في المجال النفسي مستقبلا.

تدرجت نسيبة في دراستها؛ بدءا من الالتحاق بالكلية (دبلوم متوسط)، ثم أكملت دراسة البكالوريوس، ثم دراسة الماجستير في التخصص نفسه، إلى أن حصلت على الدكتوراه عام 2012. ولم تخلُ تلك السنوات من التحديات في تنظيم الوقت وإنجاب الأطفال، حيث تقول نسيبة "في كل مرحلة أنظر للمرحلة التي تليها، وشجعني تفوقي الدائم؛ النجاح يولد نجاح".
 
غدير في العائلة
برعت غدير في امتلاك المهارات التي تمكنها من الاندماج في المجتمع؛ فهي تملك ثقة عالية في نفسها، واستعدادا قويا في تطوير مهاراتها.

وتوضح نسيبة أنه منذ أن كانت غدير صغيرة نالت تقبّل العائلة لها ومحبتهم واحترامهم، سواء عائلة والدها ووالدتها وكذلك اندماجها مع الجيران والأصدقاء، ومن جانب الأسرة لم تكن هناك أي تفرقة في التعامل مع أخوتها على جميع المستويات، ومرافقتهم في كل مشاويرهم دون خجل.

ومن منظور علمي تقول نسيبة "الدراسات تؤكد أن التربية الخاصة لا تنجح إلا إذا دُمج الفرد في المجتمع كي يمتلك مهارات السلوك التكيّفي، التي يحتاجها الأفراد الأصحاء أيضا".

وتضيف نسيبة جلال أنها لا تعاني مع غدير في الاستجابة للتعليمات، وتعوّدت على العادات السليمة من الاستيقاظ الباكر وترتيب الغرفة ومساعدتها في أعمال المنزل.
 

ووصلت إلى درجة التعلم الذاتي بتخصيص وقت لقراءة القرآن والرسم، كما تستطيع غدير استخدام الجوال بكفاءة عالية، وتصفّح البرامج التعليمية، وقد بدأت بتعلم اللغة التركية.

وهنا تؤكد الدكتورة نسيبة أهمية التدخل المبكر في العلاج السلوكي، والتعويد على العادات الصحيحة، فهناك بعض الحالات التي في الأصل بسيطة لكن عند عدم تقديم الدعم المناسب أو الدلال الزائد يؤدي؛ يؤثر ذلك سلبا في تطوير شخصية ذوي الاحتياجات الخاصة.

 
الزوج الداعم
"زوجي داعم لأقصى درجة، ويفرح لنجاحي الذي يعود لي ولأبنائنا"، هكذا تصف نسيبة وقوف زوجها إلى جانبها وتعاونه خلال فترة دراستها، وذلك بتنسيق أوقات عمله الحر بما يتناسب مع أوقات دوام الجامعة، ليقوم برعاية الأبناء ومساعدتها في أعمال المنزل، وتضيف "دعم الزوج عامل مهم لتستطيع المرأة الدراسة أو العمل".

أما زوجها استشاري تكنولوجيا المعلومات أحمد بيانوني فيرجع أسباب حرصه على إكمال زوجته دراستها إلى الاستجابة لطموحها ورغبتها، كما أن العلم يُعطي نضجا أوسعَ للإنسان، وهو سلاح للمرأة كما هو للرجل.

ويشير بيانوني إلى تشجيعه لزوجته نسيبة على دراسة التربية الخاصة، لما سيؤثر إيجابا في رعايتهما لابنتهما "غدير"، وفق المعلومات التخصصية التي ستساعد كل الأسرة.

ويؤكد زوجها أهمية توزيع المهام داخل البيت وخارجه والتعاون لأجل إنجاح الدراسة، كما لا يعتبر بيانوني أن هناك عقبات بل هي ظروف عادية، فيقول "ما دامت الرغبة مشتركة بين الطرفين وتوافقا عليها؛ ففكرة متابعة الدراسة ممكنة لأقصى درجة".
 
الأهل وبيئة الدراسة والعمل
تحيط حول نسيبة جلال مجموعة من الداعمين لنجاحها، فقد اعتادت منذ صغرها على أجواء العلم عندما كانت تصحب والدتها المُعيدة في جامعة أم القرى، وبعد زواجها نالت دعم أهل زوجها المثقفين بدرجة عالية، ومن ثم أساتذتها في الجامعة في جميع مراحلها الأكاديمية، الذين ما زالوا يتواصلون معها حتى الآن.

كما تشيد نسيبة جلال بدور أول تجربة عمل بعد تخرجها في دعم نجاحها، وذلك عندما بدأت التدريس الأكاديمي في كلية المجتمع الإسلامي في الأردن، وإشراكها في إلقاء المحاضرات والندوات والفعاليات على باقي طلاب الكلية.
 
برامج الدعم النفسي
"النجاح تتبعه نجاحات أخرى"، هكذا ترى الدكتورة نسيبة جلال إثر التجربة العملية الأولى في دعم وجودها بعد الاستقرار في إسطنبول، فبعد المرحلة الأولى التي اتسمت بالعمل التطوعي في مراكز الدعم النفسي، أسست قسم الدعم النفسي في أكاديمية العثمان، الذي تقدم فيه مجموعة برامج مرتبطة بالجانبين النفسي والتربوي، مثل برنامج تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وبرنامج الاستشارات النفسية التربوية للأهالي، وكذلك برنامج توعية للأهالي حول كيفية التعامل مع الأبناء وتطوير الذات.

وتشير جلال إلى أن عملها ليس محصورا فقط في الأكاديمية، بل تقدم مجموعة من الدورات والمحاضرات والمشاركة في المؤتمرات العلمية، وتقدم سلسلة إذاعية أسبوعية تربوية نفسية عبر أثير إذاعة "وطن"، بالإضافة إلى الاستضافات التلفزيونية.


العلم والصحة النفسية
"طريق النجاح يتحقق عند تطوير الذات وتخطي الصعاب وهذا لا يحصل إلا بالعلم، وهو بوابة للصحة النفسية التي تجعل المرأة قادرة على العمل واكتساب الأفكار الإيجابية والوعي"، هذه المعادلة آمنت بها الدكتورة نسيبة جلال، وكانت مفتاحا لنجاحها وفق كل الظروف التي استطاعت تخطيها.

المصدر : الجزيرة
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير